يظهر ضباط عسكريون في التلفزيون الرسمي، يقرأون من بيان ويعلنون بهدوء السيطرة على الدولة، وفي شوارع العاصمة تحتفل الجماهير بالتهليل، بينما يُدان الانقلاب العسكري خارج بلادهم.
مشهد يتكرَّر في مناسبات متعددة في الذاكرة الحديثة في غرب إفريقيا، في مالي عام 2020، ومرة أخرى في أغسطس/آب من العام الماضي، وفي غينيا في سبتمبر/أيلول، وفي بوركينا فاسو في 24 يناير/كانون الثاني 2022. كما وقعت انقلابات في الشرق في تشاد والسودان. وفي يوم الثلاثاء 8 فبراير/شباط تم إحباط محاولة انقلاب في غينيا بيساو.
عدوى الانقلابات العسكرية في إفريقيا
في قمة عاجلة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، يوم الخميس 3 فبراير/شباط، أشارت رئيسة غانا، نانا أكوفو-أدو، إلى الخطر في عواصم المنطقة. وقالت: "التهديدات الناشئة في منطقتنا تنبع من تدخل الجيش في مالي وتأثيرها المُعدِي في غينيا وبوركينا فاسو".
ويقول تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، إنه في مالي وتشاد وبوركينا فاسو وغينيا، استولى الضباط العسكريون الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 38 و41 عاماً، ومعظمهم من وحدات القوات الخاصة، على السلطة من القادة المسنين المنتخبين ديمقراطياً. وفي حين أنَّ السياق الدقيق يختلف من بلد لآخر يتسلط الضوء على العديد من العوامل الأساسية والتحديات الرئيسية التي تواجه بعض البلدان في المنطقة.
وعبر منطقة الساحل ترك الصراع الإرهابي الذي بدأ في مالي منذ أكثر من عقد من الزمان ملايين الأشخاص عرضة لهجمات لا هوادة فيها، وتسبَّب في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
واستغل الجهاديون إخفاقات الحكومات في معالجة الفساد وتوفير حوكمة شاملة في البلدان منخفضة الدخل والمتنوعة عرقياً. وقد زاد تأثير أزمة المناخ من انعدام الأمن في منطقة تعتمد على الزراعة. ومن العوامل الأخرى قلة الفرص للشباب الذين يتزايد عددهم بسرعة وانتشار الأسلحة.
واستشهد قادة الانقلاب في بوركينا فاسو ومالي بتزايد انعدام الأمن. وفي غينيا انتقد الجيش الفساد السياسي في أعقاب الانتخابات المتنازع عليها.
تصفيق وتهليل بالانقلابات العسكرية
غضب كثيرون في بوركينا فاسو من الحكومة قبل انقلاب الأسبوع الماضي، لا سيما بسبب حجم عمليات القتل الجماعي التي ارتكبتها الجماعات الإرهابية في العام الماضي. وتسبَّب التمرد في نزوح 1.5 مليون شخص في البلاد.
وقال أحد المتظاهرين أثناء احتفاله باستيلاء الجيش على السلطة لصحيفة الغارديان: "الناس يموتون كل يوم. الجنود يموتون، وهناك الآلاف من النازحين. هذه فرصة لبوركينا فاسو للحفاظ على سلامة أراضيها".
في نوفمبر/تشرين الثاني، قُتِل 53 شخصاً، من بينهم 49 من ميليشيات الدرك، عندما هاجم مسلحون معسكراً في إيناتا. وقال إبراهيما ماييغا، الناشط والمؤسس المشارك لحركة إنقاذ بوركينا فاسو، وهي جماعة احتجاجية بارزة، إنَّ ما زاد من المأساة هي التقارير التي تفيد بأنَّ العديد من قوات الميليشيات ماتوا جوعاً لأنَّ الإمدادات الغذائية نفدت من القاعدة.
واحتفل المتظاهرون من حركة ماييغا بالانقلاب، وخطط النظام الجديد لإجراء محادثات مع مجموعات المجتمع المدني في الأيام المقبلة بعد محادثات مع جماعات المعارضة.
وقال ماييغا إن "الجيش يحظى بثقة الكثيرين"، مضيفاً أنَّ مسائل الديمقراطية أو الديكتاتورية العسكرية كانت أقل أهمية بسبب الأزمة الأمنية "صحيح أننا نحب الحرية والديمقراطية، لكننا عند المستوى الذي نحاول الصمود فيه. أهم شيء هو توفير السلامة والأمن".
"فشل الدولة" سمة بارزة في غرب إفريقيا
من جانبها، قالت "عيادات حسن"، مديرة مركز الديمقراطية والتنمية في العاصمة النيجيرية، إنَّ الانقلابات أرغمت الناس على التفكير فيما إذا كانت الديمقراطية قد أسفرت عن فوائد ملموسة.
وأضافت للغارديان أن "سكان غرب إفريقيا صاروا جمهوريين تماماً؛ إذ يوفرون لأنفسهم الطعام والكهرباء والبنية التحتية. ولا يتوقعون إلا القليل من الدولة، ومع ذلك ما زالت تفشل في تلبية تلك التوقعات. إنهم لا يستطيعون رؤية ما أتت به الديمقراطية؛ لذلك تأتي الجيوش الانتهازية التي ترى هذا الفراغ في الحكم وتحاول ملأه".
هناك أيضاً إحباط شعبي من أنَّ المجتمع الدولي غالباً ما يدق ناقوس الخطر عند حدوث الانقلابات، لكن ليس عندما تتعرض الديمقراطيات للتقويض المستمر.
وأشارت عيادات إلى "التركيز على أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة، لكن لا يوجد تركيز كافٍ على الطريقة التي تتعرض بها الديمقراطيات للتقويض… الإيكواس والاتحاد الإفريقي يواصلان مراقبة الانتخابات دون أي شكل من أشكال منع ما حدث مع ألفا كوندي والحسن واتارا"، في إشارة إلى التغييرات الدستورية المثيرة للجدل في غينيا وساحل العاج، للسماح لقادة تلك الدول بتولي السلطة لفترة ثالثة. وفاز كلاهما في استفتاءات رفضتها جماعات المعارضة ووصفتها بأنها احتيالية. وقالت: "كان ذلك انقلاباً دستورياً".
"الانقلابات الدستورية"
فيما يشعر المراقبون بالقلق من أنَّ دعم الانقلابات يوحي بأنَّ المزيد من السكان باتوا ينظرون إليها على أنها الرد على الحكومات التي لا تحظى بشعبية.
في عاصمة مالي، باماكو، على سبيل المثال، احتشد عدة آلاف لدعم المجلس العسكري، بما في ذلك بعد فرض إيكواس، التي لا تحظى بشعبية، عقوبات على المجلس.
لكن دعم الأنظمة العسكرية لم يكن شاملاً. قال عمر با، الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية بجامعة كورنيل، إنَّ عمليات الجيوش الوطنية ضد الجماعات المسلحة أدت إلى انتهاكات متسلسلة لحقوق الإنسان، غالباً في المناطق الريفية، حيث يكون الصراع أكثر حدة، وحيث سيكون الناس على الأرجح أقل دعماً للجيش.
وتابع: "كثير من المظاهرات التي تُظهِر دعماً لهذه الأنظمة العسكرية كانت في مناطق حضرية، لكن الناس الذين يعيشون في المدن لديهم تصور مختلف عن الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الريفية، حيث من المحتمل أن تجد المزيد من القلق".
ووفقاً لدبلوماسي من غرب إفريقيا، كانت مجموعة إيكواس تجد صعوبة في مواصلة الضغط على الأنظمة العسكرية للالتزام بالانتقال إلى الديمقراطية دون تهميش السكان المحليين.
وصرّح الدبلوماسي: "بعض العقوبات كانت قاسية، لكنها أدت إلى مواقف معقدة، كما هو الحال في مالي، التي تعاني حالياً بسبب تلك العقوبات، لكن يبدو أنَّ الناس يدعمون المجلس العسكري أكثر. أعتقد أنَّ هناك بالتأكيد بعض البحث عن الذات حول كيفية ردع هذه الانقلابات ردعاً أكثر فاعلية".