ضربة مؤلمة للاقتصاد الإماراتي، هكذا يمكن أن توصف الهجمة الحوثية الصاروخية التي وقعت، الإثنين 24 يناير/كانون الثاني 2022، رغم أنها لم توقع خسائر عكس الضربة التي حدثت قبل أيام، ولكن خسائر الإمارات من هجمات الحوثيين خاصة الاقتصادية مرشحة للتفاقم مع توالي الهجمات.
في 17 يناير/كانون الثاني 2022، استهدفت سلسلة من الغارات الحوثية بطائرات بدون طيار تابعة للحوثيين وصواريخ شاحنات وقود في منطقة المصفح الصناعية خارج مدينة أبوظبي، إلى جانب موقع بناء في مطار العاصمة الدولي. وأظهرت لقطات فيديو نُشرت على تويتر سحباً ضخمة ومتصاعدة من الدخان الأسود في المصفح الصناعية بأبوظبي.
وتشير التقارير إلى مقتل ثلاثة أشخاص (وافدان هنديان وباكستاني) وستة جرحى، ما يمثل أول حالة وفيات معروفة داخل الإمارات العربية المتحدة نتيجة الصراع في اليمن.
بالإضافة إلى كونه أول هجوم مميت في الإمارات منذ سنوات عديدة، أظهرت هجمات الصواريخ والطائرات المسيرة يوم 17 يناير/كانون الثاني قدرة الحوثيين على شن هجمات بعيدة المدى عكس معظم الهجمات التي يشنونها على السعودية، كما أن معظم الهجمات على السعودية تم اعتراضها عكس هجمة الإثنين الماضي على أبوظبي.
وجاء هذا الهجوم رداً على إعاد انتشار كتائب العمالقة اليمنية الموالية للإمارات مؤخراً في محافظة شبوة اليمنية كجزء مما يبدو أنه استراتيجية إماراتية سعودية مشتركة، ويبدو أن نجاحهم في ساحة المعركة قد أثار غضب الحوثيين، الذين اختاروا الانتقام مباشرة من الإمارات على أراضيها، في محاولة لإخراجها من المجهود الحربي الداعم للتحالف العربي باليمن.
خسائر الإمارات من هجمات الحوثيين مرتبطة باحتمال تكرارها
ومنذ هجوم 17 يناير/كانون الثاني، فإن المحللين يرون أن مقدار خسائر الإمارات من هجمات الحوثيين على الصعيد الاقتصادي يتوقف على مدى تكرارها.
فإذا تحولت الهجمات الحوثية لعمل عسكري دائم ومتواصل مثلما يحدث مع السعودية، فإنه هذا من شأنه أن يلحق ضرراً كبيراً على الاقتصاد الإماراتي.
فبينما يعتمد الاقتصاد السعودي على النفط بشكل أساسي فإن اقتصاد الإمارات يعتمد بشكل كبير على السياحة والخدمات المالية.
ومع تكرار الحوثيين لهجماتهم عبر هجوم الإثنين 24 يناير/كانون الثاني، فإن السيناريو الذي يخشاه المحللون الاقتصاديون يقترب.
فقد يؤدي توالي الهجمات إلى تقويض سُمعة الإمارات العربية المتحدة كمركز تجاري آمن في وسط منطقة مضطربة، ويؤدي إلى تفاقم خسائر الإمارات من هجمات الحوثيين.
ويعتقد أن هدف الحوثيين وحلفائهم الإيرانيين من هذا الهجوم هو استغلال أكبر نقاط ضعف الإمارات، فرغم أنها تمتلك واحداً من أكفأ جيوش منطقة الخليج، وتواصل مراكمة السلاح مثلما بدا من صفقتها لشراء طائرات رافال الفرنسية وقبلها مساعيها لشراء إف 35 الأمريكية، وأخيراً شراء صواريخ مضادة للطائرات والصواريخ من كوريا الجنوبية، فإن نقطة ضعف الإمارات هي أنها أكثر بلدان المنطقة انفتاحاً خاصة في مجالات السياحة والعقارات والتجارة والصناعة ذات البعد الدولي.
وتقدم الإمارات نفسها كملاذ آمن للاستثمارات ومقر للشركات الدولية بالمنطقة، كل ذلك في حال أي هجوم عليها يصبح ذا تأثير معنوي مضاعف، فلا يمكن أن السائحين أو المستثمرين الأجانب يأتوا إلى دبي وهي معرضة لهجمات صاروخية حتى لو كانت خسائرها البشرية محدودة.
فإذا نفذ الحوثيون وعيدهم بمواصلة الهجمات على أراضي الإمارات العربية المتحدة فإنه هذا سيقضى على المدى الطويل على هذه السمعة المزروعة بعناية فيما يتعلق بالسلامة وصورتها كمكان آمن للعيش والعمل والقيام بأعمال تجارية في منطقة مضطربة.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مديرة "منتدى الخليج الدولي" للأبحاث دانيا ظافر قولها: "يبدو أن الحوثيين يعرفون أن سمعة الإمارات في صميم أهدافها الاستراتيجية"، مشيرة إلى أنهم "يأملون في تحقيق ضربة موجعة مع تكلفة متدنية لهم".
وتأتي هذه الهجمات في وقت يحاول فيه الاقتصاد الإماراتي استعادة عافيته بعد أزمة جائحة كورونا والتي كان لها تأثيراً مزدوجاً، إذ أثرت على إيرادات أبوظبي النفطية، ومداخيل دبي من السياحة والتجارة.
وشهد عام 2021 تحسناً في الأداء عن السنوات السابقة وسط جهود دبي لمحاولة استعادة سمعتها كعاصمة للمال والأعمال، حيث أعلن قطاع التسجيل والترخيص التجاري في دائرة الاقتصاد والسياحة بدبي عن إصدار 72,152 رخصة جديدة خلال عام 2021 بنمو قدره 69% مقارنةً بعام 2020.
وتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد الإماراتي بأكثر من 3% خلال العام الحالي 2022، وأن يستقر حول نفس مستويات الأداء حتى عام 2026 على الأقل.
ومن جانبها، تتوقع الإمارات أن ينمو اقتصادها بنسبة 4.2% في عام 2022، بدعم من انتعاش أسعار النفط.
البورصة.. تسجل أولى الخسائر
مع ختام تداولات العام الماضي 2021 حقق مؤشر سوق دبي المالي نمو على أساس سنوي بنسبة تبلغ نحو 28.26%، وصولاً لمستوى 3195 نقطة، مقابل نحو 2491 نقطة العام السابق.
وبينما اختتمت أسواق المال الإماراتية، تعاملات الأسبوع الماضي على ارتفاع، بدعم من الأسهم القيادية، فيما مؤشر على أنها ستتجاوز تأثير الهجوم الحوثي على مطار أبوظبي، أدى الإعلان عن الهجوم الثاني رغم اعتراض الدفاعات الإماراتية للصواريخ المستخدمة في تنفيذه، لتراجع بورصت دبي وأبوظبي، اليوم الإثنين 24 يناير/كانون الثاني، في أولى جلسات الأسبوع.
العمالة الأجنبية.. هل تهرب من البلاد؟
أظهرت الإمارات عموماً عدم التسامح مطلقاً مع الهجمات ذات الدوافع الخارجية ضد المغتربين، الذين يشكلون حوالي 90% من السكان ويتمتعون بأهمية مركزية في الاقتصاد، حسبما ورد في تقرير لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
وتقول الإمارات إن جذب المواهب يشكل أولوية قصوى لها، وبدأت مؤخراً في تسهيل منح الجنسية لأصحاب المواهب، وهذه الفئة التي يكون للهجمات الحوثية تأثير أكبر عليها.
فعلى الأرجح لن يؤدي تكرار هجمات الحوثيين إلى هجرة للعمالة المنخفضة الأجور والمتوسطة القادمة من جنوب آسيا والعالم العربي، بالنظر إلى محدودية خسائر الهجمات الحوثية البشرية، ولكن الأمر مختلف بالنسبة للعمالة الرفيعة المستوى القادمة من الدول المتقدمة، والتي قد تتأثر بشدة بتكرار هجمات الحوثيين حتى لو كانت خسائرها المادية والبشرية محدودة.
معرض إكسبو والمنتديات أهداف في مرمى الحوثيين
وصلت ذروة الجهود الإماراتية لتقديم نفسها كمركز تجاري عالمي إلى استضافتها لعرض إكسبو الشهير، المقام حالياً بالإمارات.
وهنا يظهر التأثير المضاعف لهجمات الحوثيين على الاقتصاد، إذ وقعت أثناء فعاليات إكسبو وبالتزامن تقريباً مع زيارة الرئيس الكوري الجنوبي للبلاد والتي اجتذبت اهتماماً كبيراً بسبب الصفقات العسكرية والنووية بين البلدين.
ويمكن تقدير مقدار خسائر الإمارات من هجمات الحوثيين من خلال حقيقة أن دبي تخطط لاستضافة 400 فعالية اقتصادية سنوياً بحلول 2025، وهذه الأرقام مهددة بطبيعة الحال لو استمرت هجمات الحوثيين.
أهم مستقبل للاستثمارات في المنطقة مهدد بالصواريخ
تمكنت الدولة الغنية بالنفط لعقود من تجنب الاضطرابات السياسية التي تحدث في أماكن أخرى من المنطقة. الاستقرار هو أحد نقاط البيع الرئيسية لدولة الإمارات، حيث يساعد على جذب ملايين المغتربين ومليارات الدولارات من الاستثمار الأجنبي، لكن هذه الصورة يمكن أن تتحطم إذا تصاعد الصراع مع الحوثيين، حسبما ورد في تقرير لموقع شبكة CNN الأمريكية.
وجذبت الإمارات استثمارات أجنبية مباشرة في عام 2020 تصل قيمتها إلى 19.9 مليار دولار أمريكي بنسبة نمو 11.24% عن عام 2019، لتتصدر المرتبة الأولى عربياً مستحوذة على 49% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة إلى مجموع الدول العربية.
وتستهدف الإمارات جذب 150 مليار دولار استثمارات حتى عام 2030.
ومنطقة "مصفح" المستهدفة تقع بالقرب من ضواحي مدينة أبوظبي والبر الرئيسي، وهي المنطقة الصناعية الرئيسية في الإمارة، حيث تضم العديد من الشركات الصناعية وشركات السيارات، وتشتمل على العديد من المرافق الدينية، ويمكن تصور تأثير تعرض هذه المنطقة للهجوم على قرارات الاستثمار المستقبلية في أبوظبي.
وقال سيدريك بيري، المدير المساعد بوكالة فيتش للتصنيف الائتماني، ومقرها نيويورك، إن تكرار الهجمات قد يكون له تأثيرات كبيرة على الاقتصاد الإماراتي، مؤكداً أن هذا سيناريو ليس هو الأكثر توقعاً لدى وكالة التصنيف الأمريكية.
وأضاف بيري في تصريح نقله موقع زاوية عربي: "قد تنخفض شهية المستثمرين الأجانب تجاه الأصول في الإمارات، في الوقت الذي تحاول فيه كيانات ذات صلة بالحكومة أن تبيع حصصاً في أصول أساسية لتحسين ميزانيتها العمومية، وإمارات مثل دبي تخطط لطرح بعض الكيانات ذات صلة بالحكومة في البورصة".
وأضاف بيري: "قد تكون هناك تكلفة مالية هامة في حالة أن الإمارات قررت أن ترد بزيادة تواجدها العسكري في اليمن، وهو أمر مستبعد. نحن نقدر أن الانسحاب الجزئي من اليمن في 2020 حقق وفورات في الميزانية بلغت 3-4% من الناتج المحلي الإجمالي (لإمارة) أبوظبي".
النقل البحري.. الخطر أكبر من جهة إيران
تركز الإمارات بشكل كبير على دورها كمركز للوجستيات والنقل ولاسيما النقل البحري، وهو مجال يتعرض بدوره لتهديدات إيران العسكرية التي يُعتقد أنها نفذت هجمات سابقة على أهداف بحرية ميدانية إماراتية، ويرجح أن هذا من دوافع أبوظبي لتحسين علاقتها مع طهران.
فعندما تم استهداف الناقلات من قبل عدوها الإقليمي اللدود إيران في عام 2019، قبالة ساحل الإمارات، غيرت أبوظبي مسارها بسرعة.
ومنذ ذلك الحين، كانت هناك فورة دبلوماسية إماراتية لرأب الصدع مع إيران، حيث قدمت أبوظبي عدداً من المبادرات لطهران، بما في ذلك إرسال وفد رفيع المستوى في أكتوبر/تشرين الأول 2019، ثم مرة أخرى في أواخر عام 2021.
مطار دبي درة تاج الإمارات في خطر
وفقاً لوزارة الاقتصاد الإماراتية، بلغت مساهمة قطاع السفر والسياحة في الناتج المحلي الإجمالي للإمارات 11.6%، فيما بلغت عائداته قرابة 180.4 مليار درهم (49.1 مليار دولار) في عام 2019، قبل أن يتأثر القطاع بالجائحة وتنخفض مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي إلى 5.4%.
ويدعي الحوثيون الآن أنهم يمتلكون طائرات بدون طيار متقدمة قادرة على الطيران لمسافة تصل إلى 2000 كيلومتر، ما يضع مطار أبوظبي الدولي في مدى نقاط الإطلاق في العاصمة اليمنية صنعاء.
كان يُعتقد أن الضربة الدقيقة من تلك المسافة ستظل صعبة، ولكن الهجوم الأخير الذي استهدف مطار أبوظبي الجديد أثبت أن الحوثيين لديهم أسلحة أكثر دقة.
وقد تشعر الدول الغربية بالقلق بشكل خاص بشأن الهجوم على مطار أبوظبي باعتباره مركزاً للسفر الدولي، وقد تفرض قيوداً على سفر مواطنيها عبره.
كما أن أي استهداف لمطار دبي قد يكون أكثر تأثيراً بالنظر لاعتماد إمارة دبي بشكل أكبر على صناعة السياحة والسفر، حيث تسهم صناعة الطيران تسهم الآن بنحو 47.4 مليار دولار في اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة أو ما يعادل 13.3% من ناتجها المحلي الإجمالي، وتستهدف الإمارة دبي إيصال النسبة إلى 45% في عام 2030.
ومن شأن هجوم على المناطق العاملة والمزدحمة في مطاري دبي وأبوظبي توجيه ضربات قاصمة لصناعة الطيران في الإمارات برمتها، حيث يمكن وصف هذه الصناعة بأنها شديدة الهشاشة والحساسية إزاء أي مشكلات أمنية، فما بالك هذه المشكلات الأمنية المرتبطة بصواريخ بالستية وطائرات بدون طيار.
السياحة الإماراتية نافست عالمياً رغم كورونا، فهل تقضي عليها هجمات الحوثيين؟
خلال عام 2020 الذي كان العام الأسوأ سياحياً في العالم بسبب الجائحة، ورغم ذلك حققت فنادق الإمارات ثاني أعلى معدلات إشغال على مستوى العالم لتأتي بعد الصين وبنسبة 54.7%.
ثم تفوقت الإمارات على أبرز 10 وجهات سياحية في العالم خلال النصف الأول من 2021، مسجلة نسبة إشغال في المنشآت الفندقية والسياحية 62%، وبطبيعة الحال سوف تتأثر السياحة جراء هجمات الحوثيين خاصة إذا تكررت.
حتى النفط ثروة الإمارات الكبرى عرضة للخسارة
رغم نجاحها في تنويع موارد الاقتصاد ما زال النفط يشكل مصدراً مهماً للدخل في الإمارات خاصة في إمارة أبوظبي، حيث يشكل النفط والغاز حوالي 30% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وفقاً لمنظمة أوبك.
وقال جيمس سوانستون، المحلل الاقتصادي لأسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى مؤسسة كابيتال إيكونوميكس، ومقرها لندن، لموقع زاوية عربي: "لو تركزت الهجمات على منشآت الإمارات لإنتاج النفط وأثرت على الإنتاج، مثلما حدث في الهجوم على منشأة (محافظة) بقيق في السعودية في 2019، (الذي يعتقد أن إيران تقف وراءه)، سيكون هناك تهديد بتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي للإمارات".
وتراجعت الإمارات مؤخراً عن سياستها في التصعيد ومالت للتهدئة مع إيران والمصالحة مع تركيا، وسط مؤشرات تفيد بتركيزها على التنمية الاقتصادية، بعدما تسببت سياستها الهجومية في المنطقة في تأثر مصالحها الاقتصادية، ومن شأن أي رد إماراتي قاس على الهجوم الحوثي أن يهدد بتكرار الهجمات، والمرة الثالثة ستكون ذات تأثير أكبر بكثير على الاقتصاد وخاصة السياحة والسفر.
ولكن من الواضح أن الحوثيين يريدون أكثر من مجرد تجاهل إماراتي للرد على اعتداءاتهم بل يريدون أن ترفع الإمارات يدها عن الملف اليمني بطريقة تتيح لهم السيطرة على ما تيسر لهم من مناطق البلاد، وقد يوسع الحوثيون أهدافهم إلى الجنوب اليمني الذي يعد منطقة نفوذ إماراتية يحكمها الموالون لأبوظبي.
وبالتالي فإن الإمارات عليها الاختيار بين اقتصادها وبين ترك الحوثيين يسيطرون على اليمن.