في ظل التقارب الأوكراني مع الغرب ودول أوروبا وسط محاولات روسيا لإعادة سيطرتها على أصحاب القرار بكييف، تلوح في الأفق بوادر حرب بين البلدين المتلاصقين، وهو الأمر الذي يرى المحللون السياسيون أنه أكثر من كونها حرباً ضد أوكرانيا.
حيث يجد المحللون في سلوكيات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن هناك محاولات لاستيعاد الهيبة الروسية عقب الكارثة الجيوسياسية التي وقعت فيها خلال القرن العشرين بسقوط الاتحاد السوفييتي.
خاصة مع وجود بعض النوايا أو التلويح بضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ما يهدد الحدود الروسية ويضعها أمام خطر مباشر مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة، إلا أن الأزمة الآن تحكمها مجموعة من الموازين المختلفة.
ويراقب العالم ما ستؤول إليه تلك التجاذبات، حيث سيترتب على ذلك خطوات قد تعيد تشكيل الخريطة السياسية للعالم، فعلى سبيل المثال يرى المحللون السياسيون أنه في حال غزت روسيا أوكرانيا دون وجود عقوبات رادعة من قبل الغرب فإن ذلك سيدفع الصين إلى التوسع نحو بحر الصين الجنوبي والسيطرة على جزيرة تايوان.
كما سيدفع روسيا لبسط نفوذها في الدول الأوروبية الأخرى، الأمر الذي قد يغير النظام العالمي الذي استقر تحت سيطرة الولايات المتحدة خلال الأعوام الماضية.
وعلى النقيض فإنه في حال لم تغزُ روسيا أوكرانيا مقابل موافقة الغرب وأمريكا تحديداً على مجموعة من المطالب سمتها موسكو بالضمانات، فإن تلبية تلك المطالب تعني منح الدب الروسي السيطرة على الدول التي تحيط به دون غزوها، بل التجرؤ على التحكم في دول الناتو الواقعة على حدودها.
وتمثلت مطالب روسيا في تعهد الناتو كتابياً بعدم ضم مزيد من الدول المحيطة بروسيا إلى المنظمة بما فيهم أوكرانيا، وأن يتوقف الحلف عن نشر أسلحته بالدول التابعة له والواقعة على حدود موسكو، كما اشترط ضرورة وقف الحلف عن إقامة مناورات عسكرية في تلك الدول الحدودية.
تبقى تركيا بين تلك الصراعات تلعب دوراً محايداً قدر الإمكان للحفاظ على مصالحها لدى الأطراف المختلفة سواء مع الروس أو الأوكران أو الغرب، بالإضافة إلى سعيها نحو إخماد الحرب التي ظهرت بعض معالمها باصطفاف آلاف المجندين والدبابات الروسية على الحدود الأوكرانية، والعمل على التوصل إلى نقاط توافق ترضي جميع الأطراف.
لماذا يسعى أردوغان لوقف الحرب؟
يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للحفاظ على مصالحه في الدولتين المقابلتين لأنقرة، لما يربطه معهما من مصالح اقتصادية وأمنية، عبر العمل على تهدئة الجانبين الروسي والأوكراني، والتي كان آخرها زيارته لأوكرانيا ودعوة بوتين لزيارة أنقرة.
ففي حال غزت روسيا جارتها فإن هذا الموقف قد يستلزم من تركيا أخذ موقف سياسي واضح، وهو ما لا يرغب به أردوغان، حيث ستقع أنقرة في موقف صعب للغاية، ما قد يدفعها للبحث عن تكلفة الفرص البديلة بين الوقوف مع روسيا أو الاصطفاف بجانب أوكرانيا.
وما يزيد المشهد تعقيداً حينها أن أنقرة مطالبة بالوقوف بجانب حلف الناتو الذي تنتمي إليه، وهو الأمر الذي يعني خسارة روسيا التي تربطها بها العديد من الملفات وفي مقدمتها ملف سوريا الشائك، الذي لطالما حرصت تركيا على تجنب الخلافات الحتمية معها في هذا الملف على طول الخط للحفاظ على مكتسبات أخرى.
حيث إن الغضب الروسي قد يدفع بوتين إلى الانتقام من تركيا في حال اصطفت مع أوكرانيا وحلفائها في الناتو على حساب الكرملين، من خلال قضايا شائكة بالنسبة لأنقرة مثل الصراع القبرصي أو الوجود العسكري التركي في سوريا وليبيا والعراق أو المشكلة الكردية.
إلا أن البعض يرى أن استمرار روسيا في تحمل سياسات تركيا مع أوكرانيا، مثل التعاون المشترك في الصناعات الدفاعية، بالإضافة إلى منح الأخيرة الطائرات بدون طيار، ومبيعات السفن البحرية ذات القدرات الشبحية والتطوير المشترك لمحرك نفاث للطائرات العسكرية، يأتي في سبيل مساعي موسكو لتعميق الخلافات بين تركيا والحلف الأطلسي.
ولن تكون سياسة الحياد التي تتبعها أنقرة الآن مجدية في حال نشوب حرب، بل لن تتمكن من الاستمرار فيها، لما قد تفرضه الولايات المتحدة ودول الغرب على تركيا من عقوبات إذا استمرت في التعاون مع روسيا أو إذا لم تعلن عن موقف واضح، وهو ما يخشاه أردوغان، حيث لا يتحمل المشهد الاقتصادي التركي أي مغامرة خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والتشريعية المحلية.
حيث يرى بعض المحللين أن انتهاج تركيا لنفس المسار الذي اتبعته عند ضم روسيا شبه جزيرة القرم، برفضها تنفيذ عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على موسكو، لن تتمكن أنقرة من اتباعه مرة أخرى لأنها ستتعرض لضغط كبير من قبل الغرب، حتى تكون في معسكر واحد، ما يضعها في معضلة كبيرة.
وعلى الرغم مما تتبعه تركيا من محاولات التهدئة، إلا أن روسيا ترى في أنقرة الوسيط غير المحايد، وذلك لكونها عضواً في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ما يبقى موسكو في حيطة من أمرها مع كل خطوة تركية، ويأتي هذا جلياً في ردود فعل الدب الروسي الذي تجاهل كل اقتراحات أنقرة.
إلا أن ذلك لم يثنِ تركيا عن الاستمرار والسعي نحو وقف الحرب، أملاً في الحفاظ على مكتسباتها الاقتصادية والسياسية لدى الطرفين، كما أن نجاح أنقرة في إخماد هذا الصراع سيبرز الدور الإقليمي لها ويكسبها مزيداً من الأدوار الفعالة في المنطقة.
ماذا ستخسر تركيا في حال غزت روسيا أوكرانيا؟
محاولات تركيا الساعية للتهدئة بين موسكو وكييف قد تبوء بالفشل، فربما نرى طبول الحرب تدق في أي وقت، ما يعني أنه ستكون هناك خسائر ستلاحق أنقرة من أحد الطرفين.
وبالتالي في حال غزو روسيا لأوكرانيا فإن ميل تركيا إلى الجانب الروسي يعني معاداة الغرب والناتو وخسارة مصالحها الاقتصادية مع كييف، بالإضافة إلى عقوبات أمريكا والدول الأوروبية، وفي حال اصطفاف تركيا بجانب أوكرانيا ستخسر تركيا مصالحها الاقتصادية مع موسكو بالإضافة إلى الضغط الروسي الذي سيمارس على أنقرة خاصة في الملفات الشائكة التي تخشاها حكومة أردوغان.
وبنظرة عامة على المشهد الاقتصادي لتركيا مع البلدين المتنازعين فإنه لدى المقاولين الأتراك مشاريع بقيمة 29.3 مليار دولار في الخارج خلال عام 2022 تستحوذ كل من أوكرانيا وروسيا على نصف هذه المشاريع.
كما يمثل السياح القادمون لتركيا من هذين البلدين نحو 30% من إجمالي الوافدين الأجانب، كما تعتبر روسيا وأوكرانيا من أهم دول الإمداد الغذائي لأنقرة، حيث إنهما يلبيان نحو 40% من وارداتها، ما يعني أن الحرب ستؤثر سلباً على تركيا في قطاعي السياحة والغذاء.
أما بالانتقال إلى النظرة التفصيلية للعلاقات التركية الروسية، فإن روسيا تعد المورد الأول للغاز الطبيعي لتركيا بواقع 90 مليون متر مكعب يومياً من إجمالي 270 مليون متر استهلاك يومي، حيث احتلت روسيا المرتبة الأولى في توريد الغاز إلى أنقرة بواقع 16.2 مليار متر مكعب خلال عام 2020، أي 26.5% من إجمالي واردات أنقرة من للغاز الطبيعي.
وعلى الرغم من محاولات تركيا لدفع أذربيجان لتحتل مكان روسيا في توريد الغاز الطبيعي إليها، إلا أن باكو ما زالت في المرتبة الثانية، كما أن صدارة أذربيجان قائمة موردي الغاز إلى أنقرة لا يعني أبداً سهولة التخلي عن الغاز الروسي، في بلد بلغ تدفق الغاز الطبيعي إليه خلال عام 2021 نحو 61.6 مليار متر مكعب، وما زال يتعطش للمزيد.
وبالتالي في حال الضغط من قبل روسيا على تركيا من خلال ملف الغاز الطبيعي فإن أنقرة تعد هي الخاسرة كونها سوقاً متعطشاً للغاز الطبيعي، كما أن روسيا لديها منافذ عديدة لتوجيه الغاز الطبيعي، ما يغنيها عن الاستهلاك التركي.
حيث تبلغ واردات أنقرة ما لا يزيد عن 8.2% من الصادرات الروسية التي تبلغ نحو 197 مليار متر مكعب، بالإضافة إلى أن تركيا لن تستطيع إيجاد بدائل للغاز الروسي بسهولة، نظراً لأنه في حال امتنعت دول الاتحاد الأوروبي عن استيراد الغاز الروسي فإن جميع المنافذ الأخرى ستتجه إلى القارة العجوز لتلبية احتياجاتها من الغاز.
وقالت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية في تقرير إن دول الشرق الأوسط بما فيها قطر، لن تكون قادرة على تعويض إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا بشكل كامل في حال انقطاع هذه الإمدادات، أو شحّها، ما يؤكد صعوبة وجود مصادر أخرى لمد تركيا بالغاز الطبيعي.
وبالتالي قد يتسبب ذلك في نقص الغاز الطبيعي محلياً، الأمر الذي قد يضر بشكل مباشر الصناعات التركية التي تستهلك غازاً طبيعياً بنحو ما يزيد عن 26% من الاستهلاك العام للبلاد، بالإضافة إلى محطات الكهرباء التي تستهلك أكثر من 28.6%، وبالتالي تتأثر الصادرات المحلية بالسلب.
كما يبلغ التبادل التجاري التركي الروسي نحو 30 مليار دولار، والذي يعكس مدى التحسن الملحوظ، حيث شهدت التجارة البينية ارتفاعاً خلال عام 2021 بنحو 55%، والذي يميل فيه الميزان التجاري لصالح موسكو، إلا أن غضب الدب الروسي قد يؤثر على التجارة البينية، ما ينعكس سلباً على الناتج المحلي لأنقرة.
وخير مثال حي على هذا الأمر العقوبات التجارية الروسية التي فرضتها على تركيا رداً على إسقاط طائرتها الحربية في 2015، ما أدى إلى انكماش حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 16.8 مليار دولار في عام 2016 بدلاً من 23.9 مليار دولار في 2015، لتخسر تركيا ما يزيد عن 10 مليارات دولار، أي أكثر من 1% من ناتجها المحلي الإجمالي.
وتحتل روسيا المرتبة الثانية في قائمة الدول الأعلى تصديراً لتركيا بواقع 28.9 مليار دولار بعد الصين خلال عام 2021، بينما تحتل موسكو المرتبة العاشرة في قائمة الدول الأعلى استيراداً من أنقرة بواقع 5.5 مليار دولار.
كما سيعيق أي نزاع روسي تركي مشروع محطة أكويو النووية التي تعمل روسيا على بنائها في محافظة مرسين التركية، حيث من المفترض أن يتم بدء تشغيلها في عام 2023، بهدف تلبية 10% من احتياجات تركيا من الكهرباء عبر أربعة مفاعلات نووية، وخفض أعباء واردات الطاقة.
ويتصدر السياح الروس قائمة السياح الأجانب الذين قصدوا تركيا، حيث زار تركيا في 2021 نحو 4.694 مليون سائح من روسيا، وتعد السياحة أحد أهم مصادر النقد الأجنبي لأنقرة بالإضافة إلى أنها تسهم في تنشيط النشاط الاقتصادي، ما يعد سلاحاً في يد موسكو أمام أنقرة.
ويعد الملف الأكبر والأكثر تأثيراً على الجانب التركي، هو أنه بإمكان بوتين منح نظام الأسد السوري الضوء الأخضر لمهاجمة معقل المعارضين في محافظة إدلب، الأمر الذي قد يهدِّد بتدفق 2-3 ملايين لاجئ آخر عبر الحدود إلى تركيا، في وقت يختنق فيه الداخل التركي من الموجود الكثيف للاجئين السوريين وهو ما تستغله المعارضة أمام أردوغان لإضعاف شعبيته مع اقتراب الانتخابات المزمع تنفيذها في 2023.
وذهب بعض المحللين إلى أن غزو روسيا لأوكرانيا يمثل تهديداً للحدود البحرية التركية، حيث إن احتلال موسكو لكييف يمكِّنها من توسيع رقعتها في البحر الأسود ويجعلها في تماس مباشر بمساحة أكبر مع أنقرة، الأمر الذي قد يدفع الدب الروسي لمحاولة السيطرة على مساحات أوسع من البحر لتقاسم الغاز الطبيعي المكتشف الذي أعلن عنه أردوغان.
وأعلن أردوغان خلال عام 2020 اكتشاف حقل للغاز الطبيعي في البحر الأسود يملك مخزونات تقدر بنحو 405 مليارات متر مكعب.
أما بالتدقيق في العلاقات التركية الأوكرانية، فإنه من المتوقع أن بدء الحرب قد لا يثني أنقرة عن دعم كييف بالمساعدات السياسية والتقنية إلا أنها لن تقوم بتدخل مباشر، استمراراً في سياسة الحياد التي تتبعها.
وتربط تركيا علاقات اقتصادية عديدة مع أوكرانيا حيث يوجد أكثر من 700 شركة تركية برأس مال يبلغ أكثر من 4.5 مليار دولار، كما أنها تعد أحد أهم الشركاء في مجال السياحة، حيث احتلت المرتبة الثالثة للسياح الأجانب الذين قصدوا تركيا خلال عام 2021 بواقع 2.060 مليون سائح أوكراني.
ويبلغ التبادل التجاري التركي الأوكراني نحو أكثر من 7.4 مليار دولار، وهو الذي يعكس التحسن الملحوظ، حيث شهدت التجارة البينية ارتفاعاً خلال عام 2021 بنحو 61.2%، والذي يميل فيه الميزان التجاري لصالح أوكرانيا.
حيث تحتل أوكرانيا المرتبة الـ12 في قائمة الدول الأعلى تصديراً لتركيا بواقع 4.52 مليار دولار خلال عام 2021، بينما تحتل كييف المرتبة الـ20 في قائمة الدول الأعلى استيراداً من أنقرة بواقع 2.9 مليار دولار.
بالإضافة إلى التعاون الصناعي العسكري خاصة على صعيد الطائرات المُسيّرة، فقد بدأت أوكرانيا باستخدام الطائرات المسيرة التركية "بيرقدار" من طراز "TB2" وأدخلتها رسمياً في الخدمة العسكرية ضمن سلاح الجو الأوكراني منذ العام 2019، والتي تم إنتاجها عبر الإنتاج المشترك بين البلدين.
حيث باعت تركيا ست طائرات بدون طيار من طراز بيرقدار إلى أوكرانيا في عام 2019، وتسعى أوكرانيا إلى شراء 48 طائرة أخرى.
وفي أغسطس/آب 2020، وقع البلدان عقوداً لتصنيع شركات أوكرانية المحركات الخاصة بصواريخ "الكروز" التركية، من نوع "أطمجة" (Atmaca)، المضادة للسفن والغوّاصات البحرية، على أن تتزود البحرية الأوكرانية بها، وتناقش الدولتان أيضاً الإنتاج المشترك لسفن كورفيت وطائرات نقل عسكرية من طراز AN-178.
ما يعني أنه في حال تمكنت روسيا من السيطرة على أوكرانيا والدفع بحكومة موالية لها فإن ذلك يهدد المصالح التركية في كييف سواء على المستوى الاقتصادي أو التعاون العسكري.
لصالح مَن يجب أن تحسم تركيا أمرها في حال لزم الأمر؟
ما زال المشهد حول قيام الحرب من عدمها ضبابياً، في ظل وجود غضب وعناد روسي ظهر جلياً في لقاء بوتين والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ما يعكس عدم وجود حلول مرضية للدب الروسي حتى الآن وأن موسكو لا تعبأ بالعقوبات المنددة من قبل الغرب.
إلا أنه من المؤكد ميل الجانب التركي إلى مصالحه مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في حال لزم الأمر للاصطفاف في معسكر واحد، وبالتالي ستعمل تركيا على دعم أوكرانيا.
حيث تبلغ حصة الاتحاد الأوروبي من الصادرات التركية نحو 41.3% لتحتل أنقرة بذلك المرتبة السادسة في ترتيب الدول المصدرة للاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى وصول حجم التبادل التجاري البيني إلى نحو 143 مليار دولار أمريكي.
كما أن العلاقات التركية الأمريكية يربطها العديد من الجوانب الاقتصادية والسياسية التي تجعلها تختار الميل إلى الجانب الأمريكي، حيث يصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى حدود الـ100 مليار دولار.
كذلك تحتل الولايات المتحدة المرتبة الرابعة في قائمة الدول الأعلى تصديراً لتركيا بواقع 13.1 مليار دولار خلال عام 2021، بينما تحتل واشنطن المرتبة الثانية في قائمة الدول الأعلى استيراداً من أنقرة بواقع 14.7 مليار دولار.
وبجانب المصالح الاقتصادية فإن العقوبات السياسية التي قد تضعها روسيا أمام تركيا للضغط عليها مثل تدفقات اللاجئين المحتملة من إدلب، فإن واشنطن وحلفاءها الأوروبيين قادرون على مقاومة أي اعتداء شامل ينفذه نظام الأسد ضد هذه المحافظة، أو أي عقوبات أخرى.
الأمر الذي يعني أنه في حال تقديم ضمانات لأنقرة من قبل الغرب لحمايته من خطوات روسيا الغاضبة من تركيا فمن المرجح أن توسع الأخيرة دعمها لجهودهم لمواجهة العدوان الروسي على أوكرانيا.
ويرى بعض المحللين أن مساعي تركيا لمساعدة أوكرانيا ولعب دور الوسيط الحريص على مصالح كييف، قد يسهم في إضفاء حالة من الرضا عليها من قبل أمريكا، خاصة أن أنقرة تسعى جاهدة إلى ترميم العلاقات بينهما عقب التوترات السياسية خلال السنوات الماضية، ما يعني تعزيز المصالح الاقتصادية بينهما، بالإضافة إلى عودة التعاون العسكري ولو نسبياً.
ولكن تبقى تركيا حريصة على خلق توازنات سياسية مع الجميع، فأنقرة تعلم جيداً أن الغرب قد يورِّطه في صراع مباشر مع روسيا لتكون هي ذراعه المباشرة في خلافاتها مع موسكو، لذا يسعى أردوغان إلى تجنب الغضب الروسي وبناء مصالح مشتركة معه، بجانب عدم خسارة الغرب لما يربطه به من مصالح.
لذا ينبغي أن يكون هدف تركيا تخفيف حدة الأزمة مهما حدث، وبغض النظر عما سيحدث، والعمل على تجنب هذه الحرب، والحفاظ على التقارب بين تركيا وروسيا، مع دعم والدفاع عن وحدة أوكرانيا، من خلال سياسة المناورة التي يتبعها أردوغان.