عشرات اللقطات لمقاطع فيديو مصورة بالأبيض والأسود أصبحت تنتشر "كالنار في الهشيم" لضربات هائلة تتعرض لها أرتال عسكرية روسية في أوكرانيا، بعدما نشرتها القوات المسلحة الأوكرانية على تويتر، حيث أظهرت هذه المقاطع التأثير الفتاك لضربات الطائرات المسيرة التركية "بيرقدار" التي اشترتها أوكرانيا خلال السنوات الماضية من أنقرة، على الدبابات والمنظومات الصاروخية الروسية. وخلال يومين، حصد مقطع فيديو أكثر من 3 ملايين مشاهدة على تويتر، وقد ألحق به حساب الجيش الأوكراني تعليقاً يقول: "خافوا، أيها الأعداء! لن تشهدوا سلاماً على أرضنا".
استخدام طائرات بيرقدار في أوكرانيا أصبح "حديث الساعة"
أصبحت طائرات بيرقدار Bayraktar TB2 "بطل القصة" البارز في الحرب الروسية الأوكرانية، كما تصفها مجلة The Times الأمريكية، بعدما استخدمها الجيش الأوكراني على نطاق واسع في هجماته على القوات الروسية في الأيام الأخيرة.
وقال الجيش الأوكراني إن طائرات بيرقدار دمَّرت دبابات روسية ومنظومات دفاعية ومنظومات صواريخ أرض وغيرها من المدرعات والناقلات وشاحنات الإمداد الروسية منذ بدء الحرب على أوكرانيا، في ظل احتفاء رسمي وشعبي أوكراني بهذا النوع من الطائرات، وصلت حد قيام ناشطين أوكرانيين بصنع أغنية تحتفي بهذه الطائرة وضرباتها "الموجعة" للأرتال العسكرية الروسية.
وتعد طائرات بيرقدار التركية صغيرة الحجم وخفيفة الوزن، فهي أخفُّ بنحو سبع مرات من طائرات ريبر المسيرة الأمريكية، ويبلغ طول جناحيها 12 متراً، ما يسمح لها بالتحليق في الجو لمدة تصل إلى 30 ساعة في الرحلة الواحدة. وتشير مواد ترويجية صادرة عن شركة "بايكار" للصناعات العسكرية التركية Baykar Technologies المصنِّعة للطائرة، إلى أنها قادرة على حمل 4 صواريخ موجهة بالليزر.
وأغرت المعارك التي استُخدمت فيها طائرات بيرقدار في مناطق عدة من بينها معركة "مرتفعات قرة باغ" بين أذربيجان وأرمينيا في سبتمبر/أيلول 2020 -التي نجحت بواسطتها باكو باستعادة مناطقها المحتلة منذ 30 عاماً من يريفان- أوكرانيا لاستخدام هذه الطائرات ضد الانفصاليين في إقليمي دونيتسك ولوغانسك المدعومين من روسيا، والآن تستخدمها القوات الأوكرانية ضد الجيش الروسي نفسه الذي يجتاح أراضيها.
خبراء غربيون: فاعلية طائرات بيرقدار كشفت عن نقاط ضعف غير متوقعة لدى الروس
يقول خبراء عسكريون أمريكيون وأوروبيون إن حملة التصدي العسكرية التي استخدمت فيها أوكرانيا طائرات بيرقدار التركية نجحت في إبطاء التقدم الروسي، وكشفت عن "نقاط ضعف غير متوقعة" في القوات الروسية.
ولفت الخبراء العسكريون إلى نقطة أخرى لعلَّها أكثر أهمية، وهي أن مقاطع الفيديو التي التقطت للهجمات الناجحة التي شنتها الطائرات التركية وانتشرت على نطاق واسع- تعززت بمرور الوقت أهميتها في حرب المعلومات الجارية في أوكرانيا، فقد منحت الأوكرانيين سلاحاً لإخافة أعدائهم الروس، وأمدَّت الأوكرانيين بدفعة حماس معنوية وسط المخاوف من الهجمات العسكرية الروسية. ومع ذلك، استبعد الخبراء أن تغير الطائرات المسيرة مسارَ الحرب على الأمد الطويل.
يقول أردا مولود أوغلو، الخبير العسكري التركي، لمجلة التايمز، إن "اللقطات التي نشرها الجيش الأوكراني كشفت عن عيوب جسيمة في غطاء الدفاع الجوي الروسي، وهي مفاجأة لكثير من المراقبين. كما أن تلك اللقطات مفيدة في الدعاية والحرب النفسية".
ظلت الطائرات بدون طيار العسكرية الموثوقة دقيقة الضربات حكراً على الجيش الأمريكي زمناً طويلاً. لكن تكنولوجيا الطائرات المسيرة شاعت في السنوات الأخيرة، وباتت في القرن الحادي والعشرين عنصراً أساسياً في كثير من ساحات القتال.
أصبحت تركيا في السنوات الأخيرة مورِّداً بارزاً للطائرات بدون طيار. ففي العامين الماضيين، لم تحلِّق طائرات بيرقدار التركية في سماء أوكرانيا فحسب، بل ظهرت أيضاً في إثيوبيا وأذربيجان وليبيا وسوريا؛ فقد استخدمتها الحكومة الإثيوبية للتصدي للقوات المتمردة التي هاجمت العاصمة أديس أبابا العام الماضي، واستخدمتها أذربيجان في صراعها مع أرمينيا في عام 2020.
"بيرقدار أصبحت الأشهر بين الطائرات المسيرة في العالم"
يقول توني أوزبورن، رئيس مكتب لندن التابع لمجلة Aviation Week المتخصصة في هذا المجال، إن "طائرات بيرقدار ذاع صيتها بنجاحات كبيرة حقاً في السنوات الأخيرة. وأزعم أنها الآن أشهر طائرة بين الطائرات من هذا النوع".
يكشف مقطع الفيديو الذي نشره الجيش الأوكراني عن إحدى المزايا الرئيسية لطائرات بيرقدار التركية، وهي قدرتها على إلحاق أضرار فتاكة بأسلحة ومنظومات تفوق أثمانها بكثير، بالإضافة إلى أنها أرخص سعراً أرخص بكثير من الطائرات بدون طيار الأخرى، علاوة على انخفاض المخاطر المتعلقة بها.
ويستدل أوزبورن بأن طائرات بيرقدار بيعت إلى أوكرانيا بتكلفة لا تتجاوز بضعة ملايين من الدولارات لكل منها، أما النظام الصاروخي أرض جو الروسي الذي دُمِّر في مقطع الفيديو، فقد يصل ثمنه إلى 50 مليون دولار.
وأضاف أوزبورن: "أهم ميزة في الأسلحة من هذا النوع هو أنها رخيصة الثمن، لأن ذلك يطرح عنك همَّ فقدانها. ويجعلك تلقي بها في أتون القتال دون خوف، وإذا حققت نجاحاً هائلاً، كالذي رأيناه في مقطع الفيديو، تجعلك دون سابق توقعٍ أقرب إلى الانتصار في حرب الاستنزاف".
تذهب تقديرات أوزبورن إلى أن أوكرانيا تملك على الأرجح نحو 20 طائرة بيرقدار في ترسانتها التشغيلية من الطائرات بدون طيار. وفي ديسمبر/كانون الأول، ذكرت وكالة Bloomberg، نقلاً عن مسؤولين، أن أوكرانيا طلبت شراء 20 طائرة أخرى. ولم ترد شركة "بايكار" على طلبات التعليق.
بروز تركيا المتنامي بين القوى المصنِّعة للطائرات بدون طيار
يقول غالب دلاي، المتخصص في الشؤون التركية بمركز أبحاث تشاتام هاوس، إن صفقات الطائرات بدون طيار التركية إلى أوكرانيا تتوافق مع مصالح تركيا بوصفها دولةً من الدول المنتمية إلى عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأبرز هذه المصالح هو الحفاظ على توازن القوى في منطقة البحر الأسود.
ومع أن شركة بايكار المصنعة للطائرة بيرقدار شركةٌ خاصة، فإنه هذه الطائرات تعدُّ على نطاق واسع ذراعاً للسياسة الخارجية التركية. وللشركة روابط أخرى بالحكومة التركية، فرئيس قسم التكنولوجيا في الشركة، سلجوق بيرقدار، هو صهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
في ندوة أُقيمت عبر الإنترنت في مايو/أيار 2021، قال خلوق بيرقدار، الرئيس التنفيذي للشركة: "رفضت دول عديدة، منها الولايات المتحدة والصين وإسرائيل، بيع الطائرات بدون طيار المسلحة إلى أوكرانيا. وكانت تركيا الدولة الوحيدة التي قبلت بيع أوكرانيا هذه التكنولوجيا".
أصبحت طائرات بيرقدار حاضرةً في جميع ساحات القتال التي تشهد نشاطاً للدولة التركية، سواء في العراق أم في ليبيا أو في أذربيجان، وكلها ساحات يتواجه فيه وكلاء عن روسيا وتركيا. ويقول دلاي: "الطائرات بدون طيار منحت تركيا ميزة جيوسياسية. فالمشاركة في قتال تقليدي في أماكن مثل ليبيا أو سوريا يختلف تماماً عن الاستعانة بالطائرات بدون طيار. هذه الطائرات تجعل مشاركة تركيا أسهل وأقل تكلفة".
أما عن الدول الأخرى التي بيعت لها طائرات بيرقدار، مثل إثيوبيا، فالأقرب أن ذلك كان مدفوعاً بالبحث عن أرباح اقتصادية وليس دوافع سياسية. ويشير مولود أوغلو أيضاً إلى أن تركيا لم تفرض أي شروط سياسية على الدول التي تلقت صادراتها من الطائرات بدون طيار.
في الختام، تقول مجلة التايمز، يبدو أن شركة بايكار مقبلة على أرباح كثيرة في المستقبل بعد النجاحات التي بلغتها طائرات بيرقدار في أوكرانيا. ويقول دلاي: "ولما كانت تركيا الآن من الدول التي لديها صناعات عسكرية متنامية، فإنها تريد عرض منتجاتها في ساحات المعارك. وقد أصبحت مناطق النزاع من هذا النوع سوقاً رئيسية لترويج الطائرات بدون طيار التركية".