هل يمكن أن ترتفع أسعار النفط إلى 300 دولار للبرميل؟ وهل يمكن أن تتحمل أوروبا الاستغناء عن الغاز الروسي؟ ولمن قد تبيع موسكو نفطها وغازها إذا ما طالته العقوبات الغربية؟
تتصدر هذه الأسئلة وغيرها كثير تصريحات المسؤولين وتساؤلات المواطنين، ليس فقط في روسيا وأوكرانيا، حيث تدور رحى حرب طاحنة تقترب من نهاية أسبوعها الثاني، بل تمتد إلى جميع أركان الكرة الأرضية، إذ إن الجميع يدفع ثمناً باهظاً مع الارتفاعات القياسية لأسعار الطاقة بسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا.
ومنذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا قفزت أسعار النفط إلى مستويات قياسية، لامست الثلاثاء 8 مارس/آذار حاجز 140 دولاراً للبرميل، وتخطت أسعار الغاز الطبيعي ضعف حاجز الأسعار الذي كان متوقعاً أن تصله من 2000 دولار إلى أكثر من 4700 دولار، والحديث عن توجهات غربية لحظر صادرات الطاقة الروسية يجعل توقع إلى أين قد تصل الأسعار أمراً شبه مستحيل.
من يريد حظر النفط والغاز الروسي؟
فرضت الدول الغربية، الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان وأستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي، عقوبات غير مسبوقة على روسيا، بدأت تباعاً منذ قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاعتراف باستقلال لوغانسيك ودونيتسك في إقليم دونباس الأوكراني وكان ذلك يوم 21 فبراير/شباط.
وتصاعدت، بصورة غير مسبوقة، حدة تلك العقوبات بعد بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا يوم 24 فبراير/شباط، لدرجة أن الكاتب الأمريكي توماس فريدمان وصفها بأنها "قنبلة نووية اقتصادية"، طالت أغلب قطاعات الاقتصاد الروسي وبوتين نفسه ورجال الأعمال المقربين منه وانطلقت حملة محمومة للبحث عن الأموال أينما كانت وتجميدها أو مصادرتها.
لكن ظل قطاع الطاقة الروسي بعيداً عن مرمى العقوبات بشكل أساسي، والسبب هو الاعتماد الضخم للدول الأوروبية على الغاز والنفط الروسي من جهة، والخوف من تأثير العقوبات على أسعار النفط والغاز عالمياً من جهة أخرى، خصوصاً أن الاقتصاد العالمي يعاني بالفعل من التضخم وارتفاع الأسعار بسبب تداعيات جائحة كورونا التي لا تزال مستمرة.
لكن استمرار الحرب في أوكرانيا أعطى دفعة كبيرة للأصوات الغربية المطالبة بحرمان روسيا من تصدير النفط والغاز، فالطاقة تمثل العصب الرئيسي للاقتصاد الروسي، وبصفة خاصة في أروقة السياسة الأمريكية. وكان السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام قد قال إن أي عقوبات على روسيا لا تشمل النفط والغاز لن يكون لها تأثير حقيقي على بوتين.
وفي أستراليا قالت شركة التكرير فيفا إنرجي، الثلاثاء 8 مارس/آذار، إنها ستتوقف عن شراء النفط الخام الروسي لتنضم بذلك إلى عدد متزايد من الشركات في الإعلان عن قطع العلاقات التجارية مع روسيا بسبب الهجوم على أوكرانيا. وقال متحدث باسم أمبول، شركة التكرير الأخرى الوحيدة في أستراليا، لرويترز إن الشركة لم تشتر النفط الخام أو المنتجات الروسية منذ بدء الصراع.
ويمكن القول إن السعي إلى فرض حظر على النفط والغاز الروسي تقوده الولايات المتحدة وحلفاء غربيون من خارج الاتحاد الأوروبي، بينما تتردد الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا في تطبيق ذلك الحظر كونها ستتأثر بنفس قدر روسيا وربما أكثر من هذه العقوبات.
ما مدى تأثير حظر النفط والغاز الروسي على الأسعار؟
من جانبها، حذرت روسيا من أن أي حظر غربي لنفطها سوف يؤدي إلى تخطي الأسعار حاجز 300 دولار للبرميل، كما هددت بوقف تصدير الغاز إلى أوروبا فوراً.
وقال ألكسندر نوفاك، نائب رئيس وزراء روسيا، إن "رفض النفط الروسي سوف تكون له عواقب وخيمة على الأسواق العالمية"، مرجحاً أن فرض حظر على صادرات النفط الروسية قد يصل بسعر برميل النفط إلى 300 دولار.
وأضاف نوفاك، في حديث متلفز وجهه إلى الشعب الروسي، إنه سوف يكون من "المستحيل توفير بديل للنفط الروسي في السوق الأوروبية بسرعة. سوف يستغرق الأمر سنوات، وسوف يدفع المستهلك الأوروبي ثمناً باهظاً. وفي نهاية المطاف، سوف يتضررون كثيراً من تلك النتيجة"، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
وربما يكون هناك اتفاق واضح في الرأي بين روسيا والاتحاد الأوروبي عموماً، وألمانيا خصوصاً، في تلك الجزئية الخاصة بالنفط والغاز الروسي، إذ دافع المستشار الألماني أولاف شولتس، الإثنين 7 مارس/آذار، عن قرار الاتحاد الأوروبي استثناء قطاع الطاقة في روسيا من العقوبات، قائلاً إن هناك حاجة إلى منتجات الطاقة الروسية لحين إيجاد مصادر بديلة.
وقال شولتس في بيان: "الحكومة الاتحادية تعمل بدأب منذ أشهر مع شركائها في الاتحاد الأوروبي وخارجه لتطوير بدائل للطاقة الروسية. هذا لا يمكن عمله بين ليلة وضحاها"، بحسب رويترز.
وأصبح الخلاف بين أوروبا وأمريكا بشأن فرض حظر على النفط والغاز الروسي واضحا ويزداد حدة مع مرور الأيام، ورصد تحليل لموقع دويتش فيله ذلك الخلاف، كاشفاً عن أن محاولات واشنطن لتوفير بدائل عن الغاز الروسي لأوروبا لم تحقق نجاحاً يذكر، خصوصاً أن الأمر يحتاج بالفعل لسنوات حتى يمكن تحقيقه.
فروسيا هي أكبر منتج للغاز الطبيعي، وثاني أكبر منتج للنفط على مستوى العالم، لذلك فإن أي عقوبات تمس قطاع الطاقة الروسي سوف تؤدي إلى أضرار بالغة للاقتصاد الروسي، لكنها أيضاً ستؤثر بشكل مباشر على الأسعار العالمية من جهة وسيكون لها تأثيرات سلبية ضخمة على أوروبا بالتحديد من جهة أخرى.
ويحصل الاتحاد الأوروبي على حوالي 40% من احتياجاته من الغاز الطبيعي و30% من احتياجاته من النفط من روسيا، ولا توجد بدائل يسهل الحصول منها على ما تحتاجه أوروبا في حال تعرض الإمدادات الروسية لأي اضطرابات.
وفي تهديد مباشر لأوروبا بشكل عام ولألمانيا بشكل خاص، قال نوفاك: "لنا الحق نحن أيضاً في اتخاذ قرارات مماثلة وفرض حظر على ضخ الغاز عبر خط أنابيب نورد ستريم1″، في إشارة إلى قرار ألمانيا تعليق خط نورد ستريم2 لنقل الغاز الروسي كجزء من العقوبات التي تم فرضها بالفعل.
ماذا لو تم حظر النفط والغاز الروسي فعلاً؟
كان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد صرح بأن فكرة فرض حظر على موارد الطاقة الروسية لم تعد مستبعدة من حيث المبدأ، وأن الفكرة تكتسب مزيداً من القوة في أروقة البيت الأبيض مع مرور الوقت وتجري مناقشتها مع الحلفاء. هذه التصريحات انعكست مباشرة على أسعار النفط التي قفزت بشكل قياسي وكذلك على أسعار الغاز.
رد الفعل الدرامي هذا يكشف عن مدى أهمية النفط والغاز الروسي، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية رصد البدائل المحتملة التي تتم دراستها حالياً من جانب الولايات المتحدة وحلفائها، مثل رفع الحظر عن فنزويلا وإيران. وقد زار وفد أمريكي فنزويلا بالفعل لمناقشة احتمال تخفيف العقوبات المفروضة على كراكاس للسماح بتصدير النفط، لكن لا يبدو أن التوصل لأي نتيجة إيجابية قد يحدث قريباً، هذا إن حدث.
أما بالنسبة لإيران فالقصة مرتبطة بإعادة إحياء الاتفاق النووي، وهي المفاوضات الجارية في فيينا والمستمرة منذ أبريل/نيسان من العام الماضي، ولم تصل بعد إلى محطتها الأخيرة الناجحة، رغم الإعلان قبل أيام عن قرب التوصل إلى اتفاق بالفعل.
لكن هذه البدائل المحتملة للنفط الروسي، سواء فنزويلا وإيران أو رفع سقف الإنتاج الأمريكي، تستغرق شهوراً وربما سنوات، بحسب صوفي أودوباشينو خبيرة النفط في مجموعة الأزمات الدولية، التي قالت للغارديان: "يمكن أن تضيف إيران – حال رفع الحظر عنها – 1.3 مليون برميل يومياً، بينما قد لا تضيف فنزويلا الكثير بسبب ضعف إمكانيات الإنتاج لديها".
الخبيرة النفطية أضافت أن الاحتياطات الأمريكية من النفط قد تمثل نافذة أمل؛ حيث صدرت واشنطن 3.45 مليون برميل يومياً خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي، لكنّ أياً من تلك البدائل لن تكون متاحة على الفور: "رفع سقف الإنتاج بالنسبة لإيران يحتاج إلى شهور وبالنسبة لأمريكا يحتاج إلى 3 أشهر على الأقل أما فنزويلا فستحتاج إلى سنوات".
أما عن السقف الذي قد تصل إليه أسعار النفط في حال تم بالفعل اتخاذ قرار غربي بحظر النفط الروسي، فمن الصعب التنبؤ به بدقة، لأن ذلك مرتبط بعدد من العوامل الجيوسياسية بالأساس، لكن خبراء الطاقة يحذرون من ارتفاعات قياسية قد تتخطى بالفعل حاجز 200 دولار للبرميل.
أما عن الشق الآخر من هذا الاحتمال وهو الخاص بما قد تفعله روسيا في حالة فرض هذا الحظر بالفعل، فقد أعلن نوفاك بالفعل أن موسكو "تعرف جيداً أين ستوجه النفط والغاز الروسي إذا ما رفضته أوروبا وأمريكا".
ونقلت رويترز، عن مصادر أمريكية لم تسمّها، تصريحات رجحت أن الولايات المتحدة قد تمضي قدماً في اتجاه فرض حظر على النفط الروسي، رغم أن واشنطن لا تستورد سوى 3.00% فقط من النفط من وروسيا، لكن ألمانيا تعتمد بالأساس على النفط الروسي وليس الغاز فقط، وهو ما يفسر استبعاد المستشار الألماني فكرة فرض عقوبات أوسع نطاقاً، مؤكداً أن أوروبا "أعفت بعد تفكير متأنّ" منتجات قطاع الطاقة الروسية من العقوبات، لأنه لا يمكنها توفير بديل للإمدادات القادمة من هناك "بأي طريقة" في الوقت الحالي.
ويرى أغلب المحللين أن روسيا سيكون بإمكانها تصدير النفط إلى الصين بالأساس كبديل عن تصديره لأوروبا، خصوصاً أن العلاقات بين موسكو وبكين في أفضل حالاتها وأعلنت الصين أنها لا تعترف بالعقوبات الغربية على روسيا من الأساس، وإن كان نائب رئيس الوزراء الصيني لم يقدم تفاصيل بشأن أين سيتم توجيه النفط الروسي حال رفضته أوروبا وأمريكا.
لكن بشكل عام إذا كانت إيران تتمكن من تصدير النفط رغم العقوبات الأمريكية والدولية، فمن المؤكد أن قدرة روسيا على ذلك ستكون أكبر، خصوصاً أنها في حالة الحظر ستوفر النفط والغاز للمشترين بأسعار أقل من الأسعار العالمية على الأرجح، بحسب كثير من المحللين.
الخلاصة هنا هي أن هناك سعياً أمريكياً قوياً لاتخاذ قرار حظر النفط والغاز الروسي، لكن المقاومة الأوروبية لهذه المحاولات تجعل من اتخاذ تلك الخطوة احتمالاً مستبعداً على الأقل على المدى القصير، لكن في كل الأحوال مجرد النقاش حول الفكرة تسبب في ارتفاع الأسعار بصورة قياسية، ما يشير إلى مدى أهمية النفط والغاز الروسي بالنسبة للأسواق العالمية، وخصوصاً الأوروبية.