فوضى أسلحة في أوروبا قد تنتج عن تدفق الأسلحة إلى أوكرانيا من الدول الغربية، في ضوء أن أوكرانيا هي واحدة من أكبر أسواق السلاح المهرب في أوروبا.
ووصل تدفق الأسلحة إلى أوكرانيا إلى مستوى غير مسبوق، حيث تعهّدت 20 دولة أو أرسلت بالفعل معدات عسكرية بقيمة مليارات الدولارات إلى أوكرانيا على مدار الشهرين الماضيين، مما يزيد خطر تحويل مسار الشحنات. ويظهر هذا الخطر حين يُعاد توجيه الأسلحة، والذخائر، وإمدادات مثل الوقود من وجهتها أو غرضها الأصلي إلى وجهةٍ جديدة، من أجل تنفيذ أنشطةٍ غير شرعية على الأرجح، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
وأشار التقرير إلى أن الشعب الأوكراني له كامل الحق في الدفاع عن نفسه أمام الجيش الروسي المهاجم وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، لكن إغراق واحدةٍ من أكبر أسواق تهريب الأسلحة في أوروبا -حسب مؤشر الجريمة المنظمة العالمي- بالأسلحة هو وصفةٌ مثالية لإحداث كارثة.
تدفق السلاح إلى أوكرانيا قبل الحرب أدى لعمليات تهريب واسعة
وكانت أوكرانيا تُعاني من أزمة تحويل الشحنات قبل الهجوم الروسي؛ حيث اعتاد المدنيون والجنود، على حد، سواء تسريب الأسلحة إلى شبكةٍ تهريب أسلحة غير شرعية متوسعة.
ورغم أن البلاد كثّفت تحقيقاتها في سرقة الممتلكات العسكرية عام 2014، لكن تحويل مسار الأسلحة الصغيرة والكبيرة ما يزال قائماً؛ إذ وجد تقريرٌ من Small Arms Survey حول تدفقات الأسلحة غير الشرعية عام 2017 أن هناك أكثر من 300 ألف سلاح صغير قد اختفت من أوكرانيا بين عامي 2013 و2015، ولم تنجح السلطات سوى في استرداد 13% منها فقط.
ولا شك أن تحويل مسار الأسلحة العسكرية هو تجارةٌ مربحة في أوكرانيا؛ حيث تنتشر آلاف القنابل اليدوية والصواريخ والألغام الأرضية التي تصل من مناطق النزاع المحيطة بمنطقة دونباس إلى مختلف مدن وبلدات أوكرانيا.
ولا تقتصر عمليات تحويل المسار والسرقة على الأسلحة الصغيرة أو المدنيين؛ حيث حاول جنديان أوكرانيان في عام 2019 مثلاً بيع 40 قنبلة RGD-5، و15 صاروخ RPG-22، و2,454 خرطوشاً نارياً مقابل نحو 2,900 دولار فقط.
أوكرانيا باتت حلقة وصل أساسية بتجارة السلاح العالمية بعد حرب الدونباس
وبحسب تقرير مركز Stimson Center البحثي، فإن خطر تحويل مسار هذه الأسلحة الحربية سيكون أكبر بكثير جراء توسع عمليات شحن الأسلحة الدولية؛ حيث وجد مؤشر الجريمة المنظمة العالمي أن دور أوكرانيا كحلقة وصل أساسية في تجارة السلاح العالمية قد زاد منذ اشتداد الصراعات شرقي أوكرانيا في السنوات الأخيرة؛ مما يُنذر بالسوء بعد تدفق شحنات الأسلحة الدولية على البلاد مؤخراً.
إذ شهد يوم 28 فبراير/شباط فقط تعهّد فنلندا بإرسال 2,500 بندقية هجومية، و150,000 رصاصة لتلك البنادق، و1,500 سلاح مضاد للدبابات من طلقة واحدة. بينما تبرّعت النرويج بنحو 2,000 سلاح M72 المضاد للدبابات.
وأعلنت كرواتيا أنّها سترسل بنادق، ومدافع رشاشة، ومعدات وقاية بقيمة 18 مليون دولار. كما يدرس البرلمان الإيطالي إرسال صواريخ ستينغر الأمريكية أرض-جو، وأسلحة مضادة للدبابات، ومدافع رشاشة، وأنظمة مضادة للعبوات الناسفة، فيما تواصل الدول الغربية إرسال آلاف من صواريخ جافلين المضادة للدبابات وستينغر المضادة للطائرات، وغيرها من الصواريخ المحمولة على الكتف.
وقالت موسكو إنها تشعر بالقلق من أن صواريخ ستينغر المحمولة المضادة للطائرات قد ينتهي بها الأمر في أيدي "إرهابيين"، الأمر الذي قد يشكل بدوره تهديداً لشركات الطيران، حسبما نقلت وكالة Reuters عن وكالة الأنباء الروسية المملوكة للدولة.
ويقول الواقع المؤسف إن النظام الأوكراني الذي غمرته التبرعات يتعرض لضغطٍ هائل من أجل نشر الأسلحة بأسرع ما يُمكن لمواجهة الجيش الروسي المهاجم، لكن النظام يواجه معركةً عصيبة لمنع تحويل مسار تلك الأسلحة إلى تجارة السلاح غير الشرعية القائمة، حسب موقع Responsible Statecraft.
هل تستطيع أمريكا مراقبة الأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا؟
وقال الموقع الأمريكي: "نحن بحاجةٍ إلى مراقبةٍ فعّالة للمستخدم النهائي من أجل تخفيف مخاطر تحويل مسار الأسلحة"؛ إذ اقترح جوردان كوهين، محلل دراسات الدفاع والسياسة الخارجية بمعهد Cato Institute البحثي، إجراء تغييرين استراتيجيين لتحسين مراقبة المستخدم النهائي في ما يتعلّق بالدعم العسكري الأمريكي داخل أوكرانيا وخارجها.
فأولاً، يجب أن توقع وكالة التعاون الأمني الدفاعي (دسكا) التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية اتفاقيةً لمراقبة المستخدم النهائي مع أوكرانيا؛ لأنها الوكالة المختصة بترخيص المبيعات العسكرية. وقد يمثل الأمر تحدياً لوجستياً، لكن قانون مراقبة تصدير الأسلحة يُلزم الحكومة الأمريكية فعلياً بضمان استيفاء "مراقبة المستخدم النهائي في خدمات ومواد الدفاع" للمعايير المتفق عليها من أجل المبيعات العسكرية الأجنبية. كما أن اتفاقية مراقبة المستخدم النهائي ستساعد في رصد شبكات الجريمة المنظمة وتحويل مسار الأسلحة، مما سيساعد بدوره السلطات الأوكرانية في جهودها وتحقيقاتها المستمرة لإنفاذ القانون.
وثانياً، تحتاج وزارات الخارجية والدفاع والتجارة الأمريكية إلى موارد إضافية لمراقبة برامج شحن الأسلحة الخاصة بها؛ إذ لا تراقب وزارة الخارجية سوى 1% فقط من إجمالي تراخيص الأسلحة. ومن بين هذه النسبة الضئيلة؛ خلصت الوزارة إلى أنّ 25% منها كانت تحقيقات "غير كافية"، مما يعني أنّ الوزارة عثرت على اختلافات في الأوراق أو أنّ الحكومة الأجنبية التي تسلّمت الأسلحة لم ترد على الاستفسارات. ولا شك أن استثمار الموارد الكافية في فهم المكان الذي تنتهي إليه الأسلحة الأمريكية سيساعد في تخفيف تداعيات انتشار الأسلحة بين المجتمعات الأوكرانية.
كما ستساعد المراقبة الفعّالة أيضاً على حماية مصالح الأمن القومي والتقنيات الأمريكية من الوقوع في أيدي الأطراف السيئة، مثل أولئك الذين قد يستخدمونها ضدنا أو ضد حلفائنا، أو يزيدوا بها من تأجيج الصراع في أوكرانيا وغيرها من دول العالم.
ومن سوء الحظ أنّ الرقابة الضرورية أصبحت أمراً هامشياً على ما يبدو في خضم التسابق لتسليح المدنيين الأوكرانيين ضد القوات الروسية المهاجمة. ويُظهِر مقطع فيديو شاركه إيليا بونومارينكو، المراسل الدفاعي لصحيفة The Kyiv Independent الأوكرانية، مدى التهور في توزيع الأسلحة العسكرية، حسب موقع Responsible Statecraft.
إذ يتدافع الرجال في الفيديو على صناديق مليئة بالأسلحة ومتناثرة بطول شارع إحدى ضواحي منطقة أوبولون بكييف. بينما كتبت القوات المسلحة الأوكرانية تغريدةً تقول فيها إنّها "بسّطت كل الإجراءات" أثناء توزيع تلك الأسلحة على جيوش المدنيين، وهو تدبير طوارئ قد تكون له تداعياتٌ كارثية على المدى القريب والبعيد.
وقال الموقع "يجب أن تفكر الولايات المتحدة وحلف الناتو جيداً في المخاطر المحتملة لتأجيج نزاعاتٍ مستقبلية بعد وقتٍ طويل من نهاية الحرب الحالية، قبل أن يُغرقوا أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة".