تسببت فضيحة تجسس الشرطة الإسرائيلية على مواطنيها باستخدام برنامج بيغاسوس في صدمة بإسرائيل، وشوهت صورتها المزعومة كواحة للديمقراطية بالشرق الأوسط، خاصة بعد أن تبين أن التجسس استهدف خصوماً لرئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو وسياسيين كبار في البلاد.
كانت شركة NSO الإسرائيلية التي صممت برنامج بيغاسوس، قد وجدت نفسها الصيف الماضي في خضم فضيحة تجسّس عالمية بعد تحقيق نشرته 17 وسيلة إعلاميّة دوليّة اعتباراً من 18 يوليو/تمّوز كشف أنّ برنامج بيغاسوس للتجسّس سمح بالتنصت على ما لا يقلّ عن 180 صحافياً و600 شخصيّة سياسيّة و85 ناشطاً حقوقياً و65 صاحب شركة في دول عدّة.
وفي حين أظهرت هذه التقارير إساءة استخدام بيغاسوس، بسبب بيعه لحكومات أجنبية واستخدامه في التجسس على شخصيات مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من قبل المغرب، فإن الادعاءات الأخيرة تمثل تحولاً كبيراً يشير إلى أن الإسرائيليين كانوا مستهدفين أيضاً بالتجسس، رغم أن الشركة قالت إن برنامجها مصمم لعدم التجسس على الهواتف الأمريكية والإسرائيلية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
وزرعت الشرطة الإسرائيلية برنامج بيغاسوس في هواتف مواطنين إسرائيليين للسيطرة عليها واستخراج المعلومات منها، وتجسست على المكالمات بدون إذن قضائي، وشمل ذلك هواتف سياسيين ونشطاء، وفقاً لما ذكره تحقيق أجراه موقع صحيفة كالكاليست "Calcalist" الإسرائيلية الاقتصادية.
ومن بين الذين اخترقت الشرطة هواتفهم رؤساء بلديات وقادة احتجاجات سياسية ضد رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو وموظفون حكوميون سابقون وشخص مقرب من سياسي رفيع المستوى.
وأشار تقرير منفصل في صحيفة هآرتس اليومية الإسرائيلية، بناءً على فاتورة اطلعت عليها الصحيفة، إلى أن مجموعة NSO قد تلقت فاتورة بالشرطة الإسرائيلية مقابل 2.7 مليون شيكل (نحو 859 ألف دولار) في عام 2013، على ما يبدو لإصدار أساسي من البرنامج.
وذكرت صحيفة كالكاليست أن المشكلة لا تقتصر على أن القرصنة لم تتم تحت إشراف المحكمة، ولكن لا يوجد أيضاً رقابة على البيانات التي يتم جمعها، وطريقة استخدام الشرطة لها، وكيفية توزيعها على وكالات التحقيق الأخرى، مثل هيئة الأوراق المالية الإسرائيلية وسلطة الضرائب.
الشرطة تجسست على خصوم نتنياهو باستخدام برنامج بيغاسوس
وبمجرد تنزيله على هاتف جوال، يتيح بيغاسوس التجسّس على مستخدم الهاتف من خلال الاطّلاع على الرسائل والبيانات والصور على الهاتف وجهات الاتصال، كما يتيح تفعيل الميكروفون والكاميرا عن بُعد.
ويجب أن تتلقى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية موافقة قضائية للمراقبة داخل إسرائيل، ولكن ما كشف يبدو عكس ذلك.
وإحدى الحالات الإشكالية التي تم الكشف عنها هي تعقب النشطاء في الاحتجاجات ضد رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو عندما كان لا يزال في منصبه من خلال زرع البرنامج في هواتف قادة الاحتجاجات.
اكتسبت الاحتجاجات ضد نتنياهو زخماً خلال عام 2020 حيث ضربت جائحة Covid-19 البلاد وفُرضت عمليات الإغلاق الأولى على الإسرائيليين. مع ارتفاع مستوى القلق في حكومة نتنياهو باستمرار، بُذلت جهود لتقليل حجم الاحتجاجات من خلال استخدام الأدوات القضائية والإجرائية، مع زيادة الشرطة القوة والعنف ضد المتظاهرين، ولا سيما قادتهم.
وأصدر ضباط شرطة رفيعو المستوى أمر مراقبة المواطنين الإسرائيليين الذين ليسوا مجرمين أو مشتبهاً بهم ببرامج التجسس التابعة لـ NSO بدون أمر قضائي أو إشراف من قاض. أولئك الذين تسللموا الأمر ونفذوه كانوا أعضاء في وحدة الإنترنت للعمليات الخاصة للشرطة في SIGINT، والتي يكون نشاطها بأكمله سرياً، حسب Calcalist.
وسيلة للابتزاز أو بديل لإجراء تحقيق قانوني احترافي
في حالة أخرى، استخدمت الشرطة برامج تجسس في مرحلة سرية من التحقيق لاقتحام هواتف موظفين في شركة حكومية، بدعوى الاشتباه في تورطهم في الاحتيال.
في حالات أخرى، تم تثبيت برامج التجسس الخاصة بـ NSO في هاتف المواطنين لمحاولة العثور على البيانات والمعلومات التي لا ترتبط بالضرورة بتحقيق أو شكوك وجمعها، ولكن لمجرد استخدام المحققين هذه البيانات لاحقاً كوسيلة للضغط على أشخاص يجري استجوابهم.
كما تم استخدام برامج التجسس لاقتحام هاتف مسروق كان عليه صور حميمة لمالكه تم نشرها على الإنترنت، في هذه الحالات، تم استخدام برامج التجسس من أجل حل جريمة معينة، ولكن أيضاً في هذه الحالات تم ذلك دون أي موافقة قانونية مع وجود عدد قليل جداً من الأشخاص في الشرطة على دراية بها.
في بعض الحالات، قامت الشرطة باختراق الهواتف بدلاً من قيامها بعمل تحقيق احترافي وتحديد الشكوك المثبتة، وبعض المستهدفين لم يرتكب أي خطأ ولم يكن لديه خطط للقيام بأي نشاط غير قانوني، حسب صحيفة كالكاليست "Calcalist".
من بين التحقيقات التي ذكرها التحقيق، استخدام بيغاسوس لاستهداف رئيس بلدية محلي أثناء تحقيق فساد، مع الأدلة التي تم العثور عليها تمت تغطيتها للتستر على كيفية الحصول عليها.
وفقاً للتقرير، حصلت الشرطة الإسرائيلية على برنامج بيغاسوس لأول مرة في عام 2013، والذي بدأت باستخدامه في عام 2015.
ونفت الشرطة الإسرائيلية ووزير في الحكومة الاتهامات الواردة في التقرير بأن عملية المراقبة تمت دون إشراف المحكمة المطلوب للمواطنين الإسرائيليين ودون مراقبة كيفية استخدام البيانات.
كيف استخدمت الشرطة البرنامج رغم أن الشركة قالت إنه لا يخترق الهواتف الإسرائيلية؟
سبق أن زعم كبار مسؤولي شركة NSO أن برنامج بيغاسوس غير مصرح باستخدامه ضد أرقام الهواتف الإسرائيلية والأمريكية.
ففي يوليو/تموز 2021، في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي، قال رئيسها التنفيذي شاليف هوليو، إن شركته "اختارت عدم العمل ضد أرقام الهواتف الإسرائيلية والأمريكية".
وفهمت صحيفة the Guardian البريطانية من مصادر مطلعة على ترخيص NSO أنه في حين أن هذا يعني أن عملاء الطرف الثالث الأجانب الذين باعت لهم الشركة برمجياتها لا يمكنهم استهداف أرقام هواتف أمريكية وإسرائيلية من الخارج، ولكن الأمر مختلف بالنسبة للجهات الأمنية الإسرائيلية، ففي حال كان العميل هو جهة إسرائيلية لإنفاذ القانون هي التي اشترت برنامج التجسس- على سبيل المثال الشرطة الإسرائيلية- ستكون قادرة على استهداف الهواتف الإسرائيلية.
ورغم أن التقرير لم يذكر مصادره، إلا أنه يزعم أن الأمر باستخدام برامج التجسس صدر عن ضباط كبار ونفذه متخصصون في الاعتراض الإلكتروني بالشرطة.
هذه الاتهامات شككت في الادعاء بأن الإسرائيليين محميون من التطفل غير القانوني من قبل الأجهزة الأمنية لبلادهم التي طالما انتهكت خصوصيات خصومها وأصدقائها على السواء وساعدت أنظمة مستبدة على التجسس على معارضيها.
كيف بررت الشرطة لنفسها هذه العملية؟
بموجب القانون الإسرائيلي، فإن وكالة الاستخبارات المحلية الإسرائيلية، "الشاباك"، هي الجهة الوحيدة التي لها سلطة تنفيذ مثل هذه القرصنة على الهواتف المحمولة دون أمر من المحكمة، وذلك فقط لمنع ما يوصف بالهجمات الإرهابية الوشيكة سواء من الفلسطينيين أو العرب الإسرائيليين أو حتى اليهود الإسرائيليين، وتتطلب عمليات التجسس هذه موافقة من مسؤول كبير في الشاباك أو مكتب النائب العام الإسرائيلي.
في المقابل، ليس لدى جهاز الشرطة الإسرائيلية المتورط في التجسس المشار إليها على مواطنيه مثل هذه السلطة بل مطلوب منه طلب أمر من المحكمة.
وفقاً للتقرير، ربما تكون الشرطة الإسرائيلية قد بررت استخدام برامج التجسس دون إذن المحكمة من خلال ثغرة قانونية كانت موجودة لأن التكنولوجيا لم تكن مشمولة بالقوانين القائمة.
وامتنع بيان صادر عن جهاز الشرطة الإسرائيلية، (رغم نفيه قيامها باعتراض دون إذن قضائي)، مناقشة ما إذا كان قد تم استخدام بيغاسوس لاعتراضات أم لا، ولكن زعم أن كل عمليات الشرطة جرت وفقاً للقواعد القانونية.
وقال: "بطبيعة الحال، لا تنوي الشرطة الإسرائيلية التعليق على الأدوات التي تستخدمها. ومع ذلك، سنواصل العمل بطريقة حازمة بكل الوسائل المتاحة لنا في الفضاءات المادية وعبر الإنترنت، لمكافحة الجريمة بشكل عام، والجريمة المنظمة على وجه الخصوص، لحماية سلامة وممتلكات الجمهور".
في بيان أصدرته شركة NSO بعد نشر التحقيق، كررت ادعاءها القديم بأنه ليس لديها أي علاقة بكيفية استخدام عملائها لبرامج التجسس الخاصة بها.
وقالت الشركة: "كقاعدة عامة، لا نعلق على العملاء الحاليين أو المحتملين. نود أن نوضح أن الشركة لا تشغل الأنظمة التي يحتفظ بها عملاؤها ولا تشارك في تفعيلها".
وأضافت: "لا يتعرض موظفو الشركة للأهداف ولا يتعرضون لمعلومات عنها ولا يشاركون أو يتعرضون للنشاط التشغيلي لعملائنا أو أي معلومات تتعلق بالتحقيقات التي يجريها العملاء".
في المقابل تقول صحيفة كالكاليست إن استحواذ الشرطة الإسرائيلية على برنامج بيغاسوس واستخدامه يعني أيضاً أن موظفي شركة NSO الخاصة قد وصلوا لمعلومات حساسة وسرية للغاية محفوظة في أجهزة الكمبيوتر التابعة للشرطة كجزء من الدعم الفني الذي تقدمه الشركة لعملائها.