هل تؤدي إقالة عمران خان إلى تغيير في السياسة الخارجية الباكستانية، هل تصبح إسلام آباد أقرب لواشنطن التي يتهمها خان بالتآمر ضده، وهل يعني ذلك تراجع العلاقات الباكستانية الصينية التي ازدهرت في عهد خان؟
أصبحت هذه الأسئلة مطروحة بشدة بعد أن تمت إزاحة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان عن منصبه على إثر تصويتٍ بسحب الثقة أجراه البرلمان في الساعات الأولى من صباح الأحد 10 أبريل/نيسان، بعد ثلاث سنوات وسبعة أشهر قضاها خان في السلطة.
وانتخب البرلمان زعيم المعارضة شهباز شريف الحكومة الجديدة، بعد انعقاد البرلمان يوم الإثنين 11 أبريل/نيسان لاختيار رئيس الوزراء.
يزيد عدد سكان باكستان على 220 مليون نسمة، وتقع جغرافياً بين أفغانستان من الغرب والصين من الشمال الشرقي والهند من الشرق، وهو ما يجعل باكستان دولة ذات أهمية استراتيجية رئيسية في آسيا والعالم، ويجعل هناك العديد من الدول المعنية بأي تغيير في السياسة الخارجية الباكستانية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
منذ أن وصل عمران خان إلى السلطة في عام 2018، أصبح الخطاب السياسي الباكستاني أميل إلى معاداة أمريكا، فقد أفصح خان عن رغبته في علاقات أوثق مع الصين، وكان في زيارة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 24 فبراير/شباط، اليوم الذي بدأ فيه الغزو الروسي لأوكرانيا.
ولطالما حظي الجيش الباكستاني بنفوذ قوي في البلاد، وحاز السيطرة على السياسة الخارجية والدفاعية، إلا أن خطاب خان العام وما اتسم به من حدة كانت له تداعيات على السياسة الخارجية الباكستانية وعلى علاقة البلاد بقوى رئيسية ودول عديدة في العالم.
أفغانستان.. تأزم في العلاقات بين الاستخبارات الباكستانية وطالبان
اضطربت العلاقات بين وكالة الاستخبارات العسكرية الباكستانية وحركة طالبان الأفغانية في السنوات الأخيرة.
ويمكن القول إن قطر أصبحت أهم شريك خارجي للبلاد، بعد عودة طالبان الآن إلى السلطة وسط أزمة اقتصادية وإنسانية بسبب نقص الأموال والعزلة الدولية، وهي منزلة كانت تشغلها باكستان عادةً في السابق.
كانت التوترات احتدمت بين طالبان والجيش الباكستاني الذي فقد عدة جنود في هجمات بالقرب من حدودهما المشتركة، وتريد باكستان من طالبان أن تبذل مزيداً من الجهد في القضاء على المجموعات المتطرفة خشيةَ أن يمتد عنف هذه المجموعات إلى باكستان، وقد بدأ هذا يحدث بالفعل.
كان خان أقل انتقاداً لحركة طالبان بشأن حقوق الإنسان من معظم قادة الدول الأخرى.
الصين.. رغم إشادة خان بها، إلا أنها غير قلقة من رحيله
حرص خان على التنويه مراراً بدور الصين الإيجابي في باكستان وفي العالم بأسره.
اجتمع البلدان على رؤية لممرٍ اقتصادي صيني باكستاني تبلغ تكلفته 60 مليار دولار، ويربطهما معاً، وحظيت بداية المشروع بدعمٍ من حزبين راسخين في باكستان، ومن المرجح أن يتقاسم كلاهما السلطة في الحكومة الجديدة.
وقالت صحيفة غلوبال تايمز الحكومية الصينية إن "المحللين الصينيين والباكستانيين يعتبرون أن العلاقات الصينية الباكستانية القوية لن تتأثر بالتغيير السياسي الداخلي في باكستان، لأن حماية العلاقات الثنائية وتطويرها هو إجماع مشترك لجميع الأطراف وجميع المجموعات في باكستان".
وأضافت أن "خليفة خان يأتي من عائلة شريف التي عملت على تعزيز العلاقات بين الصين وباكستان لفترة طويلة، ويمكن أن يكون التعاون بين البلدين أفضل مما كان عليه في عهد خان"، مضيفة أن العلاقات الوثيقة بين البلدين كانت أفضل في ظل الأحزاب السياسية التقليدية.
وأبرم شهباز شريف صفقات مباشرة مع الصين بصفته رئيس وزراء إقليم البنجاب الشرقي، ويُتوقع أن تكون شهرته في إطلاق مشروعات البنية التحتية الكبرى من دون طنطنة سياسية وجلبة جماهيرية أمراً مستحسناً لدى الصين، حسب وصف الصحيفة البريطانية.
وتفيد تقارير بأن الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC) الذي تبلغ قيمته 60 مليار دولار أمريكي حقق تقدماً أفضل في ظل حكومة نواز شريف السابقة.
الهند.. الجيش الباكستاني يعرض التفاوض معها حول كشمير
خاض البلدان النوويان ثلاث حروب منذ الاستقلال في عام 1947، كانت اثنتان منها حول إقليم كشمير المتنازع عليه ذي الأغلبية المسلمة.
كانت التوترات على الحدود التي فرضتها الهند بحكم الأمر الواقع عند أدنى مستوى لها في عام 2021، بفضل وقف إطلاق النار، إلا أن البلدين لم يُجريا محادثات دبلوماسية رسمية منذ سنوات بسبب انعدام الثقة الشديد بينهما بشأن مجموعة من القضايا، وانتقادات خان اللاذعة لرئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، بشأن تعامله مع الهجمات على الأقلية المسلمة في الهند.
وفي هذا السياق، قال كاران باثار، خبير السياسة الهندي والمتخصص في العلاقات الهندية الباكستانية، إن الجيش الباكستاني قد يحمّل الحكومة الجديدة في إسلام آباد على تعزيز وقف إطلاق النار الناجح في كشمير.
وكان قائد الجيش الباكستاني، الجنرال قمر جاويد باجوا، قال مؤخراً إن بلاده مستعدة للمضي قدماً في المحادثات بشأن كشمير إذا وافقت الهند.
علاوة على ذلك، فإن عائلة شهباز شريف، الشقيق الأصغر لرئيس الوزراء السابق نواز شريف، لطالما تصدَّرت مبادرات التصالح مع الهند على مر السنين.
الولايات المتحدة.. مطمئنة طالما كان الجيش مسيطراً على السياسة الخارجية الباكستانية
قال خبراء في شؤون جنوب آسيا، يتخذون من الولايات المتحدة مقراً لهم، إن الأزمة السياسية في باكستان يُستبعد أن تكون أولوية للرئيس الأمريكي جو بايدن، المنهمك في شأن الحرب الجارية في أوكرانيا، ما لم تؤدّ الأزمة الباكستانية إلى اضطرابات واسعة النطاق أو احتدام التوترات مع الهند.
وأشار محللون إلى أن استمرار سيطرة الجيش الباكستاني على السياسات الخارجية والأمنية من وراء الكواليس جعل تغيير الحكومة أمراً لا يستدعي مخاوف كبيرة.
وقالت ليزا كورتيس، مستشارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لشؤون جنوب آسيا، إنه "لمَّا كان الجيش الباكستاني هو الذي يتخذ القرارات بشأن القضايا السياسية التي تهتم بها الولايات المتحدة حقاً، مثل أفغانستان والهند والأسلحة النووية، فإن الولايات المتحدة لا تشغلها كثيراً تطورات السياسة الداخلية الباكستانية".
إلا أنها أضافت أن زيارة خان إلى موسكو عشية غزو أوكرانيا كانت بمنزلة "الكارثة" على صعيد العلاقات مع الولايات المتحدة، وأن تولي حكومة جديدة في إسلام آباد قد يسهم بقدرٍ ما في إصلاح العلاقات.
قالت بعض الأصوات إن الجيش الباكستاني كان قلقاً من الموقف الدبلوماسي لعمران خان، والذي يعتقدون أنه أثر على حياد البلاد وجلب احتكاكات غير ضرورية مع القوى العظمى في العالم، حيث إن جيش البلاد يتعاون أيضاً مع الولايات المتحدة.
يمكن فهم دواعي قلق الجيش الباكستاني من تهديد أمريكا للهند بعواقب خطيرة وبعيدة الأمد إن هي بقت في تحالف مع روسيا، وتحديداً فيما يتعلق بصمتها على غزو روسيا لأوكرانيا، ومعروف حجم الصفقات العسكرية الهندية مع روسيا المقدرة بمليارات الدولارات، ويبدو أن المؤسسة العسكرية الباكستانية لم تجدد سبباً للاصطفاف مع روسيا، لاسيما وأن موسكو هي حليف تقليدي لنيودلهي غريم باكستان، وبالتالي ليس هناك فائدة تذكر لتعزيز العلاقة مع روسيا في هذا التوقيت تحديداً.
وفي هذا السياق، كانت تلك الصورة الملتقطة له مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين عشية غزوه أوكرانيا والتي كانت بمثابة صورة النهاية السياسية لعمران خان، بحسب البعض.
من الجدير بالذكر أن خان ألقى باللوم على الولايات المتحدة في الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد حالياً، واتهم واشنطن بأنها دبَّرت لإزاحته عن السلطة بسبب زيارته الأخيرة لموسكو، إلا أن واشنطن تنفي ذلك.