اقتربت روسيا من أن تصبح عاجزةً عن سداد ديونها وسط العقوبات المفروضة عليها من الغرب، وذلك على خلفية هجوم فلاديمير بوتين على أوكرانيا. هذا ما قالته رئيسة اقتصاديي البنك الدولي، كارمن راينهارت، في يوم الخميس 10 مارس/آذار، والتي حذرت من أن روسيا وحليفتها بيلاروسيا أصبحتا "قريبتين بشدة" من الإفلاس.
وسيأتي الاختبار الأساسي في يوم 16 مارس/آذار، حين يتعين على الدولة الروسية سداد 117 مليون دولار من الديون القائمة على الدولار الأمريكي. وربما تكون الديون الروسية منخفضة نسبياً، كما أن نظامها المالي أقل اندماجاً مع بقية العالم من الدول الأخرى، لكن المحللين يحذرون من أن تخلّف روسيا الوشيك عن سداد الديون قد تكون له تداعياتٌ غير متوقعة.
1- روسيا مهددة به.. ما هو التخلف عن سداد الديون؟
يحدث التخلّف عن السداد حين يفشل المقترض في سداد مدفوعات الدين المتفق عليها. وقد قدّر بنك كندا وبنك إنجلترا، اللذان يتابعان الديون السيادية العالمية، أن القيمة الإجمالية للتخلف عن سداد الدين الحكومي حول العالم وصلت إلى 443.2 مليار دولار في عام 2020، أي نحو 0.5% من الدين العام العالمي.
وتقول صحيفة The Guardian البريطانية، إنه يتعيّن على روسيا سداد قسيمتين (مدفوعات الفائدة المنتظمة) في الـ16 من مارس/آذار 2022 لكن سيظل أمامها فترة سماح لمدة 30 يوماً، ما يعني أن التخلف عن السداد لن يحدث رسمياً حتى أبريل/نيسان على الأقل.
2- ما مدى خطورة الوضع بالنسبة لروسيا؟
عملت روسيا على تقوية مركزها المالي في السنوات الأخيرة رداً على العقوبات الغربية، التي طالتها في أعقاب ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، كما حققت الحكومة فائضاً في الميزانية وخفّضت اعتمادها على الدولار الأمريكي.
وقد ذكرت مؤسسة التمويل الدولية أن الالتزامات الخارجية لروسيا قد انخفضت من 733 مليار دولار تقريباً عام 2014 إلى نحو 480 مليار دولار، وتمثل هذه الالتزامات جميع الأموال المستحقة للدائنين على الحكومة والشركات والأفراد. ويشمل الرقم 135 مليار دولار سيحين موعد استحقاقها للدائنين في غضون عام.
ومع ذلك فإن المبلغ الذي تدين به الحكومة يعتبر صغيراً نسبياً. إذ تمتلك البلاد نحو 40 مليار دولار من سندات العملات الأجنبية المقومة بالدولار واليورو، وهي قيمةٌ ضئيلة مقارنةً بحجم اقتصادها وبالعديد من الدول المماثلة. بينما يمتلك المستثمرون الأجانب 28 مليار دولار من الديون الروسية بعملة الروبل.
لكن نطاق المشكلة يتسع أكثر بالنسبة للشركات الروسية، التي لديها سندات دولية مستحقة تقارب الـ100 مليار دولار.
وتضم قائمة المستثمرين في الدين الروسي مجموعةً من صناديق التحوط، التي تفضل الرهانات عالية الخطورة، بالإضافة إلى شركات إدارة الأصول العالمية الكبرى، حيث ذكرت صحيفة Financial Times البريطانية أنّ صندوق إدارة الأصول الأمريكي Pimco، الذي يعد أحد أكبر مستثمري أسواق السندات في العالم، يستحوذ على 1.5 مليار دولار من الديون السيادية الروسية.
3- لماذا من المحتمل أن تتخلف روسيا عن سداد ديونها؟
تسببت العقوبات الغربية المفروضة على البنك المركزي الروسي وأكبر جهات الإقراض بالبلاد في تعطيل المعاملات المالية. كما فرضت موسكو كذلك قيوداً على رأس المال استجابةً لتلك العقوبات، وهذا يشمل تعليق تحويلات مدفوعات القسائم المرتبطة بالدين السيادي إلى المستثمرين الأجانب.
بينما قالت وزارة المالية الروسية إنه ستسدد ديونها السيادية بالكامل وفي موعدها. لكن بوتين قال إن المؤسسات الروسية يمكنها سداد ديون العملات الأجنبية باستخدام عملة الروبل، حسب أسعار الصرف التي يحددها البنك المركزي الروسي لسكان "الدول التي تشارك في أنشطةٍ عدائية ضد روسيا".
وربما تمتلك روسيا عملات أجنبية كافية لتغطية مدفوعات الديون، بعد أن جمعت احتياطيات تقدر بـ630 مليار دولار، لكن تجميد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي لأصول بنكها المركزي يمنع روسيا من الوصول إلى جزءٍ كبير من تلك الأموال.
وقد خفضت وكالة Fitch للتصنيف الائتماني تصنيف الديون السيادية الروسية إلى أدنى مستوياته في وقتٍ مبكر من الأسبوع الجاري، قائلةً إنّ التخلف عن السداد بات "وشيكاً".
4- ما هي تداعيات ذلك على الاقتصاد الروسي؟
يزيد التخلف عن سداد الدين من صعوبة وتكلفة الاقتراض مستقبلاً، نظراً للضرر الذي يلحق بسمعة المتخلفين. لكن روسيا أصبحت معزولةً بالفعل على الساحة الدولية بعد هجومها على أوكرانيا. كما حظرت الحكومات الأجنبية على الدولة الروسية جمع أموالٍ جديدة في أسواق رأس المال، مثل بورصتي لندن ونيويورك.
وترى مؤسسة التمويل الدولية أنّ العقوبات التي رفعت تكلفة التمويل ستضرب المركز المالي للحكومة، وربما تجبر موسكو على خفض نفقاتها أو زيادة الضرائب.
5- ما هي التداعيات المحتملة على بقية العالم؟
من المفترض بعملية استهداف النظام المالي الروسي أن تُلحِق الضرر الاقتصادي بالبلاد من الداخل، رغم وجود بعض التأثيرات غير المباشرة على النظام المصرفي العالمي الأوسع.
ومع ذلك يرى بعض الاقتصاديين، مثل محافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي، أن روابط روسيا المالية ببقية دول العالم تعتبر صغيرةً وليست ذات أهميةٍ من الناحية النظامية، بحسب ما تنقل الغارديان.
إذ تُشير بيانات بنك التسويات الدولية إلى أن حجم تعاملات البنوك الأجنبية مع روسيا يصل إلى نحو 121 مليار دولار، وغالبيتها بنوكٌ أوروبية. في حين قدرت مؤسسة التمويل الدولية أنّ البنوك الأجنبية تلعب دوراً ثانوياً في البلاد، ولا تمتلك سوى 6.3% من إجمالي الأصول.
ويعتمد قطاع الشركات داخل البلاد في الأساس على قروض التمويل من البنوك الحكومية. بينما تصل الحصة الأجنبية في سوق الدين السيادي الروسي إلى 20% من إجمالي الديون المستحقة. في حين أدت حالة عدم اليقين السياسي منذ عام 2014 إلى إثناء المشترين الأجانب.
وقد صرحت كارمن راينهارت لوكالة Reuters البريطانية بأنّ التداعيات كانت محدودةً حتى الآن، لكن المخاطر قد تبرز في أي وقت.
حيث أوضحت: "أنا أقلق بشأن الأشياء التي لا أراها. إذ تتمتع المؤسسات المالية برؤوس أموالٍ جيدة، ولكن الميزانيات العمومية تكون غامضةً في الأغلب… وهناك مسألة تخلف القطاع الخاص الروسي عن السداد. لهذا يجب أن نظل متيقظين".