المقارنة بين قوة روسيا وأوكرانيا عسكرياً تجعل المعركة الدائرة حالياً بين البلدين مذبحة أو هجوماً من دب شرس على قط صغير، أكثر من كونها حرباً متوازنة، ولكن الغرب وبعض المسؤولين الأوكرانيين يقولون إن المساعدات الغربية لكييف قد تجعلها تصمد ولو قليلاً أمام الجيش الروسي.
ولكن الواقع أنه حتى مع وجود أطنان من الأسلحة والذخيرة والمعدات التي حصلت عليها أوكرانيا من الحلفاء الغربيين في الأسابيع القليلة الماضية، لا تزال القوات الروسية الأكبر والأكثر تقدماً تتفوق على نظيرتها الأوكرانية من الناحية التكنولوجية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، حدَّد رئيس جهاز المخابرات العسكرية الأوكرانية، الجنرال كيريلو بودانوف، سيناريو يبدأ فيه الهجوم الروسي بضربات جوية وهجمات صاروخية تستهدف مستودعات الذخيرة والقوات المترابطة بالخنادق؛ في تنبؤ بالهجوم الذي وقع صباح اليوم الخميس 24 فبراير/شباط.
وقال إنَّ الجيش الأوكراني سيصبح عاجزاً بسرعة كبيرة، وقيادته غير قادرة على تنسيق الدفاع وإمداد الجبهة. وبعد ذلك، أشار إلى أنَّ المسؤولية ستقع على عاتق قادة الخطوط الأمامية لمواصلة القتال بمفردهم.
وصرّح الجنرال بودانوف في مقابلة: "سوف يصمدون ما دامت هناك رصاصات. سيكونون قادرين على استخدام ما في أيديهم، لكن صدقوني، بدون وصول الاحتياطيات، لا يوجد جيش في العالم يمكنه الصمود".
190 ألف جندى روسي يحيطون بأوكرانيا وهذه حالة أسطولها الجوي
تحدّث الجنرال بودانوف في وقت نشر فيه الجيش الروسي نحو 100000 جندي في المنطقة. وبحلول وقت الهجوم الخميس 24 فبراير/شباط 2022، كانت روسيا قد حشدت ما يُقدَّر بنحو 190 ألف جندي في أوكرانيا أو بالقرب منها، بما في ذلك شبه جزيرة القرم والمناطق الانفصالية المدعومة من روسيا في منطقة دونباس الشرقية، وفقاً لمسؤولين أمريكيين.
وفي الأسابيع الأخيرة، نشر الجيش الروسي أيضاً أنظمة متطورة مضادة للطائرات من طراز "إس-400" التي يمكنها تحييد القوات الجوية الأوكرانية الصغيرة بفاعلية، بالإضافة إلى صواريخ كروز "إسكندر-إم" القادرة على قصف أهداف في أي مكان في أوكرانيا.
تتكون القوة الروسية من 120 إلى 125 مجموعة تكتيكية، في زيادة من 80 مجموعة تقريباً في وقت سابق من الشهر، وفقاً لمسؤولين أمريكيين مُطلِعين على تقييم المخابرات الأمريكية. وقال المسؤولون إنَّ بعض القوات من جنود الاحتياط الروس الذين سيشكلون قوة احتلال بعد الهجوم. وطلب المسؤولون عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة التقييمات الحكومية.
ووفقاً لوزارة الدفاع، يوجد في أوكرانيا عدد أكبر قليلاً من الجنود والضباط المجندين في جيشها بأكمله. عدد الطائرات البالغ 200 طائرة، التي تشكل كامل القوة الجوية الأوكرانية أقل من عدد الطائرات المقاتلة التي نشرتها روسيا بالفعل على الحدود الأوكرانية، مع فارق هائل في تقدم هذه الطائرات بين روسيا وأوكرانيا، حيث تعتمد كييف على أسطول صغير من طائرات سوخوي 27 التي تعود للحرب الباردة لم تخضع لتطوير يُذكر، مقابل إدخال موسكو نسخاً متطورة من هذه الطائرة، نقلتها لمرحلة جديدة مثل سوخوي 30 و34 و35.
إليك نتيجة المقارنة بين قوة روسيا وأوكرانيا عسكرياً
المقارنة بين قوة روسيا وأوكرانيا عسكرياً تجعل الأخيرة في موقف حَرِج تماماً.
فلقد تمكنت روسيا، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، من استعادة إمكانياتها العسكرية وحدثت قواتها الجوية والبحرية والبرية، ما سمح لها بسد الفجوة مع منافسيها الأمريكيين، والقدرة على إنتاج جميع أنواع الأسلحة، بالمقابل ورثت أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي جُلّ قدراتها العسكرية، ولكنها واقعياً تدهورت قوتها العسكرية بين استقلالها وأزمة 2014.
وورث الجيش الروسي مجمّعاً صناعياً عسكرياً ضخماً من الاتحاد السوفييتي. وتستثمر الدولة أموالاً طائلة في التصنيع العسكري والتطوير التقني لمخزون الأسلحة الهائل الذي تمتلكه، حسبما ورد في تقرير لموقع الجزيرة.
وتحتل روسيا المرتبة الثالثة في قائمة الدول الأكثر إنفاقاً على التسليح، بميزانية سنوية بلغت نحو 64 مليار دولار، حسب تقرير "معهد ستوكهولم لأبحاث السلام" (SIPRI)، وفي عام 2021، بلغ عدد أفراد الجيش الروسي نحو 900 ألف عسكري.
وتضم القوات النووية الاستراتيجية الروسية 517 مركبة إيصال استراتيجي لنشر الأسلحة النووية، وصواريخ باليستية عابرة للقارات وغواصات وقاذفات ثقيلة مزودة بـ1420 رأساً نووياً.
كما تمتلك روسيا 12 غواصة نووية تحمل صواريخ استراتيجية، و7 غواصات محملة بصواريخ كروز، و10 غواصات ذرية متعددة الاستخدامات، و21 غواصة تعمل بالديزل، وحاملة طائرات، و4 طرادات، و15 فرقاطة، و125 سفينة للدوريات وخفر السواحل، و11 مدمرة، و48 سفينة إنزال، بعدد أفراد يبلغ تعدادهم 150 ألفاً.
ويبلغ عدد أفراد القوات الجوية الروسية حوالي 170 ألفاً، بالإضافة إلى 833 وحدة تخزين، وفق معطيات العام 2019. ويمتلك سلاح الجو الروسي نحو 4500 طائرة، بينها 789 مقاتلة، و742 طائرة هجومية، و429 طائرة للشحن العسكري، و520 طائرة تدريب، و130 طائرة مهام خاصة، و1540 مروحية، من بينها 538 مروحية هجومية.
أما القوات البرية الروسية فتضم 13 ألف دبابة ونحو 27 ألف مدرعة، و6540 مدفعاً ذاتي الحركة، و4465 مدفعاً ميدانياً، و3860 راجمة صواريخ، و450 كاسحة ألغام، ويبلغ تعداد أفرادها 350 ألفاً.
أوكرانيا ورثت جيشاً كبيراً من السوفييت لكنه تدهور إلى أن وقعت الصدمة
وعلى الجانب الآخر، كانت أوكرانيا قد ورثت عن الاتحاد السوفييتي معظم قواعدها وقواتها الحالية، وكان قوام الجيش الأوكراني يبلغ نحو 455 ألف جندي في عام الاستقلال 1991، ثم تراجع شيئاً فشيئاً إلى نحو 120 ألفاً عام 2013.
لكن أحداث عام 2014 التي تصفها كييف بـ"العدوان الروسي" على القرم وإقليم دونباس، أعادت الاهتمام بالقوات الأوكرانية ودعمها، فزادت ميزانيتها المخصصة لهذا الغرض لتبلغ نحو 6% من ميزانية 2021، بنحو 9.4 مليار دولار، بينما لم تتجاوز هذه الميزانية 1% قبل 2014.
وزادت أوكرانيا قواتها إلى نحو 204 آلاف جندي، أكثر من نصفهم متعاقدون، مع 46 ألف موظف عسكري إداري، بالإضافة إلى قوات داعمة أخرى، كحرس الحدود (نحو 53 ألفاً)، والحرس الوطني (60 ألفاً).
وتتألف القوات الأوكرانية اليوم من 6 أفرع، هي: القوات البرية والبحرية والجوية، وكذلك قوات الهجوم (المحمولة جواً)، والقوات الخاصة، التي لا تُعرف أعدادها. واستحدثت أوكرانيا في 2016 "القوات الموحدة"، التي تشارك فيها عدة وحدات عسكرية وأمنية، لقتال المسلحين الروس والانفصاليين في شرق البلاد.
حجم الجيش الأوكراني
يبلغ تعداد قوات أوكرانيا البرية نحو 145 ألف جندي، وتمتلك 11.435 مركبة مدرعة، و2430 دبابة، و2815 مدفعاً، و550 راجمة صواريخ.
أما قوات أوكرانيا الجوية فيبلغ تعدادها نحو 45 ألفاً، ولديها 285 طائرة، منها 42 مقاتلة، و111 طائرة مروحية متعددة الأغراض، و34 طائرة مروحية هجومية. ويعتبر البحر من أبرز نقاط ضعف أوكرانيا العسكرية، وأكبر الفروقات التي تميز روسيا عنها، فقواتها البحرية تضم 25 قطعة بحرية، منها فرقاطة واحدة فقط، والبقية عبارة عن سفن مراقبة واستطلاع.
ولسدّ هذه الفجوة في ميزان القوة بينها وبين روسيا، تعتمد أوكرانيا على مساعدات الغرب العسكرية، لاسيما مساعدات الولايات المتحدة، التي خصصت لأوكرانيا أكثر من 4 مليارات دولار منذ 2014. وتوجه كييف جزءاً كبيراً من ميزانية الدفاع وخططه لشراء سفن من فرنسا وبريطانيا، ولإجراء مناورات في البحر الأسود.
ولأن أمريكا تعلم أن أوكرانيا قد لا تصمد أمام مواجهة تقليدية مع روسيا، لم يتم تزويد كييف بطائرات أو مدرعات، ولكن الأسلحة الرئيسية التي حصلت عليها كييف من أمريكا ودول الناتو (بريطانيا ودول البلطيق وبولندا على الأخص) كانت صواريخ غافلين الأمريكية المضادة للدبابات، إضافة إلى صواريخ ستينغر الأمريكية وهي صواريخ محمولة على الكتف حصل عليها المجاهدون الأفغان خلال حربهم مع السوفييت، وليست نظاماً متطوراً واسع المدى يمكن أن يقارن بصواريخ باتريوت الأمريكية أو إس 400 الروسية.
وباعت تركيا لأوكرانيا عدة دفعات من طائرات Bayraktar TB2 بدون طيار التي نشرتها ضد الانفصاليين المدعومين من روسيا في منطقة دونباس الشرقية، مما أثار حفيظة موسكو.
كما زودت بريطانيا مؤخراً أوكرانيا بـ2000 صاروخ قصير المدى مضاد للدبابات، وأرسلت متخصصين بريطانيين لتقديم التدريب، وقدمت أيضاً عربات مدرعة.
وقالت جمهورية التشيك الشهر الماضي، إنها تخطط للتبرع بشحنة من ذخيرة المدفعية 152 ملم.
بينما استبعدت ألمانيا تسليم أسلحة إلى أوكرانيا، لكنها تشارك في تمويل مستشفى ميداني بقيمة 6 ملايين دولار وتوفر التدريب اللازم.
في المقابل طلبت أوكرانيا: طائرات هليكوبتر وأنظمة اتصالات وعربات مدرعة خفيفة من الولايات المتحدة، ونظاماً صاروخياً أرض-جو NASAMS من النرويج، ونظاماً مدفعياً DANA ذاتي الدفع من جمهورية التشيك، وقذائف للمدفعية السوفييتية ذات عيار 120 ملم، وأنظمة دفاع جوي متوسطة وقصيرة المدى.
ويقول بعض المسؤولين الغربيين إن أنظمة الصواريخ الغربية التي قُدمت إلى كييف ساهمت في عرقلة الدبابات الروسية، وجاءت هذه التصريحات بالتزامن مع إعلان وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" تقدُّم الجيش الروسي ودباباته نحو كييف عاصمة البلاد، بهدف شل الحكومة الأوكرانية.
ومن الواضح أن حجم المساعدات العسكرية لم يكن كبيراً ولم يتضمن عدداً مناسباً من الأسلحة الثقيلة، وعلى الأرجح معظم الأسلحة التي وصلت جاءت بكميات قليلة ومتأخرة بشكل يصعب على الجيش الأوكراني استخدامها.
الجيش الأوكراني تغيَّر، فهل يستطيع الصمود؟
الجيش الأوكراني لم يعُد خصماً ضعيفاً كما كان من قبل، حسب صحيفة The New York Times الأمريكية.
في عام 2014، تمكنت قوات العمليات الخاصة الروسية (قوات النخبة) من الاستيلاء على شبه جزيرة القرم في جنوب أوكرانيا دون إطلاق رصاصة واحدة تقريباً. عندما استولى الانفصاليون المدعومون من روسيا بعد ذلك على جزء من دونباس، كان على أوكرانيا الاعتماد على كتائب المتطوعين من الأشخاص الذين حملوا السلاح، مع قليل من التدريب العسكري أو بدون تدريب، على الإطلاق.
ومنذ ذلك الحين، شق الجيش الأوكراني طريقه مرة أخرى، وقاتل ضد الانفصاليين حتى وصل إلى تجميد الوضع، ووَضَع حداً لأخطر الأعمال العدائية. وفعل ذلك بمساعدة الحلفاء الغربيين.
فقد قدّمت الولايات المتحدة وحدها 2.5 مليار دولار من المساعدات العسكرية التي اشتملت على معدات عالية التقنية للمراقبة والاتصالات وطائرات بدون طيار. في نوفمبر/تشرين الثاني، سلمت الولايات المتحدة نحو 88 طناً من الذخيرة، وهي جزء من حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 60 مليون دولار تعهدت بها إدارة بايدن.
ولكن من الواضح أن سرعة دخول الروس لمدينة خاركيف الاستراتيجية التي تقع في شمال شرقي أوكرانيا، تُظهر أن الجيش الأوكراني مازال أضعف من أن يصمد بشكل يجعل موسكو تعيد النظر في حساباتها.
ولكن قد يستطيع الجيش الأوكراني استيعاب المفاجأة، خاصة في ظل حديث الجيش الأوكراني عن أن وحداته الخاصة المزودة بالأسلحة الأمريكية المضادة للدبابات أداؤها جيد في المعارك.
وبصرف النظر عن تباهي الغرب- خاصةً الولايات المتحدة- بالمساعدات العسكرية التي قدمها إلى كييف، فإن ما قدمه لها عبر سنوات طويلة، أقل مما تقدمه واشنطن لإسرائيل في عام واحد رغم أن إسرائيل باتت تطبّع مع كل الدول العربية، ولم يعد يلاصقها أي عدو ولديها أسلحة نووية وواحد من أقوى الجيوش في العالم.
لكن أمريكا والناتو تركا أوكرانيا التي تحتاج لدعم عسكري حقيقي، أمام عدو يفوقها بشكل هائل، وبعد أن شجعتها على التمرد على موسكو، أرسلت أسلحة خفيفة (صواريخ مضادة للدبابات) وخوذاً لذرِّ الرماد في العين، وتبرئة الذمة.