يبدو أن عقد قمة بين الرئيس الروسي بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لم يعد أمراً مستبعداً كما كانت الأمور عند بدء الهجوم على أوكرانيا، لكن ما احتمالات أن تؤدي قمة كهذه إلى وقف الحرب؟
رصد تقرير لمجلة Newsweek الأمريكية، عنوانه "لماذا من المستبعد أن تُنهي أية قمة تجمع بوتين وزيلينسكي العملية العسكرية؟"، أسباب التشاؤم المحيط بتلك الخطوة، إن تمت، مع اقتراب الأسبوع الثالث من الهجوم الروسي من نهايته.
وأصبح واضحاً أن الحرب في أوكرانيا ستكون أطول مما توقع الكرملين، على الرغم من أن القوات الروسية باتت تحاصر العاصمة كييف وباقي المدن الأوكرانية، خصوصاً خاركيف وماريوبول، بينما لم يتمكن الجيش الروسي إلا من السيطرة على مدينة خيرسون.
وتعرضت روسيا لأكبر حملة عقوبات فرضها الغرب منذ بدء الهجوم على أوكرانيا، وطالت العقوبات الثروات الشخصية للرئيس فلاديمير بوتين ودائرته المقربة من رجال الأعمال. وبدأ فرض العقوبات الغربية على روسيا، هذه المرة، منذ أن أعلن فلاديمير بوتين، الأحد 21 فبراير/شباط 2022، الاعتراف باستقلال لوغانسك ودونيتسك في إقليم دونباس الأوكراني، وتصاعدت وتيرة تلك العقوبات وحِدتها وشمولها مع بدء الهجوم، الخميس 24 فبراير/شباط.
ومع تواصُل الهجوم الروسي على أوكرانيا تزايدت بشكل متسارع، عزلة روسيا على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والرياضية، وحتى الثقافية والسينمائية، ولا تزال القوات الروسية لم تحقق انتصاراً حاسماً وسريعاً كما كان يأمل الرئيس الروسي.
إشارات متبادلة على قمة بوتين وزيلينسكي
وبعد أسبوعين من بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أشار الكرملين إلى أنه منفتح على ما دعا إليه الرئيس فولوديمير زيلينسكي مراراً وتكراراً؛ أي قمة مع نظيره الروسي. لكن ما مدى استعداد فلاديمير بوتين للجلوس على طاولة المفاوضات؟
وقال المتحدث باسم الرئيس الروسي، دميتري بيسكوف، في تصريح غامض يوم الجمعة 11 مارس/آذار، إنَّ الاجتماع بين الزعيمين "ممكن من الناحية المفاهيمية" على الرغم من أنه سيتبع فقط المفاوضات التي يجريها مسؤولون من كييف وموسكو، تلك التي لم تسفر بعد عن انفراجة كبيرة.
وفي مقابلات إعلامية نُشِرَت هذا الأسبوع، قال زيلينسكي إنَّ المحادثات المباشرة بينه وبوتين هي وحدها التي يمكن أن تُنهي العملية العسكرية. ومع ذلك، قال الخبراء لمجلة Newsweek إنَّ مثل هذا الاحتمال غير مرجح، إذ قال دبلوماسي سابق إنَّ هناك "فرصة ضئيلة" لحدوث ذلك قريباً.
هذا الأسبوع، تجاهل زيلينسكي سؤالاً حول ما إذا كان مستعداً لقبول شبه جزيرة القرم التي ضمَّتها موسكو على أنها روسية، واستقلال الجمهوريات الانفصالية في دونباس بشرق أوكرانيا، مقابل السلام. وقال لصحيفة Bild الألمانية: "يمكن تقديم حلول وسط".
وكان الكاتب الأمريكي توماس فريدمان قد ذكر هذا الاحتمال في مقال له بصحيفة نيويورك تايمز، ووصف هذا الاحتمال بسيناريو "الحلول الوسط القذرة"، وتوقعه الكاتب الأمريكي في حالة فشل الجيش الروسي في تحقيق انتصار عسكري حاسم وسريع من جهة وفشل الأوكرانيين في الحفاظ على تماسكهم من جهة أخرى.
وقال فريدمان إن هذا السيناريو قد يكون وارداً في حالة تماسك الجيش والشعب الأوكراني في وجه الهجوم الروسي فترة كافية، حتى يبدأ تأثير العقوبات في الظهور على الاقتصاد الروسي، وفي هذه الحالة قد يشعر الطرفان (روسيا وأوكرانيا) بالرغبة في قبول "حلول وسط قذرة"، تتمثل في وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الروسية. وفي مقابل ذلك، يتم التنازل رسمياً لروسيا عن شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس وتعلن كييف رسمياً عدم انضمامها إلى الناتو أبداً. وفي الوقت نفسه تعلن الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون رفعاً فورياً للعقوبات التي تم فرضها على روسيا.
واللافت هنا أن ملاحظة زيلينسكي بشأن إمكانية "تقديم حلول وسط" جاءت بعد تغيير واضح في موقف روسيا؛ إذ أصرت المتحدثة باسم الشؤون الخارجية ماريا زاخاروفا، على أنَّ موسكو لم تكن تنوي إطاحة حكومة زيلينسكي، ولا احتلال أوكرانيا، وهو اختلاف ملحوظ عن خطاب بوتين في بداية العملية العسكرية.
لماذا قد تصبح القمة محتملة؟
وقد تعرضت العملية العسكرية لبوتين لأخطاء استراتيجية وواجه مقاومة أوكرانية شرسة، قد تزيد من قدرة زيلينسكي على المساومة. ومع ذلك، يبدو أنَّ عقد الزعيمين اجتماعاً في وقت قريب احتمال بعيد المنال.
وأعرب سفير الولايات المتحدة السابق لدى أوكرانيا ستيفن بيفر، عن اعتقاده أنَّ "فرص لقاء بوتين مع زيلينسكي على المدى القريب ضئيلة".
وقال بايفر لمجلة Newsweek: "لم يُظهِر الكرملين أي اهتمام جاد بالمفاوضات؛ فقد قدم مطالب متطرفة من أجل وقف إطلاق النار الروسي. يبدو أنَّ بوتين عازم على شن عملية عسكرية للاستيلاء على كييف واحتلال الجزء الشرقي من أوكرانيا".
يقترح بايفر أنه إذا استولى الجيش الروسي على أوكرانيا وأنشأت موسكو حكومة دمية في كييف، فإنَّ ما سيتبع ذلك سيكون "احتلالاً طويلاً ومكلفاً لسكان غاضبين ومُعادين". وستكون هناك عزلة سياسية دولية "واستمرار العقوبات الاقتصادية التي ستضر الاقتصاد الروسي ضرراً كبيراً".
وأضاف بايفر، الأستاذ المساعد في مركز ستانفورد للأمن والتعاون: "لن أعتبر ذلك (فوزاً) لروسيا، لكن يبدو أنَّ هذا ما يهدف إليه بوتين".
ستكون أولويات زيلينسكي العاجلة هي دعم الممرات الإنسانية ووقف إطلاق النار الذي ينطبق على المدن المحاصرة، لاسيما ماريوبول، التي يستمر قصفها.
وقال زيلينسكي، في مؤتمر صحفي بكييف، السبت 12 مارس/آذار، إنَّ المفاوضات مع روسيا لا يمكن أن تبدأ حتى الاتفاق على وقف لإطلاق النار.
وقالت سوزان وينغل، الأستاذة المساعدة في العلوم السياسية بجامعة نوتردام: "لا أعرف مدى احتمالية لقاء فلاديمير بوتين مع فولوديمير زيلينسكي، لا أعتقد أنَّ أحداً يعرف، بالنظر إلى مدى انعزال بوتين وعدم القدرة على التنبؤ به خلال الأشهر الماضية".
وقالت وينغل لمجلة Newsweek: "سيكون من المنطقي الموافقة على المحادثات، لكن لا توجد طريقة لمعرفة ما إذا كان هذا سيحدث".
وبينما أعلن مقتل 1300 من جنوده، رحب زيلينسكي، يوم الجمعة 11 مارس/آذار، برأي بوتين الذي أعرب عن "تحولات إيجابية" توصل لها المفاوضون.
هل يمكن أن تنجح قمة بوتين وزيلينسكي؟
انهارت محادثات منفصلة بين وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا ونظيره الروسي سيرغي لافروف، يوم الخميس 10 مارس/آذار.
لكنّ عقدها في المقام الأول يُظهر أنَّ "شيئاً ما يحدث وراء الكواليس"، وفقاً لسيرجي رادشينكو، الخبير الروسي وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة كارديف البريطانية بالمملكة المتحدة.
وقال رادشينكو لمجلة Newsweek: "يبدو أنَّ استراتيجية روسيا بالوقت الحالي هي الاستمرار في وضع ثقتهم بالجيش لتحقيق اختراق عسكري حاسم على الأرض؛ لكي تبدأ في إملاء شروطها من موقع القوة".
وأضاف أنَّ هذا لا يعني بالضرورة أنه يتعين على القوات الروسية الاستيلاء على كييف، لكن موسكو ربما تعتمد على شعور زيلينسكي بأنه مضطر إلى التفاوض لتجنب "احتلال روسي كامل".
ويرى الخبير الروسي: "لست متأكداً إلى أي مدى يمكن أن نرى نجاح قمة مع زيلينسكي، لأنه جمع الدولة بأكملها ضد الهجوم. هناك إجماع وطني على ضرورة محاربة الروس".
أيضاً في حالة انعقاد القمة، سيتعين على زيلينسكي الموازنة بين كيفية إنهاء الدمار الذي لحِق ببلده وما هي التسويات التي قال إنه مستعد لتقديمها، في حديثه مع صحيفة Bild الألمانية.
وتابع الخبير رادشينكو: "زيلينسكي رئيس منتخب ديمقراطياً وهو يستجيب للناخبين. سيتعين عليه معرفة مزاج الناخبين، وما هو الحس العام في البلاد، وهل يمكن لأوكرانيا السماح بهذا النوع من التضحية؟ وهي إجابات غير واضحة".