في إطار محاولاته لتعبئة الدعم المحلي والخارجي ضد روسيا، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، إنه يفكر في فرض عقوبات شخصية على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذا غزت بلاده أوكرانيا.
وأضاف الرئيس الأمريكي، في مؤتمر صحفي، الثلاثاء 25 يناير/كانون الثاني 2022، أن العالم سيواجه "عواقب وخيمة" إذا قامت روسيا بغزو جارتها، ووصف هذه الخطوة بأنها قد تصبح "أكبر غزو منذ الحرب العالمية الثانية".
وتُعتبر جهود بايدن هذه، بمثابة أحدث اختبارٍ كبير لقدرته على سد الفجوات الأيديولوجية والموازنة بين المصالح المتنافسة لبناء تحالفات فعالة، فهل ينجح بايدن في هذا الامتحان الدولي بعد الانتكاسات الداخلية المتتالية؟
بايدن والأزمة الأوكرانية.. محاولة لتحقيق نجاح دولي بعد فشل محلي
يقول تقرير لوكالة Associated Press الأمريكية، إن سجلَّ بايدن كرئيسٍ حتى الآن لا يُبشّر بنجاح مؤكد، حيث يُحاول الرئيس الأمريكي إنجاح هذا التحالف على الجبهة الدولية، بعد هزيمة أجندته المحلية على صعيد حقوق التصويت وتوقيعه على مشروع قانون للإنفاق المحلي والمناخ بـ2.2 تريليون دولار.
والآن، أصبح بايدن أمام مهمةٍ عالمية وأكثر خطورة: الحفاظ على وحدة الغرب في مواجهة ما وصفه مسؤولو البيت الأبيض بغزوٍ أكبر، مُرجَّحٍ، للأراضي الأوكرانية بأمرٍ من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وتُمثّل اللحظات الصعبة المتراكمة اختباراً رئيسياً لأهم ركيزتين في حملة بايدن الرئاسية عام 2020، وهما: قدرته على إنجاز الأمور بكفاءة في الداخل، واستعادة مكانة أمريكا في العالم بعد التقلّب الذي شهدته سنوات دونالد ترامب في البيت الأبيض.
بينما قال كريستوفر بوريك، مدير معهد الرأي العام في كلية موهلينبيرغ، لـ"أسوشييتد برس": "يجد بايدن نفسه في مواجهة رأيٍ عام أمريكي قلق، بسبب عديد من الوعود التي لم تتحقق، بدءاً بالإنهاء الفوضوي للحرب في أفغانستان الصيف الماضي، وارتفاع حالات كوفيد في الخريف، فضلاً عن المخاوف الاقتصادية من التضخم ونقص العمالة، وصولاً إلى المشكلات التي تُواجه أجندته التشريعية. كما يُعتبر الوضع في أوكرانيا بمثابة اختبارٍ آخر لكفاءته".
هل ينجح بايدن بتعبئة الحلفاء في مواجهة روسيا؟
تأتي الأزمة الأخيرة بالتزامن مع تراجع الدعم الشعبي لبايدن. بينما يتسابق مسؤولو الإدارة لتحقيق توافق بين حلفاء الناتو، بالتزامن مع ارتفاع احتمالية الهجوم الروسي.
حيث يعمل مساعدو بايدن للأمن القومي بالتعاون مع دول أوروبية منفردة، والمفوضية الأوروبية، والموردين العالميين، من أجل وضع خطط طوارئ في حال قطعت روسيا إمدادات الطاقة عن القارة.
بينما قال الرئيس مراراً، إنّه لن يُرسل قوات أمريكية إلى أوكرانيا، لكنه أمر 8.500 جندي بالدخول في حالة تأهب قصوى استعداداً لنشرهم في منطقة البلطيق. كما حذَّر روسيا من "التداعيات الهائلة" والعقوبات الشديدة، التي ستُفرض على بوتين نفسه، في حال تحرّكت روسيا عسكرياً ضد أوكرانيا.
وقال كذلك إنه تحدث إلى جميع حلفاء الناتو، "وجميعنا في حالة توافق"، حيث التقى بايدن عدداً من أهم الزعماء الأوروبيين يوم الإثنين 24 يناير/كانون الثاني، عبر تقنية الفيديو.
وربما يزعم بايدن وجود "توافقٍ كامل" في الآراء حول نهج التحالف الغربي للتعامل مع الأزمة. لكن هناك مؤشرات تدل على بعض الخلافات. إذ رفضت ألمانيا مثلاً إرسال مساعدات عسكرية لأوكرانيا. وتحجج الألمان بأن تلك المساعدات ستؤدي إلى إشعال التوترات أكثر.
في حين أبدى الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، انزعاجه من تعليقات بايدن، الأسبوع الماضي، حول أن "التوغل الطفيف" في الأراضي الأوكرانية سيؤدي إلى تداعيات محدودة على موسكو. واشتكى المسؤولون في أوكرانيا أيضاً من تصرُّف وزارة الخارجية الأمريكية "السابق لأوانه"، حين دعت الأخيرة عائلات العاملين في السفارة الأمريكية وجميع الموظفين غير الأساسيين بأوكرانيا إلى مغادرة البلاد.
بينما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الثلاثاء، إنّ حديث الولايات المتحدة مع روسيا "أمرٌ جيد"، لكنه أوضح أنه لا يرى أي نتائج ملموسة. كما صرح ماكرون بأنه ينوي الحديث إلى بوتين مباشرةً يوم الجمعة 28 يناير/كانون الثاني.
وفي الوقت ذاته، حمَّل الرئيس الكرواتي، زوران ميلانوفيتش، المسؤولية عن تصعيد التوترات، لإدارة بايدن والضغط من "الصقور" على جانبي المشهد السياسي الأمريكي.
بوتين نجح حتى الآن في شق صفوف الحلفاء
وكشفت أزمة أوكرانيا الحالية عن نجاح استراتيجية بوتين في شق صف خصومه الغربيين، حيث يبدو أن ألمانيا باتت تغرد خارج السرب وتقف أقرب إلى موسكو منها إلى بروكسل.
وكان تقديم قائد القوات البحرية في الجيش الألماني استقالته على خلفية تصريحات له أشاد فيها بالرئيس الروسي، إضافة إلى موقف الحكومة الألمانية الرافض لإرسال أسلحة إلى أوكرانيا، المهدَّدة بغزو روسي يبدو وشيكاً، قد أثار علامات استفهام بشأن وحدة الموقف الغربي في مواجهة روسيا بشأن أزمة أوكرانيا، الأخطر منذ أزمة الصواريخ الكوبية قبل أكثر من نصف قرن.
موقف ألمانيا يعكس شرخاً واضحاً بالتحالف الغربي، في وقت تتصاعد فيه حدة الأزمة الأوكرانية بصورة خطيرة، وبدأت الولايات المتحدة وحلف الناتو تعزيز الوجود العسكري في شرق أوروبا، فيما وصفته موسكو بالهستيريا الغربية.
إعادة أمريكا كقائدة للعالم تحدٍّ كبير أمام بايدن
لا شك في أن مهمة بايدن في التوفيق بين أطراف المجتمع الدولي -أصحاب وجهات النظر والدوافع المختلفة- تُشبه إلى حدٍّ كبير مهمته في الداخل، حيث يُواجه بايدن في الداخل حقائق انقسام مجلس الشيوخ بالتساوي، والتحالف الديمقراطي الذي لا ينظر أعضاؤه دائماً إلى الأمور من الزاوية نفسها.
لكن رهانات بايدن والعالم أكبر بكثيرٍ على الأرجح، حيث يُحاول إعادة فرض القيادة الأمريكية بعد أن بدأت أوروبا تنظر إلى الداخل خلال سنوات ترامب.
ومع تطوّر الأزمة في الأسابيع الأخيرة، بدأ بايدن يُواجه انتقادات في الداخل من المشرعين الجمهوريين، الذين ضغطوا على البيت الأبيض لفرض العقوبات على روسيا استباقياً، حيث أوضح بايدن لروسيا أن العقوبات ستكون شديدة وغير مسبوقة، لكن المسؤولين جادلوا بأن التحرك استباقياً سيُقوّض أي فرصة لإقناع روسيا بالتراجع عن الغزو.
كما عمِل الجمهوريون المشككون على تذكير الناخبين بقرار بايدن العام الماضي، حين أعفى بعض الشركات من العقوبات المفروضة على خط الغاز الروسي-الأوروبي "نورد ستريم 2".
إذ جادلت الولايات المتحدة طويلاً بأن مشروع خط الغاز يُهدد أمن الطاقة الأوروبي عن طريق زيادة اعتماد القارة على الغاز الروسي، والسماح لروسيا بفرض ضغطٍ سياسي على دول شرق ووسط أوروبا المستضعفة، خاصةً أوكرانيا.
لكن بايدن، الذي تحدَّث عن مخاوفه الشخصية إزاء خط الغاز حين كان نائباً للرئيس، أعلن العام الماضي أنه سيُعفي الشركات الألمانية من العقوبات المفروضة، بسبب الضرر الذي قد تُلحقه بالعلاقات الأمريكية-الألمانية.
في حين قال المتحدث باسم اللجنة الوطنية الجمهورية، تومي بيغوت: "تجاهل بايدن نصيحته الشخصية، وسلّم بوتين انتصاراً جيوسياسياً كبيراً حين أعفى الشركات من العقوبات المفروضة على خط الغاز".
بينما ردَّ مسؤولو البيت الأبيض قائلين إن الانتقادات الجمهورية لا معنى لها بعد أن حاول ترامب -وفشل في- تقليل عدد القوات الأمريكية الموجودة بأوروبا على نطاقٍ واسع خلال أشهره الأخيرة. ووصف المسؤولون تلك المحاولات بأنّها السبب وراء تشجيع العدوان الروسي في المنطقة.
من ناحيةٍ أخرى كان ميتش ماكونيل، زعيم الجمهوريين بمجلس الشيوخ، قد انتقد إدارة بايدن في السابق؛ لعدم تحركها ضد موسكو استباقياً. لكنه أعرب، يوم الثلاثاء، عن بعض الدعم للرئيس، حيث وصف السيناتور قيام بايدن بزيادة المساعدات العسكرية، ووضع القوات الأمريكية في حالة تأهب قصوى للنشر لدى حلفاء الناتو في البلطيق، بأنّها خطوات "مُشجعة. ويبدو لي أنّ الإدارة بدأت أخيراً تتحرك في الاتجاه الصحيح".