قبل أن يكمل الهجوم الروسي على أوكرانيا أسبوعه الثالث فرّ أكثر من 3 ملايين أوكراني وأصبحوا لاجئين، فكم منهم استقر في بولندا؟ وكم لاجئاً استقبلت بريطانيا؟ وكيف تبدو خريطة توزيعهم في أوروبا وخارجها؟
كان الهجوم الروسي، الذي يسميه الغرب غزواً وتصفه موسكو بالعملية العسكرية الخاصة، قد بدأ الخميس 24 فبراير/شباط الماضي، وأصبح واضحاً الآن أن الحرب ستكون أطول مما توقع الكرملين، على الرغم من أن القوات الروسية باتت تحاصر العاصمة كييف وباقي المدن الأوكرانية، خصوصاً خاركيف وماريوبول، بينما لم يتمكن الجيش الروسي إلا من السيطرة على مدينة خيرسون.
وتعرضت روسيا لأكبر حملة عقوبات فرضها الغرب منذ بدء الهجوم على أوكرانيا، وطالت العقوبات الثروات الشخصية للرئيس فلاديمير بوتين ودائرته المقربة من رجال الأعمال. وبدأ فرض العقوبات الغربية على روسيا، هذه المرة، منذ أن أعلن فلاديمير بوتين، الأحد 21 فبراير/شباط 2022، الاعتراف باستقلال لوغانسك ودونيتسك في إقليم دونباس الأوكراني، وتصاعدت وتيرة تلك العقوبات وحِدتها وشمولها مع بدء الهجوم.
هروب المدنيين من مدن أوكرانيا
ومنذ اللحظة الأولى لبدء الهجوم الروسي، كان واضحاً أن هناك كارثة إنسانية تتشكل على الأرض في أوكرانيا، التي يبلغ عدد سكانها 44 مليون نسمة ويتركزون في مدنها الكبرى كالعاصمة كييف وخاركيف في الشرق، وماريوبول في الجنوب، وخيرسون وغيرها.
والثلاثاء 15 مارس/آذار، قالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين إن عدد الأوكرانيين الذين فروا إلى خارج بلادهم بلغ الآن 3000381، بينما تتحدث تقارير أخرى عن وجود نحو مليونين آخرين نزحوا داخل أوكرانيا، أي تركوا منازلهم في مناطق تتعرض للقصف واتجهوا نحو مناطق أخرى.
كما نقلت رويترز، الأربعاء 16 مارس/آذار، عن المستشار في وزارة الداخلية الأوكرانية، فاديم دينسينكو، قوله إن نحو 20 ألفاً من المدنيين تمكنوا من مغادرة مدينة ماريوبول الساحلية المحاصرة حتى الآن في سيارات خاصة.
ونشرت صحيفة The Times البريطانية تقريراً عنوانه "شرح أزمة اللاجئين الأوكرانيين بالخرائط والرسوم البيانية"، رصد تفاصيل أزمة اللاجئين الأوكرانيين، ووصفها بأنها "أزمة لاجئين على نطاقٍ لم تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية".
إذ فرّ 3 ملايين شخص على الأقل من البلاد، منذ 24 فبراير/شباط، وفقاً للأمم المتحدة. ويتوقف عدد اللاجئين الذين سيتبعونهم على تطور الأحداث في كييف، وخاركيف، وماريبول، لكن تقديرات الأمم المتحدة تُشير إلى أنّ الرقم الإجمالي قد يتجاوز الأربعة ملايين لاجئ.
كم عدد اللاجئين في أوروبا وما الدول التي يتجهون إليها؟
ليست أوروبا بغريبة عن الهجرة الجماعية، لكن نزوح 3 ملايين شخص في غضون ثلاثة أسابيعٍ فقط هو أمرٌ غير مسبوق. وللمقارنة استغرق اللاجئون السوريون أكثر من عامٍ كامل حتى تصل أعدادهم لهذه المستويات.
إذ لم يتوجه غالبية اللاجئين السوريين إلى أوروبا في البداية، بل انتقلوا بدلاً من ذلك إلى الدول المجاورة مثل تركيا، وطلب نحو 2.6 مليون شخص من مختلف الدول اللجوء داخل الاتحاد الأوروبي بين عامي 2015 و2016، وهو نفس الرقم الذي تخطاه الأوكرانيون في غضون ثلاثة أسابيعٍ فقط الآن.
لكن الغالبية يتجهون اليوم إلى بولندا، التي رحّبت بـ1.5 مليون شخص حتى الآن، أي ما يُعادل لاجئاً واحداً تقريباً كل ثانية. كما تتمتع بولندا الآن بأكبر عدد لاجئين مقابل الفرد، نتيجة ارتفاع عدد سكانها بنسبة 4% خلال الأسابيع الثلاثة الماضية.
وليست هذه "التدفقات الجماعية" من الناس إلى إحدى الدول أمراً جديداً؛ إذ ارتفع تعداد سكان لبنان إبان أزمة 2015 بنسبة نحو 25%. وأقام الكثيرون حينها داخل مخيمات اللاجئين.
لكن المتطوعين البولنديين هم من يستضيفون اللاجئين الأوكرانيين هذه المرة، كما هو الحال في دولٍ أخرى، حيث يحتوي موقع ukrainesupport.net البولندي على أكثر من 10 آلاف عرض إقامة.
فضلاً عن وجود حوافز أخرى تشجع اللاجئين على الاتجاه إلى بولندا، إذ قالت الحكومة البولندية إنّ بإمكان المواطنين الأوكرانيين ركوب قطارات البلاد مجاناً.
ومن المحتمل أن يكون الكثيرون قد اتجهوا إلى بولندا للإقامة مع أفراد عائلاتهم، إذ كان هناك نحو 1.2 مليون أوكراني يعيشون في بولندا قبل الحرب حسب التقديرات.
كما استضافت دولٌ أخرى أعداداً كبيرة من الأوكرانيين للمرة الأولى، إذ لم يكن هناك سوى ثمانية آلاف أوكراني فقط يعيشون في المجر قبل الحرب، لكن تقديرات الأمم المتحدة تُشير إلى عبور أكثر من 225 ألف شخص للحدود خلال الأسابيع القليلة الماضية.
ومع ذلك فإنّ تعقب الوجهة النهائية للاجئين هو أمرٌ صعب، خاصةً في ظل وجود حرية الحركة بحسب ناندو سيغونا، أستاذ الهجرة الدولية والتهجير القسري في جامعة برمنغهام.
ما التركيبة السكانية للاجئين وما الدول التي يغادرون عبرها؟
تُعتبر جمهورية التشيك من الدول القليلة التي تنشر معلومات مُحدّثة عن الفارين من أوكرانيا، إذ منحت تصاريح إقامة لـ117 ألف شخص حتى 11 مارس/آذار، وثلثاهم من النساء، 78 ألفاً تقريباً، في حين كشفت البيانات أنّ 44% منهم أطفال، و3% فقط ممن تجاوزوا سن الـ65 عاماً، 3432 شخصاً تقريباً.
وتلعب التكنولوجيا دوراً في مساعدة طالبي اللجوء، إذ نشرت هيئة الجمارك الأوكرانية خريطة جوجل حية تضم نحو 50 معبراً حدودياً، وتُظهِر المعابر الأكثر ازدحاماً. وقد كانت المعابر المؤدية إلى بولندا مغطاةً باللونين الأصفر والأحمر -أكثر ازدحاماً- طوال غالبية أيام الأسبوع، بينما كانت المعابر المؤدية إلى المجر وسلوفاكيا ورومانيا ومولدوفا أقل ازدحاماً.
كما أوضح سيغونا للتايمز البريطانية أن سهولة استخدام المواصلات العامة هو السبب وراء سرعة الهجرة، فضلاً عن أنّ بعض الفارّين لم يغادروا البلاد، حيث تُشير تقديرات الأمم المتحدة إلى وجود نحو مليوني شخص من النازحين داخلياً، ومن المحتمل أن يكون البعض قد فروا من المدن التي تتعرض للقصف، إلى الريف.
وقد علّمنا سيناريو أزمة اللاجئين السورية أنّ الهجرة تأتي على موجات، وعادةً ما يكون أول المغادرين المسجلين كلاجئين هم الأشخاص الذين يمكنهم تحمل كلفة الفرار، بحسب سيغونا.
إلى متى سيظل اللاجئون خارج أوكرانيا؟
قد تبدأ هجرة اللاجئين الأفقر، الذين يحتاجون إلى دعمٍ أكبر، في وقتٍ لاحق بعد أن تنحسر موجة المساعدات الأولية، ويخشى البعض أنّ الحلول المؤقتة للأزمة لن تكون كافيةً في حال استمرار الوضع الراهن لعدة أشهر.
ويعتمد طول فترة بقاء اللاجئين بعيداً عن أوكرانيا على مدة استمرار القتال. إذ قال روبرت ماكنيل، من مرصد الهجرة بجامعة أكسفورد: "يُمكن القول بشكلٍ عام إنّ طول فترة بقاء الناس بعيداً عن وطنهم الأم يُقلّل من احتمالية عودتهم إليه".
ويُذكر أنّ الكثيرين عجزوا عن العودة إلى أوطانهم في موجات الهجرة الأخيرة، حيث انخفض تعداد سكان سوريا بنسبة 18% منذ عام 2010، لأن البلاد لم تتعافَ من الحرب بعد، ولم يعُد أحدٌ إلى المدن المقصوفة.
لماذا لا يصل الكثير من اللاجئين إلى بريطانيا؟
من المفهوم أنّ الدول القريبة من أوكرانيا ستستقبل أكبر عددٍ من المهاجرين، لكن بريطانيا استضافت أقل عددٍ من اللاجئين مقابل الفرد في أوروبا، برقمٍ لا يتجاوز الـ1300 شخص. في حين أن أيرلندا التي تمتلك عدد سكان أقل من بريطانيا بـ13 مرة استضافت ضعف ذلك العدد.
ويرجع تخلّف بريطانيا عن الركب لسببين، أولهما أنّ الأوكرانيين الذين يصلون إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى لا يحتاجون لتأشيرة دخول.
أما السبب الثاني فهو القدرة الاستيعابية بحسب كولين يو، المؤلف والمحامي بالقضاء العالي. إذ قال: "تراكمت الطلبات المتأخرة على مدار العام الماضي، وقد تضاعف عدد الأشخاص المنتظرين لقرار منذ ستة أشهرٍ أو أكثر بمقدار ثلاثة أضعاف في عهد الوزيرة بريتي باتيل".
كما أن أرقام وزارة الداخلية الأخيرة تُعتبر قديمةً إلى حدٍّ ما، لكنها تُسلّط الضوء على تراكم الطلبات المتأخرة. إذ قام نحو 17,700 شخص بفتح طلب التأشيرة الخاص بـ"خطة الأسرة الأوكرانية" حتى السابع من مارس/آذار، لكن نصفهم فقط تمكنوا من تقديم الطلب في النهاية، ما يُشير إلى مدى تعقيد الاستمارات التي تلزم تعبئتها داخل مراكز التأشيرات، ولم تصدر حتى الآن سوى 300 تأشيرة فقط.
وتُشير البيانات إلى ترحيبٍ كبير من الرأي العام البريطاني باستضافة المزيد من اللاجئين، حيث كشف استطلاع YouGov أنّ 40% من البريطانيين "يشعرون بالإحراج" من نهج الحكومة في التعامل مع أزمة اللاجئين، بينما قال ستة من كل 10 أشخاص إنّهم على استعدادٍ لاستضافة اللاجئين في منازلهم إن أمكنهم ذلك، في حين قال ثلاثة أرباع البريطانيين إنّ الأوكرانيين يجب السماح لهم بدخول بريطانيا بدون تأشيرة.
ومع ذلك من المحتمل أن ينحسر هذا الحماس مع الوقت، وحينها سيتمنى العديد من اللاجئين العودة إلى أوطانهم سريعاً، لكن أطلال المدن المتبقية في أوكرانيا تُشير إلى أنّ التركيبة السكانية لأوروبا قد تغيرت على الأرجح إلى غير رجعة، نتيجة أحداث الأسابيع الثلاثة الماضية.