ترى إدارة الرئيس جو بايدن أن أزمة أوكرانيا تمثل حجر الزاوية في النظام العالمي، وأن أي غزو روسي لابد أن يقابل بردود قاسية، لكن بعض الأمريكيين يأخذون صف بوتين ويتهمون رئيسهم بدق طبول الحرب، فما قصة الأمريكيين الداعمين لبوتين؟
فبايدن يصدر تصريحات بشأن الأزمة الأوكرانية أضعاف ما يصدره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي نفسه، ووصلت الأمور إلى درجة تحديد بايدن موعداً لغزو روسيا لأوكرانيا، رغم أن الروس ينفون نيتهم الإقدام على ذلك.
إذ كانت تقارير إعلامية أمريكية وإسرائيلية قد نقلت عن الرئيس الأمريكي قوله إن روسيا على الأرجح ستبدأ غزوها لأوكرانيا قبل نهاية أولمبياد بكين الشتوية (20 فبراير/شباط)، مرجحاً أن يبدأ الغزو الأربعاء 16 فبراير/شباط.
بايدن يتصدر مشهد أزمة أوكرانيا
لكن روسيا قالت إنها بدأت في سحب بعض من قواتها على الحدود الأوكرانية، ليعود بايدن ويحذر من أن رد الولايات المتحدة سيكون قاسياً في حال أقدمت على غزو أوكرانيا، مضيفاً في تصريحات أدلى بها من البيت الأبيض مساء الثلاثاء 15 فبراير/شباط (قبل ساعات من الموعد الذي كان محدداً لبدء الغزو) أن الولايات المتحدة مستعدة لكافة السيناريوهات في الأزمة الأوكرانية. "لم نتأكد بعد من بدء انسحاب الجنود الروس إلى ثكناتهم، واحتمال غزو أوكرانيا لا يزال قائماً".
هذه التصريحات المتدفقة من جانب بايدن بشأن أزمة أوكرانيا تثير تساؤلات داخل أمريكا وخارجها بشأن ما إذا كان الرئيس الأمريكي يهرب إلى الأمام من موقفه الداخلي المأزوم بفعل تداعيات الانسحاب الفوضوي من أفغانستان والتضخم الاقتصادي بفعل تداعيات جائحة كورونا وارتفاع أسعار النفط، وكلها أمور أدت إلى تدني شعبية الرئيس الديمقراطي بصورة غير مسبوقة في عام يشهد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.
لكن هذه الانتقادات الموجهة إلى بايدن ليست نابعة فقط من منافسيه الجمهوريين، بل رددها أيضاً الرئيس الأوكراني زيلينسكي، وإن كان قد فعلها تلميحاً وليس تصريحاً.
اللافت في موقف بايدن وتصريحاته المستمرة وكأنه يدير "غرفة أزمة" بشأن أوكرانيا هو أن الأزمة الأوكرانية بالأساس، أي الحرب في الأقاليم الشرقية بين قوات كييف والحركات الانفصالية المسلحة، مستمرة تقريباً دون توقف منذ عام 2014، وهي عبارة عن مناوشات يومية.
لكن نظراً لأنَّ علاقة أوكرانيا مع الغرب ومع حلف شمال الأطلسي لم تتوسع إلا في السنوات الأخيرة، فقد قرر بوتين أنه لم يعد هناك وقت يضيعه ومن ثم بدأ في حشد قوات قرب الحدود الأوكرانية، في إطار عملية التفاوض الحقيقية التي تحاول روسيا دفعها.
وبدلاً من أن يسعى الرئيس الأمريكي وباقي الزعماء الغربيين إلى مخاطبة المخاوف الأمنية الروسية في إطار الدبلوماسية، لجأ ثلاثة من هؤلاء الزعماء إلى التصعيد في الحرب الكلامية، وهم بايدن ورئيس وزراء بريطانيا، بوريس جونسون، ورئيس فرنسا إيمانويل ماكرون.
ورصد تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC موقف المعارضين لسياسات بايدن بشأن أوكرانيا ووصفتهم بأنهم جزء صغير من الناخبين الأمريكيين، لكنه من النوع الذي يعبر عن رأيه بصراحة وقد يتسبب في تقويض موقف بايدن في مواجهة بوتين.
من هم الداعمون لبوتين في واشنطن؟
يسعى جزء صغير، ولكنه من النوع الذي يعبر عن آرائه السياسية بصراحة، من الناخبين الأمريكيين الذين يعجبون بسياسات فلاديمير بوتين القوية، إلى تقويض جهود الرئيس الأمريكي جو بايدن للوقوف في وجه الرئيس الروسي.
ووسط حشد الجنود الروس على حدود أوكرانيا، نقلت الولايات المتحدة 3 آلاف جندي إلى بولندا لحماية مصالح الناتو، لكن بايدن أقسم أنه لن تكون هناك قوات أمريكية في أوكرانيا، التي ليست عضواً في الناتو.
يضم الفريق المجاهر برفضه التام لموقف بايدن من الأزمة الأوكرانية ناشطين من اليمين المتطرف وعدداً من أتباع اليسار المتشدد، وهذا الفصيل من الطيف السياسي الأمريكي يرى أن بايدن هو من "يدعو للحرب" وليس نظيره الروسي بوتين.
وفي الوقت نفسه يضغط الناخبون المحافظون الذين يتبنون هذا الرأي على أعضاء الكونغرس لاعتماد نبرة تصالحية تجاه روسيا، وتخفيف حدة الخطاب ورفض طلب إرسال قوات إلى المنطقة. كما أنهم يعملون على انتخاب مرشحين جمهوريين صرحوا علانية بأنهم لن يتدخلوا في الشؤون الأوكرانية.
وتحدث بعض الناخبين الأمريكيين المعجبين ببوتين إلى بي بي سي، مشيدين بما يرونه: جرأته، بينما قال آخرون، ممن يؤيدون عزلة أمريكا وابتعادها عن المشكلات الدولية، إن الولايات المتحدة يجب ألا تنشر قوات عسكرية في الخارج.
ويهدد المحافظون المتطرفون في الحزب الجمهوري بعواقب سياسية على أولئك الذين ينظرون إليهم على أنهم عدوانيون بشكل مفرط ويميلون إلى استخدام القوة العسكرية في الصراع بين روسيا وأوكرانيا.
ويعارض جوناثان إريكسون، الذي يشغل منصب رئيس اللجنة المحلية للحزب الجمهوري في مقاطعة لودون بولاية فرجينيا، بشدة سياسات بايدن بشأن الأزمة الأوكرانية، وهو يدعم المرشحين الجمهوريين الذين يشاركونه آراءه.
وقال إريكسون لـ"بي بي سي": "لا أريد أن أرسل أياً من رجالنا إلى هناك"، مضيفاً: "لسنا بحاجة إلى التدخل في كل صراع صغير". كما يقول بعض الجمهوريين إنهم لا يثقون في بوتين، لكنهم أكثر تشككاً في بايدن وسياساته "التدخلية".
ويعتقد سهراب أحمري، المحرر المساهم في مجلة "ذي أمريكان كونسيرفاتيف" أي "الأمريكي المحافظ"، أن آراء بوتين بشأن أوكرانيا، التي تربطها علاقات تاريخية عميقة بروسيا وكانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق، منطقية بالنسبة لموسكو. ويقول إن "أي حكومة روسية لا تود أن ترى الناتو على أعتاب روسيا – في أوكرانيا". كما وصف أحمري ردود بايدن على أسئلة الجمهور بشأن الوضع هناك بأنها كانت "مربكة وغير مفيدة".
ويعتقد يوجين ديلغاوديو، المشرف السابق في مقاطعة لودون بولاية فيرجينيا، أن تهديدات بوتين ليست أكثر من "قعقعة سيوف". ولكن بغض النظر عما يحدث، يقول إنه "ليس من مصلحة الولايات المتحدة الذهاب إلى هناك والدفاع عن أوكرانيا".
هل تكون أوكرانيا طوق النجاة لبايدن؟
على الرغم من أن الأيام القليلة الماضية شهدت ما يمكن وصفها بالانفراجة في الأزمة الأوكرانية، خصوصاً بعد أن انتهى "اليوم الذي حدده بايدن للغزو الروسي" دون أن يحدث شيء، فإن الإدارة الأمريكية لا تزال تصر على أن "الغزو" لا زال قائماً ومحتملاً وتشكك في إعلان موسكو بدء سحب حشودها العسكرية.
المنتقدون لموقف إدارة بايدن يرون ذلك مؤشراً على رغبة الرئيس الأمريكي في إطالة أمد الأزمة قدر المستطاع، هروباً من الأزمات الداخلية التي تلاحقه، خصوصاً أن استطلاعات الرأي تظهر أن غالبية الأمريكيين يؤيدون موقف بايدن المتشدد تجاه روسيا بشأن الأزمة الأوكرانية.
إذ يتفق معظم الأمريكيين مع بايدن على أن حشد القوات على الحدود الأوكرانية يشكل تهديداً لمصالح الولايات المتحدة، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، وفقاً لاستطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث، على الرغم من أن نسبة مئوية صغيرة نسبياً، 23٪، من أولئك الذين شملهم الاستطلاع قالوا إنهم سمعوا عن الأحداث الأخيرة بما يكفي.
كانت وزارة الدفاع الروسية قد نشرت الخميس 17 فبراير/شباط مقطع فيديو قالت إنه يظهر قوات ومعدات عسكرية من قوة دباباتها الخاصة بالمنطقة العسكرية الغربية وهي تعود إلى قواعد انتشارها الدائمة بعد تدريبات. وقالت الوزارة إن الدبابات والعربات المدرعة ستقطع حوالي ألف كيلومتر عبر خطوط السكك الحديدية، بحسب رويترز.
والواضح أن هذا يأتي رداً على تحذيرات دول غربية، أبرزها إدارة بايدن، الأربعاء، من تزايد الوجود العسكري الروسي على حدود أوكرانيا، وهو ما يتناقض مع تأكيد موسكو على الانسحاب.
إذ قال مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية لصحفيين، الأربعاء، إن زعم روسيا أنها تسحب قوات من على الحدود مع أوكرانيا "زائف". "الحكومة الروسية قالت بالأمس إنها تسحب قوات من على الحدود مع أوكرانيا. اجتذبوا الكثير من الاهتمام بسبب هذا الزعم، سواء هنا أو حول العالم. لكننا نعلم الآن أنه زائف"، بحسب رويترز.
لكن المعارضين لبايدن لهم وجهة نظر أخرى، إذ يتهمه جمهوريون مؤثرون، من أمثال: مقدم البرامج في قناة فوكس نيوز تاكر كارلسون، والمرشح المعروف لعضوية الكونغرس جيه دي فانس، بتهيئة الأمريكيين لخوض حرب في أوكرانيا.
وكارلسون تحديداً يمثل، بحسب كثير من المحللين، رأس حربة ذلك الفصيل المنتقد بعنف لموقف بايدن والمدافع عن موقف بوتين، وخصوصاً أن لمقدم البرامج شعبية ضخمة بين الجمهوريين المحافظين وأنصار الرئيس السابق دونالد ترامب، ويشاهد برنامجه كل ليلة 3 ملايين مشاهد، بحسب تقارير المشاهدة.
ويشكك كارلسون طوال الوقت في نوايا "بايدن" نفسه بشأن أزمة أوكرانيا ويتهم الرئيس الديمقراطي بتعمد وضع الأزمة على رأس أولوياته رغم أنها "لا يفترض أن تكون هناك أزمة من الأساس"، لأن الولايات المتحدة عليها أن تقول صراحة إن أوكرانيا لا يمكن أن تنضم لحلف الناتو، وهذا ما يريده بوتين.
واستضاف كارلسون النائبة السابقة في الكونغرس تولسي غابارد للحديث عن موقف بايدن من الأزمة الأوكرانية، وشنت المشرعة الجمهورية السابقة هجوماً لاذعاً على بايدن واتهمته مباشرة بالزج بواشنطن في أزمة مفتعلة مع روسيا، لأنه لا توجد أي مصلحة تذكر من انضمام أوكرانيا لحلف الناتو وأن هذا يعتبر غير وارد لا الآن ولا في المستقبل.