جو بايدن المتخصص في الخروج عن النص.. لماذا يجب على الرئيس الأمريكي ألا يرتجل أبداً؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/29 الساعة 20:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/29 الساعة 22:44 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن/ رويترز

دعوة جو بايدن لإسقاط فلاديمير بوتين لم تكن المرة الوحيدة التي يتسبب فيها الرئيس الأمريكي في أزمات دبلوماسية خطيرة بخروجه عن النص، فلبايدن تاريخ من "زلات اللسان" الكارثية.

وقبل حتى أن يبدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا كان بايدن قد تسبب في أزمة ضخمة عندما صرح بأن "توغلاً بسيطاً" من جانب روسيا قد لا يعتبره الغرب "غزواً" لأوكرانيا، وهو ما أثار التكهنات بشأن ما إذا كان الرئيس الأمريكي يعطي ضوءاً أخضر لنظيره الروسي بالهجوم على إقليم دونباس شرق أوكرانيا.

لكن تصريحات بايدن خلال رحلته إلى أوروبا، والتي وصف فيها بوتين بأنه "جزار"، وختمها بقوله: "هذا الرجل لا يمكن أن يستمر في السلطة"، أثارت انتقادات عنيفة ليس فقط من موسكو بل من حلفاء واشنطن الغربيين، بل من سياسيين ومشرعين أمريكيين أيضاً.

زلات لسان بايدن تصل مرحلة خطيرة

"على الرئيس أن يتجنب الحديث علناً. على الأقل فيما يخص المواضيع الهامة"، كان هذا عنوان تحليل نشرته صحيفة The Wall Street Journal رصد المأزق الخطير الذي تسببت فيه تصريحات بايدن الارتجالية لواشنطن وحلفائها في خضم الأزمة الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية وهي الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي يصفه الغرب بالغزو فيما تصفه موسكو بأنه عملية عسكرية خاصة.

ورصدت الصحيفة كيف أن بايدن كان قد أصاب العلاقات بين موسكو وواشنطن بطعنة غير ضرورية، عندما وصف بوتين بأنه "قاتل"، خلال حوار للرئيس الأمريكي مع مراسل شبكة CNN في البيت الأبيض، وذلك بعد أسابيع قليلة من توليه منصبه كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية.

وكاد بايدن أن يتسبب في تفجير العلاقات الروسية الأمريكية تماماً في مارس/آذار 2021، عندما أصدر تصريحات وصف فيها نظيره الروسي بوتين بأنه "قاتل"، ليرد بوتين بأن من يصف الآخرين بأنهم قتلة "فهو على الأرجح يصف نفسه"، وتبع ذلك استدعاء موسكو سفيرها في واشنطن.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد بيع الغاز بالروبل
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين- رويترز

وصف "القاتل"، الذي لا يستخدمه رئيس دولة بحق نظير له بأي حال من الأحوال، استخدمه بايدن في إطار تناوله لقضية المعارض الروسي أليكس نافالني، والذي بسبب قضيته كانت العلاقات بين القوتين النوويتين قد بدأت تتوتر قبل حتى أن يتم تنصيب بايدن رسمياً.

وكان بايدن قد وجه تحذيراً شديد اللهجة لموسكو بشأن نافالني وضرورة الإفراج عنه فوراً، فواصلت روسيا اعتقال المعارض الأبرز لبوتين وحاكمته وسجنته، فيما وصفه محللون وقتها بأنه رسالة مباشرة من بوتين إلى بايدن.

وفي أعقاب ذلك التلاسن، التقى بايدن وبوتين وجهاً لوجه في قمة جنيف منتصف يونيو/حزيران من العام الماضي، وكان الهدف الأمريكي من تلك القمة هو السعي لإجهاض التحالف بين روسيا والصين، في ظل اعتبار واشنطن أن بكين هي المنافس الرئيسي على الساحة الدولية.

هل وصلت إلى "تغيير النظام" في روسيا؟

لكن زلات لسان بايدن وخروجه عن النص تواصلت على مدار العام، حتى وصلت إلى المطالبة بإسقاط بوتين في لحظة انفعالية لم تكن في الحسبان.

فالتعليق الارتجالي الذي أطلقه في نهاية ما وصف بأنه "خطاب رئيسي" في بولندا، حيث بدا أنه يدعو إلى عزل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من السلطة- ربما يكون الأصعب والأكثر خطراً على العلاقات بين البلدين.

ففي خطابه أمام حشد من المسؤولين الحكوميين البولنديين وكبار الشخصيات في القلعة الملكية في وارسو، حذر الرئيس الأمريكي مرة أخرى من أن العالم في خضم صراع فاصل بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية، تعهد بأن الناتو سيدافع عن "كل شبر" من أراضي الدول الأعضاء. كما وعد بمواصلة الدعم لأوكرانيا، رغم أنه أشار إلى أن الجيش الأمريكي لن يشتبك مع القوات الروسية هناك.

نعم، كان خطاباً صدامياً، لكنه محسوب بما يتماشى تماماً مع ما قاله المسؤولون الأمريكيون، من وزير الخارجية أنطوني بلينكين وغيره، منذ شهور. لكن ومباشرة قبل "الشكر" و"الوداع"، أضاف بايدن متحدثاً عن نظيره الروسي: "بحق الله، لا يمكن لهذا الرجل أن يبقى في السلطة".

وبحسب تحليل لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، هناك خط فاصل بين إدانة زعيم أمة- الخطاب الدبلوماسي المحموم في بعض الأحيان- والدعوة إلى إقالته. لقد كان خطاً احترمه كل من الأمريكيين والسوفييت حتى في ذروة الحرب الباردة. وهذا هو الخط الذي تجاوزه بايدن في خطابه الأخير ببولندا.

أوكرانيا ماكرون بوتين
ماكرون انتقد تصريحات بايدن- رويترز

إذ إن "تغيير النظام" أمر تتهم الدول القوية بفرضه على الدول الأضعف- وليس ما تطلبه الولايات المتحدة من دولة تمتلك العدد الأكبر من الرؤوس النووية على الإطلاق، فروسيا تمتلك أسلحة نووية أكثر عدداً حتى من أمريكا نفسها.

وبطبيعة الحال لا تسعى أمريكا إلى تغيير النظام في روسيا، أو على الأقل ليست هذه هي السياسة المعلنة، فهذا سيتسبب حتماً في إخافة الحلفاء قبل الأعداء، لأنه لا أحد يعلم من قد يكون عليه الدور في هذه الحالة.

وهكذا سارع البيت الأبيض والخارجية الأمريكية بمحاولة تصحيح الصورة، وقال مسؤول في إدارة بايدن لبي بي سي إن "وجهة نظر الرئيس هي أنه لا يمكن السماح لبوتين بممارسة سلطته على جيرانه أو المنطقة". ما يعني أن بايدن لم يكن يناقش سلطة بوتين في روسيا، أو تغيير النظام.

السرعة التي أصدرت بها الولايات المتحدة "توضيحها" – الذي ردده بلينكين لاحقاً- تشير إلى أن الولايات المتحدة تدرك الخطر الكامن في كلام بايدن. وسرعان ما سعى بعض حلفاء الولايات المتحدة للنأي بأنفسهم عن تصريحات بايدن.

فقد حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أن الرئيس الأمريكي يعرِّض مفاوضات وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا للخطر. وقال: "نريد وقف الحرب التي شنتها روسيا في أوكرانيا دون تصعيد.. وإذا كان هذا هو ما نريد تحقيقه، فلا ينبغي تصعيد الأمور- لا بالأقوال ولا الأفعال".

وفي واشنطن، أعرب قادة الكونغرس أيضاً عن قلقهم إزاء تلك التصريحات. ووصف جيم ريش، العضو الجمهوري البارز عن ولاية إيداهو في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، تصريحات بايدن بأنها "زلة مروعة".

"يا إلهي، أتمنى أن يبقوه ملتزماً بالنص.. في أي وقت تقول فيه أو حتى تشير، إلى أن السياسة تهدف لتغيير النظام مثلما فعل بايدن، فسوف يتسبب ذلك في مشكلة كبيرة. هذه الإدارة فعلت كل ما في وسعها لوقف التصعيد.. ليس هناك ما يمكنك فعله للتصعيد أكثر من الدعوة لتغيير النظام".

تاريخ بايدن مع الارتجال

لدى بايدن نزعة معروفة للإدلاء بتصريحات ارتجالية يمكن أن تضعه في مواقف صعبة، وأخرجت مثل تلك التصريحات الرهانات الرئاسية السابقة عن مسارها، وفي بعض الأحيان أحبطت مسؤولي إدارة أوباما عندما كان بايدن نائباً للرئيس، لا يزال ذلك مستمراً، في حين يتمنى مستشاروه أن يحفظ لسانه، بحسب تقرير لبي بي سي.

لكن حتى المدافعين عن بايدن والذين يرون أن تصريحاته الارتجالية يمكن أن تعتبر نقطة قوة في مجال السياسة، رأوا أن حديثه عن إسقاط بوتين، في هذه اللحظة الحالية من الأزمة الدبلوماسية- عبارة عن كلمات مختارة بشكل سيئ وقد تؤدي إلى عواقب وخيمة.

إذ قال توم نيكولز الكاتب في مجلة The Atlantic  إنه "من الصعب إلقاء اللوم على بايدن لاستسلامه وإطلاق العنان لنفسه بعد التحدث إلى الأشخاص الذين عانوا من همجية بوتين.. لكن كلمات كل زعيم عالمي مهمة الآن، وبطبيعة الحال ربما على قدر أكبر، كلمات رئيس الولايات المتحدة".

وتكررت زلات لسان، منذ توليه المنصب العام الماضي، بصورة جعلت الحديث عن مدى سلامة صحته العقلية يتصدر وسائل الإعلام الأمريكية، وبخاصة من خصومه الجمهوريين. وكان أبرز تلك الزلات ما قاله خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض يوم 19 يناير/كانون الثاني الماضي، عندما توقع أن تقوم روسيا بتحرك نحو أوكرانيا، وقال إن موسكو ستدفع ثمناً باهظاً إذا أقدمت على غزو شامل لكن "توغلاً بسيطاً" سيكبِّدها ثمناً أقل.

واشنطن أمريكا السعودية الإمارات
المتحدثة باسم البيت الأبيض مهمتها صعبة للتخفيف من وطأة خروجه عن النص /رويترز

"ظني أنه سيتحرك.. لا بد أن يقوم بشيء"، في إشارة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. "روسيا ستحاسب إذا قامت بالغزو، وهذا يعتمد على ما ستفعله. سيكون الأمر مختلفاً لو كان توغلاً بسيطاً. لكن لو فعلوا حقاً ما بمقدورهم فعله.. سيكون الأمر كارثة لروسيا إذا غزت أوكرانيا ثانية".

وقتها أثارت تصريحات بايدن "الصدمة" في أوكرانيا و"الغضب" لدى حلفاء واشنطن الأوروبيين، إذ يمكن قراءة ما قاله على أنه "ضوء أخضر" لبوتين كي يكرر ما فعله عام 2014 في إقليم شبه جزيرة القرم، بينما يرجع الغضب الأوروبي إلى ما توحي به تصريحات بايدن من وجود "خلافات" بين الحلفاء بشأن كيفية التعامل مع روسيا.

بايدن الذي سبَّ صحفياً في البيت الأبيض بألفاظ خارجة، معتقداً أن الميكروفون مغلق، كان قد أثار غضب الأوروبيين بقوله: "قد أكون من أصول أيرلندية، لكنني لست غبياً"، وذلك قبل تلك الدعوة العلنية لإسقاط الرئيس الروسي بأيام قليلة.

الخلاصة أن جو بايدن له تاريخ ممتد من الخروج عن النص وإصدار تصريحات ارتجالية تسبب مآزق سياسية ودبلوماسية لواشنطن، فهل هذه طبيعته الشخصية أم أنها ترجع- كما يتهمه خصومه- إلى مشاكل صحية ونفسية تتعلق بعدم قدرته على ضبط انفعالاته، فهل يجب فعلاً أن يتوقف عن الخروج عن النص؟

تحميل المزيد