ماذا سيكون موقف الصين من الغزو الروسي لأوكرانيا الذي يقول الغرب إن موعده قد اقترب، وهل تدعم الصين روسيا في المواجهة الدائرة مع الغرب بشأن أوكرانيا أم تستغل الأزمة لتحقيق مكاسب على حساب موسكو؟
هذه الأسئلة تحيّر المسؤولين في الغرب حالياً وهم يتابعون اللقاء الحميمي الأخير بين الرئيسين الصيني والروسي.
فشبح إقامة شراكة قوية بين روسيا والصين يطارد المسؤولين الأمريكيين منذ الأزل، حيث أرست رحلة هنري كيسنغر التاريخية إلى الصين عام 1971 الأساس لانفتاح مع بكين ودقت إسفيناً بينها وبين موسكو.
وبالتالي، فعلاقة دافئة بين شي وبوتين تحول أسوأ كوابيس الولايات المتحدة إلى حقيقة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
صفقة تاريخية بين موسكو وبكين
وبالتزامن مع الأزمة الأوكرانية، التي يتهم فيها الغرب موسكو بالتخطيط للهجوم على كييف، أعلنت الصين وروسيا إطلاق شراكة بلا حدود خلال مشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي قاطعها الغرب دبلوماسياً؛ اعتراضاً على انتهاكات الصين في مجال حقوق الإنسان، لا سيما بحق مسلمي الإيغور.
وقال البلدان في بيان مشترك، إن "الصداقة بين الدولتين ليست لها حدود، ولا توجد مجالات تعاون محظورة"، وإن علاقتهما كانت متفوقة على أي تحالف في حقبة الحرب الباردة وإنهما سيعملان معاً بمجال الفضاء وتغير المناخ والذكاء الاصطناعي والتحكم في الإنترنت.
تمثل الاتفاقية البيان الأكثر تفصيلاً وتأكيداً لعزم روسيا والصين على العمل معاً لبناء نظام دولي جديد قائم على وجهة نظرهما بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian.
واستغل بوتين المناسبة لترويج صفقة غاز ونفط جديدة مع الصين تقدر قيمتها بنحو 117.5 مليار دولار، ووعد بزيادة صادرات روسيا في الشرق الأقصى الروسي في وقت يتصاعد فيه التوتر مع العملاء الأوروبيين بشأن أوكرانيا.
وتعمل الولايات المتحدة على إيجاد بدائل لأوروبا أو منافسين للغاز الروسي.
ولكن إلى أي مدى لا تعدو هذه الشراكة المتجددة أكثر من مجرد كلام، وما مدى استعداد الصين الحقيقي لمساعدة روسيا.
كيف سيكون موقف الصين إذا غزت روسيا أوكرانيا؟
في منتدى المجلس الأطلسي الأسبوع الماضي، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق ستيفن هادلي إن الصين- التي تعترف بالحكومة الأوكرانية وأقامت علاقات تجارية معها- "لن تؤيد الحرب رسمياً"، لكنها مع ذلك "ستحُمِّل الولايات المتحدة والغرب مسؤولية إثارتها والفشل في مراعاة المصالح الأمنية المشروعة لروسيا".
وبكين نفت التقارير التي تشير إلى أن شي ربما طلب من بوتين الامتناع عن غزو أوكرانيا أثناء الأولمبياد حتى لا يسرق الأضواء من الدورة المقامة في الصين. وقالت البعثة الدبلوماسية الصينية في موسكو في نفيها لهذه التقارير إن "الجانب الصيني يؤيد حل الخلافات بالحوار والمشاورات"، وفقاً لوكالة الأنباء الروسية Tass.
والاعتقاد بأن الشراكة الصينية الروسية لها حدود، خاصة في حال فرض عقوبات غربية خطيرة قد تؤثر سلباً على أي شركة صينية تنتهكها، تحمل بعض المنطق. فالصينيون لا يزعجهم السلوك الاستبدادي، ويتعاملون بأريحية مع الأنظمة المستبدة. لكن الصين بشكل عام لا تحب البدع والمغامرات الأجنبية، وتعطي الأولوية للمصالح الاقتصادية وتميل إلى الحرص وتحاشي المخاطرة.
كيف تتعامل وسائل الإعلام الحكومية الصينية مع الأزمة؟
كتب محلل شؤون الدفاع دانييل شاتس والكاتب في الشؤون الأمنية بيتر سِنغر في موقع Defense One إن وسائل الإعلام الصينية الخاضعة لرقابة مشددة والبيانات الحكومية الأخرى "يطغى عليها دعم الرؤية الروسية للمشكلة الأوكرانية". إذ نشرت صحيفة People's Liberation Army Daily، من بين وسائل إعلام حكومية أخرى، مقالات تصور الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بأنهما "مُحرضان" في "حرب هجينة" على روسيا، وأوكرانيا بأنها قطعة شطرنج في أيديهم.
ينتقدون العقوبات ويلتزمون بها.. هكذا استفادت الصين من أزمة أوكرانيا
ولكن حتى الآن، لم يترجم هذا الخطاب الإعلامي الصيني إلى دعم قوي لتحركات روسيا. وأكدت البيانات الرسمية الصادرة عن الحكومة الصينية غير مرة موقفها الحيادي والالتزام بعدم التدخل، وهو الموقف نفسه الذي اتخذته في أزمة شبه جزيرة القرم عام 2014.
وهذا الموقف الذي اتخذته عام 2014 أعطى الأولوية لمرور الصين إلى الأسواق الغربية.
إذ أشارت مجلة The Economist الشهر الماضي إلى أن "الصين انتقدت العقوبات الأمريكية والأوروبية التي فرضت على المسؤولين والبنوك والشركات الروسية بعد عام 2014. ولكن في العموم، لم تحاول البنوك والشركات الصينية خرقها، وأعطت الأولوية لمرورها إلى الأسواق الغربية والأنظمة المالية".
تجربة الصين مع العقوبات على إيران قد تقدم الإجابة
وسبق أن فعلت بكين الأمر ذاته مع إيران، فلقد انتقدت الصين العقوبات الأمريكية ضد طهران، وعندما اخترقتها بعض الشركات الصينية فكان بشكل محدود شراء النفط الإيراني بثمن بخس.
وحتى عندما قيل إنها عرضت اتفاق شراكة ضخماً مع طهران قيمته المفترضة 400 مليار دولار، قوبل الاتفاق بانتقادات داخل البرلمان الإيراني لأنه ما تسرب من الاتفاق يشير إلى أن بكين سوف تشتري النفط الإيراني بثمن بخس، ورأى البعض في الصفقة استغلالاً صينياً للحصار الغربي على إيران.
هذا النهج الاستغلالي قد يتكرر في الأزمة الأوكرانية، حيث قد تنتقد بكين الغرب ثم تلتزم بعقوباته على روسيا، وقد تستغل الضغوط على اقتصاد روسيا للحصول على مزيد من التنازلات منها.
الصين لديها مصالح حيوية مع أوكرانيا
ومما يجعل الصين حذرة في التعامل مع الأزمة أن لديها علاقات وثيقة في مجال بعينه مع أوكرانيا، وهو الصناعات العسكرية والفضائية، وكانت بكين تلجأ لكييف للحصول على بعض التكنولوجيا الممنوعة عليها من الغرب وروسيا، وهو أمر كان بدأ يقلق الغرب حيث بات يمارس ضغوطاً على أوكرانيا لوقفه.
وقدمت أوكرانيا تكنولوجيا عسكرية لأسلحة صينية، وتعمل الدولتان معاً لتحسين خصائص المقاتلة البحرية الصينية من الجيل الخامس مثل المحركات والرادارات البحرية، إضافة إلى محركات السفن، التي يتم تطويرها من قبل المؤسسة الأوكرانية Zorya-Mashproekt.
وبينما كانت الصين شريكاً مهماً لصناعة الدفاع الأوكرانية، ولكن هذا التعاون كان له مضاره على كييف؛ نظراً إلى أن التعاون لم يثمر أي إنتاج أسلحة مشتركة، إضافة إلى تقليد بكين منتجات كييف ثم منافستها في الأسواق العالمية.
وحتى قبل الموقف الصيني الأقرب لروسيا من الأزمة الأوكرانية، بدأت ضغوط الغرب لوقف التعاون الصيني الأوكراني في مجال الصناعات الدفاعية وصناعات الفضاء تثمر.
فلقد سبق أن استجابت كييف لطلبات واشنطن بإلغاء صفقة استحواذ صينية على شركة Motor Sich وهي الشركة الوحيدة المصنعة لمحركات الطائرات في أوكرانيا وإحدى الشركات القليلة في العالم العاملة بهذا المجال وبلغت قيمة الصفقة 3.6 مليار دولار.
وفقاً للمتخصصين العسكريين في كييف، فإنّ تعاون Motor Sich مع شركة Skyrizon الصينية يخلق عدداً من التهديدات الداخلية والخارجية لأوكرانيا. على سبيل المثال، في حالة سيطرة الصينيين على الشركة، ستنخفض بشكل كبير، قدرات أوكرانيا على تطوير برامج الطائرات والصواريخ لصالح القوات المسلحة الأوكرانية وللتصدير.
والآن بعد التقارب الروسي الصيني، فإن أوكرانيا لديها دافع أكبر لمنع الصين من التوغل في صناعاتها العسكرية.
ورغم المساحة المهمة التي احتلها التعاون العسكري التقني الثنائي في العلاقات الصينية الأوكرانية.
فإنه يبدو أن الأزمة الأوكرانية ستعزز من الفجوة بين البلدين.
هل يكون موقف الصين مختلفاً هذه المرة وتتجه لدعم روسيا؟
المواجهة الحالية بين روسيا والغرب قد تكون مختلفة اختلافاً جوهرياً بالنسبة لبكين. فتقارب العلاقات الصينية الروسية سمح لموسكو بنقل قوات من الحدود الصينية إلى بيلاروسيا الأقرب إلى أوكرانيا، وفقاً لبوني غلاسر، مديرة برنامج آسيا في صندوق مارشال الألماني. وأشارت في مجلة Foreign Policy إلى أن بكين هذه المرة- العالقة في عدائها الاستراتيجي مع واشنطن بخصوص مجموعة من المشكلات مثل مصير تايوان- قد تكون على استعداد لتحمل تكاليف خرق أي محاولة من جانب الغرب لعزل روسيا، بما في ذلك مالياً.
أشعل ترامب حرباً تجارية مع الصين، وجاءت إدارة بايدن وجعلت احتواء الصين هدفها الاستراتيجي، وقد يعني ذلك أن ترك الغرب ينفرد بروسيا في مجال العقوبات قد يعني أنه بعد احتوائها قد يتحول للتركيز على الصين مجدداً.
وكتبت بوني: "في سياق استراتيجي أوسع ترى فيه بكين نفسها في عداء متفاقم مع الولايات المتحدة، يصبح تعزيز الشراكة مع روسيا مستحقاً لثمن سخط بعض القادة الأوروبيين والتكاليف الاقتصادية المحتملة المتواضعة في أوكرانيا".
وأشارت وكالة Bloomberg الأسبوع الماضي، نقلاً عن ثلاثة مسؤولين كبار، إلى أن إدارة بايدن ترى أن الصين تعتبر رد الولايات المتحدة على أوكرانيا اختباراً لرد فعلها على هجوم صيني على تايوان في حال وقوعه. فالسلوك الصيني العدائي يتفاقم هناك بالفعل. والشهر الماضي، سارعت تايوان- التي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها- إلى حشد مقاتلات للتصدي لهجوم بـ39 طائرة تابعة للقوات الجوية الصينية في يوم واحد، وهو أكبر هجوم منذ أكتوبر/تشرين الأول.
وكتبت جونجان سينغ، الأستاذة في جامعة O.P. Jindal Global الهندية: "هذا الاختبار سيساعد شي على تقرير إن كان يجب أن يلجأ للقوة العسكرية لضم تايوان بالقوة وكيف يفعل ذلك".
لكن أكاديميين صينيين يعارضون هذا التوصيف، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه ليس غريباً عليهم "أن يُبدوا استياءهم حين يرى الأجانب أن الصين قد تكون أي شيء إلا دولة محبة للسلام"، مثلما أشارت مجلة The Economist. ومن المؤكد أنها ستراقب رد فعل الغرب على أي هجوم روسي على أوكرانيا عن كثب. لكن خبراء صينيين يقولون إن بكين تدرك أن أي مواجهة حاسمة بشأن تايوان ستكون أخطر بكثير، في إشارة إلى أن بلادهم لن تفكر في تكرار السيناريو الروسي في اوكرانيا.