رفع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، شعار التحدي في وجه القضاء والمحققين الذين يدققون حساباته وأعمال شركاته، مطالباً مناصريه بالاستعداد للتظاهر، فهل أصبح الرجل "قنبلة موقوتة"؟
وكما توقع أغلب المحللين والمراقبين، أصبح ترامب بالفعل رقماً صعباً في السياسة الأمريكية بعد أن تحوَّل إلى رمز للحزب الجمهوري، ويتمتع بشعبية متزايدة وسط قاعدة انتخابية تتخطى 100 مليون أمريكي، بحسب تقرير لشبكة CNN.
وكان ترامب، الملياردير الذي قفز فجأة إلى قمة المسرح السياسي عندما فاز بانتخابات الرئاسة عام 2016، قد غادر البيت الأبيض مرغماً ورافضاً الاعتراف بخسارته الانتخابات الماضية لصالح منافسه جو بايدن الرئيس الحالي، وتوقع كثيرون أن يتعرض للملاحقة القضائية، لأسباب متنوعة.
مشاكل ترامب القضائية تتفاقم
يواجه الرئيس السابق، في الوقت الحالي، عدداً من التحقيقات الجنائية، تنقسم إلى قسمين رئيسيين: الأول يتعلق بأعماله التجارية وشركاته وسجلاته الضريبية، والثاني يتعلق بواقعة اقتحام آلاف من أنصاره للكونغرس يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021.
وتشهد محاكم فيدرالية حالياً محاكمة بعض أنصار الرئيس السابق في قضية اقتحام الكونغرس، وهو ما قد يؤدي إلى توجيه اتهامات جنائية إلى ترامب نفسه على خلفية التحريض وعرقلة العدالة.
وكان تقرير لمجلة Politico الأمريكية قد تناول ما حدث خلال إحدى تلك المحاكمات، حين أصبح السؤال الرئيسي فيها هو: هل يمكن توجيه اتهامات جنائية إلى الرئيس السابق، على خلفية حثِّه مايك بنس، نائب الرئيس وقتها، على رفض التصديق على نتيجة الانتخابات؟
ووجد القاضي وممثل الادعاء والدفاع عن المتهم أنفسَهم يتجادلون بشأن تفسير القانون الذي يحاكَم به عشرات من المتهمين في أحداث اقتحام الكونغرس، وينص القانون على أن "أي شخص يتدخل في أي من أعمال الحكومة الفيدرالية بغرض عرقلتها يرتكب جريمة تصل عقوبتها القصوى إلى 20 عاماً في السجن".
وهذا القانون تم إقراره على غرار القانون الخاص بالسلوك المتعلق بالقضاء، مثل تهديد القضاة أو المحلفين أو الشهود. لكن نحو ثلث المتهمين في أحداث اقتحام الكونغرس يحاكَمون بموجب قانون "عرقلة العدالة"، بسبب سعيهم لتعطيل جلسة التصديق النهائي على نتائج الانتخابات الرئاسية.
وبالتوازي مع المحاكمات الجنائية، تواصل لجنة من المشرعين التحقيق في أحداث اقتحام الكونغرس، وأرسلت اللجنة مؤخراً طلبات استدعاء لمحامي ترامب الخاص رودي جولياني وعدد آخر من ممثليه القانونيين ومستشاريه المقربين، بعد أن فشلت محاولات ترامب منع مثول هؤلاء أمام اللجنة، في مؤشر آخر على أن الحلقة تضيق حول رقبة الرئيس السابق.
أما الطريق الآخر الذي يواجه فيه ترامب تحقيقات جنائية تهدد بأنه قد يكون أول رئيس سابق في التاريخ الأمريكي يجد نفسه خلف القضبان بالفعل، فيتعلق بأنشطة ترامب التجارية وتعاملاته المالية، بعد أن قررت محاكم فيدرالية بصفة نهائية، رفع السرية عن سجلات ترامب الضريبية، رغم محاولات الرئيس السابق المستميتة، على مدار سنوات طويلة، عدم السماح بذلك.
ثم أيدت المحكمة العليا القرار، لتفتح الباب أمام المدعين في نيويورك للحصول على إقرارات ترامب الضريبية وسجلاته المالية الأخرى عن فترة تمتد لثماني سنوات، وذلك في إطار تحقيق جنائي يجريه النائب العام في مانهاتن ونيويورك، كريس فانس، في اتهامات بحق ترامب تشمل تهرباً ضريبياً واحتيالاً مالياً وبنكياً، والتي تعتبر أخطر التهديدات القانونية التي يواجهها الرئيس السابق وإن لم تكن الوحيدة.
ترامب يرد بطريقته الخاصة
لكن ترامب واصل مواجهة كل ذلك بطريقته الخاصة كما اعتاد، إذ استغل حشداً انتخابياً في تكساس وطالب أنصاره بأن "يستعدوا"، مقدِّماً الوعود بالعفو عن "مُقتحمي الكونغرس"، إذا ما أعادوه إلى البيت الأبيض.
وخلال الحشد في تكساس، السبت 29 يناير/كانون الثاني الماضي، تعهد الرئيس السابق بالعفو عن مهاجمي الكونغرس، في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية 2024: "إذا ترشحت وفزت، فسنعالج بإنصاف، وضع الذين هاجموا مبنى الكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني. إذا تطلَّب الأمر العفو، فسنعفو عنهم، لأن معاملتهم تتم بطريقة غير عادلة على نحو كبير".
ومنذ 6 يناير/كانون الثاني 2021، تم القبض على أكثر من 725 شخصاً، بينهم أعضاء في مجموعات يمينية متطرفة هي "Proud Boys براود بويز" و"أوث كيبرز" و"ثري بيرسينترز"، ويواجهون اتهامات بالمشاركة في هذا الاعتداء غير المسبوق والذي أدى إلى مقتل خمسة أشخاص.
ولكن قبل أن يصدر ترامب ذلك الوعد بالعفو، توجَّه بشكل مباشر إلى أنصاره، مطالباً إياهم بـ"الاحتشاد" بأعداد غفيرة أمام جميع المحاكم التي تنظر قضايا تتعلق باقتحام الكونغرس أو اتهامات بتهربه الضريبي ومخالفاته المالية، وهو ما يعني أن الرجل قرر أن "يواجه مشاكله القانونية خارج قاعات المحاكم"، بحسب تحليل لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
ويرى أغلب المحللين والخبراء القانونيين أن ترامب، بتلك الدعوة الشعبوية، يواصل الأسلوب نفسه الذي اتبعه منذ ظهوره على الساحة السياسية وهو استخدام الرسائل الشعبوية والتركيز على قاعدته الانتخابية دون اعتبار للحقائق أو القواعد القانونية والدستورية.
"إذا أقدم هؤلاء المحققون المتطرفون والشريرون والعنصريون على القيام بأي شيء خطأ أو غير قانوني، أتمنى أن أرى أضخم احتجاجات شهدتها هذه البلاد في واشنطن ونيويورك وأتلانتا وكل مكان آخر، لأن بلدنا وانتخاباتنا فاسدة"، بنص كلام ترامب.
ترامب إذن يصف المحققين بأنهم "متطرفون وعنصريون وشريرون"، ويصف الولايات المتحدة كدولة بأنها "فاسدة" وانتخاباتها "مزورة"، دون أن يرف له جفن، ما دام ذلك سيحقق له مصالحه الخاصة، بحسب رأي جيفري إنغيت مدير مركز التاريخ الرئاسي في جامعة ساذرن ميثوديست.
هل تنفجر "القنبلة الموقوتة" قبل الأوان؟
كان تحقيق استقصائي نُشر مطلع العام الجاري، قد رصد وجود عشرات الملايين من الأمريكيين المدججين بالسلاح والذين يؤمنون بأن ترامب كان الفائز في الانتخابات الماضية وأن بايدن "سرقها"، وخلص التحقيق إلى أن هؤلاء يستعدون منذ الآن لانتخابات 2024، وفي حال ترشَّح ترامب وخسرها "لن يسمحوا بتكرار ما حدث مرة ثانية".
ونشرت مجلة Newsweek التحقيق بعنوان "ملايين الأمريكيين غاضبون ومسلحون استعداداً للسيطرة على البلاد حال خسارة ترامب عام 2024″، والذي رصد كيف أن الجماعات اليمينية المتطرفة المسلحة من أنصار ترامب ليسوا التهديدَ الأخطر الذي تواجهه البلاد.
تحقيق المجلة كشف عن ظاهرة الارتفاع القياسي في شراء الأسلحة النارية، إذ شهد عام 2020 شراء نحو 17 مليون أمريكي 40 مليون قطعة سلاح، بينما شهد عام 2021 في نصفه الأول شراء أكثر من 20 مليون سلاح ناري آخر. وبحسب الأنماط التاريخية لمن يقتنون الأسلحة، تنتمي الأغلبية الساحقة من هؤلاء إلى البيض المنتمين للمناطق الحضرية في الولايات الجنوبية وينتمون للحزب الجمهوري، باختصارٍ القاعدة الانتخابية الرئيسية لدونالد ترامب.
لكن التصريحات الأخيرة لترامب أثارت القلق من أن "القنبلة الموقوتة" ربما تنفجر قبل موعد الانتخابات الرئاسية القادمة، وقد يكون "حافز إطلاقها" توجيه اتهام إلى ترامب نفسه ومن ثم تلبية أنصاره دعوته إلى الاحتجاج، تماماً كما حدث يوم اقتحام الكونغرس.
ففي ذلك اليوم احتشد أنصار الرئيس السابق تلبيةً لدعوته لهم وتوجهوا نحو مبنى الكابيتول تلبيةً لدعوته لهم، لكن في نهاية المطاف يرى ترامب أنه لم يفعل شيئاً، إذ دعاهم فقط إلى "التظاهر بشكل سلمي وإسماع المشرعين صوتهم"، وهو أمر يرى كثير من المحللين أن الرئيس السابق يكرره الآن، ليس دفاعاً عن نتيجة انتخابات؛ بل تحدياً لتحقيقات قضائية وجنائية.
وبحسب بيت أغويلار النائب الديمقراطي بلجنة التحقيق في أحداث اقتحام الكونغرس، أصبح ترامب متهماً بالتلاعب بالشهود بعد "وعوده بالعفو عن المتهمين في اقتحام الكونغرس"، بحسب مقال نشرته شبكة CNN عنوانه "تهور ترامب المتزايد قنبلة موقوتة".
وربط صاحب المقال بين تزايد احتمالات توجيه اتهام لترامب، سواء في أحداث اقتحام الكونغرس أو التهرب الضريبي، وما قد يعنيه ذلك من انفجار القنبلة المتمثلة في احتشاد الملايين من أنصاره المسلحين للدفاع عنه، وتحدّيهم للسلطات وللدولة ككل.