إسرائيل تنوي تشغيل “جدار الليزر الدفاعي” لحمايتها من صواريخ المقاومة، لكن ماذا عن فاعليتها؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/02/20 الساعة 09:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/20 الساعة 13:38 بتوقيت غرينتش
ضابط شرطة حدود إسرائيلي يتفقد وحدة في نظام أسلحة الليزر يهدف لاعتراض البالونات الحارقة بالقرب من حدود غزة، أرشيفية/ رويترز

تخطط إسرائيل لإقامة ما تسميه "جدار الليزر الدفاعي" الذي تقول إنه سيساعدها على التحول من الاستثمار في كميات كبيرة من الصواريخ الاعتراضية إلى استخدام أنظمة ليزر كهربائية أقل تكلفة. وستدخل المنظومة حيز التشغيل بحلول العام المقبل، وفقاً لتصريحات أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في مطلع الشهر الجاري. فما هو جدار الليزر الدفاعي؟ وما مدى فاعليته مقارنة مع "القبة الحديدية"، وكذلك حجم تكلفته؟

ما هو جدار الليزر الدفاعي التي ستستخدمه إسرائيل؟

يقول تقرير لموقع Defense News الأمريكي إن إسرائيل ظلت تعمل على تكنولوجيا الدفاع الجوي باستخدام الليزر لعقود، منذ قيامها بتطوير الليزر التكتيكي عالي الطاقة (نوتيلوس) في التسعينيات ومطلع الألفية الجديدة، رغم إلغاء المشروع في النهاية، لكن "وزارة الدفاع" أعلنت عن تطورٍ جديد في يناير/كانون الثاني عام 2020.

حيث قال العميد يانيف روتم، رئيس وحدة البحث والتطوير في الوزارة للموقع الأمريكي: "نحن ندخل عصراً جديداً من الحرب في الجو والبر والبحر. إذ ساهمت استثمارات الأبحاث والتطوير خلال السنوات الأخيرة في وضع دولة إسرائيل بين مصافّ الدول الرائدة في مجال أنظمة الليزر عالية الطاقة".

منظومة جدار الليزر الدفاعي (الجيش الإسرائيلي)

لكن الأسئلة لا تزال مطروحةً حول فاعليتها ونشرها بنهاية المطاف: أين ستنشر إسرائيل الأسلحة؟ وهل ستكون قادرةً على الدفاع عن البلاد ضد الصواريخ التي يتم إطلاقها من حماس بقطاع غزة، والتهديدات من الشمال بواسطة أمثال حزب الله في إيران؟ فضلاً عن اعتبارات الميزانية المرتبطة بالحصول على تلك الأنظمة. علاوةً على معرفتنا بأن نظام الليزر الأرضي سيوضع مبدئياً على بطارية القبة الحديدية، لكن هوية المنصة التي ستُخصص للأنظمة المحمولة جواً لم تتضح بعد.

وقال رئيس الوزراء نفتالي بينيت، يوم الثلاثاء 1 فبراير/شباط 2022، إن الجيش الإسرائيلي يسرّع خطواته في نشر الصواريخ الاعتراضية المعتمدة على تقنية الليزر ضمن خطة لإحاطة نفسه بمثل هذه التقنيات من أجل إنهاء التكاليف الباهظة التي تتكبدها تل أبيب حالياً عند إسقاط صواريخ المقاومة الفلسطينية.

وفي كلمة له خلال المؤتمر الدولي السنوي لمعهد دراسات الأمن القومي (INSS) في جامعة تل أبيب (حكومية)، ذكر بينيت أن أنظمة الاعتراض بالليزر سوف تدخل إلى حيز التنفيذ في غضون عام، مشيراً إلى أن تشغيل أنظمة الليزر سيكون في البداية بالجنوب تجريبياً، ولاحقاً في أماكن أخرى من إسرائيل "بشكل عملياتي".

هل يكون جدار الليزر بديلاً لمنظومة "القبة الحديدية" التي أثقلت كاهل إسرائيل؟

في يناير/كانون الثاني 2020، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية أنها طورت القدرة على اعتراض الصواريخ باستخدام ليزر قوي، وذلك بعد عقود من المحاولات الفاشلة والجهود المشتركة مع الولايات المتحدة التي لم تثمر، وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية.

إلا أن إسرائيل تستخدم حالياً منظومة الدفاع الجوي "القبة الحديدية" لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى، ومنظومة "مقلاع داوود" لاعتراض الصواريخ الصغيرة والمتوسطة، ومنظومة "آرو" (حيتس)، المخصصة لتدمير الصواريخ البالستية والصواريخ البعيدة المدى.

لكن بحسب بينيت فإن القبة الحديدة أصبحت مكلفة جداً لإسرائيل، ويقول رئيس الوزراء الإسرائيلي إن "منظومة جدار الليزر الجديدة ستسمح على المدى المتوسط ​​إلى الطويل، بتطويق إسرائيل بجدار ليزر يحميها من الصواريخ والطائرات بدون طيار وغيرها من التهديدات"، مردفاً: "في الواقع سيسلب ذلك العدو (المقاومة الفلسطينية) أقوى ورقة لديه ضدنا".

ويضيف: "اليوم، على سبيل المثال، يجلس أحمد في خان يونس (جنوب قطاع غزة)، يُعبئ قاذفة الصواريخ بصاروخ محلي الصنع كلفته عدة مئات من الدولارات، ويطلقه باتجاه إسرائيل، بينما في المقابل يكلف الصاروخ الاعتراضي الواحد للقبة الحديدية عشرات الآلاف من الدولارات. هذه معادلة غير منطقية تسمح لأحمد بإطلاق المزيد والمزيد من صواريخ القسام.. إذا كان من الممكن اعتراض صاروخ بنبضة كهربائية تكلف بضعة دولارات، فإننا في الواقع نبطل حلقة النار التي نصبتها إيران على حدودنا".

صواريخ المقاومة الفلسطينية المتجهة نحو إسرائيل خلال مواجهات 2021/ رويترز

كذلك يرى رئيس الوزراء الإسرائيلي أن "هذا الجيل الجديد من الدفاعات الجوية الإسرائيلية سيكون قادراً أيضاً على خدمة أصدقائنا (لم يسمّهم) في المنطقة، الذين يتعرضون أيضاً لتهديدات شديدة من إيران ووكلائها".

وتقول صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية إن مجمل الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها إسرائيل نتيجة العدوان الأخير على غزة خلال 11 يوماً يقدر بنحو 7 مليارات شيكل، أي 2.14 مليار دولار.

حيث كانت الفصائل الفلسطينية قد أطلقت ما يزيد عن 4 آلاف صاروخ تجاه مدن جنوب ووسط إسرائيل خلال العدوان الإسرائيلي في عام 2021، أسفرت عن مقتل 12 إسرائيلياً وإصابة مئات الإسرائيليين، بحسب قناة "كان" الرسمية.

كما أدى إطلاق الرشقات الصاروخية من قطاع غزة إلى إدخال ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ ووقف حركة القطارات بين مدن وسط وجنوب البلاد، وتعليق هبوط وإقلاع الرحلات الجوية بمطار بن غوريون الدولي بتل أبيب.

لكن هل سيكون "جدار الليزر الدفاعي" خياراً عَمَلياً؟

يقول عوزي روبين، مؤسس وأول مدير لوكالة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية: "يؤكد أنصار حلول الليزر على معقوليتها وأن إسرائيل يمكن الدفاع عنها بالكامل باستخدام الليزر وبدون الحاجة للصواريخ الاعتراضية، إلّا في الأيام المطيرة. كما أن تكلفتها ستكون أقل من الدفاع باستخدام الصواريخ الاعتراضية".

وصرح روبين لصحيفة Defense News الأمريكية بأن تكلفة إسقاط التهديدات القادمة باستخدام الليزر قد تكون أقل، لكن سعر الحصول على هذه التقنية وصيانتها يمكن أن يكون باهظاً.

فضلاً عن أن أنظمة الليزر تتأثر بظروف الطقس، ولهذا ستستفيد أنظمة الليزر المحمولة من تواجدها فوق السحب. حيث أوضح روبين: "الأمر قابلٌ للتطبيق، لكنك ستحتاج إلى طائراتٍ مسيّرة بأسلحة ليزر خفيفة. أما الخيار الآخر فهو تركيب أسلحة الليزر على طائرات مأهولة، لكنك ستحتاج حينها إلى الحفاظ على وجود عددٍ كبير من الطائرات في الهواء طوال الوقت. الأمر قابلٌ للتطبيق، لكن التكلفة ستكون مرتفعة".

أما التحدي الآخر فيكمُن في انخفاض معدل القتل لهذه التقنية، لأن أنظمة الليزر تقوم بتسخين الهدف من أجل تدميره. حيث قال روبين: "كانت أنظمة ليزر نوتيلوس تستغرق ما يتراوح بين ثانيتين وثلاث ثوانٍ لقتل صاروخٍ يشبه غراد"، في إشارةٍ إلى الصواريخ التي تستخدمها المقاومة الفلسطينية. وأردف: "وإذا أطلقوا الصواريخ بمعدل اثنين إلى أربعة صواريخ في الثانية؛ فسوف تتمكن من إسقاط صاروخٍ واحد بينما تم بالفعل إطلاق عدة صواريخ أخرى".

منظومة ليزر تجريبية إسرائيلية بالقرب من الحدود مع غزة، أرشيفية/ رويترز

وقد سلطت حرب مايو/أيار عام 2021 الضوء على هذه المشكلة. حيث زادت حماس معدل إطلاق الصواريخ عن الحروب السابقة، ليصل إلى إطلاق وابلٍ من 125 صاروخاً في غضون بضع دقائق.

وأوضح روبين أن هذه التحديات تُثير عدة تساؤلات حول الجدوى من بناء جدار ليزر: "أما النقطة الأخيرة فهي النطاق. إذ إن نطاق أشعة الليزر يعتبر محدوداً، لأن الأشعة تتشتت بعد مسافةٍ معينة. وتتشتت أشعة الليزر المعاصرة بعد نحو ثمانية أو 10 كيلومترات، ما يجعلها منظومة دفاعٍ محلي. وبالتالي ستحتاج إلى أعدادٍ كبيرة منها".

وفي شركة Rafael، أشار مدير وحدة الدفاع الجوي بيني يونغمان إلى أن تكنولوجيا الليزر لن تكون منظومةً قائمة بذاتها: "لا يمكنك الاعتماد عليها بمفردها، بل تحتاج إلى مزيجٍ من القتل الحركي وطاقة الليزر لتحصل على تركيبةٍ من مختلف وسائل الاعتراض، وإلا فلن تتمكن من اعتراض التهديدات".

ماذا عن التكلفة؟

لكن يونغمان أشار كذلك إلى أن تكلفة استخدام الليزر قد تكون أقل 10% من استخدام الصاروخ الاعتراضي. ما "يعني أنّ تشغيل الليزر والصواريخ الاعتراضية معاً في القبة الحديدية، أثناء الطقس الجيد، سيقلل التكلفة الإجمالية".

علاوةً على أن أنظمة الليزر تعمل أسرع من الصواريخ، أي أن نشرها بالقرب من الحدود المعادية قد يسفر عن تقليل وقت الاعتراض لأنك لن تكون مضطراً لانتظار إطلاق الصاروخ وتحليقه في السماء باتجاه الهدف.

ولم تدخل هذه التركيبة المدمجة مع القبة الحديدية حيز التشغيل بعد، لكن يونغمان قال إن جهود التطوير والتكامل جاريةٌ في شركته، و"سوف نُجري تجربة التكامل النهائية" خلال الأشهر القليلة المقبلة.

وتتعاون شركة Rafael الإسرائيلية حالياً مع شركة Raytheon Technologies الأمريكية لإنتاج النسخة العادية من القبة الحديدية بدون ليزر. حيث أمدت إسرائيل الجيش الأمريكي ببطاريتين من المنظومة، وتم نشر إحداهما في غوام.

وقال يونغمان إن الطاقة لن تكون عقبةً في طريق تكامل أنظمة الليزر، لأن بطاريات الصواريخ سيكون لديها خيار استخدام مولدها الخاص أو الربط بشبكة الكهرباء. وأوضح: "أعتقد أنه سيكون لدينا صواريخ عالية الطاقة يمكن أن تحملها الطائرات المسيّرة والعادية في غضون 10 أو 15 سنة"، في إشارةٍ إلى اعتراض تهديدات أكبر مثل الصواريخ البالستية وربما الأسلحة فرط الصوتية.

لا يعرف بعد هوية المنصات التي ستُخصص للأنظمة الليزرية المحمولة جواً لدى إسرائيل، تعبيرية (الجيش الإسرائيلي)

تطوير أسلحة الليزر 

في السياق، قالت مديرية البحث الدفاعي والتطوير الإسرائيلية في يونيو/حزيران الماضي إن "وزارة الدفاع"، وشركة Elbit Systems، والقوات الجوية نجحوا في اعتراض عدة طائرات مسيّرة باستخدام منظومة أسلحة الليزر المحمولة عالية الطاقة. إذ تم تركيب المنظومة على متن طائرة Cessna، بينما أظهرتها إحدى الصور وهي تترك حفرةً محترقة في طائرة مسيّرة متوسطة الحجم فوق البحر.

ويعتبر هذا الاختبار بمثابة المرحلة الأولى من برنامجٍ متعدد السنوات لتطوير أسلحة الليزر المحمولة جواً. حيث قالت الحكومة إن المنظومة المحمولة جواً ستأتي لتُكمّل الدفاعات الصاروخية متعددة المستويات في البلاد، بما فيها القبة الحديدية، ومقلاع داوود، ونظام الصواريخ الاعتراضية آرو (السهم).

ويرى تل إنبار، الباحث في Missile Defense Advocacy Alliance، أيضاً أنّ أنظمة الدفاع الجوي لا يمكنها الاعتماد بالكامل على الليزر، بسبب عامل الطقس وسماكة الصواريخ. إذ يستغرق الليزر وقتاً أطول في تدمير التهديد كلما زاد سمك جسم الصاروخ.

وقال في تصريحه لـ Defense News: "يعتمد حل هذه المشكلات -بعيداً عن التحديات الأخرى- على امتلاك أنظمة ليزر أكثر بكثير، وبهذا تنهار الجدوى الاقتصادية لهذه المنظومة تماماً. ولكن استخدامها كمنظومةٍ دفاعية تكميلية سيمنحك بعض المزايا في الطقس الجيد، خاصةً عند التعامل مع المقذوفات قصيرة المدى مثل قذائف هاون (باعتراضها). ولهذا يمكن اعتبار الليزر خياراً جيداً، لكنه يجب أن يكون جزءاً من منظومة دفاعٍ صاروخي متكاملة".

تحميل المزيد