مع تصاعُد التوترات مع روسيا بعد اجتياحها أوكرانيا وارتفاع مخاطر صدامها مع الناتو، تحاول الولايات المتحدة الأمريكية تسريع خططها في تطوير صواريخ وأسلحة فرط صوتية، الأسلحة الأكثر إثارة للجدل والأكثر تكلفة، والتي تتفاخر روسيا والصين بالتقدم الكبير الذي أحرزته فيها، فإلى أين وصلت واشنطن في خططها لتطوير الأسلحة الفرط صوتية؟
بوتين يهدد الغرب بأحدث أسلحته الفرط صوتية
في أوائل شهر فبراير/شباط 2022، وعلى وقع حشد روسيا عشرات الآلاف من جنودها على حدود أوكرانيا استعداداً لاجتياحها، اجتمع مسؤولون تنفيذيون من أكثر من اثنتي عشرة شركة دفاعية أمريكية مع كبار قادة البنتاغون، لمناقشة مستقبل الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والتي أصبحت على المحك، حيث من المتوقع أن تكون الحكومة الأمريكية قد أنفقت 15 مليار دولار على الجهود المبذولة في تطوير هذه التكنولوجيا بين عامي 2015 و2024، بحسب تقرير لموقع defense news العسكري الأمريكي.
وكان تصريح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي قاله نصف متفاخر ونصف مُحذِّر، بأنَّ بلاده ستُدخِل صواريخ فرط صوتية تُطلَق من البحر إلى الخدمة عام 2022 إشارة قوية للغرب، لا سيما في وقتٍ يقول فيه إنَّ أي انتشار لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في أوكرانيا سيُمثِّل "خطاً أحمر".
وتزامن تصريح بوتين مع الاختبار الأخير لصاروخ "تسيركون" Tsirkon 3M22، أحدث وأقوى الأسلحة الروسية الفرط صوتية، وعلى وقع احتشاد عشرات الآلاف من القوات الروسية على الحدود الأوكرانية، التي كانت تستعد لاجتياح أوكرانيا، وهو ما وقع بالفعل في 24 فبراير/شباط 2022.
وقال بوتين، الذي يندد دوماً بتوسع الحلف على عتبات روسيا، إنَّه إذا كان زمن الرحلة من أوكرانيا إلى موسكو خمس دقائق "في حال استخدام سلاح فرط صوتي"، فإنَّ بلاده يمكن أن ترد بالمثل. وأضاف بوتين: "يمكننا فعل ذلك الآن"، في إشارة إلى أنَّ روسيا قد حصلت على أفضلية على الولايات المتحدة والغرب في سباق الصواريخ الفرط صوتية، التي تُعَد أسرع وأكثر مرونة من الصواريخ العادية، وبالتالي تفرض صعوبات أكثر على منظومات الدفاع الصاروخي.
وتبلغ سرعة الصاروخ تسيركون 9 ماخ. وقد أُطلِقَ عدة مرات منذ يناير/كانون الثاني 2020، من فرقاطة "أدميرال غورشكوف"، التابعة لأسطول الشمال الروسي. وتقول موسكو إنَّ بإمكانه إصابة أهداف على مدى يصل إلى 1000 كم.
قال برنت إيستوود، محرّر شؤون الدفاع والأمن القومي بمجلة "1945"، وهي مجلة للسياسة الخارجية بواشنطن العاصمة، لمجلة Newsweek الأمريكية: "بافتراض أنَّ السلاح مزدوج الاستخدام، أي أنَّه تقليدي وقادر على حمل رؤوس نووية، أظن أنَّه يقلب الميزان النووي مع الولايات المتحدة. وباعتباره صاروخاً مضاداً للسفن فإنَّه قد يسحق نظام الدرع القتالي (أيغيس) الأمريكي".
وأضاف: "يحتاج نظام أيغيس من ثمان إلى عشر ثوان لرد الفعل من أجل اعتراض الصواريخ القادمة، لكن خلال ذلك الوقت سيكون صاروخ تسيركون قد قطع بالفعل مسافة 12 ميلاً (حوالي 19 كم) على الأقل، ولا بد أن نشعر بالقلق حيال إمكانية إطلاق تسيركون عن غير قصد، بما قد يشعل تبادل إطلاق نار نووي".
الأسلحة الفرط صوتية.. روسيا والصين تتقدمان وأمريكا لا تزال متأخرة عن الركب
لا يمتلك حالياً أسلحة تشغيلية فرط صوتية سوى دولتين فقط في العالم، هما روسيا والصين. ومع ذلك تقول مجلة National Interest الأمريكية: "من المهم أن نتذكر أنَّ مصطلح "تشغيلية" مصطلح لا موضوعي، إذ تمتلك روسيا، ربما أكثر من أية دولة أخرى، تاريخاً طويلاً من ادعاء قدرات عسكرية قبل إتقانها حقاً".
لكن المجلة الأمريكية تقول إنَّ نشر هذه الأسلحة المتقدمة يظل يمثل مصدراً مهماً للمكانة الدولية والنفوذ الدبلوماسي. على المسرح العالمي تُترك معظم الدول مضطرة إلى افتراض أنَّ هذه الأنظمة يمكن أن تعمل كما هو معلن عنها، من أجل التخطيط وفقاً لذلك في حالة تشغيلها حسبما قيل.
وأجرت الصين مئات التجارب على الصواريخ الباليستية فرط الصوتية، وضمن ذلك اختباران في صيف 2021، دارت خلالهما الصواريخ حول الكرة الأرضية، وهناك عدة دول أخرى تبحث الأمر كذلك، من ضمنها المملكة المتحدة والهند.
وبينما تحوم في الخلفية التجارب والاختبارات الصينية والروسية المستمرة رفيعة المستوى حول الصواريخ الفرط صوتية، تثار العديد من الأسئلة في الداخل الأمريكي، حول ما إذا كانت الولايات المتحدة على المسار الصحيح.
وبحسب "ديفينس نيوز"، تمر وزارة الدفاع الأمريكية بلحظة حرجة فيما يتعلق بتكنولوجيا الأسلحة التي تتجاوز سرعتها سرعة الصوت، والآن أصبحت مجموعة كبيرة من الخبراء تحث الحكومة على إضافة موارد لبناء مجموعة من أجهزة الاستشعار والأقمار الصناعية وغيرها من التقنيات، لتحسين قدرة أمريكا على الدفاع ضد الهجمات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ولصقل استراتيجيتها بشكل أفضل لكيفية ذلك.
من جهتها، ذكرت مجلة Politico الأمريكية، أنَّ الجنرال ديفيد طومسون، نائب رئيس عمليات الفضاء الأمريكية، دقَّ ناقوس الخطر في نوفمبر/تشرين الثاني، قائلاً إنَّ الولايات المتحدة "ليست متقدمة بقدر الروس، أو الصينيين، من حيث البرامج الفرط صوتية".
وفي الأشهر الأخيرة، طرح وزير القوات الجوية فرانك كيندال أسئلة محددة بشكل متكرر، حول الغرض الذي يجب أن يلعبوه في ترسانة الولايات المتحدة، وما إذا كانت الأسلحة الفرط صوتية تستحق الثمن الباهظ.
وقال كيندال في جلسة 15 فبراير/شباط 2022 مع معهد ميتشل لدراسات الفضاء: "السؤال هو: هل يمكنك القيام بالمهمة باستخدام الصواريخ التقليدية بتكلفة أقل، وبنفس الفاعلية؟"، وأضاف: "أسلحة فرط الصوت هي وسيلة لاختراق الدفاعات، لكنها ليست الطريقة الوحيدة لذلك".
ما هي الأسلحة الفرط صوتية، ولماذا يعد امتلاك روسيا والصين لها اختباراً كبيراً لواشنطن؟
تعرف الأسلحة الفرط صوتية بأنها صواريخ أو مركبات انزلاقية، سرعتها تفوق سرعة الصوت عدة مرات، وكثير من هذه الصواريخ أو المركبات يمكنها حمل رؤوس نووية.
ويعني وصف "فرط صوتي" أن سرعة تلك الصواريخ تساوي خمسة أضعاف سرعة الصوت (5 ماخ)، أو قرابة الكيلومترين في الثانية. لكن الشائع في المصطلحات العسكرية هو عدم إطلاق وصف الصاروخ فرط الصوتي على أي صاروخ يسافر بسرعةٍ تفوق سرعة الصوت، حيث يقتصر استخدام المصطلح عادةً على الصواريخ التي يمكنها المناورة قبل ضرب هدفها، دون أن تتحرك في مسارٍ بسيطٍ ومباشر.
ومناورة الأسلحة الفرط صوتية في منتصف الطريق يجعلها قادرة على اختراق الدفاعات، وأصعب بكثير في تعقبها وإسقاطها من الصواريخ الباليستية التقليدية، التي تتبع مساراً مكافئاً يمكن التنبؤ به. واستثمرت كل من الصين وروسيا بشكل كبير في الأبحاث التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ومن بين أبرز الأسلحة الفرط صوتية الروسية التي تثير قلق واشنطن المركبة الانزلاقية "أفانغارد"، وصاروخ "كينزال"، وصاروخ "تسيركون" الذي سبق ذكره.
أما في الولايات المتحدة فتعمل وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة للجيش والبحرية والقوات الجوية والدفاع على برامج أسلحة فرط صوتية، بعضها بالتعاون مع بعضها البعض. وتشمل هذه البرامج سلاح الجو الفرط صوتي الانزلاقي AGM-183، الذي تم تطويره بالشراكة مع شركة لوكهيد مارتن.
وترى شركات الدفاع الكبرى الأمريكية فرصاً للنمو في سوق الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وهي تتنافس على الصفقات والمشاريع. حيث كانت برامج الأسلحة الفرط صوتية أحد محركات محاولة شركة لوكهيد مارتن للاستحواذ على شركة Aerojet Rocketdyne، وهي شركة تصنيع أجزاء حيوية تدخل في صناعة الصواريخ الفرط صوتية، بقيمة 4.4 مليار دولار.
من جهتها، بدأت شركة نورثروب جرومان الأمريكية، العام الماضي، ببناء منشأة بطول 60 ألف قدم في ولاية ماريلاند لتحسين تصميم وإنتاج الأسلحة الفرط صوتية.
هل يجب على واشنطن منافسة موسكو وبكين؟
يقول وزير القوات الجوية للولايات المتحدة فرانك كيندال، في جلسته مع معهد ميتشل لدراسات الفضاء، الشهر الماضي، إن ما قد تفعله الصين أو روسيا بتكنولوجيا الأسلحة الفرط صوتية ليس بالضرورة ما تريد الولايات المتحدة فعله. ونتيجة لذلك، قال: "لا تحتاج الولايات المتحدة إلى مضاهاة كل تحركات الصين في عالم الأسلحة الفرط صوتية، لا سيما بالنظر إلى الثمن الباهظ للأسلحة".
وأوضح كيندال أن إحدى المشكلات تتمثل في أن التكنولوجيا الحالية التي تفوق سرعة الصوت تميل إلى أن تكون أنسب لضرب أهداف ثابتة. وقال: "وظيفتنا في الأساس هي ردع العدوان ودحره، لذلك نريد أسلحة يمكنها التعامل مع الأهداف المتحركة، سواء أكانت سفناً في مضيق تايوان أو مركبات تتحرج في أوكرانيا".
ويوصي كيندال الولايات المتحدة بفحص الأهداف المحتملة وإيجاد الطريقة الأكثر فاعلية من حيث التكلفة لضربها، وفي بعض الحالات قد لا يتضمن ذلك سلاحاً تفوق سرعته سرعة الصوت، كما يقول.
وأضاف الوزير الأمريكي أن الجيش يحتاج أيضاً إلى النظر في التكلفة، مضيفاً أن مكتب المساءلة الحكومية قال في تقرير صدر، العام الماضي، إن الحكومة من المرجح أن تنفق ما يقرب من 15 مليار دولار بين عامي 2015 و2024، لتطوير أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت، عبر 70 جهداً مختلفاً.
وبالتالي، قد يكلف السلاح الفرط صوتي الواحد ما بين 50 مليون دولار و100، ويحتاج الجيش إلى التفكير في الأهداف التي تبرر استخدام مثل هذه الذخيرة باهظة الثمن.
من جهته، يقول تود هاريسون، مدير مشروع أمن الفضاء التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إن الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت يمكن أن تكون أكثر فائدة للولايات المتحدة في المراحل الأولى من الصراع، قبل تحييد الدفاعات الجوية للعدو. وأضاف في الجلسة ذاتها، أن الأسلحة الفرط صوتية يمكن أن تستخدم أيضاً كوسيلة لاختراق بنية تحتية خرسانية أو تحت الأرض، وأهداف صلبة وثابتة مثل منشآت نووية.
ويرى هاريسون أنه في النهاية يجب على الولايات المتحدة أن تفعل المزيد لبناء دفاعاتها، لاكتشاف وتعقب واعتراض الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت. مشيراً إلى أن نشر الدفاع سيتضمن نهجاً متعدد المستويات، بما في ذلك قدرات الاستشعار والاعتراض الجديدة.