قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الجمعة 4 فبراير/شباط، إن تركيا وإسرائيل قد تعملان معاً لتصدير الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى أوروبا. وقال أردوغان للصحفيين: "يمكننا استخدام الغاز الطبيعي الإسرائيلي في بلادنا، وبعد استخدامه يمكننا أيضاً الانخراط في جهد مشترك عند مروره إلى أوروبا". وأضاف أن "هذه القضايا ستكون على جدول أعمالنا مع هرتسوغ (رئيس إسرائيل) خلال زيارته لتركيا".
وكان أردوغان قد أعلن الخميس، 3 فبراير/شباط، أنه سيستضيف هرتسوغ في زيارة رسمية لتركيا، منتصف مارس/آذار. وقال أيضاً إن كلاً من تركيا وإسرائيل حريصتان على استعادة العلاقات الثنائية، التي توتَّرت منذ أكثر من عقد، فما مدى حماسة تل أبيب لذلك؟
إسرائيل مترددة في إصلاح العلاقات مع تركيا
لكن حتى الآن، يبدو أن إسرائيل متردِّدةٌ في الردِّ على تواصل تركيا، وربما تشكُّ في أن أردوغان مدفوع بأسبابٍ أخرى كما يصف ذلك موقع Al-Monitor الأمريكي. وبالنظر إلى الأزمة الاقتصادية التي تواجهها، وفي ضوء التغييرات الإقليمية مثل اتفاقات أبراهام والإدارة الأمريكية الجديدة، قد ترى تركيا في إسرائيل وسيلة لإصلاح وضعها في الشرق الأوسط وكذلك مع واشنطن.
كان أردوغان قد لمّح بالفعل إلى زيارة هرتسوغ لتركيا، في 19 يناير/كانون الثاني. ورداً على أسئلة حول الإصلاح المُحتَمَل للعلاقات الثنائية مع إسرائيل، أشار الرئيس التركي إلى أن إسرائيل مهتمة بإعادة العلاقات الدبلوماسية، قائلاً: "رئيس الوزراء نفتالي بينيت لديه أيضاً توجهٌ إيجابي"، بحسب تعبيره.
تنضم تعليقات أردوغان إلى العديد من الإشارات الأخرى من أنقرة إلى تل أبيب في الأشهر القليلة الماضية. في 18 نوفمبر/تشرين الثاني، وافقت تركيا على إطلاق سراح مواطنَين إسرائيليين محتجزين للاشتباه في قيامهما بالتجسُّس. اعتقلت السلطات التركية السائحين ناتالي وموردي أوكنين، بعد التقاطهما صورة للقصر الرئاسي في إسطنبول، ما أثار غضب الرأي العام الإسرائيلي. وانخرط أردوغان في القضية شخصياً وأُفرِجَ عن الاثنين بعد أسبوعين في السجن. وعلى سبيل تقدير ما حدث، اتصل كلٌّ من هرتسوغ وبينيت بأردوغان على حدة لشكره.
في 13 يناير/كانون الثاني، اتصل أردوغان بهرتسوغ لتقديم تعازيه في وفاة والدته في وقتٍ سابق من ذلك الأسبوع. وفي 20 يناير/كانون الثاني، اتصل وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بنظيره الإسرائيلي يائير لابيد للاستعلام عن صحته بعد تعافي الأخير من كوفيد-19. وكانت هذه هي أول محادثةٍ بين وزيري خارجية تركيا وإسرائيل منذ ما يقرب من 10 سنوات.
"صافحوا أردوغان ولا تعانقوه"
وتناولت الصحافة الإسرائيلية تصريحات أردوغان بنوع من التشكيك في مدى جدية أنقرة بإصلاح العلاقات مع تل أبيب. يقول إيهود ياري، الصحفي الإسرائيلي المتخصص بقضايا الشرق الأوسط، والذي سبق له إجراء مقابلات مع عدد من الزعماء بالمنطقة كياسر عرفات والحسين بن طلال وحسني مبارك، إن "لدى إسرائيل حساباً طويلاً مع أردوغان، الذي مزق شبكة من العلاقات الوثيقة والواسعة النطاق مع تل أبيب على مدار عقدين، لكنه الآن يعرض علينا نصف صلح".
ويضيف ياري في مقالة له بموقع القناة الإسرائيلية N12، حملت عنوان "صافحوا أردوغان ولا تعانقوه"، أن "هذا ليس وقت السداد من أردوغان، إنه لأمر جيد أن قبل الرئيس هرتسوغ الدعوة إلى زيارة أنقرة، وسيكون من الأفضل لنا أن نتذكر أن العلاقات مع تركيا مهمة جداً لنا، وأن أردوغان لن يجلس إلى الأبد في القصر المحصن الذي بناه لنفسه"، حسب تعبيره.
ويردف الكاتب الإسرائيلي رداً على تصريحات أردوغان قائلاً: "أهلاً بك، تفضل وتعال، لكن لدينا نحن الإسرائيليين بعض المطالب، فيجب إغلاق المقر العملياتي لحركة حماس تماماً في إسطنبول، والذي يضم عشرات وربما المئات من النشطاء هناك، وكل عمله ومهمته تتركز في تمويل وتنظيم الإرهاب ضد إسرائيل. كما يجب على إسرائيل مطالبة الأتراك بألا يشترطوا تحسين العلاقات من خلال مد خط أنابيب غاز تحت البحر من حقل غاز "ليفتيان" الإسرائيلي إلى تركيا، فلا معنى لهذا اقتصادياً، وسيكون من الأفضل أن يذهب المزيد من الغاز إلى مصر".
يقول ياري أيضاً إنه "يجب على أردوغان التوقف عن الاستفزازات والاحتكاكات في شرق البحر الأبيض المتوسط، خاصة ضد قبرص. لقد تعلمنا الدرس الذي تعلمه المصريون عندما طالبوا بإسكات محطات تلفزيون الإخوان المسلمين التي حرّضت على النظام، فأردوغان طرد بعض الأشخاص، وطلب تخفيف الانتقادات ضد النظام المصري، لكن دون توقف المحطات عن البث، ولا ينبغي لإسرائيل أن تكتفي بخطوات ناقصة. لذلك هذا الوقت هو للمصافحة، ولم يحن الوقت بعد للعناق أو القبلات مع أردوغان"، على حد قوله.
عقدان من التوتر بين تركيا وإسرائيل
ومنذ إقامة تركيا للعلاقات الرسمية مع إسرائيل في عام 1949، مرت العلاقة بفترات مد وجزر، بسبب حروب إسرائيل في المنطقة واعتداءاتها على جيرانها العرب، إلا أنها تطورت في مختلف السياقات السياسية والعسكرية والاستراتيجية، لتصبح إسرائيل أكبر شريك عسكري ومورِّد أسلحة إلى تركيا لاحقاً.
ومنذ ذلك الحين، توثَّق التعاون الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري بين الطرفين على أساس وجود هواجس مشتركة لديهما من جراء الأوضاع غير المستقرة في دول الشرق الأوسط. وقامت الولايات المتحدة الأمريكية بتنمية ورعاية هذه العلاقة بين حليفتها الأولى بالمنطقة إسرائيل، وحليفتها الكبرى في "الناتو" تركيا.
وشهدت العلاقات السياسية والدبلوماسية بين أنقرة وتل أبيب نمواً كبيراً حتى وصلت ذروتها في تسعينيات القرن الماضي، حيث وقع الطرفان العديد من الاتفاقيات الكبيرة تجارياً وعسكرياً، لكن منذ مطلع الألفية، ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية وصعود حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في عام 2002، انتهت "المرحلة الذهبية" في العلاقات التركية-الإسرائيلية، حيث باتت تواجه أزمة ثقة كبيرة.
وكانت المحطة المفصلية في العلاقة، عندما وقعت مجزرة "أسطول الحرية" على متن سفينة "مافي مرمرة" في 31 مايو/أيار 2010، حيث هاجمت القوات الإسرائيلية "أسطول الحرية" الذي كان يحمل مساعدات إنسانية بغرض كسر الحصار المفروض على غزة، وأدى الهجوم الذي حدث في المياه الدولية إلى مقتل تسعة ناشطين أتراك كانوا على متن السفينة، كما توفي في وقت لاحق جريح تركي كانت إصابته خطيرة.
وفي عام 2013، وتحت ضغط من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، اتصل رئيس الوزراء آنذاك بنيامين نتنياهو بأردوغان واعتذر عن الحادث، ووعد بمواصلة المفاوضات من أجل اتفاقية تعويضٍ بين البلدين لأسر الضحايا التسعة. قَبِلَ أردوغان اعتذار نتنياهو، لكن العلاقات الثنائية لم تتحسن.
وفي مناسبات عديدة، هاجم أردوغان لإسرائيل ورد عليه نتنياهو بالمثل. عادت العلاقات للانقطاع في مايو/أيار 2018، بعد ارتكاب قوات الاحتلال الإسرائيلي مجزرة ضد الفلسطينيين على حدود غزة، حينها طردت تركيا سفير إسرائيل في أنقرة، إيتان نائيه، الذي تعرَّضَ للإذلال بفحص أمني صارم في المطار.
إشارات جديدة من أنقرة وتشكيك من تل أبيب
لكن النهج التركي بدا أنه قد تغيَّر منذ حوالي عامين، عندما بدأ أردوغان في إرسال إشارات الاستعداد لإصلاح العلاقات مع إسرائيل. وتنعكس سياسة أنقرة الجديدة في المنطقة، على سبيل المثال، في سلسلة اتفاقيات الاستثمار في الطاقة والتكنولوجيا الموقعة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بين تركيا والإمارات. وُقِّعَت الاتفاقيات بمناسبة زيارة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لأنقرة، والتي تُعَدُّ الأولى من نوعها منذ سنوات. ومع وجود حلفاء مقربين الآن بين إسرائيل والإمارات، قد تدفع تركيا نحو تعاون اقتصادي ثلاثي.
وبينما يبدو أن تل أبيب تجد صعوبة في الوثوق بأردوغان شخصياً، فإن ترددها يذهب إلى أبعد من ذلك، بحسب موقع "المونيتور" الأمريكي.
القلق الأول هو التحالف الاستراتيجي بين إسرائيل وقبرص واليونان الذي رعاه نتنياهو في البداية. يواصل بينيت ولابيد ووزير الدفاع بيني غانتس تعزيز هذا التحالف، مؤكِّدين التزامهم به منذ توليهم المنصب من خلال اجتماعاتٍ ثنائية وثلاثية على أعلى المستويات.
السبب الثاني هو أن "إسرائيل ترغب في أن تشهد أفعالاً تتجاوز الأقوال في موضوع حركة حماس"، حيث تريد من تركيا أن تغلق مكاتب حماس في البلاد وأن تطرد نشطاءها المقيمين هناك. وقد عبَّرَ عن هذا الموقف عدة مرات وزير الخارجية السابق غابي أشكنازي عندما كان في منصبه، ويائير لابيد الآن.
من المُحتَمَل أن تكون مطالبة لابيد وبينيت بأن تتحرَّك تركيا ضد حماس في البلاد هي السبب في أن أنقرة حدَّدَت هرتسوغ باعتباره المحاور المُفضَّل لها. أما مناصرة هرتسوغ للحوار الحذر مع أنقرة فهي تخدم تل أبيب أيضاً، التي تستغرق وقتها لتقرير إلى أين سيتَّجه كل هذا.