على الرغم من أن تطوير لقاح يمكنه هزيمة السرطان ليس فكرة جديدة، فإن مدير شركة بيونتيك الألمانية يرى أن "الحل السحري" بات قريباً بعد أن تم استخدامه في لقاحات كورونا، فماذا يعني ذلك؟
وكان التوصل إلى لقاحات كورونا في زمن قياسي أحد أهم الانتصارات العلمية في تاريخ البشرية، فالتكنولوجيا المستخدمة تعتمد على جزيءٍ من الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA)، والتقنية ذاتها أصبحت تمثل أملاً لمرضى السرطان والإيدز.
ونشرت صحيفة The Times البريطانية تقريراً عنوانه "تجربة لقاح بيونتك للسرطان تأمل أن تفعل شيئاً سحرياً"، تحدث فيه أوغور شاهين، الرئيس التنفيذي لشركة بيونتك BioNTech، عن تفاصيل تلك التقنية وهل أصبحت البشرية قريبة من التوصل لتلك "الخلطة السحرية" القادرة على هزيمة السرطان.
تقنية الحمض الريبوزي المرسال
كانت The Guardian البريطانية قد تناولت تقنية الحمض النووي الريبوزي في تقرير لها بعنوان "الإنفلونزا والسرطان والإيدز: بعد نجاح لقاحات كوفيد.. ما التالي في لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال؟"، رصد ما بات يعرف بأنه النجاح الأبرز في زمن الوباء.
إذ اعتمد لقاح فايزر/ بايونتيك على جزيءٍ من الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA)، وهو الجزيء الذي يوجِّه خلايانا إلى مصانع للقاحات حسب الطلب، ويضخُّ أيَّ بروتينٍ نريد أن تتعلَّم أجهزة مناعتنا التعرُّف عليه وتدميره.
وفي فترة ما قبل الجائحة، كان يُنظَر إلى هذه التكنولوجيا بعين الشك، فهي تمثِّل مفهوماً ذكياً، لكنه ليس مضموناً. أما الآن، فهناك ثقةٌ متزايدة بأن لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال يمكن أن تكون لها تطبيقاتٌ بعيدة المدى في معالجة كثير من الأمراض؛ من الإنفلونزا إلى الملاريا.
وقال شاهين، العالم الألماني من أصل تركي، لصحيفة التايمز البريطانية إن فكرة استخدام لقاح لهزيمة السرطان ليست بالجديدة، "فقد كانت الفكرة حاضرة منذ ما يقرب من 100 عام"، مضيفاً أن الفكرة بسيطة: "فنحن نحفز جهاز المناعة، ويحدث شيء سحري، ويختفي الورم".
لكن المشكلة الصغيرة التي استمرت خلال معظم هذه السنوات المئة هي التوصل إلى هذا "الشيء السحري". والآن يرى الرجل الذي منحتنا شركته لقاح فايزر-بيونتك- والذي كرس جهوده لحل مشكلة الجائحة البسيطة نسبياً مقارنة بمشكلة السرطان- أنه قد حان الوقت أخيراً لاستخدام التقنية نفسها لحل الجزء السحري المفقود.
إذ تسعى شركة بيونتك لمواصلة العمل الذي بدأته قبل فيروس كورونا في علاج السرطان. وسيشارك مئتا شخص مصاب بسرطان القولون والمستقيم في التجربة بعد خضوعهم لجراحة، وكل منهم في المجموعة الأكثر عرضة لخطر عودة السرطان.
وتأمل الشركة أن يتمكن لقاح الحمض النووي الريبوزي المرسال المشابه للمستخدم مع فيروس كورونا، ولكنه مصمم خصيصاً لاستهداف سرطان كل مريض على حدة، من منع الورم من تثبيت أقدامه في الجسم.
الهدف منع السرطان من تثبيت أقدامه داخل الجسم
ويعتقد شاهين أنه إذا حدث ذلك، فسيتمكنون من حل مشكلة طويلة الأمد. ويقول: "في العديد من أنواع السرطان- سرطان الثدي، وسرطان البنكرياس، وسرطان القولون والمستقيم- يخضع المصابون لجراحة، والعلاج يقضي على جميع خلايا الورم. ولكن ما يحدث للأسف هو أن ذلك يكون نقطة البداية لمرض يدوم طويلاً".
وأضاف للتايمز: "وهذه مشكلة معقدة. فبعض المرضى يُعالجون ولا يحتاجون إلى مزيد من العلاج، وآخرون يصابون بنمو ثانوي لورم خبيث وهذه ليست إشارة جيدة". فماذا لو تمكنا من تدريب الجسم على مهاجمة الورم، حتى لا يتمكن أبداً من تثبيت نفسه مرة أخرى؟
ومن المعلوم أن اختباء الخلايا السرطانية أحد أسباب صعوبة هزيمتها. إذ يتكون الورم من خلايا متحورة، لكنها ليست متحورة بدرجة تمكن أجسامنا من اعتبارها خلايا دخيلة ومهاجمتها. وتتمكن هذه الأورام باستخدام مجموعة من الحيل من الإفلات من رادار الجهاز المناعي لتتكاثر وتنتشر دون إزعاج.
وهنا يأتي دور اللقاح
فكرتنا عن اللقاحات أنها تستخدم لمحاربة الفيروسات والأمراض المعدية. وهي تعمل عن طريق تعريض الجسم لشكل آمن من العوامل الممرضة، مثل البروتين الشوكي لفيروس كورونا، بحيث حين يدخل الجسم العامل الممرض الحقيقي يكون الجهاز المناعي مهيئاً وجاهزاً للهجوم.
وفكرة لقاح السرطان هي أنه بإمكاننا أن نفعل الشيء نفسه بالضبط، ولكن مع الأورام. فندرب الجسم على التعرف على بروتينات محددة على سطح خلايا السرطان، حتى تتمكن الخلايا المناعية بعد ذلك من التوجه لمهاجمتها.
وثمة سببين مهمين يجعلان تطوير لقاح السرطان أصعب بكثير من لقاح لفيروس كورونا. الأول هو أن السرطان موجود بالفعل. يقول شاهين: "إذا كنت مصاباً بورم صغير نسبياً بحجم سنتيمتر واحد، فهو يتكون من خلايا يتراوح عددها بين 500 مليون أو مليار خلية. وهذا الورم يستمر في النمو. فنصبح في سباق مع الزمن".
ولهذا السبب يبحثون عن أشخاص جرى استئصال أورامهم عن طريق الجراحة. وحتى بعدها سيحتاج الجسم لاستجابة مناعية هائلة لمنع عودته، ولقتل الخلايا السرطانية التي لا تزال في مجرى الدم. واللقاح لن يقتصر على جرعتين وجرعة مُعززة مثل لقاح فيروس كورونا: بل سيتلقى المرضى ثماني جرعات.
والمشكلة الثانية أكثر جوهرية، وهي أنه لا يوجد شيء اسمه سلالة من سرطان الثدي مثل سلالة فيروس كورونا. فكل سرطان متفرد في حالته. وهذا يعني أن اللقاح لا بد أن يكون متفرداً أيضاً، وأن يُصنّع وفقاً للورم المصاب به كل شخص.
والآن فقط، مع تقنيات "النظام الأساسي" التي تعتمد على الشفرة الوراثية مثل لغة البرمجة، أصبح هذا ممكناً. فبإمكان العلماء فحص التسلسل الجيني للسرطان واختيار البروتين المتحور الذي يريدون معالجته ثم- عن طريق التقاط خلايا الجسم من خلال لقاح الرنا المرسال- إنتاج نسخ منه.
يقول شاهين: "ما أتطلع إليه هو أن يتلقى كل شخص معرض لخطر الانتكاس بعد الجراحة لقاح السرطان بحيث يقل الخطر إلى الحد الأدنى. وما نرغب في إثباته هو أن ينجح مع الأورام على اختلافها، وأن يكون علاجاً شاملاً". وكل هذا لا يزال، باعتراف الجميع شبيهاً بالسحر إلى حد ما. ولكن فكرة صنع لقاح جديد للجائحة في أقل من عام كانت كذلك أيضاً.
فبعد تفشي فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية أواخر عام 2019 وتحوُّله إلى جائحة عالمية منذ مارس/آذار 2020، تحوَّل الوباء إلى أخطر أزمة صحية يواجهها البشر منذ أكثر من قرن.
ثم جاء الكشف عن توصل شركة بيونتيك، بالتعاون مع فايزر الأمريكية، إلى لقاح كورونا، بعد أقل من عام واحد على تفشي الوباء، بمثابة انتصار علمي غير مسبوق. فالتوصل إلى لقاحات كان يستغرق عشرات السنين على الأقل. ولاحقاً كشفت شركات أخرى مثل موديرنا الأمريكية وأسترازينيكا البريطانية وسبوتنيك الروسية وسينوفارم الصينية عن لقاحات كورونا، وجميعها أثبتت فاعلية كبيرة في الحد من تفشي الفيروس القاتل.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.