نظراً لأن علاقاتها مع الولايات المتحدة أكثر اهتزازاً مِمَّا كانت عليه منذ عقود، أصبحت الصين حذرةً من أن تحالفها مع روسيا خلال أزمة أوكرانيا قد يكلفها أيضاً علاقةً كانت تعمل أحياناً كحاجز في منافستها مع واشنطن، وهي علاقتها مع أوروبا التي تعتبر أكبر شركائها التجاريين حول العالم. فهل تنجح بكين بإنقاذ علاقتها مع القارة العجوز وفصل خلافاتها مع واشنطن عنها؟
أوروبا تحاول تجنيب نفسها الخلافات بين واشنطن وبكين
تقول صحيفة Wall Street Journal الأمريكية إنه على مدار سنوات، استخدم القادة الصينيون نهج "فرِّق تسُد" في أوروبا، مِمَّا جذب بعض الدول مثل ألمانيا وتلك الموجودة في وسط وشرق أوروبا، من خلال الوصول إلى سوق ثاني أكبر اقتصاد في العالم واستثمارات صينية أكبر في بعضٍ من تلك البلدان.
ولَّدَت هذه الاستراتيجية- جنباً إلى جنب مع المخاوف بشأن استخدام بكين للتدابير الاقتصادية وغيرها من التدابير لمعاقبة البلدان التي تتعارض مع مصالحها- عدم ثقة متزايداً إزاء بكين في الاتحاد الأوروبي، لكن الكتلة لا تزال حريصةً على إيجاد حلٍّ وسط مع الصين يسمح لها بتجنب التوتُّرات الصينية الأمريكية.
وقد يؤدِّي قرار الرئيس شي جين بينغ في الشراكة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أسابيع قليلة من الهجوم الروسي على أوكرانيا إلى تقويض رغبة الاتحاد الأوروبي في العمل مع الصين، كما تزعم الصحيفة الأمريكية.
وعندما تجتمع الصين والاتحاد الأوروبي في قمة افتراضية في 1 أبريل/نيسان، تخطِّط رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل، للوقوف إلى جانب إدارة بايدن في التحذير من أن علاقات الصين مع الكتلة ستتضرر إذا قدَّمَت مساعدة كبيرة لروسيا في هجومها العسكري على أوكرانيا، وفقاً لمحلِّلي السياسة الخارجية في أوروبا.
وبذلك، تقع واحدةٌ من أكبر العلاقات الاقتصادية في العالم على المحك، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية 828 مليار دولار في عام 2021- وهي علاقةٌ أصبحت ذات أهمية متزايدة بالنسبة للصين مع تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة.
روابط تجارية وثيقة بين أوروبا والصين
في قلب هذه الروابط التجارية، تقع تجارة الصين مع القوة الأوروبية العتيدة، ألمانيا، والتي جعلت بكين في عام 2021 الشريك التجاري الأول لها للعام السادس على التوالي. تواصل برلين الدعوة للانخراط مع الصين، بعد فترة طويلة من اختفاء مثل هذه الدعوات في واشنطن.
ولقد وفَّرَت هذه الروابط منفذاً للصين- وهو منفذٌ لا يمكن أن تخسره الآن بعد أن اتخذ التنافس الاستراتيجي مع الولايات المتحدة منعطفاً لا رجوع فيه عن دعمها لروسيا.
وللحفاظ على العلاقة مع أوروبا ألَّا تقع في الهاوية، من المُتوقَّع أن يسلِّط شي جين بينغ الضوء على نطاق التعاون بين الصين وأوروبا خلال القمة، مثلما قال خبراء السياسة الخارجية المقرَّبون من الحكومة الصينية. وكما فعل مع الرئيس بايدن الأسبوع الماضي، من المرجح أيضاً أن يسعى شي إلى تقديم الصين على أنها محايدةٌ في صراع أوكرانيا، كما يقول الخبراء، حتى مع تمسك الصين بشراكتها مع روسيا لمواجهة الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة.
ومن المُتوقَّع أن يدعو الزعيم الصيني إلى قيام أوروبا بدورٍ رائد في المفاوضات والتأكيد على خطط بكين لتقديم مساعداتٍ إنسانية لأوكرانيا.
قال نوح باركين، محلل العلاقات الأوروبية الصينية في مجموعة Rhodium Group، وهي مركز أبحاث مقره برلين: "قد تكون هذه القمة الأكثر سياسية بين الاتحاد الأوروبي والصين على الإطلاق". وأضاف: "فكرة الصين كشريك لأوروبا ستبدأ في الانهيار إذا تجاوزت الصين دعمها الخطابي لروسيا".
الدعم الصيني لروسيا في أزمة أوكرانيا واحتمالات تدهور العلاقات بين بكين وأوروبا
كانت الصين موضوعاً في اجتماعات بايدن مع القادة الأوروبيين ومنظمة حلف شمال الأطلسي هذا الأسبوع في بروكسل، حيث إن لدى الناتو مخاوف إزاء الصين بشأن المساعدة العسكرية والمعلومات المضلِّلة التي تدعم الرواية الروسية حول الحرب.
وخلال المناقشات التي جرت يوم الخميس، 24 مارس/آذار، اتفق قادة الاتحاد الأوروبي وبايدن على إبلاغ بكين بأن تعاونها مع روسيا سيكون له ثمن، وفقاً لمسؤولين أوروبيين أُطلِعوا على المحادثات.
تحدَّثَ شي جين بينغ الجمعة، 25 مارس/آذار، مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في ما وصفه مكتب جونسون بأنه محادثةٌ "صريحة" استمرَّت ساعةً شملت أوكرانيا.
كما هو الحال مع محادثاته السابقة مع القادة الأوروبيين، قال شي لجونسون إن الصين مستعدةٌ للاضطلاع بـ"دورٍ بنَّاء" في تسهيل تسويةٍ سلميةٍ للأزمة الأوكرانية، وفقاً لبيانٍ صادر عن وزارة الخارجية الصينية.
وانتهت القمة الأخيرة بين الاتحاد الأوروبي والصين، في ديسمبر/كانون الأول 2020، بمعاهدة استثمار بعيدة المدى بين الجانبين. في ذلك الوقت، تسبَّبَت أربع سنوات من إدارة ترامب في توتر العلاقات بين أوروبا وواشنطن على الرغم من أن أوروبا كانت تصف بكين بالفعل بأنها مُنافِسةٌ منهجية وشريكةٌ مُحتَمَلة. ودشَّنَ بايدن، الذي تولَّى منصبه بعد فترةٍ وجيزة، تقارباً مع بروكسل، كجزءٍ من جهوده للعمل مع الحلفاء للضغط على الصين.
وجُمِّدَت معاهدة الاستثمار نتيجةً لإدراج بكين مشرِّعين أوروبيين وخبراء في الشأن الصيني ودبلوماسيين في القائمة السوداء، رداً على عقوبات الاتحاد الأوروبي الانتقائية على أربعة مسؤولين صينيين بسبب معاملة بكين للمسلمين في شينجيانغ.
وعلى مدار العامين الماضيين، عمل الاتحاد الأوروبي تدريجياً على بناء أدوات دفاعية لحماية نفسه من الضغوط الاقتصادية الصينية، بما في ذلك الجهود المتقدِّمة لمنع استيلاء الشركات المدعومة من الدولة على شركات الاتحاد الأوروبي ومنع الشركات الأجنبية المدعومة من الفوز بعقودٍ مع حكومة الاتحاد الأوروبي.
وسجَّلَ الاتحاد الأوروبي أيضاً شكوى لدى منظمة التجارة العالمية بشأن الانتقام الصيني من ليتوانيا، ذلك الانتقام الذي أعقب تحرُّك ليتوانيا العام الماضي للسماح لتايوان بفتح مكتب تمثيلي هناك، بمنع بكين للواردات الليتوانية، بما في ذلك المكونات الليتوانية للمنتجات من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.
كانت ليتوانيا، التي تتمتَّع بعلاقات وثيقة مع واشنطن، أول دولة تغادر مجموعة 17 + 1 التي سمحت لدول الاتحاد الأوروبي الأصغر بالاجتماع مباشرةً مع القادة الصينيين. وقال آخرون إنهم قد يحذون حذوها بسبب ضغوط بكين الدبلوماسية الشديدة على تايوان، وهو تحوُّلٌ يمكن أن يسرع إذا انحازت بكين علانية إلى روسيا في ما يخص أوكرانيا.