منذ عام 2017 وتستعد فرنسا لهذه المهمة، وهي رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي التي بدأت مع مطلع العام الجاري. بهذا الوصف عبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقيادة بلاده للاتحاد الأوروبي، فما أهمية هذا الأمر بالنسبة لباريس رغم أن الفترة الزمنية فقط هي 6 أشهر؟
يضع ماكرون الانتخابات الرئاسية المزمعة نصب عينيه وهو يقود الاتحاد الأوروبي من أجل تحقيق مكاسب سياسية جمة، أبرزها الفوز بفترة رئاسية جديدة ومنها أيضاً تحسين علاقات بلاده خارجياً.
وتولت فرنسا في الأول من يناير/كانون الثاني رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي التي تستمر مدة ستة أشهر.
وتأخذ البلاد، التي تُعَد واحدة من بين أقوى بلدين في الاتحاد، هذا الدور على محمل الجد. فقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في رسالة على الموقع الذي أُنشِئ بمناسبة رئاسة باريس للمجلس: "تستعد فرنسا لهذه الرئاسة منذ 2017". وإذا ما سمحت جائحة كوفيد، ستستضيف فرنسا أكثر من 400 فعالية طوال مدة رئاستها، بما في ذلك 19 لقاءً وزارياً لدول الاتحاد.
ماذا يفعل مجلس الاتحاد الأوروبي؟
ويمثل مجلس الاتحاد الأوروبي الدول الأعضاء في الاتحاد، ويؤدي وظيفة تشريعية رئيسية، إذ يُحوِّل القرارات التي تتخذها المفوضية الأوروبية إلى قوانين.
وقد حددت فرنسا ثلاثة أهداف لرئاستها: "أوروبا أكثر سيادة"، و"نموذج أوروبي جديد للنمو"، و"أوروبا إنسانية".
وفيما تُركِّز فرنسا على قيادة الاتحاد الأوروبي، وكذلك على الانتخابات الرئاسية القادمة في أبريل/نيسان المقبل، كانت حكومة نفتالي بينيت ويائير لبيد تعمل جاهدةً لتحسين علاقة إسرائيل مع كل من الاتحاد الأوروبي وفرنسا. لكن بعد أشهر من البيانات المُشجِّعة واللقاءات الدافئة، لم تستطع إسرائيل الفوز بالجائزة الكبرى: استئناف اجتماعات "مجلس الشراكة" السنوية مع الاتحاد الأوروبي. وفي الوقت نفسه، يواصل وزراء الاتحاد الأوروبي انتقاد سياسات إسرائيل في الضفة الغربية علانيةً، بحسب تقرير لصحيفة The Times of Israel الإسرائيلية
علاقة متوترة
ركَّز لبيد، بصفته وزيراً للخارجية، على تحسين علاقات إسرائيل مع فرنسا. ويتمتع هو وماكرون بعلاقة شخصية دافئة تعود إلى ما قبل تبوّؤ أيٍ منهما منصبه الحالي. إذ أقدم لبيد على اتخاذ الخطوة غير المعتادة بدعم ماكرون في انتخابات الرئاسة الفرنسية عام 2017، وبدا أنَّ ماكرون يرد الجميل باستضافته في قصر الإليزيه في باريس قبل أربعة أيام فقط من انتخابات أبريل/نيسان 2019 في إسرائيل.
لكن الأمور لم تسِر كما يريدون ويبدو أنَّ أزمة نشبت في العلاقات الثنائية- تضمَّنت الاشتباه في استخدام إسرائيل لبرمجية تجسس إسرائيلية من أجل الاختراق المزعوم لهاتف ماكرون ومسؤولين فرنسيين كبار آخرين- لم تعد تتسبب في توترات.
ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نشرت فرنسا سرباً من مقاتلات "رافال" في إسرائيل للمرة الأولى، كجزء من مناورة "العلم الأزرق" الجوية الدولية.
وفي حين تُظهِر الرئاسة الفرنسية دفئاً جديداً تجاه إسرائيل منذ بعض الوقت، كانت وزارة خارجيتها بقيادة وزير الخارجية، جان إيف لودريان، منتقدة بشكل خاص لإسرائيل. ففي مايو/أيار الماضي، قال لودريان إنَّ إسرائيل تخاطر بـ"الفصل العنصري (أبارتيد) طويل الأمد" ما لم يحصل الفلسطينيون على دولتهم الخاصة.
سعى لبيد أيضاً لـ"بداية جديدة" مع الاتحاد الأوروبي، لتحسين العلاقة، لكن على الرغم من جهوده، تستمر الخلافات العميقة في أن الإلقاء بظلالها على العلاقة. ففي حين كان بوريل يؤكد على بداية جديدة، تأكَّد من إضافة أنَّ العلاقات الثنائية "مشروطة بالكثير من المسائل التي نختلف فيها. والدليل على ذلك أنَّ لقاءات اتفاية الشراكة أُلغِيَت منذ ذلك الحين".
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصدر الاتحاد الأوروبي بياناً ينتقد فيه إعلان إسرائيل أنَّها ستبني أكثر من 1300 بيت جديد في مستوطنات الضفة الغربية. وانضمت فرنسا إلى ذلك بإدانتها الخاصة. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، سرعان ما تطور لقاءٌ بين مسؤول كبير بالخارجية الإسرائيلية ومجموعة من الدبلوماسيين الأوروبيين إلى مباراة في الصراخ على خلفية خطط البناء في الضفة الغربية.
عقد من الزمن دون مجلس الشراكة
وقَّعت إسرائيل في عام 1995 اتفاقية الشراكة التي حددت علاقتها مع الاتحاد الأوروبي وصدَّقت عليها في عام 2000. وتنص الاتفاقية على أن يلتقي الجانبان مرة كل سنة، في "مجلس شراكة"، لمناقشة المسائل ذات الاهتمام المشترك. وكانت آخر مرة التقى فيها الجانبان في عام 2012.
ألغت إسرائيل المجلس في عام 2013، حين أثار الاتحاد الأوروبي غضب إسرائيل بإصداره قواعد تنظيمية جديدة لا يمكن بموجبها لأي هيئة إسرائيلية تعمل أو تملك صلات تتجاوز الخط الأخضر الحصول على تمويلات أوروبية أو أن يكون لها تعاون مع الكتلة الأوروبية.
وفي السنوات التالية، كان الجانب الأوروبي هو مَن منع اللقاءات من الانعقاد. ولم يكن الاتحاد الأوروبي كمؤسسة هو مَن عطَّل المجلس على مدى السنوات، بل دول مفردة، لاسيما فرنسا.
وقد عبَّرت فرنسا ومعظم دول الاتحاد عن انفتاحها على استئناف اللقاءات.
لا نقاط لكسبها
قال آري بن سمحون، المدير التنفيذي لـ"شبكة القيادة الأوروبية" في فرنسا، إنَّ رئاسة فرنسا لمجلس الاتحاد الأوروبي أمر مُشجِّع لإسرائيل، لكنَّ التغيير يستغرق وقتاً في أوروبا.
وأضاف: "الأمر الأهم هو تغيير جدول الأعمال على المستوى الأوروبي. ويمتلك ماكرون، بصفته رئيساً للاتحاد الأوروبي، هذه القدرة ويمتلك هذه الإمكانية".
وأضاف: "نفهم أيضاً أنَّ الرئيس ماكرون يود تغيير رؤية الصراع العربي-الإسرائيلي. لقد قال أموراً كثيرة إيجابية للغاية بشأن اتفاقيات أبراهام".
لكنَّ التوصل إلى اتفاق بشأن استئناف لقاءات مجلس الشراكة مستبعد.
فلدى الاتحاد الأوروبي الكثير من القضايا الأكثر إلحاحاً بكثير على جدول أعماله، بما في ذلك كوفيد 19 والهجرة وروسيا والتعافي الاقتصادي. ومن أجل عقد لقاء لمجلس الشراكة، سيتعيَّن أن يتفق كل وزراء خارجية دول الاتحاد الـ27 على جدول أعمال، وهو الأمر الذي سيتعين على أحدهم قضاء وقت في صياغته.
وأشارت مايا سيون تزيدكياهو، الخبيرة في العلاقات الإسرائيلية- الأوروبية بـ"المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية والإقليمية": "إسرائيل والسلطة الفلسطينية ليستا على جدول الأعمال هذه الأيام".
ويمكن أن يتوقف المستقبل السياسي لماكرون، الذي يقاتل من أجل الفوز بإعادة انتخابه، على تعامله مع قيادة فرنسا للاتحاد الأوروبي، وهي ليست مهمة صغيرة. فعليه أن يقود أوروبا المنقسمة بشدة حول القومية في مواجهة الاندماج، إلى جانب قضايا أخرى.
والدفع قدماً بقضية مثل إسرائيل -المثيرة جداً للانقسام في أوروبا وداخل فرنسا- ليس أمراً معقولاً كثيراً بالنسبة لماكرون، على الرغم من أنَّه قد يرغب في ذلك شخصياً.
قالت تزيدكياهو: "في فرنسا، ما يريده الرئيس في الشؤون الخارجية من المفترض أن يحدث، لكن هنالك وزير خارجية أكثر انتقاداً بكثير، مثلما هو الحال مع وزارة الخارجية. لستُ متأكدة من أنَّ الرئيس يرغب في استثمار رأسماله السياسي في هذا الأمر على الإطلاق. فلا توجد نقاط لكسبها هنا".
ما يمكن أن تأمله إسرائيل في علاقتها مع أوروبا في المستقبل القريب هو الاستفادة بأقصى ما يمكن من الاتفاقيات القائمة، مثل اتفاقية "أفق أوروبا".
ومع فرنسا نفسها، فإنَّ الأهداف المتواضعة أيضاً ستكون ملائمة.
فقالت تزيدكياهو: "ما يمكن للابيد عمله من خلال علاقته مع ماكرون هو أن تهاجمنا فرنسا بشكل أقل، وحين يكون هناك مجال للانتقاد، فإنَّها لن تقود ذلك المعسكر".