"لن نصادر ذهب الروس، ولكن سنجعله بلا قيمة رغم أنه سيبقى في أيديهم".. يبدو أن هذا هو الهدف من العقوبات على الذهب الروسي والتي قررتها مجموعة السبع التي تضم كبرى الدول الغربية.
واتفق قادة مجموعة السبع على اتخاذ إجراءات صارمة ضد قدرة روسيا على بيع احتياطياتها من الذهب لدعم عملتها، في أحدث محاولة غربية لعرقلة أي محاولات من جانب موسكو للتهرب من العقوبات المالية المفروضة عليها بسبب غزوها لأوكرانيا.
تم الكشف عن هذه الخطوة اليوم الخميس 24 مارس/أذار 2022 عندما التقى زعماء مجموعة السبع بمقر الناتو في بروكسل ببلجيكا، لتعزيز العقوبات الاقتصادية المفروضة على نظام فلاديمير بوتين نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية.
وسيواصل قادة مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي العمل بشكل مشترك لتقليص قدرة روسيا على الاستفادة من احتياطياتها الدولية لدعم الاقتصاد الروسي وتمويل حرب أوكرانيا، وضمن ذلك من خلال توضيح أن أي معاملة تنطوي على الذهب متعلقة بالبنك المركزي للاتحاد الروسي مشمولة بالعقوبات، حسبما قال البيت الأبيض في بيان ".
روسيا تمتلك خامس أكبر احتياطي ذهب في العالم
وتمتلك روسيا خامس أكبر مخزون من الذهب في العالم، تقدر قيمته بنحو 140 مليار دولار، لكن لا أحد يريد شراءه حتى قبل التلويح بهذه العقوبات، حسبما ورد في تقرير لموقع Business Insider الأمريكي.
فكما هو الحال مع النفط، تجعل العقوبات من الصعب على روسيا تداول السلعة الثمينة، رغم أن الطلب على الذهب لايزال مرتفعاً داخل البلاد، حيث انهار الروبل ليسجل أدنى مستوياته.
وقبل إقرار العقوبات على الذهب الروسي من قبل مجموعة الدول السبع، حظر سوق الذهب في لندن- أهم مركز في العالم للمعادن الثمينة- جميع السبائك من روسيا، مما أدى إلى عزلها فعلياً عن التجارة العالمية لهذا المعدن النفيس.
ورغم أن أغلب دول العالم تُبقي احتياطاتها من الذهب، في لندن ونيويورك قرب مراكز تجارته الأساسية ليسهل بيعه، ولكن روسيا تُبقي معظم احتياطاتها من الذهب لديها.
ما هو تأثير العقوبات على الذهب الروسي على اقتصاد البلاد؟
ويأتي قرار الغرب فرض عقوبات على الذهب الروسي في ظل مخاوف من أن تستخدم موسكو احتياطياتها من الذهب لدعم الروبل والتهرب من العقوبات التي تهدف إلى معاقبة الكرملين بسبب غزوه لأوكرانيا قبل شهر تقريباً.
ومن هنا جاء هذا التوجه في ظل محاولة إدارة بايدن والحكومات الأوروبية تشديد العقوبات التي تم فرضها في بداية الصراع، والنظر في اتخاذ إجراءات إضافية ضد موسكو.
وقال مسؤول كبير في إدارة بايدن إن هناك علامات على أن البنك المركزي في البلاد يسعى لاستخدام احتياطاته من الذعب "لدعم الروبل" في مواجهة العقوبات.
وقبل ذلك اعتبر المسؤولون الغربيون أن قرار تجميد احتياطيات النقد الأجنبي الروسي، الشهر الماضي، أقوى عقوبة كشف عنها الحلفاء، رداً على غزو أوكرانيا.
وكشف وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف الأحد 13 مارس/آذار 2022، أن بلاده فقدت قدرتها على الوصول إلى نحو نصف احتياطياتها نتيجة لذلك، إذ قال "إن العقوبات الغربية جمَّدت حوالي 300 مليار دولار من أصل 640 مليار دولار من احتياطيات روسيا من الذهب والعملات الأجنبية".
وتشمل مجموعة العقوبات المفروضة من الغرب على روسيا، قبل هذا فرض العقوبات على الذهب الروسي، منع البنك المركزي الروسي من بيع الدولار واليورو والعملات الأجنبية الأخرى من مخزونه الاحتياطي البالغ 630 مليار دولار، كذلك منع بعض المؤسسات المالية الروسية من نظام رسائل "Swift" للمدفوعات الدولية المصرفية، ومعاقبة بعض النخب الروسية التي تربطها علاقات وثيقة بالرئيس فلاديمير بوتين.
روسيا كانت تستعد لهذا اليوم عبر توسيع كنزها الدفين
تم بناء احتياطيات روسيا الضخمة من المعدن الثمين على مدى العقد ونصف العقد الماضيين، وكان الهدف منها أن تكون نوعاً من بوليصة التأمين الاقتصادي للبلاد ضد الضغوط الغربية.
بدأت روسيا في تخزين الذهب بقوة في عام 2014، عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الكرملين بسبب ضمّه شبه جزيرة القرم، مما ضاعف مقتنياته من الذهب.
هذا هو السبب في أنهم اشتروا كل هذا الذهب، حسبما قال فيرجال أوكونور، وهو محاضر في كلية إدارة الأعمال بجامعة كورك في أيرلندا، لـBloomberg: "كان الأمر من أجل أزمة مثل هذه تماماً. ولكن إذا لم يتاجر أحد معك، فلا قيمة للذهب الذي يوجد بين يديك".
الصين والهند لن تشتريا الذهب الروسي
كما ناقش مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون جديد يحظر على المواطنين الأمريكيين إجراء أي صفقة تتعلق بالذهب الروسي.
وناقشت جانيت إل يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، فرض عقوبات على احتياطيات روسيا من الذهب مع مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين أمس الأربعاء، وفقاً لأشخاص مطلعين على الخطط.
وقال السيناتور أنجوس كينج، في بيان: "المعروض الهائل من الذهب في روسيا هو أحد الأصول القليلة المتبقية التي يمكن أن يستخدمها بوتين لمنع اقتصاد بلاده من الانهيار أكثر من ذلك"، مضيفاً: "من خلال فرض عقوبات على هذه الاحتياطيات، سنزيد من عزلة روسيا عن اقتصاد العالم، ونزيد من صعوبة حملة بوتين العسكرية المتزايدة التكلفة".
ومع تحرك الولايات المتحدة وبقية الدول الغربية لاتخاذ إجراءات صارمة بشأن معاملات الذهب، فقد يردع ذلك البنوك في أماكن مثل الصين أو الهند، عن الشراء أو الإقراض مقابل الاحتياطيات الروسية من الذهب.
وسبق أن قال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، إن الولايات المتحدة وحلفاءها سيواصلون تصعيد الضغط على روسيا، محذراً من أن أي تحركات من جانب الصين لتوفير شريان حياة لروسيا أو مساعدتها في التهرب من العقوبات الغربية، قائلاً إن ذلك ستكون له عواقب "قطعاً".
أردف قائلاً إن واشنطن تراقب الآن عن كثب لترى إلى أي مدى قدمت بكين دعماً اقتصادياً أو مادياً لروسيا، وإنه ستكون هناك تبعات تُفرض عليها إذا حدث ذلك.
وقال سوليفان: "لن نسمح لذلك بالاستمرار وأن يكون هناك شريان حياة لروسيا من هذه العقوبات الاقتصادية من أي بلد في أي مكان في العالم".