اتجهت أنظار العالم فجر الجمعة 4 مارس/آذار 2022 نحو مدينة زاباروجيا جنوب شرق أوكرانيا، حيث تقع أكبر محطة لـ المفاعلات النووية في أوروبا، وذلك بعد اندلاع حريق قربها بعد وقوع اشتباكات عنيفة بين القوات الروسية والأوكرانية؛ حيث تضم محطة زاباروجيا 6 مفاعلات نووية توفر جزءاً كبيراً من احتياجات أوكرانيا من الكهرباء، وكان تخيل انفجارها بسبب الحرب أمراً مرعباً لأوروبا والعالم، يعيد للأذهان ما حصل في كارثة تشيرنوبل عام 1986.
على ضوء ذلك، تطرح الكثير من الأسئلة حول عدد المفاعلات النووية في أوكرانيا وحجم صناعة الطاقة النووية في البلاد التي ورثت الكثير من محطاتها النووية من الاتحاد السوفييتي بعد انهياره في عام 1991، ومدى تعرضها للمخاطر في ظل الحرب الدائرة بين موسكو وكييف.
كم عدد المفاعلات النووية في أوكرانيا؟
تعتمد أوكرانيا بشكل كبير على الطاقة النووية؛ حيث يولد 15 مفاعلاً حوالي نصف احتياجاتها من الكهرباء، وجميع مفاعلاتها الحالية من نوع VVER روسي التصميم، وهي تنتشر في نحو 4 مدن في جنوب ووسط وشمال وغرب البلاد، دون مفاعلات تشيرنوبل التي تعرض بعضها للانفجار في عام 1986 وتسببت بأكبر كارثة نووية في العالم استمرت آثارها حتى وقت طويل.
ما هو تاريخ الطاقة النووية في أوكرانيا؟
بدأ التطوير النووي بأوكرانيا في عام 1970، عندما كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي، وذلك بعد تشييد محطة تشيرنوبل للطاقة. تم تشغيل الوحدة الأولى في تلك المحطة عام 1977 مع بدء تشغيل الوحدة 4 في عام 1983. وبعد وقوع الكارثة في عام 1986، تم إلغاء الوحدتين 5 و6 في تشيرنوبل عام 1989.
ظلت صناعة الطاقة النووية مستقرة نسبيًا خلال السنوات التي أصبحت فيها البلاد مستقلة عن الاتحاد السوفييتي السابق. في نهاية عام 1995، تم توصيل 6 مفاعلات في زاباروجيا التي بنيت عام 1985 لتوفر جزءاً كبيراً من احتياجات أوكرانيا من الكهرباء، مما جعل تلك المحطة النووية الأكبر في أوروبا، بسعة صافية تبلغ 5700 ميغاوات كهربائية.
وفي أغسطس/آب وأكتوبر/تشرين الأول من عام 2004، تمت إعادة توصيل مفاعلين في خميلنيتسكي وسط البلاد، و4 مفاعلات في ريفن غرب البلاد على التوالي، مما أضاف 1900 ميغاواط لتحل محل تلك الوحدات التي أغلقت في تشيرنوبيل في الأعوام 1996 و2000. كما تم تطوير 3 محطات للطاقة النووية في منطقة كونستانتينوفكا جنوب البلاد.
"مفاعلات الزومبي".. ما خطط أوكرانيا لتطوير محطات طاقتها النووية التي ورثتها عن الاتحاد السوفييتي؟
كان عمر التصميم الأصلي للمفاعلات الروسية التي بنيت في أوكرانيا 30 عاماً، ولكن تم العمل على تمديد عمرها لوقت أطول. وفي عام 2014، وفرت الطاقة النووية 49.4% من إنتاج الكهرباء في أوكرانيا، التي تمتلك أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا. وتعد شركة Turboatom الأوكرانية من بين أكبر عشر شركات لبناء التوربينات في العالم، منها توربينات محطات الطاقة النووية.
وخططت الحكومة الأوكرانية لبناء 11 مفاعلاً جديداً بمساعدة غربية بحلول عام 2030، وهو ما سيضاعف تقريباً المقدار الحالي من قدرة الطاقة النووية. وفي سبتمبر 2021، وقعت شركة الطاقة النووية الأوكرانية (Energoatom) المملوكة للدولة اتفاقية مع شركة (Westinghouse) الأمريكية لبناء أربعة مفاعلات AP1000 في المواقع القائمة في البلاد.
وتقول شبكة CEE Bankwatch وهي من أكبر شبكات المنظمات البيئية في وسط وشرق أوروبا، إنه بينما كان الاتحاد الأوروبي يحاول مساعدة التحول السياسي لأوكرانيا خلال الأعوام الماضية، فإن الدعم المالي الأوروبي عزز اعتماد البلاد على قطاع نووي عفا عليه الزمن وغير آمن للغاية، واصفة تلك المحطات الأوكرانية بـ"مفاعلات الزومبي" التي قد تسبب كارثة في أي لحظة، خصيصاً أن أكبرها في "زاباروجيا" يقع على بعد حوالي 200 كيلومتر عن منطقة دونباس المتنازع عليها.
وتضيف الشبكة الدولية أن أوكرانيا عملت على تمديد عمر 6 مفاعلات نووية من أصل 15 ورثتها عن الاتحاد السوفييتي، دون استكمال ترقيات السلامة الضرورية، ودون إجراء تقييم مناسب لجميع المخاطر ودون النظر في البدائل المستدامة.
ويقول الخبراء إن محطات الطاقة النووية في أوكرانيا التي ورثتها عن السوفييت منذ عقود طويلة، تعمل بأنظمة قديمة وليست مجهزة للحماية في الحروب. ويقول جيمس أكتون، المدير المشارك لبرنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، في مدونة يوم الجمعة 4 مارس/آذار، إنه أكثر قلقًا بشأن محطات الطاقة النووية في أوكرانيا أكثر من تشرنوبيل، مضيفاً أن المفاعلات النووية الـ15 العاملة أقرب إلى المدن والبلدات المأهولة بالسكان، ووقودها أكثر إشعاعًا من وقود تشيرنوبيل بأضعاف مضاعفة.
وأضاف أكتون: ببساطة، محطات الطاقة النووية الأوكرانية ليست مصممة لتكون ضمن مناطق الحروب، يبدو أنه من غير المحتمل للغاية أن تسمح موسكو بشن هجمات متعمدة على هذه المنشآت، لكنها مع ذلك يمكن أن تصبح أهدافًا في حرب من شأنها تعطيل عملياتها"، حسب تعبيره.
ماذا عن الوقود النووي الأوكراني؟
على الرغم من أن أوكرانيا ورثت قاعدة تقنية وعلمية وصناعية سخية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فإنها تفتقد أجزاء رئيسية من دورة الوقود النووي الكاملة، إضافة إلى مشكلات البلاد الاقتصادية الكبيرة في ذلك الوقت.
وتمتلك أوكرانيا الحق للوصول إلى اثنين من موردي الوقود: شركة TVEL الروسية وWestinghouse الأمريكية؛ حيث يتم تصنيع معظم الوقود في المفاعلات الأوكرانية بواسطة TVEL، لكن البلاد لديها مشروع مستمر في السنوات الأخيرة لتنويع مصادر الوقود لديها.
واعتباراً من منتصف عام 2021، أصبحت 6 مفاعلات من أصل 15 مفاعلاً في أوكرانيا تعمل باستخدام الوقود الذي تصنعه شركة Westinghouse الأمريكية.
وقُبيل نشوب الحرب الجارية، قال الرئيس التنفيذي لشركة Energoatom الأوكرانية إنه "وفقاً للبروتوكول، لن تعمل المفاعلات النووية الأوكرانية في حالة الاشتباكات المسلحة للسيطرة عليها، في مثل هذه الحالة، يتم إغلاق المفاعلات حتى يتم القضاء على التهديد".
وبحسب الشركة الأوكرانية، ففي حالة فقدان إمدادات الطاقة الخارجية في محطة الطاقة النووية، يبدأ نظام الإمداد بالطاقة المستقلة العمل عن طريق مولدات ديزل قوية. مضيفة أن محطات الطاقة النووية الأوكرانية جاهزة لمثل هذا الأسلوب عند اندلاع المخاطر.
ما قصة الأسلحة النووية الأوكرانية؟
كانت أوكرانيا يوماً ثالث قوة نووية في العالم، والآن يتحسر ساستها على قرارهم التخلي عن الأسلحة النووية الأوكرانية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وهدد الرئيس فولوديمير زيلينسكي، مؤخراً بالعمل على عودة إنتاجها. وخلال مؤتمر ميونيخ الأمني في فبراير/شباط 2022، لوَّح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ضمنياً بمراجعة وضع بلاده كدولة غير حائزة للأسلحة النووية، وقال إن كييف يمكن أن تنسحب من مذكرة بودابست التي وقعت عام 1994، والتي ألزمت بلاده بالتخلي عن ترسانتها النووية الضخمة التي ورثتها من الحقبة السوفيتية.
وساعدت إدارة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون روسيا على استعادة أسلحتها النووية التي تركتها في أوكرانيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. في المقابل، تلقَّت أوكرانيا المساعدة التي احتاجتها لتصبح دولة مستقلة قادرة على البقاء. وساعد إخلاء أوكرانيا من الأسلحة النووية، جنباً إلى جنب مع بيلاروسيا وكازاخستان، على منع الأسلحة النووية. وقد مهَّدَت الطريق لتمديد معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية إلى أجلٍ غير مسمَّى، وهذه المعاهدة هي أحد الحصون الرئيسية ضد الاستخدام الفعلي للأسلحة النووية، بحسب تقرير لمجلة Forbes الأمريكية.
يعتقد البعض داخل وخارج أوكرانيا أنه كان من الخطأ إزالة الأسلحة النووية من الأراضي الأوكرانية. ومع ذلك، يجدُر بنا أن نتذكر أن السيطرة على هذه الأسلحة كانت محلَّ نزاعٍ بين كييف وموسكو، وأن محاولات القوات الأوكرانية الضعيفة للاستيلاء عليها كان يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة للغاية. إلى جانب ذلك لم يكن لدى أوكرانيا المال ولا الخبرة للحفاظ على الأسلحة النووية أو الحفاظ عليها آمنة.
يصف الدبلوماسيون ونشطاء السلام أوكرانيا كدولة نموذجية في مجال نزع السلاح النووي، ولكن الأمر لم يكن بهذه البساطة، يُظهر البحث التاريخي أن مسألة التخلي عن الأسلحة النووية الأوكرانية كانت محل خلاف بين الحكومة والجيش في البلاد آنذاك، ففي ذلك الوقت، شكك الخبراء الأوكرانيون في الحكمة من نزع السلاح النووي، جادل البعض بأن الأسلحة الفتاكة كانت الوسيلة الوحيدة الموثوقة لردع أي عدوان روسي محتمل.
في الواقع، لعب الخوف من تكرار كارثة مفاعل تشيرنوبل دوراً مهماً في هذا القرار، حسب ماريانا بودجيرين الباحثة ببرنامج الأمن الدولي ومشروع إدارة الذرة بجامعة هارفارد الأمريكية. كما لم يكن قادة أوكرانيا في نهاية العهد السوفييتي يعرفون حتى الأسلحة التي تم نشرها وما هي الأسلحة الموجودة في جمهوريتهم. وكان ثمن التخلي عن الأسلحة النووية الأوكرانية بالنسبة للحكام الجدد هو فك الارتباط بموسكو، الذي نادت به البلاد لوقت طويل.