لليوم السادس على التوالي، لا تزال أحداث سجن "غويران" أو "الصناعة" في مدينة الحسكة شمال شرق سوريا مستمرة، وذلك بعدما هاجم عناصر مسلحون من تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" السجن يوم الخميس 20 يناير/كانون الثاني 2022، وفر المئات من سجناء التنظيم.
وأعلنت "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية أن نحو 300 عنصر من تنظيم الدولة الإسلامية استسلموا يوم الثلاثاء، فيما لا تزال محاولات تطهير القسم الأخير من السجن مستمرة، وسط تحذيرات من وقوع "مذبحة".
هل يمكن أن تقع "مذبحة" داخل سجن الحسكة؟
حذر المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره بريطانيا، الأربعاء 26 يناير/كانون الثاني 2022، من احتمال وقوع "مذبحة" داخل سجن "الصناعة" أو "غويران"، إذا لم يكن هناك عملية تبادل ومفاوضات، حيث يُعتقد أن العشرات من عناصر داعش ما زالوا مختبئين داخل السجن إلى جانب الحراس المحتجزين كرهائن ومعهم مئات من الأطفال.
وبحسب المرصد، قُتل أكثر من 160 شخصاً في الاشتباكات التي أعقبت هجوم المسلحين على السجن، بما في ذلك 114 من مسلحي التنظيم و45 من قوات سوريا الديمقراطية، فيما تقول الأمم المتحدة إن ما يصل إلى 45 ألفاً من سكان الحسكة فروا من منازلهم هربا من الاشتباكات.
يضم سجن غويران نحو 4000 رجل وصبي من عناصر التنظيم، تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية، وهي تحالف تقوده قوات كردية وتدعمه الولايات المتحدة ويسيطر على جزء كبير من شمالي وشرقي سوريا.
وتمكن العشرات من السجناء من الفرار بعد هجوم يوم الخميس وهو الهجوم الأكثر جرأة منذ هزيمة التنظيم والقضاء على "الخلافة" التي أعلنها قبل نحو ثلاث سنوات.
وأدى الاستيلاء على السجن إلى نشوب معركة كبيرة، نفذ خلالها تحالف متعدد الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة ضربات جوية ونشر عربات مصفحة لدعم قوات سوريا الديمقراطية.
بعد 6 أيام.. القوات الكردية لا تزال تحاول السيطرة على السجن
بحلول صباح يوم الإثنين، طوقت قوات خاصة من "قوات سوريا الديمقراطية" السجن في محاولة لاستعادة الجناح الشمالي، حيث كان المئات من المسلحين والسجناء متحصنين مع عدد من الحراس الذين أخذوهم رهائن.
يُعتقد أيضاً أن المسلحين يحتجزون حوالي 700 صبي، بعضهم لا تزيد أعمارهم عن 12 عاماً، تم نقلهم سابقاً إلى سجن غويران من معسكرات اعتقال عائلات مسلحي التنظيم المشتبه بهم، لتجاوزهم مرحلة الطفولة.
واتهمت قوات سوريا الديمقراطية تنظيم الدولة باستخدام الأطفال "كدروع بشرية"، وقال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إنه قلق للغاية على سلامتهم وأمنهم.
وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، أرسل صبي أسترالي الجنسية، 17 عاماً، كان محتجزاً في السجن سلسلة من الرسائل الصوتية من داخله، قال فيها إنه تعرض لإصابة في الرأس في غارة جوية وطلب المساعدة الطبية. وأضاف في رسائله: "أنا خائف للغاية، هناك الكثير من القتلى أمامي، أخشى أن أموت في أي وقت بسبب النزيف، الرجاء مساعدتي".
من جهته قال المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية فرهاد شامي، ظهر الثلاثاء، إن عملية استعادة السيطرة الكاملة على السجن تسير ببطء، لأن التحالف كان "أكثر اهتماماً بتحرير الأسرى وحماية شعبنا من المرتزقة"، حسب تعبيره.
وقال رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، لوكالة فرانس برس، إن "المحادثات جارية لإنهاء المواجهة". وحذر من أنه "إذا لم يكن هناك اتفاق للتبادل، فستحدث مذبحة يُقتل فيها مئات الأشخاص".
المئات من أفراد داعش لا يزالون طلقاء بعد فرارهم من سجن الصناعة
في السياق، زعم داعش، السبت 22 يناير 2022، في بيان صدر عن جناحه الإعلامي، أعماق، أن نحو 800 من أعضائه ومنتسبيه تمكنوا من الفرار من سجن غويران وأن مقاتليه قتلوا ما لا يقل عن 200 من قوات سوريا الديمقراطية، بمن فيهم مدير السجن.
وتساءل المرصد السوري يوم الأربعاء عن مصير العناصر من التنظيم المتطرف الذين لا يزالون فارين، مضيفاً أن عمليات التمشيط بمحيط السجن للبحث عن عناصر التنظيم لا تزال مستمرة حتى اللحظة.
أكدت مصادر المرصد أن تعداد الأسرى والرهائن الذين جرى تحريرهم يوم الثلاثاء من أيدي عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" بلغ 17 شخصاً من العسكريين والعاملين ضمن سجن الصناعة، غالبيتهم من الذين ظهروا بشريط مصور بثه التنظيم، وبذلك يرتفع إلى 32 تعداد الأشخاص الذين جرى تحريرهم خلال اليومين الماضيين، بينما لا يزال هناك أسرى ورهائن بيد عناصر التنظيم حتى اللحظة.
على صعيد متصل، تواصل القوات العسكرية عمليات التمشيط والتفتيش ضمن مهاجع في سجن غويران، وحي الزهور ومناطق أخرى بمحيط السجن، وسط اشتباكات متقطعة تدور بين الحين والآخر مع عناصر وخلايا تنظيم "الدولة الإسلامية"، في الوقت الذي يواصل فيه مسلحو التنظيم رفضهم للاستسلام، وتسببت العمليات خلال الساعات الفائتة بمزيد من الخسائر البشرية في صفوف الطرفين.
المرصد السوري أشار، أيضاً، إلى أن القوات العسكرية تسيطر الآن على مبنى واحد بشكل كلي من أصل 5 مبان، وجرى إخراج السجناء من هذا المبنى وارتفع تعداد الذين جرى إخراجهم إلى الآن إلى 650 سجيناً، بينما تحاول القوات السيطرة على الأبنية الأخرى التي لا يتواجد فيها مسلحي التنظيم والتي تشهد منها عصياناً غير مسلح لسجناء التنظيم.
خلايا داعش تعود للنشاط في المنطقة
تحاول القوات الكردية احتواء هذا الهجوم الذي يعد الأكبر الذي يشنه تنظيم داعش منذ دحره في سوريا، في مارس/آذار 2019، ويقول تقرير لموقع ABC News الأمريكي، إلى أن "الهجمات الجريئة" هذه تشير إلى أن المسلحين قد تم تنشيطهم بعد الحفاظ على مستوى منخفض من التمرد في العراق وسوريا على مدى السنوات القليلة الماضية.
وتم القضاء على سيطرة الجماعة على الأراضي في العراق وسوريا من خلال حملة استمرت لسنوات بدعم أمريكي، لكن مقاتليها استمروا بخلايا نائمة قتلت بشكل متزايد عشرات العراقيين والسوريين في الأشهر الماضية.
وأفادت تقارير بأن السجناء المتمردين في سجن الصناعة، بينهم أعداد كبيرة من الأجانب من حملة الجنسيات الغربية، وقيل إنهم القوة الأولى وراء الهجوم.
من جهته، التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في بيان يوم الأحد، إن "العديد من معتقلي داعش استولوا على أسلحة من حراس السجن الذين قتلوهم، ثم اشتبكوا مع قوات الرد السريع التابعة لقوات سوريا الديمقراطية".
وقال السكرتير الصحفي للبنتاغون جون كيربي إن الولايات المتحدة استخدمت الضربات الجوية لدعم قوات سوريا الديمقراطية في التصدي للهجوم على سجن الحسكة.
محاولات الهروب من السجون تكتيك رئيسي قديم لتنظيم داعش
يعتقد أن تنظيم داعش نشأ إلى حد كبير في الأصل داخل السجون العراقية، من سجناء المجموعات المسلحة المعارضة للوجود الأمريكي في العراق، وخاصة الأكثر تطرفاً منهم، وكثيراً منهم كانوا أكثر عنفاً ودموية ضد الشيعة من تنظيم القاعدة نفسه الذي عادة ما كان يتجنب المواجهة مع إيران والشيعة، ويعتقد أن الاحتلال الأمريكي واضطهاد السُّنة من قِبل الأحزاب الشيعية فاقما تطرُّف هذه المجموعات.
كما كانت محاولات الهروب من السجون تكتيكاً رئيسياً للجماعة. خلال صعودهم في عام 2014، والذي سيطروا فيه على مناطق في العراق وسوريا.
وقام تنظيم داعش آنذاك بعدة عمليات هروب من السجون، وكان يحقق أهدافاً عدة للتنظيم منها نشر الفوضى والرعب والأهم إطلاق المقاتلين المتطرفين من السجون لكي ينضموا لقواته، بل أحياناً ضم مساجين جنائيين آخرين أيضاً.
غطت الخلافة المزعومة لتنظيم داعش في أوجها نحو ثلث مساحة كل من العراق وسوريا. استمرت الحرب التي أعقبت ذلك ضد التنظيم عدة سنوات، وتسببت في قتل الآلاف، وتركت أجزاء كبيرة من البلدين المتجاورين في حالة خراب.
وكان المستفيد الأكبر من هذه الحرب النظام السوري بعد أن قضى داعش على المعارضة السورية المعتدلة التي كادت تهزمه، وأكراد سوريا الذين استفادوا من الفراغ الذي خلفه سحق داعش للمعارضة السورية والدعم الغربي، وأخيراً الحشد الشعبي الموالي لإيران الذي أسس في العراق من أجل محاربة داعش، وأصبح قوة عسكرية رسمية رغم عدم طاعته لأوامر حكومة بغداد.
ونتيجة الحرب على داعش سيطر المسلحون الأكراد الذي لم يكن لهم وزن كبير في بداية الثورة السورية على شرق وشمال شرق سوريا، مع وجود محدود لمئات من القوات الأمريكية التي لا تزال منتشرة هناك.