وسط تنامي المخاوف الغربية من غزو روسي قريب وحديث عن "حرب هجينة" ضد كييف، أعلنت أوكرانيا الثلاثاء 15 فبراير/شباط 2022، عن تعرُّض مواقع إلكترونية رسمية عديدة، من بينها موقع وزارة الدفاع ووزارات أخرى ومصارف مالية، لـ هجمات سيبرانية أدت إلى إغلاق الوصول إلى هذه المواقع على الإنترنت. فما قصة هذه الهجمات ومن يقف وراءها، وهل تكررت من قبل؟
هل تقف روسيا وراء الهجمات السيبرانية التي تعرضت لها أوكرانيا؟
منذ عدة أشهر، تحشد روسيا قواتها على طول الحدود مع أوكرانيا وفي شبه جزيرة القرم وحتى في بيلاروسيا الجارة الشمالية لأوكرانيا، وسط تحذير غربي من غزو وشيك، في ظل عدم التوصل بعد لحلول سياسية بين الغرب وموسكو.
وأفادت تقارير أمريكية بأن إدارة الرئيس جو بايدن تخطط لمواجهة رفيعة المستوى مع روسيا بمجلس الأمن في حال غزوها الأراضي الأوكرانية، في حين تحدثت واشنطن عن تفاصيل ما تعتبره غزواً روسيا محتملاً لأوكرانيا.
وقال مسؤول أمريكي رفيع المستوى لمجلة "فورين بولسي" الأمريكية، الشهر الماضي، إن من بين الأساليب التي ستستخدمها روسيا ضد أوكرانيا عمليات قرصنة إلكترونية تستهدف مؤسسات كييف ووزاراتها وبنيتها التحتية.
واللافت في الأزمة الحالية أن روسيا لم تعلن بشكل مباشر عن نيتها تنفيذ غزو عسكري لأوكرانيا، وفي أسوأ الأحوال كما هدد بوتين من قبل، بأنه سيكون هناك "إجراء تقني عسكري من قبل موسكو تجاه كييف"، وهو ما قد يشير إلى عمليات هجينة بين التدخل العسكري غير الصريح والقرصنة الإلكترونية.
ولم يذكر المركز الأوكراني للاتصالات الاستراتيجية وأمن المعلومات، مساء الثلاثاء، من يتحمل المسؤولية عن الهجمات السيبرانية الأخيرة، لكن "أصابع الاتهام تشير إلى روسيا"، وفق تقرير لشبكة "يورو نيوز" الإخبارية.
وأوضح المركز الأوكراني أنه "ليس من المستبعد أن المعتدين استخدموا تكتيكات من الحيل القذرة الصغيرة، لأن خططهم العدوانية لا تعمل على نطاق واسع".
وجاء في رسالة على الصفحة الرئيسية لموقع وزارة الدفاع الأوكرانية، أن الموقع قيد الصيانة. وقالت الوزارة، عبر تويتر، إن موقعها على الإنترنت تعرض لهجوم إلكتروني على ما يبدو، وأنها تعمل على استعادة الوصول إليه.
هل تعرضت أوكرانيا لهجمات سيبرانية مماثلة من قبل؟
تعرضت أوكرانيا بالفعل لمرات عديدة من الهجمات السيبرانية، آخرها كان في 14 يناير/كانون الثاني 2022، حيث قالت وزارة التربية والعلوم الأوكرانية إن هجوماً سيبرانياً واسعاً تعرضت له مواقع حكومية، منها وزارتا الخارجية والطوارئ.
وأعلنت الوزارة على صفحتها في فيسبوك، أن موقعها الرسمي "مغلق مؤقتاً، بسبب الهجوم الشامل الذي وقع ليل 14 يناير/كانون الثاني". كما تعذّر الدخول أيضاً إلى مواقع وزارات أخرى، منها وزارة حالات الطوارئ، حسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
بدوره، أعلن جهاز الاستخبارات الأوكراني، في بيان، حينها، أن الهجوم السيبراني الكبير لم يسفر عن أي تسرب لبيانات شخصية، مؤكداً بدء التحقيقات. ومن جهته، قال الاتحاد الأوروبي إنه يحشد "جميع موارده" لمساعدة أوكرانيا في أعقاب الهجوم الذي أصاب مواقع إلكترونية حكومية.
وفي مارس/آذار 2021، قال جهاز الأمن الأوكراني "إس بي أو" إنه صدَّ هجوماً إلكترونياً واسع النطاق من قِبل قراصنة روس استهدفوا بيانات حكومية سرية. وقال الجهاز الذي اتهم موسكو بالعملية حينها، إن "الهدف من الهجوم كان الوصول إلى بيانات سرية في أعلى مؤسسات الدولة بأوكرانيا".
واتهم الجهاز جهازَ الأمن الفيدرالي الروسي "FSB" بالوقوف وراء القراصنة، الذين قال إنهم نفذوا الهجوم، دون الكشف عن أي ضرر في المواقع الحكومية التي تعرضت للقرصنة.
واتهمت كييف موسكو، في فبراير/شباط 2021، أيضاً، بتدبير هجمات إلكترونية كبيرة كجزء من "حرب هجينة" ضد أوكرانيا، مشيرة إلى أن مجموعات قرصنة مدعومة من روسيا شنت هجمات على مواقع الأمن والدفاع الأوكرانية، وحاولت نشر وثائق ضارة.
وفي يوليو/تموز 2018، قالت الشرطة الأوكرانية إن مجموعات قرصنة من روسيا شنوا هجوماً سيبرانياً استهدف شركات أوكرانية ببرمجيات خبيثة؛ لإيجاد ما يعرف بـ"الأبواب الخلفية" لهجوم كبير منسق بُدئ على كييف في عام 2017.
وبين الجهات المتضررة في هجمات 2017-2018 شركات أوكرانية تعمل في صناعات مختلفة، وبنوك، وكذلك شركات أساسية تعمل في مجال الطاقة والبنية التحتية. وسبق تلك الهجمات الكبرى، سلسلة من عمليات القرصنة بين عامي 2014 و2015، تعرضت لها شركات ومصالح أوكرانية، اتهمت كييف فيها أيضاً موسكو بالوقوف وراءها.
الحرب الروسية "الهجينة" على أوكرانيا
يقول موقع وزارة الخارجية الأوكرانية إن ما يصفه بالعدوان الروسي السابق عام 2014 كان يهدف إلى تدمير أوكرانيا كدولة مستقلة، فيما قلل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، من التكهنات الأمريكية الأخيرة بشأن احتمالات الاجتياح الروسي لبلاده، معتبراً أن الحرب ليست وشيكة.
ويقول خبراء غربيون إن "أهداف أي عملية قد لا تشمل الاحتلال المادي لأوكرانيا بأكملها، لكن قد تشمل تدمير قدرة أوكرانيا على المقاومة العسكرية، واستبدال نظامها الحكومي، ومنع تلقيها المساعدة الخارجية".
وتعني طرق الحرب الحديثة أن أي هجوم مفاجئ بحيث لا يمكن ملاحظته، أمر مستحيل، إذا قرر بوتين بدء الحرب على أوكرانيا فستبدأ الاستعدادات، والهجمات غير العسكرية والهجينة مثل الهجمات السيبرانية على الأصول الأوكرانية، قبل أسابيع من الموعد المحدد، حسبما يورد تقرير لموقع Popular Mechanics الأمريكي.
ويحذّر الخبراء من أن الحرب على أوكرانيا قد تكون أكبر صراع في أوروبا منذ ما يقرب من 80 عاماً. ولكن هذه الحرب لن تبدأ على الأرجح في أي لحظة. وبدلاً من ذلك، سيكمل الكرملين الاستعدادات من وراء درع الحرب السيبرانية والتشويش الإلكتروني، بينما ينشر طائرات مسيرة، من شأنها أن تقدم بعض إشارات التحذير للعالم.
حتى الآن، حشدت روسيا أكثر من 100 ألف جندي في روسيا وبيلاروسيا والمناطق الأوكرانية التي تحتلها، ونشرت القوات البرية للجيش الروسي عناصر من عشرة جيوش وسالقات عسكرية في محيط أوكرانيا، تصل إلى عدة آلاف من الدبابات وعربات القتال المشاة ومئات قطع المدفعية والمروحيات وأنظمة الدفاع الجوي.
كما نشرت موسكو قوات من أماكن بعيدة مثل فلاديفوستوك بالشرق الأقصى الروسي (على بُعد 4000 ميل)، واستثمرت كثيراً من الجهد في العملية.
وضخامة هذه الحشود العسكرية تجعل من غير المرجح أن يتم حشد هذه القوة لمجرد استعراض للقوة، كما يقول خبراء غربيون.
ولا يعرف أحد سوى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما ينوي فعله بالنسبة لأوكرانيا، لكن الأمور لا تبدو جيدة بالنسبة لكييف. إذا حدثت الحرب، فستظهر في الأسابيع والأيام السابقة علامات تشير ليس فقط إلى اقترابها، ولكن إلى حجم الصراع وطبيعته.