تحاول الصين التعلم من أخطاء روسيا في أوكرانيا، إذ تقدِّم حرب أوكرانيا مثالاً حياً للقادة الصينيين على التحديات العسكرية إذا حاولوا السيطرة على تايوان باستخدام القوة.
وأبرز ما في الأمر هو احتمالية اندلاع مقاومة شرسة من السكَّان المحليين للدفاع عن أرضهم وسيادتهم في مواجهة أيِّ غزو، حسبما ذكرت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
قال برنارد كول، قائد البحرية الأمريكية المتقاعد والأستاذ السابق في كلية الحرب الوطنية: "المفاجأة الرئيسية لروسيا، والتي قد تكون الدرس الرئيسي الذي تتعلَّمه الصين، هو استعداد الشعب الأوكراني لمحاربتها".
وقبيل الحرب الأوكرانية بأسابيع، أعلنت الصين وروسيا شراكة "بلا حدود"، تدعم خلالها كل منهما الأخرى في الأزمات بشأن أوكرانيا وتايوان، مع تعهد بزيادة التعاون في مواجهة الغرب، وذلك في إعلان مشترك على هامش مشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين الجمعة 4 فبراير/شباط 2022.
واستضاف الرئيس الصيني شي جين بينغ نظيره الروسي فلاديمير بوتين الجمعة مع إعلان البلدين أن علاقتهما أصبحت متفوقة على أي تحالف في حقبة الحرب الباردة وأنهما سيعملان معاً في مجال الفضاء وتغير المناخ والذكاء الاصطناعي والتحكم في الإنترنت.
ودعمت بكين مطلب روسيا بضرورة عدم ضم كييف إلى حلف شمال الأطلسي مع حشد الكرملين 100 ألف جندي بالقرب من جارتها، بينما عارضت موسكو أي شكل من أشكال استقلال تايوان في الوقت الذي تتصارع فيه القوى الكبرى على مناطق نفوذها.
كما وقع البلدان صفقة غاز ضخمة بقيمة 117 مليار دولار.
هل تتعلم الصين من أخطاء روسيا في أوكرانيا؟
تشير تجربة روسيا أيضاً إلى أن الصين ستواجه انتقاماً اقتصادياً سريعاً ومنسقاً عالمياً من الولايات المتحدة وحلفائها. من المُرجَّح أن تحصل تايوان على مساعدة عسكرية أيضاً، مثل الأسلحة المضادة للدبابات والطائرات التي يرسلها الحلفاء إلى أوكرانيا، وربما تدخُّلاً مباشراً من قِبَلِ القوات الأمريكية.
ومع ذلك، قال محلِّلون إنه من غير المُرجَّح أن تتخلَّى بكين، بعد أن رأت مشاكل روسيا، عن خيار الاستيلاء على تايوان بالقوة. وبدلاً من ذلك، يُظهر التقدُّم البطيء لروسيا قيمة الضربات الأوَّلية الساحقة التي يفترض بعض المحلِّلين أن الصين قد تقوم بها في أيِّ هجومٍ على تايوان.
قالت أوريانا سكايلر ماسترو، الخبيرة في الشؤون العسكرية الصينية بجامعة ستانفورد: "يؤكد التفكير العسكري الصيني على التصعيد السريع بدرجات كبيرة من القوة في المراحل الأولى من الصراع، خاصة إذا كنت تحاول إقناع الطرف الآخر بالتخلِّي عن المفاوضات".
الهجوم الحالي في أوكرانيا، وأيُّ صراعٍ مُحتَمَلٍ على تايوان ليسا متماثلين تماماً، لكن الوضعين يشبهان بعضهما إلى حد ما، حسب صحيفة Wall Street Journal.
في كلتا الحالتين، ترغب قوةٌ عظمى في السيطرة على منطقة قريبة تربطها بها روابط ثقافية ولغوية وتاريخية وثيقة. لطالما رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين توجه النظام الأوكراني الديمقراطي للبقاء كدولةٍ مستقلة متحالفة مع الغرب، بينما يقول الحزب الشيوعي الصيني إن تايوان، وهي جزيرةٌ ديمقراطية تتمتع بالحكم الذاتي، يجب أن تُحكم من بكين كجزء من الصين.
وتقول بكين إن القوة تظل خياراً لابتلاع تايوان. ولكن، على النقيض من بوتين، الذي استولى بالفعل على أجزاءٍ من أوكرانيا في عام 2014، لم تستحوذ الصين على أي أراضٍ تايوانية ولم تقدِّم أيَّ مؤشِّرٍ ملموس على أنها تخطِّط للهجوم عليها.
الصين لديها نقطة تفوق على روسيا، ولكن الجغرافيا تعاندها
ستدشِّن الصين أيَّ غزوٍ بميزةٍ واحدة مقارنة بروسيا: جيش أكبر وأفضل تجهيزاً. لدى الصين حوالي مليون جندي بري، وهي أكبر قوة برية في العالم من حيث العدد، وميزانيتها العسكرية تزيد عن ثلاثة أضعاف حجم روسيا وحوالي 13 ضعف حجم ميزانية تايوان.
تايوان لها مزاياها الخاصة مقارنة بأوكرانيا. سيتعين على الصين تنفيذ هجوم برمائي عبر قناة بحرية بعرض 90 ميلاً، والهبوط في مناطق مكتظة بالسكان تحرسها ألغامٌ بحرية وبطاريات صواريخ ساحلية. على النقيض من ذلك، سار معظم الجنود الروس الذين هجموا على أوكرانيا عبر الحدود على طرقٍ مستوية بدون عوائق جغرافية تذكر.
وبافتراض أن الجنود الصينيين استولوا على موطئ قدمٍ لهم في تايوان، فإنهم سيواجهون معضلةً مماثلة لمعضلة روسيا- كيفية الاستيلاء على السلطة دون تدمير المكان الذي تصفه الدعاية الصينية بأنه جزء من الوطن الأم.
قال غابرييل كولينز من جامعة رايس في هيوستن الأمريكية، الذي شارك في كتابة دراسة حديثة حول الاستراتيجية السياسية والاقتصادية والعسكرية للصين: "إذا لم ينجح الصينيون في فرض الإذعان لهم في غضون ثلاثة أو أربعة أيام، من المُرجَّح أن تصبح هذه حملةً مُطوَّلة".
وتايوان تستعد للصد أي هجوم من بكين
يقول زعماء تايوان إنهم يحسنون الاستعداد لأي غزو، وهو ما شكَّك به الاستراتيجيون الأمريكيون أحياناً. وركَّزَت خطط الإنفاق العسكري الأخيرة على الأسلحة لصدِّ قوةٍ غازية مثل صواريخ هاربون المضادة للسفن. ويهدف التدريب الأكثر صرامة للاحتياطي العسكري الذي يبدأ هذا الشهر إلى منح تايوان قوة أكبر وأكثر فاعلية للرد.
وقال الجنرال يو وين تشن، وهو ضابط في وكالة التعبئة الدفاعية الشاملة المنشأة حديثاً في تايوان، يوم الأربعاء 2 مارس/آذار، إن تايوان تبحث عن دروس من الجيش الأوكراني. وأضاف: "نرى أن الناس في أوكرانيا يتدافعون للقتال من أجل أمن بلادهم والدفاع عن وطنهم".
كانت تعليقاته غير معتادة لأن كلاً من الصين وتايوان أعربتا عن عدم ارتياحهما للتشبيه بالحالة الأوكرانية. وقال ممثِّلو الحكومة الصينية مراراً وتكراراً إنه لا توجد مقارنةٌ، لأنه- من وجهة نظرهم- من المؤكَّد بالفعل أن تايوان جزءٌ من الصين ولا يمكن أن تكون مستقلةً أبداً. بينما قال الرئيس التايواني تساي إنغ ون بعد وقت قصير من بدء روسيا هجومها على أوكرانيا إن تايوان مستعدةٌ جيداً لأي هجوم صيني.
وقال غرانت نيوشام، العقيد السابق في مشاة البحرية الأمريكية الذي يدرس أمن شرق آسيا، إن الصين ستلاحظ على الأرجح أن روسيا فشلت في إثارة انتفاضة من الناطقين بالروسية في شرق أوكرانيا وآخرين مِمَّن يُعتَقَد أنهم يتعاطفون مع موسكو.
إذ افترضت بكين منذ فترةٍ طويلة أن التايوانيين سيرغبون في الاتحاد مع البر الرئيسي مع زيادة قوة الصين وازدهارها، لكن استطلاعات الرأي تُظهِر أن التايوانيين يشعرون أن هويتهم مميزة عن البر الرئيسي- على غرار الوضع في أوكرانيا حيث يريد معظم السكان الاستقلال عن روسيا.
وقال نيوشام إن عجز موسكو عن إطاحة القيادة الأوكرانية بسرعة هو أمرٌ ستلاحظه بكين.
وقال: "يمكن للقادة المحللين الشجعان حشد الناس الذين يُعتَقَد أنهم محبطون ومستعدون للانهيار. ربما تستهين الصين بتايوان في هذا الصدد. وبدلاً من ترهيبهم وإجبارهم على الخضوع، فإن الهجوم على شعب تايوان قد يثير بالفعل مقاومة أكبر".
هل تدافع أمريكا عن تايوان في مواجهة الصين؟
بينما أكدت واشنطن منذ بداية الأزمة الأوكرانية أنها لن تدافع عن كييف أمام أي غزو روسي تعمدت خلق قدر من الغموض بشأن ردِّها على حربٍ في تايوان.
ويفترض العديد من المحلِّلين العسكريين أن الولايات المتحدة ستتدخَّل مباشرةً للقتال إلى جانب تايوان (رغم عدم وجود اتفاقية دفاع مشترك بين واشنطن وتايببه)، وهو أمرٌ استبعده الرئيس الأمريكي جو بايدن في أزمة أوكرانيا. ويمكن لواشنطن الحصول على مساعدة لصالح تايوان وراء الخطوط الأمامية من الجيوش اليابانية وغيرها.
إذ يمكن للقواعد العسكرية الأمريكية في جنوب اليابان، على بعد بضع مئات من الأميال من تايوان، وكذلك الأسطول السابع للولايات المتحدة، المتمركز بالقرب من طوكيو، أن تسمح بالتدخُّل السريع إذا اختارت الولايات المتحدة الدفاع عن تايوان.
تشير تجربة أوكرانيا أيضاً إلى أنه سيكون من الممكن حشد تحالف عالمي سريعاً لضرب اقتصاد الصيني، على الرغم من أن المحلِّلين يقولون إن اقتصاد الصين الأكبر والأكثر تنوعاً مقارنة بروسيا قد يجعلها أكثر قدرة على تحمُّل العقوبات.
وإذا نظرنا إلى كلِّ هذا معاً، فإن الدروس المستقاة من أوكرانيا تبدو أنها تقدِّم حكاية تحذيرية لقادة بكين وقد تقلل من فرصة المراهنة على غزو تايوان. لكن الدكتورة سكايلر ماسترو من جامعة ستانفورد الأمريكية قالت إن تعثُّرات روسيا من غير المرجح أن تكون قد غيَّرت الحسابات الصينية.
وأضافت: "أعتقد أن الأمر الرئيسي بالنسبة للصين هو التريث لكسب الزمن بهدف صقل قدراتها، خاصةً في ظل الصعوبات المحتملة لأي غزو برمائي لتايوان، والتأكد من أنها تتمتع بالثقة من أجل أن تبدأ الهجوم بمجرد أن تقرِّر ذلك".