أثار دخول القطار الروسي المدرع إلى أوكرانيا اهتماماً في الأوساط العسكرية العالمية، وتساؤلات حول الهدف من هذا القطار ودوره في العمليات العسكرية بأوكرانيا.
وبعد أن كان يظن أنها وسيلة عسكرية عفا عليها الزمن، أدخلت روسيا قطاراً مدرعاً لأوكرانيا، وتم رصد القطار لأول مرة في 7 فبراير/شباط في ميليتوبول بأوكرانيا، والتي تخضع حالياً للسيطرة الروسية، حسبما ورد في تقرير لموقع Popular Mechanics.
والقطار الروسي المدرع يقوم بمهمة إنسانية هي إجلاء مواطنين أجانب من أوكرانيا، بحسب قناة Zvezda العسكرية التابعة لوزارة الدفاع الروسية، وهو الادعاء الذي تشكك فيه المصادر الغربية.
تاريخ استخدام القطارات المدرعة والهدف منها
القطار المدرع هو قطار سكة حديد محمي بالدروع. عادةً ما تشتمل القطارات المدرعة على عربات السكك الحديدية المسلحة بالمدفعية والمدافع الرشاشة والمدافع الآلية، وبعضها به فتحات تستخدم لإطلاق أسلحة صغيرة مثل المسدسات والبنادق من داخل القطار.
يعود استخدام القطارات المدرعة إلى أكثر من 100 عام، حيث استخدمت في حرب البوير من قبل البريطانيين في جنوب إفريقيا، حسبما ورد في تقرير لموقع Popular Mechanics.
تاريخياً، تم تصميم القطارات المدرعة لأغراض متعددة منها العمل كمنصة للمدفعية، حيث ينصب عليها مزيج من الرشاشات والمدافع وقاذفات الصواريخ.
كما أنها قد تكون مصممة لحمل وحدات المشاة، وقد تحمل أسلحة مضادة للطائرات.
وقد تكون مصممة لتكون مركز قيادة قطار مضاد للدبابات عبر تزويدها مزود بمدافع مضادة للدبابات، وقد تستخدم كمنصة لأغراض نقل الذخيرة أو المركبات.
واستخدمها الألمان والفرنسيون لحمل دبابات خفيفة يتم إنزالها بسرعة واستخدامها بعيداً عن نطاق خط السكة الحديد الرئيسي لمطاردة أنصار العدو.
كما استخدمها الاتحاد السوفييتي، كمنصات متحركة لإطلاق صواريخ RT-23 مولوديت عابرة للقارات في الثمانينات، لتكون بديلاً في حالة تدمير منصات إطلاق الصواريخ النووية الثابتة.
وأثبتت مسارات القطارات المدرعة أنها معرضة للتخريب وكذلك للهجمات الجوية.
انتشرت القطارات المدرعة العسكرية خلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حيث قدمت طريقة مبتكرة لتحريك كميات كبيرة من القوة النارية بسرعة. توقفت معظم البلدان عن استخدامها عندما أصبحت المركبات على الطرق أكثر قوة وقدمت المزيد من المرونة.
وتعد روسيا من أكثر الدول استخداماً للقطارات المدرعة، حيث استخدمتها خلال الحرب الأهلية الروسية، والحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية.
وخلال الحرب العالمية الثانية استخدم قطار مدرع سوفييتي لفتح النار على الطائرات النازية.
روسيا تواصل استخدامها بعد استغناء الجميع عنها قبل عقود
ورغم توقف معظم دول العالم عن هذه التقنية، فلقد استمرت القطارات المدرعة العادية في الخدمة في الجيش الروسي، حيث استخدمتها موسكو في حرب الشيشان الثانية 1999-2009.
تم نشر اثنين خلال الحرب الشيشانية الثانية، للمساعدة في معركة غروزني (1999-2000)؛ تم إرسال واحدة إلى الحرب الروسية الجورجية عام 2008.
ويوجد في روسيا أربعة قطارات مصفحة هي: بايكال وآمور وتريك ودون. وتقاعدت القطارات بعد انتهاء الحرب الشيشانية الثانية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكن موسكو أعادتها للخدمة في عام 2015. ووفقاً لتقارير غير مؤكدة، فإن القطار الذي تم رصده في أوكرانيا المحتلة هو مزيج من بايكال وآمور.
ومن المحتمل أن يستخدم القطار الروسي المدرع المدافع لحماية نفسه من الطائرات وكذلك للحماية من الكمائن من الأرض.
كيف يحمي القطار الروسي المدرع نفسه من الطائرات "عدوه الأول"؟
القطار الروسي المدرع يحمل علامات "Z" كبقية المعدات العسكرية الروسية وتم تصوير الفيديو في Novobohdanivka، على بعد حوالي 25 كيلومتراً شمال ميليتوبول.
يظهر فحص صور وفيديوهات القطار الروسي المدرع وجود قاطرتي ديزل وثماني عربات قطار. تظهر القاطرة في المقدمة بين عربتين مصفحتين للسكك الحديدية، بينما تم تجهيز القاطرة الخلفية بمدفعين أوتوماتيكيين من طراز ZU-23 مزدوج الماسورة عيار 23 ملم.
يبدو أن هذه المدافع تستخدم ضد الطائرات التي تحلق على ارتفاع منخفض والأهداف الأرضية، وقد تقوم عربات القطارات بنقل المركبات التي يمكن أن توفر قوة نيران إضافية للقطار أيضاً.
ويفتقد المدفع ZU-23-2 إلى الميزات الحديثة مثل الرؤية الليلية، والاستقرار، وتحديد المدى بالليزر.
بالإضافة إلى المدافع، يتم تجهيز القطارات أيضاً بالدبابات والمركبات القتالية للمشاة داخل عربات السكك الحديدية المسطحة للحصول على قوة نيران إضافية. عادة ما تسافر عربة السكك الحديدية الروسية مع دبابة قتال رئيسية من طراز T-62 ومركبة قتال مشاة واحدة من طراز BMP-2.
إن الدبابة T-62 عفا عليه الزمن وفقاً لمعايير اليوم، لكنها توفر مدفعاً رئيسياً يبلغ عيار 115 ملم ومدافع رشاشة في حزمة مدرعة بشكل كبير. تضيف مركبة القتال BMP-2 مدفعاً آلياً عيار 30 ملم وصاروخاً موجهاً مضاداً للدبابات من طراز كونكورس.
القطار مصفح بشكل كبير، مع طلاء فولاذي يغطي عربات السكك الحديدية، على الرغم من أنه من غير الواضح مدى سمك الدروع، من المحتمل أن يكون كافياً للدفاع ضد نيران الأسلحة الصغيرة وربما حتى نيران المدافع الرشاشة الثقيلة التي يبلغ قطرها 12.7 ملم.
يتم توفير حماية إضافية من خلال أجهزة التشويش الإلكترونية المصممة لمنع تفجير القنابل التي يتم التحكم فيها عن بعد الموضوعة على خطوط السكك الحديدية.
وقوات السكك الحديدية التابعة لوزارة الدفاع الروسية هي التي تدير القطار.
تم إنشاء قوات السكك الحديدية في الأصل عام 1851 لبناء وصيانة مسارات القطارات وتنسيق وحماية حركة القطارات عبر روسيا. بطول 5600 ميل، وتعتمد روسيا بشدة على القطارات لنقل البضائع المدنية والعسكرية.
لماذا تستخدم روسيا هذا القطار حالياً؟
أطلقت روسيا هذا القطار في حرب أوكرانيا في وقت يواجه فيه جيشها مشكلة حركة البضائع الحربية على نطاق واسع، حيث يستهدف الجيش الأوكراني بشدة سلسلة اللوجستيات الروسية بمساعدة الطائرات بدون طيار.
وهذا هو السبب في أن الجيش الروسي، الذي بدأ هجومه على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، لم يصل بعد إلى العاصمة كييف. في وقت سابق، استهدفت طائرة مسيرة من طراز بيرقدار التركية الصنع قطاراً روسياً وصل إلى الحدود بالنفط.
ويبدو أن روسيا تستخدم هذا القطار فقط في المناطق التي تسيطر عليها بشكل كامل، حيث يتحرك القطار الروسي المدرع بحرية في أجزاء من جنوب أوكرانيا، مما يشير إلى سيطرة موسكو على المنطقة الواقعة جنوب نهر دنيبر في منطقة خيرسون الأوسع.
ويمكن أن يشير ذلك أيضاً إلى أن الروس يعززون خطوط إعادة الإمداد الخاصة بهم من قواعد في شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا إلى جنوب أوكرانيا.
ومن الواضح أن الهدف من إدخال القطار الروسي المدرع لأوكرانيا، توفير وسيلة نقل ضخمة للأسلحة والمعدات اللوجستية، وفي نفس الوقت تكون وسيلة لديها حد أدنى من القدرة على حماية نفسها.
هل يستطيع الأوكرانيون وقف القطار الروسي المدرع؟
لطالما واجهت القطارات المدرعة عيباً خطيراً: إذا تم تعطيل خطوط السكك الحديدية، فلن يتمكن القطار من التقدم.
وفي ظل عدم امتلاك الأوكرانيين لسلاح جو تقليدي فعال، فإن أملهم الوحيد لمواجهة هذا القطار، هو الطائرات المسلحة بدون طيار المزودة بأسلحة دقيقة التوجيه، مثل الطائرات التركية المسيرة من طراز TB-2 Bayraktar، وقد يستهدفون بواسطتها مسارات القطار الروسي المدرع لمنع موسكو من استخدامه لدعم المجهود الحربي.
إذا حدث ذلك، فقد يصبح القطار المدرع الروسي عالقاً في مكانه، وغير قادر على المضي قدماً، وغير قادر على التراجع، حسب موقع Popular Mechanics.
ولكن من الواضح أن الروس يشغلون هذا القطار في المناطق الأكثر أماناً بالنسبة لهم، كما أنهم يوفرون له في الأغلب حماية جوية مكثفة لأن نجاح أي هجوم ضده سوف يكون نجاحاً معنوياً قوياً للأوكرانيين.