قوبِلَ قرار رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بحلِّ البرلمان لتفادي التصويت بحجب الثقة بـ"صدمةٍ وذهولٍ عالمي"، كما يقول الصحفي البريطاني بيتر أوبورن، كبير كتَّاب الأعمدة السياسية سابقاً بصحيفة Telegraph البريطانية، الذي غطى السياسة الباكستانية على مدار عقدين من الزمان، مشيراً إلى أن الصدمة الحقيقية من قرار خان ليست أن باكستان قد ضربتها أزمة سياسية، بل إن الأمر قد استغرق وقتاً طويلاً جداً، بحسب تعبيره.
وكانت المحكمة العليا قضت الخميس، 7 أبريل/نيسان 2022، بأن رئيس الوزراء الباكستاني "خالف الدستور"، حينما عرقل تصويتاً على الثقة كان مقرراً الأحد الماضي، 3 أبريل/نيسان، وحلّ البرلمان ودعا لإجراء انتخابات مبكرة. بينما أمرت المحكمة بانعقاد البرلمان مرة أخرى.
ويشهد اليوم السبت 9 أبريل/نيسان 2022، جلسة للبرلمان الباكستاني من أجل التصويت على الإطاحة برئيس الوزراء عمران خان، لكن قراراً مفاجئاً من قبل رئيس المجلس علّق الجلسة المزمعة، على أن تنعقد في وقت لاحق من اليوم ذاته.
وكان حلفاء خان عرقلوا التصويت على خلعه في جلسة الأحد الماضي، 3 أبريل/نيسان الجاري، وسط حالة من الغموض السياسي والاقتصادي في الدولة المسلحة نووياً.
لماذا يريد أعداء عمران خان إسقاطه؟
في مقالته بموقع Middle East Eye البريطاني، يسلط أوبورن الضوء على الأسباب التي تقف وراء رغبة أعداء عمران خان في إزاحته عن منصبه. مضيفاً أن قلة من قادة باكستان المنتخبين ديمقراطياً يبقون لفترة طويلة، وفي الواقع لم ينجُ أيٌّ من أسلاف خان طوال فترة رئاسته الكاملة منذ تأسيس الدولة قبل 75 عاماً.
لكن خان، في وجهة نظر أوبورن، ليس رئيس وزراء عادياً، ففي رأيه أنه أظهر شجاعةً استثنائية، وتحدَّى المصالح الخاصة. يقول أوبورن إن خان حاول اجتثاث الفساد، وصاغ سياسة خارجية جديدة ومستقلة، وكذلك عرَّضَ حكمه للخطر برفضه أن يكون بيدقاً في يد الولايات المتحدة. وفي المقام الأول، كسر خان قالب نظام الحزبين، الذي يصفه أوبورن بـ"النتن" و"الفاسد"، الذي هيمن على السياسة الديمقراطية في باكستان لعقود.
ويرى الصحفي البريطاني أن هذا يعني أن يتولَّد الكثير من الأعداء أمام خان؛ بعضهم في الداخل وآخرون في الخارج.
ولكن قبل تحليل المواجهة الحالية، يقول أوبورن إنه من المهم أن ندرك أن خان كان عرضةً للهجوم منذ أن قام الحزب الذي أسسه (حركة الإنصاف الباكستانية)، بتأمين السلطة في عام 2018. لم يفز الحزب بالأغلبية التي كان يتوق لها خان، ما يعني أنه منذ البداية كان ملزماً بتشكيل حكومة ائتلافية.
لكن، في الأشهر الأخيرة، انهار هذا التحالف غير المستقر، حيث استسلم المؤيدون غير الموثوقين لمناشدات الأعداء، بحسب ذكر أوبورن، ووفقاً لبعض التقارير، استسلموا أيضاً لعروض الرشوة أو التشجيع السري من جانب الدبلوماسيين الأمريكيين، بحسب أوبورن.
رئيس وزراء غير فاسد لكنه يعاني من نقاط ضعف
يرى أوبورن أن خان يتمتَّع بالعديد من نقاط القوة كسياسي، ولكن في سياق السياسة الباكستانية، هناك ضعفٌ دائم. لا يراه أوبورن فاسداً، بالنظر إلى إخلاصه لطبيعته وتعاليم إيمانه الإسلامي العميق. لكن هذه الخاصية، في وجهة نظر أوبورن ليست غير معتادة في السياسة الباكستانية فحسب، بل إنه يراها عيباً معوِّقاً.
لا يرى أوبورن أن صدق خان يجعله مناسباً بشكل أساسي للأساليب الفاسدة للعديد من السياسيين الباكستانيين الناجحين. ويقول إنه في نهاية الأسبوع الماضي، عندما اعتقد أعداء خان أنهم على وشك تدميره، حلَّ رئيس الوزراء المحاصر البرلمان ببساطة، ما مهَّدَ الطريق لإجراء انتخابات. ويضيف أوبورن أن من تبعات هذا أن تُرِكَ معارضو خان، في الرابطة الإسلامية الباكستانية وحزب الشعب الباكستاني، في حالةٍ من الرعب.
ويعتقد أوبورن أن هؤلاء المعارضين مستائين من أن مستقبل باكستان يجب أن تقرِّره الإرادة الديمقراطية للشعب، "بدلاً من الصفقات الدنيئة التي تُعقَد في الغرف المظلمة"، على حدِّ تعبيره.
في هذا السياق، يطرح أوبورن إسقاطاً على تاريخ بريطانيا، بلده، ويقول إن الوضع كان ليصبح أفضل كثيراً لو أنه، في عام 1990 (كان خان وقتذاك لا يزال قائد فريق الكريكيت الباكستاني)، اختار مخططو حزب المحافظين الانتخابات، بدلاً من التآمر في غرف مليئة بالدخان خلف أبواب مغلقة لتدمير مارغريت تاتشر، التي يصفها بأنها واحدةٌ من أعظم رؤساء الوزراء في التاريخ البريطاني.
وبحسب وجهة نظره، كان من الممكن أن يكون هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب فعله، وكان ليصبح أكثر ديمقراطيةً أيضاً. ويرى أن هذا هو سبب عدم رغبة المتآمرين في إجراء انتخابات؛ لأنهم كانوا يخشون سراً أن تكون تاتشر أكثر شعبية منهم، وهو ما يراه أوبورن أمراً صائباً.
ويستنكر أوبورن أن قادة حزبي المعارضة الرئيسيَّين، الذين يهدفون إلى تنحية خان، لم يحاولوا شرح ما هو الخطأ في التصويت الشعبي. ويرى أن هذا بسبب أنهم يعرفون أن خان سيقاتل، وأنه أقوى مِمَّا يدركون.
عمران خان ورث كارثة اقتصادية في باكستان
يقول أوبورن إن خان قد ورث الفوضى الاقتصادية عندما تولَّى منصبه قبل أربع سنوات، وهذا الإرث من سوء الإدارة هو -على حدِّ وصفه- من فِعل حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية، بزعامة شهباز شريف.
ويرى أوبورن أن شريف، باعتباره رجلاً ذكياً وموهوباً كما يصفه، يجب أن يدرك أن حزبه كان هو الذي هندَسَ الديون الهائلة وعدم الكفاءة الاقتصادية الجسيمة التي كافح خان لمواجهتها منذ توليه منصبه.
لقد ورث الزعيم الجديد خزينة فارغة تقريباً، ونظاماً ضريبياً معطلاً، وبالكاد ما يعادل شهرين من احتياطيات النقد الأجنبي. وللتعامل مع الديون الخارجية لباكستان، يقول أوبورن إن حكومة خان اضطرت لرفع أسعار الطاقة والوقود، ما أثر بشكل أكبر على الفقراء. وتبعاً لذلك، يرى أوبورن أن الغضب الشعبي كان حتمياً، وخان بالتأكيد لم يحل كلَّ مشكلات البلاد.
لكن في اعتقاد الكاتب، قام خان بعملٍ جيِّدٍ إلى حدٍّ معقول، بالنظر إلى الحاجة إلى التعامل مع جائحة كوفيد. ويرى أن من المحزن إلقاء اللوم على خان في التضخم الهائل الذي هو سمة من سمات الاقتصاد العالمي العام، وليس فقط في باكستان.
ومع ذلك، وسط هذه الصعوبات، يذكر أوبورن أن خان جَلَبَ التفاؤل والثقة إلى منصبه الرفيع. إنه يراه ذا حضور قيادي على المسرح الدولي أكثر من أي زعيم باكستاني منذ ذو الفقار علي بوتو، المؤسس اللامع والكاريزمي لحزب الشعب الباكستاني.
يرى أوبورن أن خان عمل على تشكيل باكستان كدولة مستقلة، وسعى إلى بناء تحالفات مع الصين وروسيا، مع التواصل أيضاً مع دول إسلامية مثل إيران وماليزيا وتركيا. ويعتقد أن هذه السياسات أحرزت نجاحاً إلى حدٍّ ما.
النفوذ السعودي في باكستان
يذكر أوبورن أن المأزق الاقتصادي لباكستان جعلها تعتمد على دائنيها، وخاصةً المملكة السعودية والصين، وهما نظامان لهما مبادئ حاكمة تختلف كثيراً عن مبادئها. وهذا الاعتماد، بحسب أوبورن، هو السبب الرئيسي وراء عدم حديث خان علناً ضد إساءة معاملة الصينيين لمسلمي الإيغور في شينجيانغ. وللسبب نفسه، التزم خان الصمت بشأن المأساة المستمرة في اليمن، حيث قُتِلَ مئات الآلاف من الأشخاص كنتيجة مباشرة أو غير مباشرة للحرب التي تقودها المملكة السعودية.
يلفت أوبورن أيضاً في السياق نفسه إلى أن خان عندما أراد الانضمام إلى ماليزيا وتركيا في تحالف إسلامي، تدخَّلَ محمد بن سلمان.
يلاحظ أوبورن أيضاً أن خان خيَّب آمال أنصاره الذين رأوه مدافعاً شرساً عن حقوق الإنسان، فصاروا يتهمونه الآن بمعاقبة الهجمات على الصحفيين والصحافة الحرة، ما يسمح لنفسه بأن يصبح أداةً طوعية للجيش الباكستاني.
لكنه يرى أن خان قد أظهَرَ حنكةً سياسية في التعامل مع كشمير، حيث أحبط رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي جهوده لتحقيق السلام.
أما في ما يخص الشأن الأفغاني، فيقول أوبورن إن خان ضرب خطاً مستقلاً تماماً، فمنذ سقوط كابول في يد طالبان في أغسطس/آب الماضي، كان هناك توتر مع واشنطن بشأن تحليق الولايات المتحدة فوق باكستان. والأهم من ذلك، أن خان والولايات المتحدة كانا على خلاف حول أصول الدولة الأفغانية التي جمَّدتها واشنطن، في وقت تشتدُّ فيه الحاجة إلى الأموال لتخفيف المجاعة والفقر في أفغانستان.
ويشير الصحفي البريطاني هنا إلى أن هذا الاستقلال أثار غضب واشنطن، التي منذ هزيمتها العسكرية في أفغانستان لديها حاجة أكبر لباكستان لاستئناف دورها التقليدي كدولة تابعة للولايات المتحدة.
حالة التبعية الباكستانية لأمريكا
لا يستطيع أوبورن تحديد ما إذا كانت ادِّعاءات خان بأن الولايات المتحدة تعمل على تقويضه صحيحة. لكنه يقول إن تاريخ باكستان يعرف أن هذه الادِّعاءات ليست صحيحة، أو عبثية، على حدِّ قوله.
تعاملت الولايات المتحدة مع باكستان كدولة تابعة منذ استقلالها في عام 1947. وقد هندست وكالة المخابرات الاستخبارات المركزية الانقلاب الذي أنهى 11 عاماً من الحكم المدني في عام 1958، ونصبت أول ديكتاتور عسكري باكستاني، وهو أيوب خان. وأشار الرئيس الأمريكي السابق دوايت أيزنهاور إلى موافقة الولايات المتحدة على النظام الديكتاتوري من خلال زيارته لباكستان بعد ذلك بوقت قصير.
لكن اللافت، بحسب أوبورن، هو أن خمسة رؤساء أمريكيين فقط زاروا باكستان على الإطلاق أيزنهاور وليندون جونسون وريتشارد نيكسون وبيل كلينتون وجورج دبليو بوش) ولم يسبق لهم زيارة باكستان خلال فترات الحكم المدني. ويشير إلى أن المساعدات الأمريكية دائماً ما ترتفع بشكل صاروخي خلال الديكتاتوريات العسكرية، ما يسخر من ادعاءات الولايات المتحدة بدعم المؤسسات الديمقراطية.
وبالنسبة لجو بايدن، أشار أوبورن إلى تصريحٍ سابق لخان لموقع Middle East Eye في الخريف الماضي، قال فيه إن الزعيم الأمريكي الحالي لا مثيل له. ويلفت هنا إلى أن خان كان أول من صنع سُمعته باعتباره ناقداً مبدئياً للغاية لدور الولايات المتحدة في باكستان، وعلى وجه الخصوص، إذعان بلاده لضربات الطائرات الأمريكية المسيَّرة ضد قادة طالبان المُشتَبَه بهم.