أرسلت الولايات المتحدة قوات من جيشها إلى شرق أوروبا، على خلفية الأزمة التي تشهدها أوكرانيا والخوف من غزو وشيك تقوم به روسيا، فكم عدد القوات الأمريكية في أوروبا وأين تتواجد وهل تستطيع ردع الروس؟
الولايات المتحدة أرسلت بالفعل نحو 2000 جندي من قاعدة فورت براغ العسكرية بولاية نورث كارولينا، إلى بولندا وألمانيا، كما نقلت ألف جندي يتمركزون في ألمانيا إلى رومانيا، بينما لا يزال آلاف الجنود الأمريكيين على أهبة الاستعداد للإرسال فوراً إلى شرق أوروبا، بحسب وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون).
تأتي هذه التحركات العسكرية على خلفية الأزمة في أوكرانيا، والتي تتمثل في حشد روسيا عشرات الآلاف من جنودها على حدود البلدين، فيما تصفه تقارير غربية وأمريكية بأنه استعداد للغزو، بينما تنفي موسكو نية الغزو وتتهم الغرب باستفزازها عن طريق نشر قوات لحلف الناتو بالقرب من حدود روسيا، في انتهاك لوعد عمره أكثر من 3 عقود بعدم توسع الحلف شرقاً.
وقد لا يكون من قبيل المصادفة أن تتزامن الأزمة الأوكرانية، التي تهدد أوروبا والعالم حالياً بحرب لا أحد يمكنه التنبؤ بمسارها أو حتى أطرافها إذا ما اندلعت بالفعل، مع مرور 30 عاماً على سقوط الاتحاد السوفييتي، الذي كانت أوكرانيا دولة أساسية فيه، ومن ثم انتهاء الحرب الباردة.
فالأزمة الأوكرانية في الأساس أزمة جيوسياسية، إذ يريد الرئيس الروسي فلاديمير يوتين أن يُرغم حلف الناتو على وقف تمدده شرقاً، ولأن موسكو لا تثق بقدرة الدول الأوروبية على التحرك دون موافقة واشنطن، فقد قرر الرئيس الروسي أن يطلب ضمانات قانونية مكتوبة من نظيره الأمريكي بايدن تنص على أن الناتو لن يضم أوكرانيا إلى عضويته أبداً.
كم جندياً أرسلت أمريكا إلى أوروبا؟
كان مسؤولون في البيت الأبيض قد قالوا قبل أيام إن الرئيس الأمريكي جو بايدن، يعتزم إرسال قوات إضافية إلى أوروبا الأسبوع الجاري، وسط مخاوف مستمرة من غزو روسي لأوكرانيا.
والحديث كان بشأن نحو 2000 جندي من فورت براغ، بولاية نورث كارولينا، إلى بولندا وألمانيا، فضلاً عن إرسال ألف جندي إلى رومانيا، يتمركزون بالفعل في ألمانيا، إضافة إلى 8.500 جندي وضعهم البنتاغون في حالة تأهب منذ يناير/كانون الثاني الماضي ليكونوا جاهزين للانتشار في أوروبا إذا لزم الأمر، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية BBC.
وقال المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي، خلال مؤتمر صحفي: "من المهم أن نرسل إشارة قوية إلى السيد بوتين وبصراحة للعالم بأن الناتو مهم للولايات المتحدة وأنه مهم لحلفائنا".
وبحسب تقرير لموقع NPR الأمريكي، ينتمي نحو 1700 من القوات الأمريكية التي غادرت فورت براغ إلى الكتيبة 82 المحمولة جواً من القوات الخاصة البرية، وهؤلاء اتجهوا مباشرة للتمركز في قاعدة بونانزا الأمريكية على الأراضي البولندية في شرق أوروبا.
وأضاف التقرير أن نحو 1000 من الجنود الأمريكيين المتمركزين حالياً في ألمانيا سوف تتم إعادة نشرهم في رومانيا وسيكونون جزءاً من سرية سترايكر، وسوف ينضمون إلى نحو 900 جندي أمريكي متواجدين بالفعل على الأراضي الرومانية، علماً بأن بولندا ورومانيا تتشاركان حدوداً مع أوكرانيا من ناحية الغرب.
وبالإضافة إلى تلك القوات، هناك أيضاً 7 آلاف من القوات الأمريكية يتم نشرهم بطريقة تدويرية عبر دول أوروبا الأعضاء في حلف الناتو كجزء من قوة "العزم الأطلسي" ومقرها بوزنان في بولندا.
وتعليقاً على تلك التحركات العسكرية، قال كيربي للصحفيين: "هذه ليست تحركات دائمة، بل تحركات هدفها الاستجابة للبيئة الأمنية الحالية. والأهم هنا هو أن تلك القوات لن تحارب في أوكرانيا بل تهدف إلى الدفاع الفوري عن حلفائنا الأعضاء في حلف الناتو".
ويرى أغلب المحللين أن إرسال أمريكا مزيداً من القوات في هذا التوقيت إلى أوروبا لا يعني بالضرورة أن قرار المواجهة العسكرية بين روسيا والغرب قد تم اتخاذه بالفعل، بقدر ما هو سعي لإظهار القوة والتماسك الغربي رداً على سياسة "حافة الهاوية" التي يتهم الغرب بوتين باتباعها في أزمة أوكرانيا.
والواضح أن كل طرف يقوم حالياً بتوظيف جميع الأوراق التي يمتلكها على الطرف الآخر، إذ نقلت وكالة الإعلام الروسية الإثنين 7 فبراير/شباط عن أحد كبار الدبلوماسيين الروس قوله إن مصير محادثات الحد من الأسلحة النووية بين روسيا والولايات المتحدة سيعتمد بشكل كبير على تقدم المفاوضات بشأن مطالب موسكو الأمنية. فروسيا تريد تعهداً من الولايات المتحدة وحلف الناتو بعدم السماح لكييف بالانضمام إلى التكتل العسكري. وترفض واشنطن حتى الآن تقديم ضمانات كهذه.
وقال فلاديمير يرماكوف، المدير العام لإدارة منع الانتشار والحد من الأسلحة في وزارة الخارجية الروسية، لوكالة الإعلام الروسية إن مناقشات الضمانات الأمنية العاجلة باتت لها الأولوية على محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، مضيفاً أنه لم يتم الاتفاق على أي اجتماعات بشأن الحد من الأسلحة، واستئنافها يعتمد حالياً بشكل كبير على حل القضايا الأمنية العاجلة التي أثارتها موسكو، بحسب رويترز.
متى بدأت قصة القوات الأمريكية في أوروبا؟
ترجع بداية التواجد العسكري الأمريكي على أراضي القارة العجوز إلى نهاية الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، والتي كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي يقاتلان فيها معاً ضد ألمانيا النازية وحلفائها، لكن مع الانتصار على ألمانيا النازية بدأت ملامح الصراع بين المعسكر الشيوعي بزعامة الاتحاد السوفييتي والمعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة.
ومع تشكيل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بدأ التواجد العسكري الأمريكي في أوروبا الغربية يتصاعد بشكل لافت، وبلغت ذروته أثناء الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي.
إذ إنه بمجرد انتهاء الحرب العالمية الثانية، احتلت قوات الحلفاء ألمانيا الغربية بينما سيطرت القوات السوفييتية على الشطر الشرقي من ألمانيا. وهكذا بنت القوات الأمريكية تواجدها العسكري في أوروبا انطلاقاً من ألمانيا الغربية.
وتتواجد أغلب القوات الأمريكية في أوروبا على الأراضي الألمانية، وكان هدف تلك القوات الأساسي أو الوحيد بمعنى أدق هو ردع الاتحاد السوفييتي عن التوغل داخل دول أوروبا الغربية.
وكان الرقم الأكبر للقوات الأمريكية على الأراضي الأوروبية، وذلك خلال ذروة الحرب الباردة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، هو 400 ألف عسكري، يتمركز أكثر من نصفهم في ألمانيا والباقي في دول أوروبا الغربية الأخرى الأعضاء في حلف الناتو وعلى رأسها تركيا.
لكن مع انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة، مع مطلع التسعينات من القرن الماضي، وجد القادة الأمريكيون أنه لم تعد هناك حاجة لتواجد ذلك العدد الضخم من القوات الأمريكية في أوروبا، بحسب ميلاني سيسون المحللة في معهد بروكينجز والمتخصصة في التواجد العسكري الأمريكي حول العالم.
"احتفظت الولايات المتحدة بوجودها العسكري في أوروبا لكنها قلصته بدرجة ملحوظة وغيرت أيضاً الأهداف الاستراتيجية لتلك القوات من الاستعداد للمواجهة العسكرية المباشرة، أي الحرب، في حالة قام السوفييت بتحريك دباباتهم"، بحسب ما قالته ميلاني لموقع NPR.
وهكذا بدأ الرؤساء الأمريكيين، على مدار العقود الماضية، في تقليص التواجد العسكري على الأراضي الأوروبية بطريقة كبيرة، حتى أصبح عدد تلك القوات في عام 2013 63 ألفاً فقط. وتغيرت مهمة تلك القوات من ردع السوفييت وحماية الحلفاء إلى الحفاظ على استقرار القارة ومساعدة الحلفاء على بناء قدراتهم الدفاعية الخاصة.
أزمة أوكرانيا والتواجد العسكري في أوروبا
لكن استراتيجية تقليص التواجد العسكري الأمريكي في أوروبا تعرضت لصدمة عنيفة أوقفتها تماماً وكان ذلك عام 2014 عندما انفجرت الأزمة الأوكرانية وخرجت الأمور عن السيطرة. إذ أقدمت موسكو على غزو وضم شبه جزيرة القرم، وهذا هو التوصيف الغربي، أما التوصيف الروسي فهو أن ما حدث كان رغبة سلطات وشعب القرم في الانضمام للاتحاد الروسي.
على أية حال، تسببت تلك الأزمة في إثارة ذعر دول وسط وشرق أوروبا، مثل بولندا ورومانيا ودول البلطيق لاتفيا وإستونيا وليتوانيا وجميعها أعضاء في حلف الناتو، فطلبت تلك الدول المساعدة العسكرية وعرضت أن تستضيف قوات أمريكية على أراضيها.
وهكذا أطلقت الولايات المتحدة مشروع "تصميم الأطلسي" عام 2014 وهو عبارة عن إرسال قوات أمريكية لأراضي الدول الأعضاء في الحلف من شرق ووسط أوروبا للتدريب والبقاء على أراضيها لفترات ثم الانتقال لدولة أخرى وهكذا.
وحالياً يوجد نحو 70 ألف عسكري أمريكي متمركزين بشكل دائم في أوروبا، حوالي نصفهم تستضيفهم ألمانيا، ويوجد مقر القيادة الموحدة للقوات البرية الأمريكية في أوروبا في قاعدة شتوتغارت بينما توجد قيادة العمليات الجوية في قاعدة رامستين الجوية في ألمانيا.
وبالإضافة إلى تلك القوات المتمركزة بشكل دائم في أوروبا، هناك أيضا 7 آلاف عسكري يتبادلون الانتشار على أراضي الحلفاء بموجب مشروع "تصميم الأطلسي"، وتضم تلك القوات كتيبة جوية تشمل 85 طائرة هليكوبتر وكتيبة مدرعة تضم مدفعية ودبابات. وتتمركز تلك القوات في بوزنان ببولندا.
حاملة الطائرات هاري ترومان كانت متواجدة في البحر المتوسط منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، لكنها وصلت هذا الأسبوع إلى البحر الأدرياتيكي للقيام بتدريبات عسكرية مشتركة مع قوات الناتو.
أما على الأراضي الأوكرانية نفسها، فلا تتواجد قوات عسكرية قتالية، باستثناء القوات المكلفة بحماية السفارة الأمريكية في كييف، ونحو 150 من الحرس الوطني في فلوريدا يتواجدون في غرب أوكرانيا في مهمة تدريب كانت مبرمجة منذ وقت سابق.