انضم مزيج من الأسلحة الدولية و"المتطوعين الأجانب" ضمن ما يعرف بـ"الفيلق الدولي" إلى الجهود الأوكرانية لعرقلة الاجتياح الروسي في الأسبوع الثالث من الصراع، ويلعب هذا المزيج الآن دوراً متنامياً مع انتشار القتال، كما يقول تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
وانضم وزير الدفاع الجورجي السابق، إراكلي أوكرواشفيلي، الأسبوع الماضي، إلى وحدة أوكرانية من المقاتلين الأجانب أُنشِئَت لمواجهة الاجتياح الروسي على عجل. وبعد ثلاثة أيام، تواجه هو ومجموعة من مواطني بلاده كجنود قوات خاصة سابقين مع القوات الروسية شمال كييف.
وقال أوكرواشفيلي للصحيفة الأمريكية إنَّ "الوحدة الجورجية" أعطبت عربتين مدرعتين روسيتين، قبل أن تتعرَّض لرد مدفعي مستمر من مدافع هاوتزر عيار 152 ملم. وبعد عدة ساعات، قصفت طائرات أوكرانية مواقع المدفعية الروسية، ما أدى إلى إسكاتها.
وأضاف أوكرواشفيلي: "لقد مررنا بهذا الطريق بالفعل في 2008، حين خضنا حرباً مع روسيا"، في إشارة إلى غزو موسكو لجورجيا ذلك العام. وأضاف: "أوكرانيا لا تقاتل فقط لأجل حريتها وسيادتها واستقلالها. هذه ليست حرب أوكرانيا وحدها".
"الفيلق الدولي" في أوكرانيا يلعب دوراً متنامياً في المعركة مع روسيا
ترحب كييف بكل أنواع الدعم الخارجي، وتُعَد القوات الموجودة لديها أصغر بكثير من القوات الروسية وغير قادرة على قتالها على قدم المساواة. فوفقاً للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، ومقره لندن، يبلغ تعداد القوات المسلحة الروسية 900 ألف فرد، مقارنةً مع 209 آلاف من القوات الأوكرانية النشطة. ولا يشمل العدد الأوكراني عمليات التعبئة الأخيرة.
ولمعالجة هذا الاختلال، أعلن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الشهر الماضي، فبراير/شباط، عن تشكيل ما سماه "الفيلق الدولي للدفاع عن أوكرانيا"، مناشداً قدامى المحاربين خارج بلاده ممن يملكون مهارات وخبرة متخصصة في الحرب الانضمام إلى المعركة. وتُعَد الوحدات الدولية مكوناً ضمن القوات المسلحة النظامية للبلاد وتخضع لرئاسة أركانها. وأكَّد متحدث باسم الفيلق أنَّ بعض الوحدات الأجنبية تقاتل بالفعل على الجبهة.
وقالت روسيا إنَّها ستعتبر هؤلاء المقاتلين الأجانب مرتزقة. وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إنَّهم، في حال وقعوا في الأسر، لن "يتمتعوا بوضعية أسرى الحرب" بموجب اتفاقيات جنيف.
وحضَّت الولايات المتحدة، شأنها شأن الكثير من البلدان الأخرى، مواطنيها على عدم الذهاب للقتال في أوكرانيا، لأنَّ ذلك قد يكون له تداعيات قانونية وأمنية. وسحبت وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تروس، هذا الأسبوع، دعمها لذهاب المواطنين البريطانيين إلى أوكرانيا للقتال.
لكن تقول كييف إنَّ 20 ألف أجنبي قد التحقوا بالفيلق الدولي، وإنَّ موقع الفيلق شهد قرابة 13 مليون زياردة خلال ساعاته الـ24 الأولى.
وقال المتحدث باسم الفيلق إنَّ الفيلق يسعى لجذب محاربين قدامى ذوي خبرة قتالية، وإنَّ عدداً من المواطنين الأمريكيين والبريطانيين الذين خدموا في العراق وأفغانستان قد سجَّلوا أنفسهم بالفعل.
آلاف المقاتلين الأمريكيين والأوروبيين يعبرون نحو أوكرانيا
وفقاً لمسؤول في السفارة الأوكرانية في وارسو، تُوجِّه البعثات الدبلوماسية الأوكرانية في الخارج المجندين عبر بولندا، ويصل إلى هناك متطوعون من بيلاروسيا وبلجيكا وألمانيا والسويد وعشرات البلدان الأخرى.
ويوم الجمعة الماضي، 11 مارس/آذار، كان يوجد المزيد من المتطوعين في محطة قطار برزيميسل، يستعدون لعبور الحدود من أجل القتال مع القوات الأوكرانية، سواء مع الفيلق الدولي أو مجموعات المقاتلين غير الرسمية. وكان الكثيرون منهم يحملون حقائب مموهة وكانوا يتحدثون اللغة الإنجليزية بدلاً من مزيج اللغات السلافية الذي عادةً ما يُسمَع هناك، كما يقول مراسل صحيفة "وول ستريت جورنال".
وقال أحد قدامى المحاربين الأمريكيين (30 عاماً)، من ولاية ماساتشوستس، إنَّه يريد مساعدة القضية الأوكرانية بما يستطيع. وأضاف للصحيفة: "لقد خدمتُ في أفغانستان".
وقال ماتياس كوتيك (32 عاماً)، إنَّه خدم لمدة عام في جيش جمهورية التشيك عام 2010. وكان متجهاً أيضاً إلى أوكرانيا، حاملاً معه حقيبة ظهر صغيرة فقط. ولم يخبر كوتيك، الذي يعمل حالياً حارساً أمنياً خاصاً، والديه أو ابنته ذات الأربعة أعوام بالديار عن وجهته.
وقال: "أنا فقط لم يسعني البقاء بالمنزل وعدم فعل شيء"، مضيفاً أنَّه لم يشارك قط في معركة بأسلحة نارية ولا يملك أي عتاد عسكري باستثناء سترة تكتيكية. وتابع: "أنا قلق بعض الشيء".
مرتزقة أمريكيون ظهروا من قبل في معارك دونباس
وقاتل الأجانب في دونباس شرقي أوكرانيا خلال سنوات الحرب الثماني التي سبقت غزو روسيا الأوسع نطاقاً للبلاد الشهر الماضي، حيث تحقق وزارة العدل الأمريكية في دور عدد من الأمريكيين في جرائم حرب بدونباس، كما تقول "وول ستريت جورنال".
وقد اتُّهِم أحدهم، كريغ لانغ، بمؤامرة للقتل العمد على صلة بعملية قتل مزدوجة وقعت في ولاية فلوريدا الأمريكية عام 2018، وهو يقاوم الآن جهود تسليمه للولايات المتحدة، حيث يقول لانغ إنَّه بريء.
تزعم كييف، من خلال الفيلق الدولي، أنها تحكم قبضتها أكثر على تدفق المقاتلين الذين عادةً ما ينجذبون للحروب، فتضفي بذلك الطابع الرسمي على مشاركة المقاتلين الأجانب وتُوجِّه قدامى المحاربين ذوي المهارات القيمة وخبرات المعارك إلى أكثر المناطق التي تحتاجهم أوكرانيا فيها.
وقال المتحدث إنَّ الفيلق في الوقت الراهن يمنح الأولوية لإنشاء وحدات مشاة وتخصيص المقاتلين الأجانب بناءً على مهاراتهم الفردية.
جاء بعض الأجانب إلى أوكرانيا واعتبروا أنَّ الفيلق الدولي ممارسة دعائية أكثر منه قوة عملية، وانضموا بدلاً من ذلك إلى كتائب قتالية غير رسمية أو "قوات الدفاع الإقليمي الأوكرانية"، وهي ميليشيا رسمية تتكون من مواطنين.
وقال مسؤول أوكراني رفيع، الأربعاء 9 مارس/آذار، إنَّه يُطلَب من المتطوعين الذين ينضمون إلى الفيلق الدولي توقيع عقد يلزمهم بالخدمة العسكرية فترة الحرب، يمكن أن يؤهلهم للحصول على الجنسية الأوكرانية.
يساعد ماتيو باركر، وهو من قدامى محاربي الجيش الأمريكي ومحقق خاص في ولاية ساوث كارولينا، السفارة الأوكرانية في العاصمة واشنطن من خلال فحص أولئك الراغبين في التطوع.
وقال إنَّه منح التصريح لمجموعة من 10 من قدامى المحاربين، معظمهم يملك أكثر من 10 سنوات من الخبرة العسكرية وخدم في أفغانستان أو العراق.
وأضاف باركر أنَّ مجموعته تضم مُشغِّلي طائرات مُسيَّرة، وخبراء في الاتصال عبر الأقمار الصناعية، ورجالاً يعرفون كيفية استخدام أسلحة جافلين المضادة للدروع وصواريخ ستينغر أرض – جو، وهما سلاحان تقدمهما الولايات المتحدة والبلدان الغربية لأوكرانيا بأعداد كبيرة مؤخراً.
لكن البعض ندموا على الذهاب إلى أوكرانيا وقرروا العودة إلى ديارهم
شقَّ متطوعون آخرون طريقهم إلى نقطة تجمُّع مُعدَّة سلفاً، وهي محطة بنزين على بُعد ميل واحد (1.6 كم) من الحدود البولندية قرب مدينة لفيف غربي أوكرانيا. وذات صباح في الأسبوع الماضي، انضم بيكيم زيكيري (27 عاماً) وهو من قدامى محاربي الجيش الأمريكي، هناك إلى متطوعين آخرين.
وقال زكيري لاحقاً في رسالة نصية إنّ المُقيِّمين العسكريين في ثكنة قريبة وضعوه ضمن مجموعة من قوات الرد السريع، وحصل على زي عسكري أوكراني، وحقيبة نوم، وسترة واقية من الرصاص، وبندقية شبه أوتوماتيكية من طراز AK-74، و120 طلقة ذخيرة.
وفي اليوم التالي، حين أصبح بالفعل في كييف، قال إنَّه شعر بخيبة أمل لعدم الحصول على أسلحة أمريكية متطورة. وكان قلقاً أيضاً بشأن قافلة من الدبابات والقوات الروسية التي سمع أنَّها تتقدم جنوباً نحو العاصمة.
وقال زكيري: "لم يكن هذا ما اعتقدته يا صاح، جدياً. أين سلاحي من طراز M4؟ أين سلاحي الجافلين؟".
وقال إنَّه يفتقد غناء الراب في الملاهي الليلية ويُفضِّل العودة على فعل ما يفعله في أوكرانيا. وفي اليوم التالي، مع شروق الشمس، وصل زكيري إلى لفيف بالحافلة واستقل سيارة أجرة باتجاه الحدود. وكتب في رسالة نصية أخيرة: "بولندا أخيراً".
إعلانات تجنيد لمحاربين متقاعدين تعد بمرتبات تصل لـ3 آلاف دولار في اليوم في أوكرانيا
وكان تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، نشر 3 مارس/آذار 2022، قال إن هناك متعاقدين عسكريين خاصين أمريكيين وأوربيين يتمتعون بخبرة حرب كبيرة بين المتطوعين للمشاركة في القتال في أوكرانيا. إضافة إلى ذلك، هناك متعاقدون خاصون يَصلون إلى البلاد لأغراض الإخلاء والإجلاء والدفاع بعد توظيفهم من الشركات الخاصة.
ويتحدث الموقع عن إعلانات تجنيد ظهرت في الآونة الأخيرة على موقع Silent Professionals، وهو موقع إلكتروني مخصص لوظائف الدفاع والأمن الخاص، يبحث عن العديد من "وكلاء الإخلاء والحماية"؛ لإجراء عمليات إجلاء للأفراد والعائلات في جميع أنحاء ريف أوكرانيا والمدن الكبرى.
حيث يقول الإعلان: "صاحب العمل شركةٌ مقرها الولايات المتحدة. وترحب بتقدُّم الوكلاء من الذكور والإناث". ويضيف: "لن يُنظَر إلا في طلبات التقديم الخاصة بالمرشحين ذوي الخبرة العالية الذين يمتلكون ما لا يقل عن 5 سنوات من الخبرة العسكرية في هذه المنطقة من أوروبا".
كما يقول الإعلان إنَّ المقابل المادي سيكون 1000 إلى 2000 دولار في اليوم، وستكون المكافأة متاحة بعد إتمام العملية.
في سياق متصل قال متعاقدان عسكريان خاصان من أصل تركي يحملان الجنسية الأوروبية، لموقع Middle East Eye، إنَّ هناك شركات أخرى توظف أشخاصاً لوظائف مماثلة بأجر يومي يصل إلى 2000 إلى 3000 يورو.
وقال متعاقد عسكري خاص للموقع البريطاني: "المتطوعون يذهبون إلى هناك، هذا صحيح، لكن الجنود المحترفين سيذهبون أيضاً"، مضيفاً أنه اعتباراً من 2 مارس/آذار2022، تجاوز عدد "المحترفين" المتجهين إلى أوكرانيا ألف شخص. وأضاف أنَّ نحو 100 منهم من الفيلق الأجنبي الفرنسي.
تابع المتعاقد: "أخبرهم الفيلق الفرنسي بأنه لا ينبغي لهم حمل أية هوية معهم، وإذا أُلقي القبض عليهم، فلن يقولوا إنهم حصلوا على الإذن للذهاب". وقال: "قررت عدم الذهاب، لكن الأشخاص الذين لديهم خبرة عسكرية كبيرة ويتحدثون أيضاً اللغة المحلية من سلوفاكيا وبولندا ولاتفيا قد بالفعل ذهبوا إلى أوكرانيا".
من جانبها قالت الحكومة الأوكرانية إنَّ أي متطوع يمكنه تقديم طلب إلى ملحق الدفاع بجوازات سفره ووثائقه التي تُظهر أنه يتمتع بالخدمة العسكرية والخبرة القتالية.
ثم يخضع المتطوعون لعملية تدقيق؛ بحثاً عن روابط التطرف والإرهاب. وقالت الحكومة إنه بمجرد دخول المتطوعين الأراضي الأوكرانية تحت إشراف حكومة كييف، فإنهم سيوقعون عقداً للانضمام إلى الفيلق الأجنبي.