هل تنزلق ليبيا نحو الحرب مجدداً؟ الفوضى السياسية تتفاقم مع وجود رئيسين للوزراء في الوقت ذاته

عربي بوست
تم النشر: 2022/02/12 الساعة 08:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/12 الساعة 12:41 بتوقيت غرينتش
عبدالحميد الدبيبة وفتحي باشاغا - تعبيرية / الأناضول

انزلقت ليبيا أكثر في مستنقع الفوضى السياسية يوم الخميس، 10 فبراير/شباط، بعد أن صوّت برلمانها لتنصيب حكومةٍ مؤقتة جديدة رغم اعتراضات رئيس الوزراء الحالي عبد الحميد الدبيبة.

إذ كانت الدولة الشمال إفريقية الغنية بالنفط غارقةً في مأزقٍ سياسي بالفعل بعد أن فشلت في عقد الانتخابات الوطنية في موعدها بديسمبر/كانون الأول. حيث كان يُفترض بتلك الانتخابات أن زهاء العقد من عدم الاستقرار الذي ضرب ليبيا، وذلك منذ ثورة الربيع العربي التي أطاحت بالرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011.

أزمة البحث عن الشرعية.. رئيسان للوزراء في ليبيا

تشهد ليبيا اليوم نزاعاً على هوية الحكومة الشرعية، ويبدو أننا سنعيش في فوضى مؤسسية لفترةٍ من الوقت، حيث أعلن البرلمان الليبي أن سلطة الحكومة الحالية بقيادة الدبيبة قد انتهت بعد انهيار الانتخابات المخطط لها بدون وضع خارطة طريق سياسية جديد. وقد صوّت البرلمان بالإجماع لـ فتحي باشاغا، وزير الداخلية السابق، حتى يقود الحكومة الجديدة.

لكن رئيس الوزراء الحالي، عبد الحميد الدبيبة، تعهّد بالتمسك بالسلطة ووصف التصويت بأنه غير شرعي. ويقول تقرير لصحيفة The Independent البريطانية إنه يبدو أن هذا النزاع سيُعيد البلاد إلى حالة راهنة مألوفة: زعيمين متنافسين، وبلدٌ مقسم إلى نصفين في الشرق والغرب. إذ يقع البرلمان في الشرق الذي يخضع لسيطرة قائد الميليشيا الجنرال خليفة حفتر، في حين يقع مقر حكومة الدبيبة المعترف بها دولياً في العاصمة طرابلس غرب البلاد.

بينما كتب أنس القماطي، مدير "معهد صادق" الليبي للبحوث السياسية، على تويتر بعد التصويت: "خبر اليوم. ليبيا لديها رئيسان للوزراء. مرةً أخرى. وكأننا في فيلم Groundhog Day".

وهذا هو السيناريو الذي كان يخشاه العديد من الليبيين، إلى جانب الدول الغربية التي دعمت العملية الانتخابية. إذ أصبحت البلاد على حافة الانزلاق إلى فترة الحرب والحكومات المتنازعة بدلاً من أن تعقد الانتخابات، التي تصر الحكومات الغربية والأمم المتحدة على أنها السبيل الوحيد لاستقرار ليبيا.

ولم يتبين بعد ما إذا كانت العديد من الدول الغربية والقوى الأجنبية الأخرى صاحبة المصالح في ليبيا، مثل تركيا وروسيا والإمارات، ستقبل بتعيين باشاغا رئيساً للوزراء. في حين أعرب وزير الخارجية المصري عن ثقته بـ"الحكومة الجديدة"، لكن الأمم المتحدة قالت إنها لا تزال معترفةً بقيادة الدبيبة 

وكانت الأمم المتحدة قد أشرفت على عملية اختيار الدبيبة كرئيس وزراءٍ مؤقت قبيل الانتخابات، التي كان مقرراً عقدها في ديسمبر/كانون الأول لكنها تأجلت. وقد حثت الليبيين أن يركزوا جهودهم على إقامة الانتخابات بدلاً من اختيار سلطةٍ مؤقتة.

انقسام الغرب الليبي مقابل يقوي الشرق بقيادة حفتر

فيما تقول صحيفة New York Times إن من شأن صعود باشاغا على أكتاف البرلمان الشرقي أن يقسم الغرب، فضلاً عن تقوية موقف حفتر أو عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الذي صاغ تصويت يوم الخميس. في حين تعهد الدبيبة، رجل الأعمال الذي يشغل منصب رئيس الوزراء المؤقت منذ مارس/آذار، بالبقاء في المنصب حتى الانتخابات.

ويُذكر أن صالح، والدبيبة، وباشاغا، وحفتر، وسيف الإسلام القذافي جميعهم كانوا يسعون لمنصب الرئيس في الانتخابات التي تم تأجيلها. لكن دخول هؤلاء المرشحين المستقطبين، بالإضافة إلى الجدل حول قانون الانتخابات وافتقارها للأساس الدستوري، قد تسبب في عرقلة عملية الاقتراع مع اقتراب موعدها المخطط له.

كان يُفترض بالانتخابات أن تُحِلَّ رئيساً واحداً محل ترتيب تقاسم السلطة القائم، الذي يقود الحكومة بموجبه رئيس وزراء بمساعدة مجلسٍ رئاسي من ثلاثة أشخاص. بينما كان المسؤولون الليبيون والغربيون يأملون بأن يحظى الرئيس المنتخب بشرعية وضع دستورٍ جديد، وأن يُبعِد المرتزقة الأجانب الموجودين في أرجاء ليبيا، وأن يؤسس بنكاً مركزياً واحداً وجيشاً متحداً إلى جانب المؤسسات الأخرى.

وقد كان صراع السلطة سبباً في العنف بالفعل، ولا نزال في انتظار المزيد من ذلك العنف. حيث تسبب فراغ السلطة في إثارة المناوشاتٍ بين بعض الميليشيات الليبية العديدة، التي يتبع عددٌ منها اسمياً لحكومة الدبيبة في طرابلس لكن لكلٍ منها أجندته الخاصة.

كما مهّد فراغ السلطة الطريق أمام عودة ظهور أنشطة تنظيم الدولة الإسلامية، التي كانت قد تراجعت على مدار العام الماضي بعد عقدٍ كامل من استغلال التنظيم للفوضى التي أعقبت سقوط القذافي حتى يستولي على الأراضي ويشن الهجمات.

رجالات الشرق الليبي يخشون أن يتم سحب البساط من تحت أقدامهم

كان نحو ثلاثة ملايين ليبي قد سجلوا من أجل المشاركة في الانتخابات، التي كان مقرراً عقدها في 24 ديسمبر/كانون الأول، قبل تأجيلها إلى أجلٍ غير مسمى. في حين كان 2.5 مليون منهم قد سحبوا استمارات الاقتراع بالفعل، ما يشير إلى نيتهم الإدلاء بأصواتهم، لكن احتمالية إقامة الانتخابات الآن أصبحت أبعد من أي وقتٍ مضى.

بينما قالت ستيفاني ويليامز، كبيرة مبعوثي الأمم المتحدة إلى ليبيا، على تويتر الشهر الماضي: "صندوق الاقتراع هو السبيل الوحيد لحل أزمة الشرعية في ليبيا"، مكررةً بذلك الرسالة التي تبعث بها مراراً إلى الساسة الليبيين.

لكن بحسب صحيفة The Independent البريطانية، يبدو أن الساسة في ليبيا لم يستمعوا لرسالتها. إذ يقول المحللون إنّ الغرض الظاهر من التصويت البرلماني يوم الخميس كان تجنب إقامة الانتخابات التي من شأنها أن تسحب السلطة من تحت أقدام من يمتلكونها حالياً، كما تقول صحيفة نيويورك تايمز.

وربما وضع البرلمان مساراً للانتخابات الجديدة، لكن الخطوات الوسيطة التي دعا لها البرلمان لم تكن واقعيةً على الإطلاق. ويبدو أن مصير الليبيين يتجه صوب انفجارٍ جديد لعدم الاستقرار والفوضى، بدلاً من فرصة التصويت لاختيار زعمائهم.

ويحظى اختيار البرلمان لرئيس الوزراء الجديد بدعم زعماء ليبيا الشرقيين العازمين على الإطاحة بالدبيبة، الذي يقود البلاد منذ اختياره العام الماضي بواسطة حوارٍ رعته الأمم المتحدة بين الفصائل السياسية المتعددة في البلاد.

حيث قال دبلوماسيون ومحللون إن باشاغا قد عقد صفقةً مع حفتر على ما يبدو. وأردفوا للصحيفة الأمريكية أن حفتر قدم له الدعم في مقابل وعودٍ بمنح حقائب وزارية مهمة لحلفاء الجنرال وتمويل جيشه.

الانزلاق نحو المزيد من الفوضى في طرابلس

لكن الدبيبة، من ناحيته، لم ينتظر تصويت البرلمان للإعلان عن رفضه. حيث وعد في خطابٍ يوم الثلاثاء، 8 فبراير/شباط، بالبقاء في منصبه حتى إقامة الانتخابات. ومع ذلك فإن الدبيبة يسعى للسلطة بنفس قدر منافسيه.

ورغم تعهده من قبل بعدم الترشح للرئاسة؛ ناقض الدبيبة نفسه حين تبيّن أن خطواته "الشعبوية" قد تساعده على كسب الأصوات، ومنها تقديم إعانات لمساعدة الشباب على الزواج.

وربما تحتاج الخطة التي تبناها البرلمان إلى إقامة استفتاء على دستورٍ جديد قبل أن تعقد ليبيا انتخاباتها، وهو أمرٌ صعب بالنظر إلى سجل البلاد الحافل بالنزاعات حول التغييرات الدستورية.

وفي مساء الأربعاء، 9 فبراير/شباط، تظاهر عشرات الليبيين في ميدان الشهداء بطرابلس للمطالبة بتنحي البرلمان في الشرق والحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في الغرب.

تحميل المزيد