لأول مرة في التاريخ استُخدم نظام دفاعي يوصف بجوهرة التاج الأمريكي، في التصدي لهجوم صاروخي، عندما أسقطت الدفاعات الإماراتية صاروخاً باليستياً حوثياً في 17 يناير/كانون الثاني 2022، بواسطة نظام ثاد الأمريكي، ولكن النظام لم يتصدَّ للطائرات المسيّرة وصواريخ كروز وتركها تصيب أهدافها.
فما قصة نظام ثاد الصاروخي الأمريكي، ولماذا فشل في إسقاط الطائرات المسيرة، بينما نجح في إصابة صاروخ باليستي.
واعترض نظام ثاد الصاروخي الأمريكي باهظ الثمن الذي تملكه الإمارات، صاروخاً باليستياً يوم الإثنين 17 يناير/كانون الثاني 2022، في أول استخدام معروف للنظام في عملية عسكرية دفاعية، حسبما ورد في تقرير لموقع Defense News الأمريكي.
وأسقط نظام دفاع منطقة الارتفاعات العالية، الذي يعرف اختصاراً باسم "THAAD"، وتصنعه شركة لوكهيد مارتن، الصاروخ الباليستي متوسط المدى المستخدم لمهاجمة منشأة نفطية إماراتية بالقرب من قاعدة الظفرة الجوية، وفقاً لما نقله موقع Defense News عن مصدرين رفضا الكشف عن هويتهما، لأنه غير مخول لهما الحديث عن أنشطة الإمارات العسكرية.
وقاعدة الظفرة الإماراتية القريبة من المنطقة التي استهدفها الهجوم الحوثي الأول، توجد بها قوات فرنسية بجانب القوات الأمريكية.
واستخدم الحوثيون في الهجوم مزيجاً من صواريخ كروز وصواريخ باليستية وطائرات مسيرة، حسبما قال السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة، في حدث افتراضي برعاية المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي.
وأسفر الهجوم الحوثي عن مقتل ثلاثة مدنيين (هنديين وباكستاني)، وإصابة ستة آخرين.
كما ذكر وزير الدولة خليفة شاهين المرر رئيس وفد الإمارات في اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين، أن دفاعات بلاده أسقطت صاروخاً باليستياً، وأنها تفادت كارثة كبيرة بفضل كفاءة قواتها التي نفذت عملية الإسقاط.
من الواضح أن نظام ثاد أخفق في إسقاط الطائرات المسيرة وصواريخ كروز، بينما أسقط صاروخاً، والذي كثيراً ما يكون تأثيره التدميري أكبر.
الإثنين 24 يناير/كانون الثاني، أطلق الحوثيون صواريخ باليستية مرة ثانية تجاه الإمارات، وأفادت تقارير بأنه تم إسقاطها.
ولكن الجيش الأمريكي كشف أن القوات الأمريكية في قاعدة الظفرة هي التي تصدت للقصف الحوثي الذي تعرضت له أبوظبي صباح الإثنين، حسبما ورد في تقرير لوكالة أسوشييتد برس الأمريكية، الإثنين 24 يناير/كانون الثاني 2022.
ولم يعرف هل تم ذلك بنظام ثاد أم باتريوت.
من جانبها، أعلنت أبوظبي عن اعتراض وتدمير صاروخين بالستيين أطلقهما الحوثيون باليمن، دون أن يسفر ذلك عن سقوط ضحايا، في أعقاب هجوم دامٍ تعرضت له الإمارات قبل أسبوع.
وتمتلك الإمارات مزيجاً فتاكاً من منظومات الدفاع الجوي المتوسطة إلى عالية الارتفاع؛ إذ تُشغِّل أبوظبي صواريخ الدفاع الجوي باتريوت MIM-104 Patriot PAC-3 طويلة المدى أمريكية الصنع، ومنظومة الدفاع الجوي في المناطق عالية الارتفاع "THAAD" المضادة للصواريخ الباليستية، فضلاً عن منظومات Pantsir-S1 متوسطة المدى روسية الصنع.
لماذا فشل نظام ثاد في التصدي للطائرات المسيرة وصواريخ كروز؟
تم تطوير ثاد، المصمم لمواجهة الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، بالبداية في تسعينيات القرن العشرين.
ونشرت الولايات المتحدة نظام ثاد في جميع أنحاء العالم، وضمن ذلك غوام وإسرائيل وكوريا الجنوبية واليابان. في عام 2017، وافقت المملكة العربية السعودية على شراء ثاد، في صفقة يُعتقد أن قيمتها تصل إلى 15 مليار دولار. كانت الإمارات العربية المتحدة أول زبون أجنبي للنظام ودرّبت وحداتها الأولى على تشغليه في عامي 2015 و2016.
ويشغل الجيش الأمريكي سبع بطاريات من طراز ثاد، ولكنه يحتاج تسع بطاريات، ويفتقر إلى التمويل اللازم لبناء اثنين آخرين، لكن المشرعين الأمريكيين أضافوا تمويلاً في ميزانية 2021 المالية لبناء بطارية ثاد الثامنة.
ونظام ثاد مخصص حصرياً لإسقاط الصواريخ الباليستية وليس صواريخ كروز أو الطائرات المسيرة أو الطائرات النفاثة.
وبصفة عامة فإن الطائرات المسيرة وصواريخ كروز أصعب في التعقب والإسقاط من الصواريخ الباليستية.
والسبب أن الطائرات المسيرة مصنوعة غالباً من مواد غير معدنية تكون مركبة عادة ويصعب رصدها بالرادارات، كما أن محركاتها كثيراً ما تكون كهربائية، وبالتالي فإن بصمتها الحرارية ضئيلة، والبصمة الحرارية إحدى وسائل رصد الأهداف الجوية.
أما صواريخ كروز فهي لا تطير في مسار بيضاوي باليستي يمكن التنبؤ به كالصواريخ الباليستية، كما أن مسارها يكون قريباً من سطح الأرض، مما يصعب رصدها.
أبوظبي تطلب دعماً سريعاً من واشنطن
وطلبت أبوظبي، هذا الأسبوع، من الولايات المتحدة المساعدة في تعزيز دفاعاتها ضد الصواريخ والطائرات بدون طيار، وفقاً لبيان نشرته سفارة الإمارات في واشنطن على تويتر.
وأكد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، في اتصال هاتفي، الأربعاء الماضي، مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، دعمه الثابت لأمن ودفاع أراضي الإمارات ضد جميع التهديدات. ومنذ ذلك الحين رفض البنتاغون تقديم تفاصيل حول طلب الإمارات.
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن، الأربعاء، إن إدارته، في أعقاب الضربات، تدرس إعادة الحوثيين إلى القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية الدولية.
ورغم انفتاح الإدارة الأمريكية على طلب الإمارات، فإنه سيتعين على المسؤولين الأمريكيين أيضاً النظر في الملاءمة والجداول الزمنية لإنتاج المعدات التي تطلبها أبوظبي، وفقاً لما نقله موقع Defense News عن أحد المساعدين بمجلس الشيوخ الأمريكي.
وقال إنه إذا كانت الإمارات العربية المتحدة تسعى للحصول على صواريخ باتريوت، فهناك نقص فيه بسبب عمليات الاعتراض لطائرات الحوثي بدون طيار والهجمات الصاروخية على المملكة العربية السعودية.
مقارنة بين ثاد وباتريوت
نظاما باتريوت وثاد لهما أدوار تكميلية، حيث تم تصميم الأول لإسقاط الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى في مرحلتها النهائية على ارتفاعات منخفضة، بينما تم تحسين نظام ثاد لإسقاط الصواريخ متوسطة المدى ومتوسطة المدى في نهاية مسارهم الأوسط ومراحل الرحلة النهائية، على ارتفاعات أعلى مما تستطيع صواريخ باتريوت الوصول إليه.
وباتريوت هو نظام أرخص بكثير وأكثر استخداماً وتنوعاً من ثاد، وهو قادر أيضاً على تحييد الطائرات، على الرغم من أن أداءه قد أثار التساؤل الجاد، بسبب الإخفاقات القتالية مع الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل ضد مجموعة من الأهداف.
وقد ظهرت عيوب باتريوت الواضحة أمام الطائرات المسيرة الخاصة بإيران والحوثيين وحماس والتي تتهرب من الرادارات، كما حدث مع إسرائيل، والسعودية وأخيراً الإمارات، ومع أنه اكتسب شهرته الأساسية من تصديه لهجمات صواريخ سكود العراقية في عام 1991، فإن أداءه لم يكن مثالياً.
أما ثاد فهو نظام أحدث ولديه قدرات أفضل خاصةً الرادارات ولكنه مخصص لإسقاط الصواريخ الباليستية فقط، وليس الطائرات النفاثة أو المسيرة أو صواريخ كروز، كما سبق الإشارة.
وتركيز الولايات المتحدة مؤخراً كان على تعاون النظامين أو تكاملهما لبناء قدرة تشغيلية أفضل في مواجهة التهديدات، حسبما قال الجنرال راندال ماكنتير القائد السابق للفريق متعدد الوظائف للدفاع الجوي والصاروخي.
وقال ماكنتير: "لدينا نظام ثاد وباتريوت في شبه جزيرة كوريا يعملان جنباً إلى جنب" ، لذا "كيف يمكننا الاستفادة من هذين النظامين حتى نتمكن من الاستفادة بشكل أفضل، من كل من تلك الأنظمة والصواريخ والاستفادة من الرادار العظيم [AN / TPY-2] الذي يعد جزءاً من نظام ثاد لزيادة مدى صواريخ باتريوت؟".
ميزة استخدام باتريوت مع رادار نظام ثاد بدلاً من صواريخ ثاد هو أن باتريوت يستطيع استهداف الطائرات والطائرات المسيرة كما أنه أرخص من نظام ثاد الباهظ الثمن.
فكرة التكامل بينهما تقوم على تقييم التهديدات من خلال رادار ثاد، ثم بناء على طبيعة التهديد يتم إطلاق إما صاروخ من نظام ثاد أو باتريوت، إذ يقول ماكنتير: "بدلاً من إطلاق صاروخ ثاد، يمكن لصاروخ باتريوت أن يلاحق تهديداً ويوفر للجيش تكلفة غير ضرورية".
الفرق بين ثاد ونظام إس-400 الروسي
عكس نظام S-400 الدفاعي الروسي، فإن نظام ثاد لديه طبقة دفاع واحدة لمواجهة أنظمة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات ومتوسطة المدى.
علاوة على ذلك، يمكن لـ"إس-400″ إطلاق أنواع مختلفة من الصواريخ، لكنه نظام ثاد يمكنه إطلاق نوع واحد فقط، مما يجعله نظاماً صاروخياً أحادي البعد.
كما أن مدى إس-400 أيضاً أوسع، حيث يقدر بـ400 كيلومتر مقابل 150-200 للنظام الأمريكي، رغم أن هذا مدى تقديري، لأن المدى الحقيقي لنظام ثاد سري.
وبينما تقول روسيا إن نظام إس-400 يستطيع إسقاط الصواريخ والطائرات وضمن ذلك الطائرات الشبحية، فإن نظام ثاد ليست لديه قدرات على إسقاط الطائرات الشبحية أو غير الشبحية، لأنه مخصص للصواريخ فقط، وبالتالي يجب على الدولة التي تستخدمه أن يكون لديها نظام موازٍ مثل باتريوت أو إس-400.
ولا تحمل الصواريخ التي يطلقها نظام ثاد أي رؤوس حربية متفجرة، بل يدمر الصاروخ عبر الاصطدام به بسرعة.
ولكن ثاد مميز في مواجهة أنظمة الصواريخ الباليستية ومتوسطة المدى العابرة للقارات.
استناداً إلى المعلومات المتاحة بالمجال العام، يمكن تجميع نظام S-400 في وقت قصير جداً لا يتجاوز خمس دقائق ويمكن إطلاقه من أي منطقة.
وتبلغ تكلفة نظام S-400 الروسي نحو 500 مليون دولار، بينما تبلغ تكلفة بطارية باتريوت باك 2 مليار دولار، وتصل تكلفة بطارية THAAD إلى نحو 3 مليارات دولار، وفقاً لما نقله موقع CNBC الأمريكي عن أشخاص على معرفة بتقييمات المخابرات الأمريكية.
مقارنةً بالنظامين الأمريكيين ثاد وباتريوت، فإن نظام S-400 الروسي الصنع قادر على إشراك مجموعة واسعة من الأهداف، على نطاقات أطول وضد تهديدات متعددة في وقت واحد.
ومن حيث القدرة والكفاءة التشغيلية، أشار أحد المصادر لـCNBC إلى أنه على الرغم من عدم وجود سلاح مثالي، فإن إس-400 يتفوق حتى على ثاد، جوهرة تاج الدفاع الصاروخي الأمريكي.