كيف قد يكون شكل النهاية بالنسبة للهجوم الروسي على أوكرانيا؟ الرئيس فلاديمير بوتين يسميها عملية عسكرية خاصة لكن مسارها يشير إلى حرب شاملة، فهل تكون قصيرة أم طويلة الأمد؟ سيناريوهات متعددة لتلك النهاية.
كان الرئيس الروسي قد أعلن الخميس 24 فبراير/شباط الماضي عن شن ما سمّاها عملية عسكرية خاصة هدفها "منع عسكرة أوكرانيا"، وذلك بعد اعتراف موسكو باستقلال لوغانسيك ودونيتسك، المنطقتين الانفصاليتين في إقليم دونباس الأوكراني المتاخم للحدود الروسية.
ومع دخول الهجوم الروسي على أوكرانيا يومه الثاني عشر، تحاصر القوات الروسية العاصمة الأوكرانية كييف والمدن الكبرى الأخرى مثل أوديسا وماريوبول وخاركيف، بينما يحقق الانفصاليون المدعومون من موسكو في إقليم دونباس انتصارات صغيرة على الجيش الأوكراني، لكن الواضح أن الأمور لا تسير كما خطط لها بوتين، بحسب أغلب التحليلات السياسية والعسكرية.
سيناريو الحرب القصيرة.. سحق أوكرانيا!
الحديث الآن في الدوائر السياسية والعسكرية حول العالم يدور حول السيناريوهات التي قد يسدل بها الستار على ذلك الهجوم على أوكرانيا، أو الغزو كما يسميه الغرب. وعلى الرغم من أنه لا أحد يمكنه الجزم يقيناً بما قد تؤول إليه الأمور، فإن أغلب التحليلات تحصر السيناريوهات المحتملة في عدد قليل من الاحتمالات أولها سيناريو الحرب القصيرة.
وبحسب تحليل لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، ينطوي هذا السيناريو على قيام الجيش الروسي، خلال الأيام القليلة المقبلة، بتصعيد عملياته العسكرية، وهو ما يعني على الأرجح زيادة القصف المدفعي والصاروخي في مختلف المناطق بأوكرانيا. كما يرجح أن تشن القوات الجوية الروسية، التي لم يكن لها دور كبير حتى الآن، غارات مدمرة، وأن تتعرض المؤسسات الأوكرانية الرئيسية إلى هجمات الكترونية واسعة.
وتتواصل عمليات قطع الاتصالات وموارد الطاقة بشكل كامل، وعلى الرغم من المقاومة الشرسة التي يبديها الجيش الأوكراني حتى الآن، من المرجح أن تسقط كييف خلال أيام، ولكن قد تكون تكلفة هذا السيناريو البشرية، خصوصاً بين المدنيين مرتفعة للغاية. وقد يكون هذا هو السبب الرئيسي وراء موافقة موسكو الإثنين 7 مارس/آذار على وقف مؤقت لإطلاق النار في كييف كييف وماريوبول وخاركيف وسوم جومشافت لتأمين ممرات آمنة لخروج المدنيين، استجابة لطلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وفي حالة تحقيق القوات الروسية للسيطرة الكاملة على المدن الأوكرانية الكبرى، على الأرجح ستقوم موسكو بعزل حكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي، ومحاكمة أعضائها حال اعتقالهم، واستبدالها بحكومة موالية لروسيا. وإذا ما تمكن زيلينسكي من الهروب خارج أوكرانيا، سعلن تشكيل حكومة في المنفى تعترف بها الدول الغربية.
وفي هذا السيناريو من المتوقع أن يعلن بوتين الانتصار في أوكرانيا ويسحب بعضاً من القوات الروسية، تاركاً جزءاً منها للسيطرة على الأوضاع، بينما سيواصل عشرات الآلاف من الأوكرانيين الخروج من البلاد، وبهذا تتحول أوكرانيا إلى دولة وضعها أشبه كثيراً بوضع بيلاروسيا، حليفة موسكو وتابعتها.
سيناريو "المستنقع الأوكراني"
أو سيناريو الحرب الطويلة، وفيه يتحول الهجوم الروسي على أوكرانيا إلى صراع طويل الأمد، تفشل فيه محاولات القوات الروسية السيطرة على المدن الأوكرانية، وقد يكون السبب في ذلك هو شراسة المقاومة الأوكرانية المدعومة بالأسلحة والمتطوعين من الغرب، مع ضعف معنويات القوات الروسية وارتفاع خسائرها البشرية والمادية.
وربما يتحقق هذا السيناريو أيضاً إذا طالت المدة الزمنية التي تسبق دحول القوات الروسية إلى المدن الأوكرانية، وتحول شوارع تلك المدن إلى حرب عصابات يشنها الأوكرانيون المدعومون من متطوعين غربيين تحول الهجوم الروسي إلى مستنقع أو فخ لا يستطيع الروس الفكاك منه، في تذكير بالغزو السوفييتي لأفغانستان والذي استمر نحو 10 سنوات وانتهى بالانسحاب المهين للقوات السوفييتية.
وفي مقال له في صحيفة New York Times، وصف الكاتب الأمريكي توماس فريدمان سيناريو الحرب الطويلة بسيناريو "المصيبة الكبرى" ويقول إنه بالفعل السيناريو الذي يشاهده العالم حالياً "ما لم يتراجع بوتين أو يجبره الغرب على التراجع". ويعتقد فريدمان أن بوتين يبدو مصمماً على "تدمير أكبر قدر من أوكرانيا كدولة وقتل عدد كبير من أهلها حتى يمحو أوكرانيا نفسها كدولة حرة ومستقلة ويبيد قيادتها وثقافتها".
وبحسب فريدمان قد يؤدي هذا السيناريو إلى جرائم حرب لم تشهد أوروبا لها مثيلاً منذ جرائم النازية، وهي جرائم قد تحول "بوتين ودائرته المقربة إلى جماعة منبوذة دولياً". لكن ستكون هذه هي المرة الأولى التي تصبح فيه دولة بحجم وإمكانيات ووضع روسيا السياسي دولة منبوذة دولياً. فموسكو تمتلك مقعداً دائماً في مجلس الأمن الدولي ومساحتها الجغرافية تمتد على نطاق 11 منطقة زمنية كما أنها واحد من أكبر منتجي النفط والغاز في العالم، وفوق كل ذلك تمتلك روسيا أكبر عدد من الرؤوس النووية على الإطلاق.
السيناريو نفسه ظهر أيضاً في دراسة لمعهد أبحاث المجلس الأطلسي في واشنطن بعنوان "سيناريو المستنقع"، تحدث أيضاً عن احتمال تحول أوكرانيا إلى مستنقع مكلف مادياً وبشرياً بالنسبة لروسيا، بسبب شراسة واستمرارية المقاومة الأوكرانية حتى بعد تمكن الجيش الروسي من دخول المدن الكبرى وإعلان حكومة موالية لموسكو.
وبحسب تحليل المجلس الأطلسي يبدو أن روسيا قد تواجه هذا "النمط المتكرر حول العالم، حيث تكبد المقاومة الأوكرانية قوات موسكو خسائر مادية وبشرية ضخمة مما يضطر الكرملين إلى تكريس أعداد وكميات أكبر من جيشها ومواردها للحفاظ على مكاسبها الميدانية في أوكرانيا".
والملاحظ هنا أن القاسم المشترك في جميع التحليلات بشأن هذا السيناريو تحديداً هو أن وقوعه مرتبط باستمرار الغرب في تقديم المساعدات العسكرية والأسلحة النوعية للمقاومة الأوكرانية، إلى جانب توصيل "المتطوعين الراغبين في القتال ضد القوات الروسية" إلى الأراضي الأوكرانية، وهو ما يبدو واضحاً بالطبع أنه سيستمر.
سيناريو الحرب العالمية
قد تخرج الأمور عن نطاقها الحالي، أي هجوم روسي على الأراضي الأوكرانية فقط، ومن ثم تمتد إلى دول أخرى في القارة الأوروبية أو حتى إلى ما هو أبعد من ذلك. وعلى الرغم من أن جميع الأطراف تبدو حريصة حتى الآن على عدم اتساع نطاق الحرب المشتعلة حالياً، فإن هذا السيناريو المحتمل يبدو وارداً.
سيناريو "الحرب بين روسيا والناتو"، بحسب تسمية تحليل المجلس الأطلسي، يعتبر السيناريو الأكثر خطورة ليس فقط لمستقبل أوروبا بل للنظام العالمي القائم حالياً، وقد يتحقق هذا السيناريو إذا ما أدى الصراع الأوكراني إلى "تهيئة المسرح لمواجهة عسكرية مباشرة بين حلف الناتو وروسيا".
ورصد التحليل عدة مسارات قد تؤدي إلى هذا السيناريو المرعب، منها أن يقرر الناتو، في لحظة ما، المشاركة بفاعلية أكبر في الدفاع عن أوكرانيا من خلال فرض منطقة حظر جوي أو أي شكل آخر من أشكال التدخل يعتبرها بوتين "إعلان حرب" من جانب الحلف، فيقرر مهاجمة دول البلطيق أو بولندا على سبيل المثال وهي أعضاء في الناتو. أو قد تضرب روسيا، ولو عن طريق الخطأ، منطقة أو أرضاً تابعة لدولة حلف في الناتو كبولندا أو دول البلطيق، كأن يسقط صاروخ بعيد المدى فترد تلك الدولة وتشتعل المواجهة. أما المسار الآخر فيتعلق بأن يكون لدى بوتين من الأصل خطط أخرى تتعلق بدول جوار ليست عضواً في الناتو كمولدوفا، ويهاجمها أيضاً فيقرر الناتو أن يصعد من موقفه ضد موسكو.
والسيناريو نفسه رصده تحليل BBC تحت وصف "الحرب الأوروبية"، وفيه أيضاً احتمال سعي بوتين إلى استعادة أجزاء من الإمبراطورية الروسية السابقة، فيرسل قواته إلى جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقاً، مثل مولدوفا وجورجيا وهما ليستا في حلف الناتو. وقد يكون الأمر مجرد تصعيد وحسابات خاطئة. وقد يعلن الرئيس بوتين أن إمداد الغرب أوكرانيا بالأسلحة عُدوان يتطلب الردّ.
وقد يهدد بإرسال قواته إلى دول البلطيق وفتح ممر أرضي إلى الجيب الروسي الخارجي الساحلي كالينينغراد، وسيكون هذا الأمر بالغ الخطورة وقد ينذر بحرب مع حلف الناتو، إذ تنصّ المادة الخامسة من ميثاق التكتل العسكري على أن أي اعتداء على عضو واحد في الحلف، هي اعتداء على جميع الأعضاء.
لكن الأمر الوحيد الذي يبدو أن عليه إجماعاً بين المحللين فيما يخص هذا السيناريو مرتبط بالأساس بالرئيس الروسي، بمعنى أن بوتين، الذي أمر بالفعل بوضع أسلحة روسيا النووية في حالة "تأهب خاص"، قد يلجأ إلى التصعيد غير المتوقع إذا ما وجد نفسه "محشوراً في الزاوية" بشكل كامل.
فالعقوبات الغربية التي تم فرضها على روسيا بسبب الهجوم على أوكرانيا هي بمثابة "قنبلة نووية اقتصادية"، بحسب تعبير فريدمان في مقاله، بالإضافة إلى عدم تمكن الجيش الروسي من تحقيق انتصار سريع على الأرض ومدى شراسة وقوة المقاومة الأوكرانية وارتفاع معدل الخسائر الروسية، فإن هذه جميعاً عوامل تضعف
موقف بوتين داخلياً وتهدّد بإرخاء قبضته الحديدية على الحكم. وإذا ما شعر بوتين بالفعل بأنه مهدد بفقدان حكمه لروسيا، لا أحد يمكنه توقع خطوته التالية.
سيناريو الحلول الدبلوماسية
وقد يبدو الأمر غريباً بعض الشيء، فالحرب قد اندلعت ودخانها يتصاعد والقتلى يتساقطون واللاجئون الأوكرانيون يغادرون بعشرات الآلاف يومياً. لكن النهاية لأي حرب لا تتم عادة إلا بالتوصل إلى حل دبلوماسي، خصوصاً إذا ما فشلت الحرب في حسم الصراع لصالح أحد الطرفين بشكل واضح.
ويسمي فريدمان هذا الاحتمال بسيناريو "الحلول الوسط القذرة"، ويتوقعه الكاتب الأمريكي في حالة فشل الجيش الروسي في تحقيق انتصار عسكري حاسم وسريع من جهة وفشل الأوكرانيون في الحفاظ على تماسكهم من جهة أخرى.
يقول فريدمان إن هذا السيناريو قد يكون وارداً في حالة تماسك الجيش والشعب الأوكراني في وجه الهجوم الروسي فترة كافية، حتى يبدأ تأثير العقوبات في الظهور على الاقتصاد الروسي، وفي هذه الحالة قد يشعر الطرفان (روسيا وأوكرانيا) بالرغبة في قبول "حلول وسط قذرة"، تتمثل في وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الروسية. وفي مقابل ذلك، يتم التنازل رسمياً لروسيا عن شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس وتعلن كييف رسمياً عدم انضمامها للناتو أبداً. وفي الوقت نفسه تعلن الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون رفعاً فورياً للعقوبات التي تم فرضها على روسيا.
وبينما يستبعد فريدمان هذا السيناريو أو يراه أقل ترجيحاً لكونه يعني اعترافاً من بوتين بفشله في تغيير الحكومة الأوكرانية وضم أوكرانيا ككل لروسيا، إلا أن بوتين نفسه لم يعلن عن رغبته في ضم أوكرانيا إلى روسيا، وبالتالي قد يوافق الرئيس الروسي على حل دبلوماسي بتلك الشروط ويمكنه تسويقه داخلياً على أنه انتصار، بحسب محللين آخرين.
ويصف تحليل BBC الحل الدبلوماسي بأنه ما زال ممكناً، إذ قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن "السلاح نطق الآن، ولكن لا بد أن يبقى طريق الحوار مفتوحاً". والحوار متواصل فعلاً، إذ يتحدث ماكرون إلى الرئيس بوتين هاتفياً.
ونقلت الـ"بي بي سي" عن دبلوماسيين قولهم إن الغرب يواصل استشعار مواقف موسكو. كما أن المسؤولين الروس والأوكرانيين أحدثوا مفاجأة عندما التقوا لإجراء محادثات على الحدود مع بيلاروسيا. وإن كانت المحادثات لم تحقق أي تقدم، فإن بوتين على الأقل قبل باحتمال التفاوض على وقف إطلاق النار.
سيناريو رحيل بوتين
أما السيناريو الأخير الذي يرى فريدمان أنه الأقل ترجيحاً بين سيناريوهات النهاية للهجوم الروسي على أوكرانيا فهو أن يفشل بوتين في تحقيق أي من أهدافه وتتحول أوكرانيا إلى أفغانستان أخرى للرئيس الروسي، وتظهر تداعيات العقوبات الاقتصادية فتنتشر وتيرة الرفض الشعبي الروسي لعملية أوكرانيا، مما يؤدي في نهاية المطاف إما إلى قرار شخصي من بوتين بالانسحاب من المشهد تماماً أو أن ينقلب عليه قادة الجيش الروسي.
لكن الكاتب الأمريكي نفسه يرى أن هذا السيناريو قد لا يكون غير وارد لعدد من الأسباب أهمها شخصية بوتين وثانيها سيطرته المطلقة على مقاليد الأمور في روسيا وتمتعه بولاء مطلق من المحيطين به، وإن كان فريدمان لم يخفِ أن هذا السيناريو يعتبر نموذجياً بالنسبة للناتو والاتحاد الأوروبي بالطبع.
ووصف تحليل الـ"بي بي سي" هذا السيناريو بـ"الإطاحة ببوتين"، الذي صرح عندما أعلن بدء الهجوم على أوكرانيا قائلاً: "نحن مستعدون لأي نتيجة كانت". ولكن ماذا لو كانت النتيجة أن يفقد السلطة؟ يبدو الأمر بعيداً عن التصور.
ولكن العالم تغير في الأيام الأخيرة، ومثل هذه الأمور يجري التفكير فيها فعلاً. فقد كتب البروفيسور السير لورنس فريدمان، أستاذ الدراسات الحربية في كينغز كوليدج في لندن: "تغير النظام محتمل اليوم في موسكو مثلما هو محتمل في كييف"، بحسب تحليل البي بي سي.
لماذا يقول مثل هذا الكلام؟ ربما لأن بوتين يخوض حرباً كارثية. فآلاف الجنود الروس يموتون. ربما هناك مخاطر باندلاع ثورة شعبية. ويلجأ بوتين إلى قوات الأمن الداخلي لقمع هذه الثورة. ولكن الأمور قد تنفلت من يديه، فينقلب عليه عدد كافٍ من السياسيين والعسكريين والنخبة.
يقول الغرب إذا رحل بوتين وحل محله قائد معتدل فإن العقوبات ستخفف عن روسيا وتعود العلاقات الدبلوماسية إلى طبيعتها مع موسكو. وقد يحدث انقلاب عسكري دموي فيترك بويتن السلطة. ولا يبدو هذا الأمر أيضاً مرجحاً الآن. ولكنه ليس مستبعداً إذا شعر الأشخاص المستفيدون من بوتين بأنه لم يعد قادراً على حماية مصالحهم.
الخلاصة هنا أن هذه السيناريوهات جميعاً قد تكون واردة واحتمال تحقق أي منها لا ينفي احتمال تحقق الآخر، فقد تتداخل معاً كأن تطول الحرب وتتحول إلى مستنقع فيؤدي ذلك إما إلى الإطاحة بالرئيس الروسي أو التوصل إلى حلول دبلوماسية.