لم يتوقف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ووزراؤه عن مطالبة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بفرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا خلال الهجوم الروسي الدائر منذ ثلاثة أسابيع، وكان الرفض القاطع من الناتو هو الرد الدائم.
على أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى حريصة على تكثيف إمداداتها من منظومات الدفاع الجوي، وهي بديل يقول مسؤولون غربيون إنه "ليس أسهل فقط وإنما يصب في مصلحة الجيش الأوكراني أيضاً".
وقد وافقت الولايات المتحدة، الأربعاء 16 مارس/آذار 2022، على إرسال حزمة أسلحة جديدة إلى كييف تشمل 100 طائرة مسيَّرة من طراز كاميكازي و800 صاروخ ستينغر محمول مضاد للطائرات. وهذا فضلاً عن صواريخ ستار ستريك أرض-جو المحمولة عالية السرعة القادمة من المملكة المتحدة، ومنظومات أخرى قادمة من الدنمارك وألمانيا وإيطاليا وجيوش أخرى في الاتحاد الأوروبي.
وتجري الولايات المتحدة مفاوضات أيضاً مع دول أوروبا الشرقية لتوفير منظومات الدفاع الجوي السوفييتية إس-300؛ لتجديد احتياطيات أوكرانيا منها.
"كل ما تحتاجه أوكرانيا هو ذخيرة دفاع جوي"
يقول مسؤول استخباراتي بارز في حلف الناتو لصحيفة Financial Times البريطانية، إن "عدم تمكن الروس من تحقيق تفوق جوي نتيجة مباشرة لفعالية الدفاع الجوي الأوكراني. ومن المنظور الأوكراني، فقائمة الأشياء التي يطلبونها محددة للغاية: ذخيرة دفاع جوي".
ويُشار إلى أن خيار فرض حظر طيران عقباته لا تعد ولا تحصى. أولاها وأهمها أنه يقتضي وجود طائرات ناتو لفرضه، وهذا يعني مهاجمة أي طائرة روسية تنتهكه، وهذه الخطوة قد تؤدي إلى حرب أكبر بين الناتو وروسيا. وهذا سيتطلب من الحلف العسكري أيضاً ضرب أنظمة الدفاع الجوي الروسية داخل روسيا؛ لتعطيلها ومنعها من مهاجمة طائرات الناتو.
وقال بن والاس، وزير الدفاع البريطاني، الأربعاء 16 مارس/آذار: "هل سنطلق صواريخ على روسيا ذات السيادة؟ لنقلها بصراحة: لن نفعل".
وأشار والاس أيضاً إلى أن منطقة حظر الطيران التي تطالب بها أوكرانيا ستنطبق على جميع الأطراف، وليس الروس فقط، وقال: "لا أظن أنها ستخدم أي جهة سوى الروس".
وأضاف: "الروس لديهم كمٌّ هائل من المدفعية الأرضية والصواريخ الدقيقة… ومن الأسلحة القليلة التي يملكها الأوكرانيون للوصول إلى هذه الأسلحة في العمق، الطائرات المسيرة والطائرات. وإذا خرجت من القتال فبإمكان الروس اللجوء إلى القصف العشوائي المتكرر، لأنه لا شيء يمكنه مهاجمتهم".
واشنطن: "الهجمات الروسية لا يمكن منعها بمنطقة حظر طيران"
من جانبه، قال وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، إن الرئيس الأمريكي جو بايدن تعهد بعدم خوض قتال مباشر مع روسيا، وهو ما يتطلبه فرض حظر طيران. وقال: "ما من طريقة سهلة أو بسيطة لفعل ذلك. منطقة حظر الطيران تعني أنك في حرب شاملة".
وقال أوستن يوم الخميس 17 مارس/آذار، إن الهجمات القاتلة التي تشنها روسيا لا يمكن منعها بمنطقة حظر طيران، وأشار إلى هجوم بصاروخ كروز روسي على قاعدة عسكرية أوكرانية بالقرب من الحدود البولندية، أسفر عن مقتل أكثر من 35 شخصاً.
أضاف أوستن في أثناء وجوده بالعاصمة السلوفاكية براتيسلافا: "منطقة حظر طيران ما كانت لتمنعه. ومن المشكلات الأخرى المرتبطة بفرض منطقة حظر طيران، التأكد من أن الجنود على الأرض، المسلحين بصواريخ دفاع جوي مقدمة من الغرب، مدرَّبون جيداً بما يكفي للتفريق بين طائرات الدوريات المحايدة والأعداء".
حول ذلك، يقول كريستوفر دونيلي، المستشار السابق لحلف الناتو في شؤون الجيش الروسي: "لا تنسوا أننا أغرقنا الحرب بأسلحة خفيفة مضادة للطائرات. فهل يمكنك تمييز ميغ 29 من طائرة إف-15 كبيرة قادمة نحوك بذيل H؟ معظم الناس لا يمكنهم، سواء أكانوا جنوداً أم غير ذلك. المشكلة في منطقة حظر الطيران هي أنها غير عملية إطلاقاً".
"منطقة حظر الطيران ورقة مساومة ليس أكثر"
كما يقول محللون إن تغيير الاتجاه من منطقة حظر طيران إلى تعزيز قدرات دفاع جوي أوكرانية أكد أن معركة السيطرة على السماء شديدة الأهمية لنتيجة الحرب. وقال مسؤول عسكري أوروبي من منطقة البلطيق إن الأيام المقبلة منعطف حاسم لأوكرانيا، التي هي في حاجة ماسة لإمدادات أنظمة الدفاع الجوي.
وأشار إلى أن الدعوات إلى فرض منطقة حظر طيران ورقة مساومة أكثر من كونها مقترحاً جاداً في كييف: "ما يحتاجون إليه، وما يعرفون أنهم بحاجة إليه، أكثر من غيره هو أنظمة دفاع جوي قوية".
حتى الآن، حرصت أوكرانيا على استخدام صواريخها المضادة للطائرات ذات التصميم السوفييتي، بحذر. وقال جاستن برونك، الباحث في القوة الجوية بمعهد رويال يونايتد للخدمات في المملكة المتحدة: "لقد نظموا استخدامها وحققوا بعض النجاح في ضرب الطائرات الروسية ذات الأجنحة الثابتة والصواريخ".
على أن الدفاعات الأوكرانية أُسقطت أيضاً. إذ يزعم الجيش الروسي أنه دمر 123 من أصل 350 منظومة إس-300 كانت أوكرانيا تمتلكها في بداية الحرب.
ومخزونات الصواريخ الآن لدى أوكرانيا تراجعت بدرجة خطيرة أيضاً. وأصبحت القوات الأوكرانية أكثر انتقائية فيما تستهدفه، حيث تتجاهل الصواريخ الروسية وتكتفي بالتركيز على الطائرات الأعلى قيمة.
ما أهم الأسلحة التي تعزز صمود أوكرانيا حتى في معركتها مع روسيا؟
يقول مسؤولون غربيون إنَّه بعد نحو 3 أسابيع من المعارك دخلت روسيا إلى "عش الدبابير" من خلال الحرب على أوكرانيا، واستهانت بقدرتها على القتال؛ ما أدى إلى بطء التقدم الروسي وزيادة استخدام القصف العشوائي، من خلال اللجوء إلى قصف مدن أوكرانية بالمدفعية، بحسب ما تذكره صحيفة The Times البريطانية.
ويقول مسؤول غربي للصحيفة إن المعارك تتفاقم، بسبب فشل القوات الروسية منذ اليوم الأول، في تدمير قدرات الدفاع الجوي الأوكرانية بالكامل كما كانت تهدد، مضيفاً أنَّ روسيا اعتقدت أنها ستكون لها الهيمنة الجوية منذ البداية. لكن على النقيض من ذلك، كانت أوكرانيا "أذكى" في استخدام القوات ونصب كمائن للقوات الروسية المتقدمة وضرب الأرتال العسكرية المتقدمة بالطائرات المسيرة، وركزت أيضاً على الدفاع عن المدن بدلاً من الريف، ونجحت في إبطاء التقدم الروسي، عبر العديد من الأسلحة التي حصلت عليها من حلفائها خلال الفترة الماضية.
وكانت القوات المسلحة الأوكرانية على مر التاريخ تعتمد إلى حد كبير على المعدات التي صُنعت في الأصل بروسيا أو قبل ذلك الاتحاد السوفييتي، ولكن تم تعزيز ذلك تدريجياً بواسطة الأسلحة الغربية على مدار السنوات الثلاث الماضية والتي تعتبر الآن ضرورية لوقف تقدم الدبابات الروسية.
ومن أبرز الأسلحة التي تساعد أوكرانيا على الصمود وصدّ العدوان الروسي حتى الآن، طائرات بيرقدار المسيّرة التركية، حيث تقول كييف إن القوات الروسية تكبدت خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد ولم تنجح في عملياتها حتى الآن بفضل ضربات الطائرات المسيرة.
إلى جانب ذلك، نجحت القوات الأوكرانية، خلال الأيام الماضية، في تدمير العديد من الدبابات والمدرعات الروسية ووقف تقدُّمها بواسطة صواريخ جافلين أمريكية الصنع التي يطلق عليها البعض لقب "جزار الدبابات".
إضافة إلى جافلين، قامت المملكة المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية بتزويد أوكرانيا بأنظمة أسلحة دفاعية مضادة للدروع من طراز (NLAW)، وأظهرت صور من أوكرانيا طائرات النقل البريطانية ممتلئة بالجيل التالي من الصواريخ المضادة للدبابات (NLAW)، حيث تعد هذه الصواريخ سلاح قتال رئيسياً مضاداً للدروع، وهي نظام بريطاني-سويدي مشترك للصواريخ المضادة للدبابات قصيرة المدى، وتعمل أيضاً على نظام "أطلِق وانسَ".
وقبل بدء الاجتياح الروسي لأوكرانيا وخلاله، تسلمت كييف من الولايات المتحدة الأمريكية وجاراتها من دول البلطيق وحتى هولندا وألمانيا، شحنات كبيرة من صواريخ ستينغر الأمريكية المضادة للطائرات، التي تمتلك قدرة هائلة ودقيقة على ضرب الهدف الجوي في أي جزء منه.
إلى جانب ستينغر، أسهمت صواريخ الدفاع الجوي قصيرة المدى مثل صواريخ "سام-3"، في كسر فرض السيادة الجوية الكاملة لروسيا بأجواء المدن الأوكرانية بشكل عام والعاصمة بشكل خاص، ونجحت في إسقاط بعض المقاتلات والمروحيات، بحسب ما أعلنته وزارة الدفاع الأوكرانية.