أصبح اليمن ضمن أكثر دول المنطقة والعالم تضرراً من الأزمة الأوكرانية، رغم بُعد المسافة بين البلدين، ولكن تداعيات حرب أوكرانيا على اليمن تهدّد بوصول الأزمة الإنسانية التي تعاني منها البلاد إلى مستوى مروع.
كانت حياة عبد الرحمن عبادل، النازح الذي يعيش في مخيم مؤقت في مديرية المخا بمحافظة تعز جنوب غرب اليمن، قاسية أصلاً، مع قلة فرص الحصول على الغذاء والمياه والخدمات الأساسية الأخرى.
والآن، بعد اندلاع حرب على بعد حوالي 4000 كيلومتر في أوكرانيا، زادت الضغوط على عبد الرحمن بعد ارتفاع أسعار الغذاء والوقود، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
تداعيات حرب أوكرانيا على اليمن تفاقم أزمة نقص الغذاء
كان عبد الرحمن، الذي لديه سبعة أبناء، قد فرَّ من منزله في مديرية التحيتا بالحُديدة إلى تعز في أغسطس/آب عام 2018 حين وصل القتال إلى قريته ورأى جيرانه يُقتلون.
وقال عبد الرحمن: "نحن ضحايا مرتين، مرة لحرب اليمن ومرة لحرب أوكرانيا، ولا يمكننا تحمل تأثير هذه الحرب الأخيرة لأنها تطال طعامنا".
يُشار إلى أن اليمن يستورد أكثر من 30% من قمحه من روسيا وأوكرانيا ويتركز الاهتمام الآن على التأثير المحتمل الذي قد يحدثه انقطاع إمدادات القمح على الوضع المزري الذي تعيشه البلاد بالفعل.
وقالت هيئات تابعة للأمم المتحدة إن أكثر من 17 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات غذائية في اليمن، وقد يرتفع هذا الرقم إلى 19 مليوناً في النصف الثاني من عام 2022.
ومن يعانون مستويات حرجة من الجوع قد يصل عددهم إلى 7.3 مليون بحلول ديسمبر/كانون الأول.
وقال عبد الرحمن: "أرسلت بالفعل أربعة من أبنائي للعمل ودخلنا جميعاً لا يكفي لإعالة الأسرة".
وأضاف: "هذه الحرب الدائرة في أوكرانيا جعلتنا نفكر في المستقبل وبدلاً من أن ندعو الله أن يوقف الحرب في اليمن، أصبحنا ندعوه أيضاً أن يوقف الحرب في أوكرانيا حتى نجد الطعام على الأقل".
قفزة في أسعار القمح
يضم اليمن قرابة أربعة ملايين نازح داخلياً. ويعيش كثير منهم في مخيمات مؤقتة وبحاجة ماسة إلى الخدمات الأساسية.
وكان عبد الرحمن، مثله مثل عديد من السكان الآخرين في منطقته، يعمل صياداً ويذهب أحياناً للعمل مع المزارعين، وكان دوماً يملك ما يكفي من الطعام.
لكن معاناته هو وآخرين بدأت عام 2015 حين شرع التحالف الذي تقوده السعودية في فرض قيود على الصيادين واستهداف بعض المزارع في المنطقة.
ويعتمد حوالي 80% من سكان اليمن البالغ عددهم قرابة 30 مليون شخص على المساعدات ليتمكَّنوا من البقاء بعد سبع سنوات من الحرب التي أودت بحياة ما يقرب من 380 ألف شخص، بشكل مباشر أو غير مباشر، وفقاً للأمم المتحدة.
وقد وصل سعر 50 كيلوغراماً من القمح 29 ألف ريال يمني (22 دولاراً) قبل الحرب في أوكرانيا، واليوم بلغ 41 ألف ريال يمني (31 دولاراً) في المناطق الموالية للحكومة، وشهد زيادة مماثلة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
أزمة الوقود أدت إلى ارتفاع آخر لأسعار المواد الغذائية
تشهد المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون أزمة وقود أيضاً، وكذلك بعض المناطق الموالية للحكومة، حيث يشتري كثيرون من السوق السوداء.
وأزمة الوقود عامل آخر في ارتفاع أسعار المواد الغذائية في اليمن.
وأكد أحمد حمزة، وهو تاجر في تعز، أن الطلب على المواد الغذائية يزداد، وأشار إلى أن هذا يرفع الأسعار ويزيد قلق التجار إزاء الواردات.
وقال حمزة لموقع Middle East Eye: "الزبائن يشترون الطعام بكميات كبيرة وهذا يقلقنا كتجار لأننا نسمع عن الحرب في أوكرانيا والزبائن لا ينتظرون حتى يفرغ كل شيء".
البعض يلجأ إلى التسول
يقول أمين منصور، وهو أب لستة أبناء ويعيش أيضاً في مخيم للنازحين في منطقة المخا، إنه يجاهد لإمداد أسرته بالطعام الكافي منذ فراره من منزله في الحديدة عام 2016.
وقال منصور لموقع Middle East Eye: "مرت ست سنوات على نزوحي، لكن الشهر الماضي كان الأسوأ لأن الأسعار ارتفعت إلى مستويات لا يمكن تحملها، لا أسعار القمح وحدها وإنما أسعار المواد الغذائية الأخرى أيضاً ورسوم النقل تضاعفت".
ولا يذهب أبناء منصور أيضاً إلى المدرسة، وقد اضطره ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى إرسالهم للتسول في الشوارع والأسواق.
وأضاف منصور: "لا أحد يرغب في رؤية أبنائه يتسولون في الشوارع، لكن ارتفاع الأسعار أجبرني على ذلك لأن التسول يظل أفضل من التضور جوعاً".
وقال: "التجار يقولون إن الأيام المقبلة ستزداد سوءاً بسبب الحرب في أوكرانيا، لذا لا سبيل للنجاة سوى التسول".
وقال جلال السنة، وهو أيضاً من سكان تعز، ويعمل في شركة محلية، إنه اشترى ثلاثة جوالات من القمح سعة 50 كلغ وثلاثة جوالات من دقيق القمح، فضلاً عن مواد غذائية أساسية أخرى.
وقال لموقع Middle East Eye: "الحرب في الداخل أثرت علينا. لكنني أعتقد أن الحرب في أوكرانيا ستؤثر علينا بالسلب أيضاً لأننا نستورد معظم طعامنا من الخارج".
وقال جلال إنه قلق من تأثير حرب أوكرانيا، مضيفاً أن الناس قد شهدوا بالفعل تأثيرها على الأسعار في الأسواق.
وقال: "ما زلت أذكر نقص الغذاء الذي تعرض له اليمن عام 1990 بسبب الحرب العراقية الكويتية، لذلك اشتريت طعاماً يكفي خمسة أشهر على الأقل".