سر التنافس بين ماكرون ومستشار ألمانيا لنزع فتيل أزمة أوكرانيا.. هذا ما يريده كل منهما

عربي بوست
تم النشر: 2022/02/21 الساعة 15:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/21 الساعة 15:40 بتوقيت غرينتش
الرئيس الروسي فلايمير بوتين مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون/رويترز

فجأة بات اسم المستشار الألماني أولاف شولتس يتردد خلال الأزمة الأوكرانية الروسية بعد أن كان الرئيس الفرنسي ماكرون الأكثر نشاطاً بين قادة أوروبا، فما سر التنافس المحموم بينهما؟

وتمثل الأزمة الأوكرانية أخطر تهديد للأمن في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، إذ حشدت روسيا أغلب قواتها العسكرية على حدود جارتها أوكرانيا وتستعد للغزو الشامل، بحسب ما يقوله الرئيس الأمريكي جو بايدن، رغم أن موسكو تنفي نيتها غزو أوكرانيا.

وبينما يحبس العالم أنفاسه انتظاراً لما قد تسفر عنه تلك الأزمة، التي يراها أغلب المحللين بمثابة استعراض للقوة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي بايدن، تتجه الأنظار إلى محاولات ماكرون وشولتس المحمومة للعب دور مؤثر في الخروج من الأزمة.

ماكرون يقود جهود الوساطة

منذ أن دخلت الأزمة الأوكرانية مرحلة حرجة مطلع العام الجاري، وتزامناً مع تولي فرنسا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، سعى ماكرون إلى قيادة جهود الوساطة مع نظيره الروسي بوتين وباقي أطراف الأزمة من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى الأمريكي جو بايدن.

وكان ماكرون أول زعيم غربي يزور موسكو منذ مطلع العام الجاري، كما يعتبر أكثر المسؤولين الأوروبيين إجراء للاتصالات المباشرة مع أطراف الأزمة الأوكرانية الرئيسيين، وهناك فريق من المحللين يرى ذلك أمراً طبيعياً في ضوء تولي باريس رئاسة الاتحاد الأوروبي حالياً، بينما يرى فريق آخر أن الرئيس الفرنسي له أهدافه السياسية الخاصة من محاولة نزع فتيل الأزمة الأوكرانية.

وفي مقال رأي، عنوانه "ما غرض ماكرون من التوسط في أزمة أوكرانيا وروسيا؟"، نشره موقع Chinamil الصيني، تناول الكاتب كيف أن الانتخابات الرئاسية الفرنسية في أبريل/نيسان المقبل تمثل تحدياً خاصاً لماكرون، على الرغم من أن لم يعلن ترشحه رسمياً بعد.

وعلى طوال السنوات الخمس الماضية، مدة الرئاسة الفرنسية، حاول ماكرون أن يعيد لفرنسا دورها القيادي على الساحة السياسية الدولية، إذ إن الرئيس الفرنسي يعتبر نفسه تلميذ قائد فرنسا التاريخي شارل ديغول، لكن ماكرون لم يحقق نجاحاً يذكر في أي من ملفات السياسة الخارجية التي تصدى لها، بحسب ما يقوله منتقدوه ومعارضوه.

قوات روسية بالقرب من الحدود مع أوكرانيا – رويترز

ففي لبنان، الذي يواجه أسوأ أزمة سياسية واقتصادية في تاريخه الحديث، سعى ماكرون لفرض مخرج من الأزمة في المستعمرة الفرنسية السابقة وزار لبنان مرتين في أعقاب انفجار مرفأ بيروت الكارثي في أغسطس/آب 2020، لكن في نهاية المطاف فشلت مبادرة الرئيس الفرنسي وظلت أزمة لبنان كما هي دون حلول.

كما واجه ماكرون مؤخراً أزمة كبيرة في إفريقيا بعد أن خسرت فرنسا بشكل شبه كامل، نفوذها في مستعمرتها السابقة مالي، واضطر الرئيس الفرنسي إلى الإعلان عن انسحاب القوات الفرنسية من باماكو، بعد أكثر من 9 سنوت هناك لم تنجح فيها القوات الفرنسية في القضاء على تهديدات الحركات الجهادية بمنطقة الساحل الإفريقية.

وبالتالي فإن الرئيس الفرنسي، بحسب المحللين، يحاول جاهداً تصدّر المشهد في أزمة أوكرانيا من خلال تكثيف وساطته الساعية إلى نزع فتيل الأزمة، انطلاقاً من ترؤس فرنسا الاتحاد الأوروبي حالياً، وعلى أمل أن يضيف ماكرون انتصاراً في السياسة الخارجية يقوي موقفه في الانتخابات الرئاسية، التي على الأرجح لن تكون محسومة كما قد يبدو من خلال عدم وجود مرشح قوي يمكنه حرمان ماكرون من فترة رئاسة ثانية.

هل تنجح وساطة ماكرون في أزمة أوكرانيا؟

تتضح إجابة هذا السؤال كثيراً من موقف الرئيس الفرنسي، فالإجابة هنا، على الأرجح لا علاقة لها بشكل رئيسي بنجاح أو فشل وساطة ماكرون، لأكثر من سبب، أولها أن مفتاح حل الأزمة الأوكرانية لا يوجد في باريس ولا في أي عاصمة أوروبية أخرى في حقيقة الأمر، فالحل هناك في واشنطن.

فالرئيس الروسي، منذ بداية الجولة الحالية من الصراع، أراد الحصول على ضمانات قانونية ملزمة بأن أوكرانيا لن تنضم لحلف الناتو تحت أي ظرف من الظروف، إضافة إلى مطالبه الأمنية الأخرى المتعلقة بوجود قوات الحلف وأسلحته في شرق أوروبا، ولم يتوجه بوتين إلى بروكسل- مقر الناتو والاتحاد الأوروبي- لكنه توجه إلى واشنطن مباشرة.

والرئيس الأوكراني نفسه يرى أن بلاده تدفع ثمن الصراع بين بوتين وبايدن. فالرئيس الروسي يتصارع على النفوذ بأوروبا في حقبة ما بعد الحرب الباردة للحصول على ضمانات أمنية من بايدن، لمنع دخول كييف إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ونشر الصواريخ بالقرب من حدود روسيا.

وماكرون نفسه يقر بهذا الواقع، ولو بصورة ضمنية، من خلال إعلانه الإثنين 21 فبراير/شباط، عن عقد قمة بين بايدن وبوتين؛ لمناقشة الأزمة الأوكرانية، على الرغم من الكرملين أصدر بياناً قال فيه إن الوقت لا يزال مبكراً على تقرير مصير القمة المحتملة.

أوكرانيا
الرئيس الأمريكي جو بايدن يقول إن بوتين قرر غزو أوكرانيا- رويترز

أما السبب الثاني الذي يجعل وساطة ماكرون في الأزمة الأوكرانية الروسية محل شك، فهو كون أوروبا غير متحدة بشكل كامل في موقفها من الأزمة، فدول شرق ووسط أوروبا تخشى من أن واشنطن قد تقدم ضمانات لبوتين في نهاية المطاف؛ لتجنب انفجار الأزمة، حتى ولو تم ذلك بصورة تدريجية أو غير علنية. وتدرك تلك الدول أن القرار ليس بيد ماكرون. كما أن دولاً مثل إيطاليا وألمانيا لا يبدو أنها تقبل بأن يكون الرئيس الفرنسي "رئيس أوروبا" كما يريد ماكرون أن يصور نفسه.

وحتى على المستوى الداخلي في فرنسا، لا يتمتع ماكرون بشعبية تسمح له بلعب دور "الزعيم"، فقد أظهر استطلاع رأي مؤخراً أن شعبية ماكرون لا تتجاوز 24%، وهي نسبة متدنية قبل نحو شهرين فقط من الانتخابات الرئاسية، ويتهمه منتقدوه بأنه يسعى للهروب إلى الأمام من المشاكل الداخلية من خلال السعي المحموم لتكثيف وساطته في أوكرانيا، حتى وإن كانت تلك الوساطة دون أنياب حقيقية تعطي لها فرصة للنجاح.

ماذا عن المستشار الألماني؟

أما شولتس المستشار الألماني الجديد، الذي تولى المسؤولية بعد أنجيلا ميركل- زعيمة أوروبا على مدى أكثر من 15 عاماً- فيمكن القول إنه انضم إلى سباق الوساطة في الأزمة الأوكرانية في وقت متأخر، مقارنة بماكرون.

فموقف ألمانيا من أزمة أوكرانيا الحالية مختلف، بصورة لا يمكن إنكارها، عن موقف باقي الدول الغربية، وهو ما تراه بعض التحليلات نجاحاً لاستراتيجية بوتين في شق صف خصومه الغربيين، فبرلين ترفض إرسال أسلحة إلى أوكرانيا، وقالت وزيرة الدفاع كريستينا لامبرشت إن برلين تستبعد مدّ أوكرانيا بأسلحة في الوقت الراهن، كما أن شولتس نفسه على سياسة ألمانيا عدم مد مناطق الصراع بأسلحة فتاكة.

لكن مع تصاعد حدة الأزمة مؤخراً، توجّه شولتس إلى واشنطن وعقد لقاءات مع بايدن وكبار مسؤولي إدارته وأجرى لقاءات إعلامية مكثفة مع وسائل الإعلام الأمريكية، وكانت رسالته الرئيسية هي أن "ألمانيا حليف قوي للولايات المتحدة". أما بالنسبة للأزمة الأوكرانية، فلم تكن رسالة "الوحدة" التي أراد شولتس توصيلها للأمريكيين بالوضوح نفسه.

فألمانيا هي الزبون الأكبر للغاز الروسي وتستورد نحو 60% من احتياجاتها من موسكو وبأسعار تفضيلية، لذلك لم يأتِ شولتس على ذكر خط أنابيب نورد ستريم2 في إجابته عن أسئلة الصحفيين الأمريكيين بشأن تلك القضية، رغم إعلان بايدن أنه سيتم "وقف مشروع نورد ستريم2 تماماً إذا أقدمت روسيا على غزو أوكرانيا".

شولتس على الجانب الآخر من منضدة بوتين/ رويترز

وبالتالي فإن دخول شولتس على خط الوساطة في الأزمة شهد تكثيفاً لافتاً بعد العودة من واشنطن، إذ توجه المستشار الألماني إلى موسكو والتقى بوتين كما زار كييف أيضاً والتقى الرئيس زيلينسكي، ولم تتوقف اتصالات خليفة ميركل المتعلقة بالوساطة الأوكرانية على مدى الأيام القليلة الماضية.

وبعيداً عما قد تسفر عنه تلك الاتصالات التي يجريها شولتس بشأن الأزمة الأوكرانية، فإن الواضح أن هناك عاملين رئيسيين يقفان وراء دخول شولتس على خط التنافس المحموم مع ماكرون بشأن جهود الوساطة، السبب الأول هو تعرض خليفة ميركل لانتقادات داخلية متصاعدة على خلفية ما بدا أنه غياب لدور ألماني قيادي في أزمة أمنية تمثل الخطر الأكبر على أوروبا منذ عقود طويلة.

وبالطبع بدأت المقارنات القاسية بين أداء شولتس من جهة وأداء المستشارة السابقة ميركل، التي كانت تتحكم في جميع ملفات القارة الأوروبية طوال أكثر من عقد ونصف العقد دون منازع، بغض النظر عن الدولة التي تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي وقت أزمة بعينها، فرئاسة الاتحاد دورية وتتغير كل 6 أشهر.

أما السبب الثاني فهو تصاعد حدة الأزمة بالفعل ووصولها إلى مرحلة خطيرة، حتى وإن كان التقييم الألماني بشأن "الغزو" مختلفاً كثيراً عن التقييم الأمريكي، فالواضح أن المستشار الألماني وحكومته الائتلافية بدأوا يشعرون بأن الخطر بات قريباً، فخسارة برلين من اندلاع الأزمة بالغة السوء، ويكفي فقط أزمة الغاز الروسي وتأثير انقطاعه على الاقتصاد الأكبر في القارة.

الخلاصة هنا هي أن كلاً من ماكرون وشولتس لديه أسبابه الخاصة لتكثيف جهود الوساطة في الأزمة الأوكرانية والتنافس بشأن من منهما الأكثر قدرة على نزع فتيل تلك الأزمة الخطيرة، لكن الحقائق تكشف أن أياً منهما لا يمتلك مفاتيح الحل لتلك الأزمة، فالمفاتيح لدى بوتين وبايدن.

تحميل المزيد