دخل الاجتياح الروسي لأوكرانيا يومه التاسع، وذلك مع تزايد الضغوط على الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي تطالبها ببذل المزيد من الجهد لمساعدة أوكرانيا في مواجهة روسيا، لكنَّ مسؤولين غربيين يقولون إن فرص الدول الغربية في مد يدِّ العون لأوكرانيا تتناقص مع اتساع نطاق التمدد الروسي في البلاد.
ماذا بقي في يد الغرب لوقف الاجتياح الروسي لأوكرانيا؟
في ظل استمرار روسيا في مساعيها للاستيلاء على المناطق الهامة والاستراتيجية في البلاد، كان من بين أشد الخيارات التي نوقشت علناً هو فرض منطقة حظر للطيران في سماء أوكرانيا، والغاية من ذلك منع الطائرات الروسية من شن ضربات جوية، وحرمانها إحدى الأدوات العسكرية الأساسية في هذه الحرب. لكن الولايات المتحدة ودول الناتو رفضت الفكرة.
مع ذلك، فإن السؤال الذي يتبادر إلى ذهن الجميع دون تصريح به، هو لماذا لا يلجأ الناتو إلى خيار التدخل العسكري في مواجهة موسكو؟ لكن واقع الأمر أن خيار الاشتباك العسكري المباشر ليس خياراً مطروحاً للتفكير لدى أي دولة من دول الناتو. ومما يؤكد انتفاء هذا الخيار هو ما قاله رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يوم الأربعاء 2 مارس/آذار حين سُئل عن فرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا، فأجاب بأن هذا يعني الاضطرار في مرحلةٍ ما إلى إسقاط طائرات روسية، و"هذا أمر لا تفكر أي دولة غربية في فعله".
ماذا يعني إنشاء منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا؟
يتطلب إنشاء منطقة حظر طيران مستمرة وفعَّالة فوق أوكرانيا الاستعانةَ بعدة مئات من الطائرات كما يقول تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، لأن الأمر لن يقتصر على حماية منطقة حظر الطيران، بل ودعم تلك الطائرات المشاركة في الحفاظ على حظر الطيران.
بالإضافة إلى ذلك، يحتاج الأمر إلى تنسيق بين القوات الجوية لعدة دول. علاوة على التزام دول الناتو الثلاثين بالتعامل مع أي هجوم على طائرة تابعة لدولة من دول الناتو على أنه هجوم على دول الحلف كلها.
ومن ثَم، قالت الحكومة البريطانية إنها ستستمر في فرض المزيد من العقوبات على أفراد النخبة الحاكمة في روسيا، وإرسال المزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا، وتيسير سبل الاستقرار في المملكة المتحدة للاجئين الفارين من الصراع. وقال أحد المسؤولين الغربيين إن منطقة حظر الطيران يمكن إدراجها بنداً ضمن اتفاق سلام نهائي.
العقوبات لن يكون تأثيرها فورياً في ساحة المعركة
لكن من جهة أخرى، يقول الغرب العقوبات على اقتصاد روسيا لن يكون لها تأثير فوري في ساحة المعركة، وهو ما أقر به قادة غربيون، منهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي قال الأسبوع الماضي، إن ظهور تأثير العقوبات "سيستغرق بعض الوقت".
يأمل المسؤولون في الغرب أن تؤتي الضربة الاقتصادية الكبيرة للاقتصاد الروسي أُكلها في أسرع وقت، وأن يؤدي انهيار البنوك الروسية والشركات إلى إبراز العواقب الشديدة التي سيُلاقيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إذا استمر في هذه الحرب.
ورفضت دول الناتو أي حديث عن فكرة التدخل المباشر في القتال، لكنها عمدت من جهة أخرى إلى زيادة تأهبها العسكري مؤخراً، وشمل ذلك عدة تدابير منها وجود أكثر من 100 طائرة مقاتلة الآن في حالة تأهب قصوى، وتفعيل العمل في 30 موقعاً عسكرياً، وتوجيه أكثر من 120 سفينة للإبحار في دوريات بحرية يمتد نطاقها من بحر البلطيق إلى البحر المتوسط، علاوة على نشر آلاف الجنود على الحدود الشرقية للناتو.
مخاوف من الحرب النووية التي لا يريدها الجميع
كانت إشارة بوتين إلى وضع ترسانة بلاده من الأسلحة النووية في حالة تأهب سبباً في إثارة المزيد من المخاوف بين دول الناتو من المخاطر المحتملة للتدخل العسكري. ويبدو أنه لا يوجد إجماع حتى الآن بين الدول الغربية على الكيفية التي ينبغي الرد بها على هذا التصعيد الروسي. ومع ذلك، قال مسؤولون غربيون إنه في حال أعقب الرئيس بوتين تهديده بإجراءات أخرى، فإن دول الناتو المسلحة نووياً ستضع ترسانتها النووية في حالة تأهب.
وتوقع مسؤول بحلف الناتو أن تلجأ الدول الغربية إلى دعم أوكرانيا بمزيد من المساعدات المكثفة من خلال قنوات خاصة، لكن دون تحديد للتفاصيل المترتبة على ذلك. وقال مسؤول أوروبي إن هذه الخطوة نُوقشت بالفعل في دوائر حكومية غربية.
وعقد وزراء خارجية دول الناتو يوم الجمعة 4 مارس/آذار محادثات طارئة حول أوكرانيا. وقال مسؤولون أمريكيون إن أحد الموضوعات المطروحة للنقاش هو البحث في سبل دعم الحلف لأوكرانيا، وإن أقر المسؤولون مرة أخرى بأنه لا توجد خيارات كثيرة.
وقال مسؤول في الناتو: "لا يمكننا فعل الكثير؛ لأن الأمر قد يجرنا إلى حرب عالمية ثالثة، وهذه هي معضلة الأمر وعُقدته".
استمرار تدفق الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا قد يشعل حرباً أوسع
في الوقت نفسه، يتخوَّف بعض المسؤولين الغربيين من أنه حتى شحنات الأسلحة الغربية التي تتدفق الآن إلى أوكرانيا عبر بولندا قد تؤدي إلى احتدام التوتر العسكري بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، وهو ما أثار خلافات بين دول التحالف بشأن مقدار المساعدات العسكرية التي يجب تقديمها لأوكرانيا.
كان جوزيب بوريل، كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، قال الأسبوع الماضي، إن الدول الأوروبية سترسل مقاتلات نفاثة إلى أوكرانيا، وإنها ستموِّل للمرة الأولى شحنات دول الحلف التي تنقل الأسلحة الهجومية إلى كييف.
لكن على خلاف ذلك، قال عدد من المسؤولين المطلعين على المناقشات الخاصة بهذه القرارات إن دول الحلف لم تتفق على خطوة تمويل الشحنات العسكرية قط، وإن النقاش بشأنها اقتصر على وزراء الخارجية. وعلى الرغم من تصريحات بوريل، فإن مسؤولين في عدد من دول الحلف التي تملك طائرات يستطيع الطيارون الأوكرانيون قيادتها قالوا يوم الثلاثاء 1 مارس/آذار إنهم لن يمنحوها لأوكرانيا.
يبدو أن دول الناتو مقتنعة أنها مهما بذلت من مساعٍ، فإن بوتين عازم على توسيع نطاق الصراع واستمراره حتى بلوغ أهدافه.
ومع أن الأسلحة التي قدمتها دول الناتو إلى أوكرانيا مكَّنتها بالفعل من إلحاق أضرار جسيمة بالقوات الروسية، فإنه من المستبعد أن تنجح كييف في الانتصار على القوات الغازية للبلاد. وهو ما جعل آمال الغرب معقودة على نجاح أوكرانيا في الحفاظ على نوع من المرونة التي تكفل لها عدم الانهيار، وفرض نوعٍ من توازن القوى في محادثات وقف إطلاق النار، وتحسين موقف كييف في التفاوض.
ويتوقع المسؤولون الغربيون استمرار الأوكرانيين في القتال دفاعاً عن بلدهم، حتى لو سقطت الحكومة الأوكرانية وسيطرت روسيا على الحواضر السكانية. وفي هذا السياق، قال دبلوماسي أوروبي يوم الثلاثاء 1 مارس/آذار: "حتى إن نجح بوتين في السيطرة على المدن، فإن هذه لن تكون نهاية الأمر".
وأضاف الدبلوماسي الأوروبي: "أعتقد أن بوتين ستنتهي به الأمور إلى الغرق في تمرد واسع سيكون شديد الإنهاك له ولجيشه ولاقتصاد بلاده. وفي النهاية، فإن الروس العاديين هم من سيدفعون ثمن هذه الغطرسة وهذا العدوان"، بحسب تعبيره.