"الاستسلام لغزو روسي أو التعرض للتدمير"، خياران أحلاهما مر، يواجهان مولدوفا أصغر وأضعف البلدان المجاورة لأوكرانيا.
كان أليكس سيربو نائماً في منزله الواقع بإحدى ضواحي مدينة كيشيناو، عاصمة جمهورية مولدوفا، عندما سمع دوي القنابل، وظن أن روسيا قد غزت بلاده.
ولكن ما حدث أن روسيا كانت قد بدأت لتوها حملتها العسكرية على أوكرانيا المجاورة لمولدوفا في الساعات الأولى من الصباح يوم في 24 فبراير/شباط.
يقول سيربو لموقع Middle East Eye البريطاني إن دوي القنابل المنهمرة على أوكرانيا بلغت أصواته مسامع الناس في العاصمة المولدوفية، ولما استيقظ سيربو على وقعها لم يكن يدري ما إذا كان هذا الدوي في بلده أم لا، فنظر إلى الأخبار في هاتفه، و"هكذا اكتشف ما يجري".
أما ماريا ميرون، وهي شابة مولدوفية تعيش أيضاً في كيشيناو وتبلغ من العمر 24 عاماً، فقالت إنها "أحست بطعنة سكين في قلبها من فرط الألم، وورد إلى خاطرها على الفور جميع أصدقائها في أوكرانيا وانتابها الخوف مما قد يحدث في مولدوفا".
مولدوفا تخشى من التعرض لغزو روسي ينطلق من أدويسا
اشتدت المخاوف في مولدوفا أن تسعى روسيا إلى غزو البلاد بعد بلوغ أهدافها في أوكرانيا، لا سيما بعد أن كشفت المخابرات الأوكرانية عن توقعات بأن تهاجم القوات الروسية في الأيام القادمة ميناء أوديسا، الواقع على بعد 40 كيلومتراً فقط من مولدوفا، علاوة على أن هناك قوات روسية متمركزة بالفعل في منطقة ترانسنيستريا الراغبة في الانفصال عن مولدوفا، والتي طلبت بالفعل الاعتراف باستقلالها مساء الجمعة 4 مارس/آذار.
كان تقدم روسيا في شمال أوكرانيا بطيئاً بفعل المقاومة العسكرية هناك، إلا أن المنطقة الساحلية المفتوحة في جنوب البلاد أقل قدرة على صد العدوان الروسي. ومع استيلاء روسيا على مدينة خيرسون، كشفت المخابرات الأوكرانية أن مدينة أوديسا ذات المليون نسمة هي الأقرب إلى أن تكون الهدف التالي للقوات الروسية.
انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو عديدة لأسطول روسي ضخم، يضم نحو ثماني سفن إنزال دبابات، قبالة شاطئ أوديسا.
يقول يوليان غروزا، المدير التنفيذي لمعهد السياسات الأوروبية والإصلاحات (IPRE) ومقره في كيشيناو، إن "الحفاظ على أوديسا نقطة مهمة في مسار مقاومة أوكرانيا لهذا الغزو"، أما إذا سقطت أوديسا، فإن الكرملين سيكون قادراً على شق ممر لقواته عبر ترانسنيستريا، التي تعد حتى الآن جزءاً من مولدوفا، لكن روسيا احتلتها بلا مسوغ قانوني منذ عام 1991.
في غضون ذلك، شوهد ألكسندر لوكاشينكو، رئيس بيلاروسيا والحليف المقرب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو يشير في صورةٍ نُشرت يوم الثلاثاء 1 مارس/آذار إلى خريطة الحملة العسكرية على أوكرانيا، وبدا فيها أن القوات الروسية التي ستدخل أوديسا تعتزم التقدم بعد ذلك إلى منطقة ترانسنيستريا في شرق مولدوفا.
هناك قوات روسية بالفعل تحتل أراضيها
يلفت غروزا إلى أن وجود الجيش الروسي في ترانسنيستريا سيكون سبباً آخر لغياب الأمن، حتى وإن كان قادة المنطقة المنفصلة عن مولدوفا قد أكدوا علناً للمجتمع الدولي أنهم لا ينوون المشاركة في الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقال غروزا: "لن يصدق الجميع وعدهم هذا"، ولذلك فإن سلطات مولدوفا تراقب المنطقة مراقبة كثيفة، وهو أمر شديد الأهمية، ليس فقط لأمن مولدوفا، بل للمجتمع الدولي بأسره.
مولدوفا محايدة بحكم الدستور، ولكنها طلبت الانضمام للاتحاد الأوروبي
تقع جمهورية مولدوفا بين رومانيا وأوكرانيا، وجيشها جيش صغير للغاية يبلغ متوسط عدد جنوده 7 آلاف جندي، ونحو 70 ألفاً من جنود الاحتياط. ويبلغ عدد سكان البلاد 2.6 مليون نسمة، برئاسة مايا ساندو، وهي رئيسة توصف في الغرب بأنها تقدمية وموالية للاتحاد الأوروبي.
يوم الخميس 3 مارس/آذار، تقدمت ساندو باسم بلادها بطلبٍ للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، جنباً إلى جنب مع أوكرانيا وجورجيا، والأخيرة دولة أخرى غزتها روسيا من قبل عام 2008.
من المتوقع أن تُواجه خطوة ساندو ببعض المعارضة في مولدوفا، لا سيما بين المواطنين المؤيدين لروسيا، لكن معارضةً أشد يتوقع أن تأتي من روسيا نفسها.
مولدوفا دولة محايدة بحكم ما ينص عليه دستورها، لذلك التزمت عدم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في وابل العقوبات على روسيا، كما امتنعت عن تزويد أوكرانيا بأي معدات عسكرية. لكنها تتعاون مع حلفائها المقربين من دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة رومانيا.
يصعب عليهم الصمود أمام روسيا، ولكن لماذا تراهن على رومانيا؟
يقول سيربو، المواطن المولدوفي: "إذا اخترنا الدفاع عن أنفسنا أو القتال، أعتقد أن اقتصاد البلاد سينهار، وقد تقرر روسيا أن تضمَّنا إليها، مثلما ضمت شبه جزيرة القرم، خاصة بعد وصول الروس إلى ترانسنيستريا. لكن من جهة أخرى، فإن لدينا رومانيا، وهي صديقة جيدة لبلادنا، ويمكنها الدفاع عنا".
تجدر الإشارة إلى أن سكان مولدوفا يتحدثون اللغة الرومانية (رغم أنها تسمى في مولدوفا اللغة المولدوفية وتكتب بالأحرف الروسية، بعد محاولات الاتحاد السوفييتي فصل اللغتين).
وكانت البلاد تاريخياً امتداداً لرومانيا، ويعتبر توحيد مولدوفا ورومانيا فكرة شائعة في البلدين عقب انهيار الشيوعية. وساهمت الثورة الرومانية في عام 1989 في استقلال مولدوفا في عام 1991.
رومان أندريف، وهو مولدوفي آخر يبلغ من العمر 30 عاماً، يستبعد غزو مولدوفا في أي وقت قريب؛ أوكرانيا تستنزف بالفعل موارد كثيرة من روسيا الاتحادية، وحتى إن نجحوا في احتلال أوكرانيا، فإن دمج أراضي أوكرانيا وسكانها سيستغرق وقتاً طويلاً، لذا أعتقد أنه لا داعي للقلق من هذا الأمر لعشر سنوات مقبلة أو نحو ذلك.
مولدوفا تستقبل اللاجئين الأوكرانيين، بينما تعتمد على روسيا في الاقتصاد
في الأزمة الأوكرانية، اجتمع سكان مولدوفا على هدف مشترك، وهو استقبال اللاجئين الأوكرانيين، فاستقبلوا أكثر من 120 ألف لاجئ أوكراني حتى الآن.
لكن الرغبة قد لا تكفي للوفاء باحتياجات البلاد التي يبدو أنها ستواجه أزمة إنسانية واقتصادية متنامية على إثر الحرب في أوكرانيا، لا سيما أن مولدوفا تعتمد اعتماداً كبيراً على الواردات من أوكرانيا وروسيا وبيلاروسيا، كما أن جزءاً كبيراً من قوتها العاملة يعمل في روسيا، ويعتمد اقتصاد البلاد على تحويلات هؤلاء العاملين إلى أهلهم في مولدوفا.
يقول غروزا، الخبير في شؤون السياسة الخارجية لمولدوفا، إن قدرة البلاد على إدارة هذه الأزمة ومواجهة مخاوف الغزو المحتمل تعتمدان على براعتها في إدارة السياسة الخارجية وحفظ التوازن بين مختلف الأطراف.
يوم الجمعة، زار مسؤولون رفيعو المستوى من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي العاصمةَ كيشيناو، ما أظهر أن المجتمع الدولي متمسك بدعم مولدوفا خلال الأزمة.
وقال غروزا: "يجب على جمهورية مولدوفا أن تتأنَّى خطواتها في السياسة الخارجية، وأن تدرك أنها لا يمكنها تقديم دعم عسكري أو التورط في هذا الصراع".
من جانب آخر، وردت تقارير عديدة عن اصطفاف سكان مولدوفا طوال الأسبوع أمام الجهات المختصة لاستخراج وثائق السفر والجوازات، وقال سكان مولدوفا ممن يحملون الجنسية الرومانية إنهم لن يتوانوا عن استخدامها للعبور إلى أوروبا إذا أقدمت روسيا على غزو مولدوفا.