بعد يومٍ من الهجوم الروسي في الـ25 من فبراير/شباط، دفعت الولايات المتحدة والدول الأوروبية نحو 700 مليون دولار مقابل الغاز الطبيعي. ويرتفع الرقم إلى أكثر من مليار دولار يومياً بإضافة الصادرات النفطية الأخرى، مما يجعل الوقود الأحفوري أحد أهم مصادر الدخل لجهود الحرب الخاصة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
الارتفاع الجنوني الذي يطال قطاع الطاقة قد يجعل النفط الآسيوي ومنه السعودي، من النفط المرغوب فيه؛ نظراً إلى تشابهه مع النفط الروسي في كثير من العوامل، كما يذكر موقع Quartz الأمريكي
ولم تفرض الدول الغربية عقوباتها المباشرة على قطاع النفط الروسي بعد، لكن المتحدث باسم البيت الأبيض قال في الثاني من مارس/آذار، إن "الخيار مطروحٌ على الطاولة كاحتمالٍ وارد للغاية".
ولكن حتى في غياب العقوبات الرسمية، بدأ عددٌ متزايد من الشركاء والعملاء التجاريين لروسيا في إدارة ظهورهم والتخلّي طواعيةً عن الوقود الأحفوري الروسي الموجود في السوق.
إذ قالت لويز ديكسون، محللة النفط البارزة من شركة Rystad Energy: "السيناريو المنطقي الحالي هو أن جزءاً كبيراً من النفط الخام ومنتجات النفط المكررة الروسية لن تُصبح موجودةً في السوق، مما سيخلق عجزاً في الإمداد طوال فترة النزاع المسلح".
النفط الروسي للبيع بأسعار مخفضة قياسية
تراجعت العديد من شركات النفط والغاز الطبيعي متعددة الجنسيات عن حصص بعدة مليارات من الدولارات في شركات الحفر الحكومية الروسية خلال الأسبوع الجاري. وتشمل هذه الشركات كلاً من BP، وShell، وEquinor، وExxon. كما قالت العديد من مصافي التكرير الأوروبية والأمريكية أيضاً إنها لن تشتري الخام الروسي بعد الآن. وهذا على الرغم من تداول خام الأورال بتخفيضٍ قياسي تجاوز الـ14 دولاراً مقارنة بسعر خام برنت.
وتُصدّر روسيا عموماً ما يتراوح بين أربعة وخمسة ملايين برميل من النفط الخام يومياً. ولم تستهدف العقوبات التي أعلنها الغرب قطاع الطاقة الروسي، لكن شركات النفط الكبرى اختارت التخلّي عن مشروعاتها هناك، كما بدأ التجار في التخلّي عن الشحنات الروسية رغم تداولها بتخفيض كبير.
ويُمكن اعتبار هذا القرار تجارياً أكثر من كونه أخلاقياً. إذ لا تُريد الشركات الغربية أن تُخاطر بمخالفة القانون بينما ما تزال العقوبات الجديدة تصدر طوال الوقت، حيث إن اشتداد المعارك حول كييف قد يعني في النهاية استهداف قطاع الطاقة بالكامل مباشرةً.
ولم يكُن لهذه التغييرات تأثيرٌ كبير على حجم النفط القادم من روسيا حتى الآن، لكن الصادرات المتجهة إلى الولايات المتحدة وأوروبا قد تتوقف سريعاً بمجرد انتهاء فترة التعاقدات المبرمة قبل الهجوم خلال الأسابيع المقبلة.
منظمة أوبك والمصافي النفطية في آسيا تستعد للأرباح
تقول لويز إنّ النفط القادم من السعودية والعراق هو أقرب مطابقٍ للخام الروسي، ولهذا ستتطلع المصافي النفطية الأوروبية إلى تلك الدول أولاً، حيث اجتمعت منظمة أوبك في الثاني من مارس/آذار؛ لتقرير ما إذا كانت ستزيد حصص الإنتاج أكثر من المخطط أم لا. لكن المسؤولين كانوا قد أخبروا وكالة Reuters قبل الاجتماع، بأنهم يتوقعون ألا تزيد المنظمة الحصص.
والمستفيد الآخر هنا بحسب لويز، هو المصافي النفطية الآسيوية، التي ستكون أقل حساسيةً من نظيراتها في أوروبا، ولهذا "ستكون لديها فرصة الحصول على البراميل والاستفادة من التخفيضات القوية".
السعودية قد لا تهب لإنقاذ الأسعار لكنها قد تستفيد من ارتفاعها
تستطيع المملكة المساعدة في تخفيف أسعار النفط العالمية التي ارتفعت لأعلى مستوياتها منذ عام 2014. إذ تمتلك المملكة القدرة على زيادة إنتاجها بمليوني برميل يومياً، وفقاً لكلاوديو غاليمبيرتي، نائب رئيس التحليلات في Rystad Energy.
لكن الحكومة السعودية قالت يوم الثلاثاء، إنّها تظن أن على منظمة أوبك الالتزام بخطتها لزيادة الإنتاج تدريجياً، مما يعني أن الأسواق لن تحصل على مساعدةٍ كبيرة في ظل تسابق المستثمرين على تقييم تأثير أسعار الطاقة المرتفعة، كما أنها ستستفيد من الأسعار المرتفعة للنفط كذلك قد يذهب العديد من المستثمرين في قطاع الطاقة إلى النفط السعودي؛ نظراً إلى تشابهه مع الروسي.
حيث قال ريتشارد برونز، رئيس الأبحاث الجيوسياسية في Energy Aspects: "يريد السعوديون إبقاء رؤوسهم منخفضة. بينما يتعامل العديد من المشترين ومصارفهم وشركات شحنهم بحذر، لأننا مانزال في انتظار كامل التفاصيل القانونية للعقوبات التي جرى الإعلان عنها".
وهو ما يخلق حالة خوفٍ من فجوةٍ في الإمداد، ويزيد ارتفاع الأسعار أكثر.
وتستطيع السعودية أن تتدخل للإنقاذ، وكذا هو الحال مع الإمارات التي تمتلك سعةً إضافية تقدر بـ1.1 مليون برميل/يوم، وفقاً Rystad Energy.
لكن جميع المؤشرات كانت تُشير إلى أنّ أوبك التي اجتمعت الثلاثاء الماضي، ستواصل استراتيجية إضافة 400.000 برميل يومياً فقط للأسواق كل شهر، في انتظار رؤية مسار سيناريو الأزمة، بحسب شبكة CNN الأمريكية.
حيث قال غاليمبيرتي: "أظهرت أوبك حتى الآن أنها لا تُفضل اتخاذ القرارات بناءً على معلوماتٍ متقلبة".
ويعتقد غاليمبيرتي أن بعض المشترين -خاصةً من الصين والهند- سيعودون بمجرد اختفاء حالة عدم اليقين حول تأثير العقوبات على صناعة الطاقة. كما أنّ بعض المصافي الأوروبية المبنية لمعالجة الخام الروسي، ولديها عقودٌ طويلة الأجل، قد تستمر في تسلم كمياتها من النفط الروسي أيضاً.
وهو ما سيخفف الضغط المفروض على دولٍ مثل السعودية لتغيير مسارها، حتى وإن واجهت ضغطاً مكثفاً من الغرب لتقديم المساعدة.
كما أن المملكة تُفضّل تجنُّب إغضاب روسيا، التي تُعتبر من أحجار زاوية منظمة أوبك+ لكبار المنتجين.
وأوضح برونز: "تُعتبر الملابسات السياسية صعبةً بالنسبة لكثير من الدول الأعضاء في أوبك. إذ يرون أهمية العلاقة الاستراتيجية مع روسيا… ولهذا أعتقد أنهم يفضلون الابتعاد عن الانحياز لأحد الجانبين من الناحية السياسية".
ويُعَدُّ تقاعس السعودية عن التدخل من الأسباب الرئيسية التي تدفع وول ستريت للاعتقاد بأن أسعار النفط ستواصل صعودها في حال استمرار الحرب، حيث رفع مصرف Goldman Sachs توقعاته لأسعار خام برنت الشهرية إلى 115 دولاراً للبرميل، وقال إنّ هذا الرقم قد يكون مُحافظاً.