تحذيرات متكررة وتهديدات مبطنة أحياناً وعلنية أغلب الوقت من الولايات المتحدة تجاه الصين بسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا والعقوبات الغربية على موسكو، فهل تسعى إدارة بايدن لتهيئة المسرح لصدام مع بكين؟
ليس سراً أن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة تسير من سيئ إلى أسوأ خلال السنوات الأخيرة، ثم كان ظهور وتفشي فيروس كورونا مطلع العام قبل الماضي وإطلاق الرئيس السابق دونالد ترامب عليه وصف "الفيروس الصيني" وتبادل واشنطن وبكين الاتهامات بشأن منشأ الفيروس وطبيعته، فصلاً آخر في تدهور تلك العلاقات.
ومع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، أصبحت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين أمراً واقعاً بالفعل، وتزامن ذلك مع تقارب متسارع بين بكين وموسكو، لدرجة أن بايدن عندما عقد قمته الأولى مع بوتين في جنيف في يونيو/حزيران 2021 كانت "الصين" الحاضر الغائب في تلك القمة، مع سعي الرئيس الأمريكي لإقناع نظيره الروسي- بشكل غير مباشر- بألا يرفع من درجة تعاونه مع الصين، بحسب ما نشر من تقارير أمريكية وقتها.
لكن كل ذلك يبدو الآن من الماضي، إذ أدى الهجوم الروسي على أوكرانيا إلى تكريس واقع عالمي جديد يضع موسكو وبكين في جبهة وواشنطن وحلفاءها في جبهة أخرى، وإن كانت الصين لا تزال تمسك العصا من المنتصف كما يقال.
هل تستطيع أمريكا إجبار الصين على تنفيذ العقوبات على روسيا؟
قبل أن يبدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا بأربعة أيام، أعلن الرئيس فلاديمير بوتين، الأحد 21 فبراير/شباط 2022، الاعتراف باستقلال لوغانسك ودونيتسك في إقليم دونباس الأوكراني، ومعها بدأ الغرب في فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، ثم تصاعدت وتيرة تلك العقوبات وحِدَّتها وشمولها مع بدء الهجوم فعلياً.
ومع تواصُل الهجوم الروسي على أوكرانيا تزايدت بشكل متسارع عزلة روسيا على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والرياضية، وحتى الثقافية والسينمائية، ولا تزال القوات الروسية لم تحقق انتصاراً حاسماً وسريعاً كما كان يأمل الرئيس الروسي.
وعلى الرغم من أن الهجوم الروسي على أوكرانيا بدأ 24 فبراير/شباط، إلا أن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشرت تقريراً الأربعاء 9 مارس/آذار قالت فيه إن الصين كانت على علم مسبق بذلك التحرك الروسي العسكري، بل إن بكين هي من طلبت من موسكو تأجيل بدء الهجوم إلى ما بعد نهاية أولمبياد بكين الشتوية، بحسب رواية الصحيفة نقلاً عن مصادر استخباراتية أمريكية.
وكانت الصين قد نظمت الأولمبياد الشتوي في الفترة من 4-20 فبراير/شباط وحضر بوتين حفل الافتتاح جنباً إلى جنب مع نظيره الصيني شي جين بينغ، ووقع الرئيسان عدداً من الاتفاقيات الاقتصادية الضخمة، ستورد بموجبها روسيا إلى موسكو النفط والغاز بمليارات الدولارات على مدى العقد المقبل.
وخلال تلك الفترة، كانت الإدارة الأمريكية تسرِّب بشكل يومي معلومات استخباراتية تتحدث عن الحشود العسكرية الروسية على الحدود الأوكرانية وتحدد كيف ومتى سيبدأ ما وصفته "بالغزو الروسي"، لدرجة أن بايدن حدد يوم 16 فبراير/شباط الماضي كموعد لبداية "الغزو الروسي لأوكرانيا".
ووجهت إدارة بايدن في البداية دعوات لبكين كي تنضم إلى الغرب في إدانة الهجوم الروسي، ثم تحولت تلك الدعوات إلى تحذيرات فتهديدات مباشرة بحق الصين إذا ساعدت روسيا في التخلص من تأثير تلك العقوبات.
والأحد 13 مارس/آذار ذكرت صحيفتا فايننشال تايمز وواشنطن بوست- نقلاً عن مسؤولين أمريكيين- أن روسيا طلبت من الصين عتاداً عسكرياً منذ بداية ما وصفته واشنطن بالغزو الروسي لأوكرانيا، وقالت صحيفة واشنطن بوست إن المسؤولين الأمريكيين الذين لم تكشف عن هوياتهم لم يذكروا نوع الأسلحة التي طلبتها روسيا أو كيف كان رد الصين.
لكن وزارة الخارجية الصينية رفضت التقارير الأمريكية ووصفتها بأنها "أخبار كاذبة مصدرها الولايات المتحدة"، وأضافت أن تلك الأكاذيب تأتي في إطار "المؤامرة الأمريكية الهادفة إلى خلق ظروف مواتية للمواجهة مع الصين".
واجتمع مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان في روما قبل أيام مع يانغ جيه تشي أكبر دبلوماسي صيني، لمدة 7 ساعات متواصلة، وجه خلالها سوليفان تحذيرات لبكين من أن واشنطن وحلفاءها سيفرضون عقوبات قاسية على الصين إذا تدخلت لإنقاذ روسيا ومساعدتها في "غزوها لأوكرانيا"، بحسب موقع شبكة ABC News الأمريكية.
استفزازات للصين بشأن تايوان؟
السبت 19 مارس/ آذار، وصف الجيش الصيني مرور المدمرة الأمريكية رالف جونسون في مضيق تايوان يوم 17 مارس/آذار بأنه تصرف "استفزازي" من جانب الولايات المتحدة بعث برسالة خاطئة إلى القوى المؤيدة لاستقلال تايوان.
وقال متحدث باسم الجيش الصيني في بيان إن مثل هذا التصرف "خطير للغاية" مضيفاً أنه تم وضع قوات لرصد مرور المدمرة رالف جونسون، بحسب تقرير لرويترز.
وتقول الصين إن تايوان أكثر القضايا حساسية وأهمية في علاقاتها مع الولايات المتحدة، وليس لواشنطن علاقات دبلوماسية رسمية مع تايبيه، لكنها أهم داعم دولي لتايوان وأهم مورد سلاح لها.
وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ لنظيره الأمريكي جو بايدن الجمعة 18 مارس/آذار إن قضية تايوان تحتاج إلى أن تُعالج بشكل سليم من أجل تجنب أي تأثير سلبي على العلاقات الصينية الأمريكية.
وتثير النبرة العدائية من إدارة بايدن تجاه الصين في هذا التوقيت تساؤلات عديدة بشأن الغرض من تلك التصريحات والتصرفات، كمرور المدمرة من خليج تايوان، فهل تريد واشنطن زيادة الضغوط على بكين كي تردعها عن مساعدة موسكو فعلاً؟ أم أن الهدف هو إظهار القوة وأن أمريكا لا تخشى المواجهة، في ظل اتهامات الجمهوريين لإدارة بايدن بالضعف.
ماذا تقول الصين؟
تظهر الصين تحدياً واضحاً في وجه الولايات المتحدة ولا تخفي بكين موقفها المتفهّم لدوافع روسيا من الهجوم على أوكرانيا، وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية الصيني وانغ يي بقوله إن الصين تقف على الجانب الصحيح من التاريخ بشأن الأزمة الأوكرانية، كما سيثبت الوقت ذلك، وإن موقفها يتماشى مع رغبات معظم الدول.
ونقل بيان نشرته وزارة الخارجية الصينية الأحد 20 مارس/آذار عن وانغ قوله للصحفيين إن "الصين لن تقبل أبداً أي إكراه أو ضغط خارجي، وتعارض أي اتهامات لا أساس لها أو مريبة ضد الصين".
وجاءت تصريحات وانغ بعد أن قالت تقارير أمريكية إن الرئيس الأمريكي بايدن وجه تحذيرات لنظيره الصيني شي جين بينغ الجمعة من "عواقب" إذا قدمت بكين دعماً مادياً لغزو روسيا لأوكرانيا.
وقال شي خلال اتصال عبر الفيديو لبايدن إنه لا بد من انتهاء الحرب في أوكرانيا في أقرب وقت ممكن، ودعا دول حلف شمال الأطلسي إلى إجراء حوار مع موسكو. ولكنه لم ينح باللوم على روسيا، وذلك حسب بيانات أصدرتها بكين بشأن الاتصال.
وقال وانغ إن أهم رسالة بعث بها شي هي أن الصين تمثل دائماً قوة للحفاظ على السلام العالمي: "ندافع دائماً عن الحفاظ على السلام ومعارضة الحرب"، مؤكداً أن الصين ستصدر أحكاماً مستقلة.
وأضاف وانغ أن "موقف الصين موضوعي وعادل ويتماشى مع رغبات معظم الدول. وسيثبت الوقت أن مواقف الصين في الجانب الصحيح من التاريخ".
كما قال نائب وزير الخارجية لي يوتشنغ في يوم السبت، أيضاً، إن العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على روسيا بشأن أوكرانيا أصبحت "شائنة" بشكل متزايد.
وأضاف لي في منتدى أمني في بكين: "العقوبات ضد روسيا صارت شائنة بشكل متزايد"، مشيراً إلى أن المواطنين الروس يتم حرمانهم من الأصول خارج بلدهم "بدون سبب".
وتابع قائلاً: "أثبت التاريخ مراراً أن العقوبات لا يمكن أن تحل المشكلات. تضر العقوبات عامة الناس فقط، وتؤثر على النظام الاقتصادي والمالي.. وتزيد من سوء وضع الاقتصاد العالمي".
وعلى الرغم من تأكيد بكين اعترافها بسيادة أوكرانيا، فقد قالت مراراً إن لدى روسيا مخاوف أمنية مشروعة لا بد من معالجتها، وحثت على التوصل لحل دبلوماسي للصراع.
ومع مرور الوقت، أصبح واضحاً أن الحرب في أوكرانيا ستكون أطول مما توقع الكرملين، وهو ما يعني أن تداعيات العقوبات قد يكون لها تأثير أقوى مما كان متوقعاً في البداية، وهنا تأتي خشية الولايات المتحدة من أن تتدخل الصين لإنقاذ الاقتصاد الروسي من الانهيار، بحسب بعض المحللين.
لكن الصين، من وجهة نظرها كما تعكسها وسائل الإعلام في بكين، ترى أن الولايات المتحدة تريد مساعدة الصين في محاصرة روسيا وإضعافها، ومن ثم يأتي الدور على بكين، إذ لا تخفي واشنطن رغبتها في "احتواء" التنين، وهو ما ترفضه الصين تماماً.