حديث رئيس "التيار الوطني الحر" عن فشل التحالف مع حزب الله في بناء الدولة يطرح تساؤلات حول ما قد تعنيه نهاية هذا التحالف الذي حكم لبنان منذ 16 عاماً، قبيل الانتخابات البرلمانية الوشيكة.
وكان جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر، قد اعتبر، في حوار مع وكالة الأناضول، أن "اتفاق مار مخايل" بين التيار وحزب الله عام 2006، قد فشل في تحقيق هدفه الرئيسي وهو بناء الدولة، ودعا إلى وضع سلاح الجماعة الشيعية "ضمن سياسة الدولة".
ونشرت مجلة National Interest الأمريكية تحليلاً عنوانه "هل ينقلب حلفاء حزب الله اللبناني عليه؟"، رصد تداعيات التشقق الواضح في ذلك التحالف على المشهد السياسي بالبلاد قبل انتخابات البرلمان المقررة في 27 مارس/آذار المقبل.
تقلبات في التحالفات السياسية
لا شيء يدوم في السياسة. وهذا ينطبق أكثر ما ينطبق على لبنان، لاسيما بعد الانقسامات الجديدة في تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر. ففي الأيام الأخيرة من عام 2021، أدان الرئيس ميشال عون، ولأول مرة، حزب الله صراحة؛ لدوره في عرقلة اجتماعات مجلس الوزراء، احتجاجاً على تحقيق القاضي طارق البيطار المستمر في انفجار مرفأ بيروت. وهذه الوقائع الجديدة المتطورة تُعرض هذا التحالف لخطر التفكك.
والمقاطعة التي قادها حزب الله للاجتماعات الوزارية واستمرت قرابة ثلاثة أشهر، ولم تنتهِ إلا مؤخراً، أثارت ذعر العديد من اللبنانيين الذين تصوروا أن هذا التحالف غير قابل للتفكك. وهذا التصور كان مبنياً على أساس قوي بالنظر إلى أن عون، الجنرال السابق في الجيش، لم يصل إلى الرئاسة إلا بدعم حزب الله الثابت. ولذلك كان من الصعب تصوُّر أنه قد يهاجمه، حتى ولو بصورة غير مباشرة.
وفي مقابلته مع الأناضول، قال باسيل إنَّ تفاهم التيار مع "حزب الله" بحاجة إلى "تطوير من ناحية الإصلاح وبناء الدولة"، معتبراً أن عودة الجماعة إلى اجتماعات الحكومة "جزء من التجاوب مع التطوير، لكنه غير كافٍ".
ورأى أن "الخلاف واضح وكبير مع حزب الله فيما يخص الأمور الداخلية، وإن حُلِّت فعلى أساسها يتحدد موضوع التحالفات الانتخابية"، مشدداً على أنه ليس لديه حالياً "أي مخطط أو هدف" بشأن انتخابات الرئاسة.
وأكد باسيل، صهر عون، عروبة لبنان، وأنهم يريدون "أفضل العلاقات" مع دول الخليج، مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة عدم منعهم من أن تكون لهم علاقات مع دول أخرى، مثل تركيا وإيران، واصفاً العلاقات مع أنقرة بـ"الجيدة".
الانتخابات النيابية والرئاسية
من المقرر أن يشهد لبنان في 27 مارس/آذار المقبل، انتخابات نيابية جرى تبكير موعدها بدلاً من 8 مايو/أيار المقبل. وقال باسيل إن "التيار الوطني الحر سيخوض الانتخابات النيابية في كل المناطق اللبنانية، مشروعه لا يزال نفسه، وهو مشروع الدولة، التي لا يمكن أن تقوم في ظل وجود الفساد".
وعن تحالف تياره في الانتخابات مع "حزب الله"، أجاب بأن "الخلاف واضح وكبير مع حزب الله فيما يخص الأمور الداخلية"، مضيفاً: "إن حُلّت هذه الأمور، فعلى أساسها يتحدد موضوع التحالفات الانتخابية". ورأى أن "الوطني الحر يشكّل حالة شعبية في لبنان، وبناءً عليها يستطيع خوض الانتخابات وحده".
وعما إذا كانت حظوظ رئيس "تيار المردة"، سليمان فرنجية، مرتفعة ليكون رئيس الجمهورية المقبل، ردَّ باسيل بأن "موضوع الرئاسة يشمل اعتبارات عدة، منها التمثيل الشعبي بعد الانتخابات المقبلة، وموضوع الخيارات السياسية، كمعرفة الجهات التي ستدعمه، وتمكّنه من تشكيل أكثرية بالبرلمان، إضافة إلى برنامجه الانتخابي".
واعتبر باسيل (ماروني مسيحي)، أن "انتخابات الرئاسة ليست مبلوَرة ومن المبكر الحديث عنها، وليس لديَّ في الوقت الحالي أيّ مخطّط أو هدف للرّئاسة". ويتم انتخاب رئيس لبنان (ماروني مسيحي) من جانب أعضاء مجلس النواب (البرلمان).
وعلى الجانب الآخر، يدين حزب الله باستمرارٍ حركة مقاومة وطنية لدفاع التيار الوطني الحر عنه أمام قاعدة جماهيره الكبرى من المسيحيين، والذي لولاه لاعتبرته هذه الجماهير وكيلاً لإيران بالمنطقة. لكن الأوضاع السياسية في لبنان تغيرت منذ اتفاق مار مخايل عام 2006، الذي عزز التحالف السياسي بين الطرفين.
في 6 فبراير/شباط 2006، وقَّع الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، ورئيس "التيار الوطني الحر" (آنذاك)، رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون، تفاهماً في كنيسة مار مخايل ببيروت، للعمل معاً على معالجة قضايا مهمة، أبرزها "بناء الدولة".
وتتألّف وثيقة التفاهم تلك من 10 بنود، أبرزها "قانون الانتخاب"، و"العلاقات اللّبنانيّة السّوريّة"، و"حماية لبنان"، وبند آخر بعنوان "بناء الدولة" ينص على اعتماد معايير العدالة والتكافؤ والجدارة والنزاهة، وقضاء عادل ومستقل، ومعالجة الفساد من جذوره.
ومؤخراً دعا باسيل إلى "تطوير تفاهم مار مخايل من ناحية الإصلاح وبناء الدولة"، وتعقيباً على ذلك قال نصر الله، في 3 يناير/كانون الثاني الجاري: "نحن متمسكون بالتفاهم مع التيار الوطني الحر، وحاضرون لتطويره بما يحقق المصلحة الوطنية".
عون يهاجم حزب الله
لكن عون شن هجوماً على الجناح المسلح لحزب الله ودوره في دول المنطقة، وقال إن الدولة وحدها هي المسؤولة عن وضع استراتيجية الدفاع ومتابعة تنفيذها. ويأتي تأكيد عون سيادة شرعية الدولة على سياسة حزب الله الخارجية المستقلة، في وقت يواجه فيه لبنان مقاطعة من حلفائه التقليديين مثل السعودية، التي نددت بدور حزب الله في اليمن وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع لبنان بعد تداول مقطع لوزير الإعلام وحليف حزب الله، جورج قرداحي، يعرب فيه عن تعاطفه مع الحوثيين.
وهذا الوضع لا يناسب عون سياسياً، الذي قال أواخر عام 2021، إنه يريد "أفضل" العلاقات مع السعودية ودول الخليج الأخرى التي أبدت تضامناً مع المملكة.
وجاءت زيارة وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح، السبت 22 يناير/كانون الثاني، إلى لبنان كمؤشر على احتمال حلحلة الأزمة مع السعودية وباقي دول الخليج في أعقاب تصريحات قرداحي.
الزيارة هي الأولى لمسؤول خليجي رفيع منذ الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بين لبنان ودول خليجية بينها الكويت، إثر تصريحات لوزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي (استقال فيما بعد)، انتقد فيها حرب اليمن، قبيل توليه الوزارة.
وقال الوزير الكويتي إن "هذه الزيارة تعد في إطار الجهد الدولي لإعادة الثقة بلبنان"، وأشار إلى أن "دول مجلس التعاون متضامنة مع لبنان، والتحرك الكويتي بالتنسيق مع دول الخليج".
وأضاف "لا نريد أن يكون لبنان منصة للتهجم على الدول العربية والخليجية، كما أننا لا نريد تدخل دول في شؤون لبنان ولا نريد تدخل لبنان في شؤون دول أخرى".
وأوضح الوزير الكويتي أنه يحمل 3 رسائل إلى لبنان: أولها التعاطف مع الشعب اللبناني، والثانية أننا "لا نريد أن يكون لبنان منصة عدوان للتهجم على الدول العربية والخليجية"، والثالثة أن يلتزم لبنان بالإصلاحات المطلوبة منه من قبل المجتمع الدولي.
ماذا يعني هذا لتحالفات حزب الله؟
بالنظر إلى هذا التضارب في الخطاب والمصالح بهذا الخصوص، يبدو معقولاً تشكيك بعض الخبراء في قوة العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الله، بحسب تحليل المجلة الأمريكية.
إذ يعتقد الرئيس الحالي للتيار الوطني الحر، جبران باسيل، أن هذه العلاقة لن تدوم، وأبدى استياءه من حزب الله في عدد من المواقف، لكن إحباطه الأكبر كان قرار الحزب الوقوف إلى جانب حركة أمل، الفصيل الشيعي الذي يتزعمه رئيس مجلس النواب نبيه بري، على حساب حزبه في مجلس النواب اللبناني.
وقال باسيل في خطاب استمر ساعة: "لقد توصلنا إلى تفاهم مع حزب الله عام 2006، لا مع أمل. وعندما نكتشف أن حركة أمل هي من تقرر نيابة عنا، يصبح من حقنا إعادة النظر (بالتفاهم)".
وباسيل في النهاية يحاول الترويج لنفسه على أنه مُصلحٌ، بخطاب شديد اللهجة يُقر بفشل الاتفاق مع حزب الله في الوفاء بوعوده بلبنان أفضل. وهذه الحقيقة أيضاً تأتي في توقيت دقيق قبل الانتخابات البرلمانية، وقد لا يبدو منطقياً الكشف عن خلافات بين الأصدقاء قبل انتخابات قد تحدد مصير المستقبل السياسي لحزبه.
لكن باسيل أبدى استعداده لخسارة مقاعد في الانتخابات إذا رفض حزب الله تلبية مطالبه بتطوير تحالفهما. وقال إن حزبه سيكون أقوى انتخابياً بطبيعة الحال إذا تحالف مع حزب الله، "لكن بين الفوز في الانتخابات وكسب أنفسنا، نختار أنفسنا ومصداقيتنا وكرامتنا".
ورغم أن هذا قد يبدو مبهراً في عناوين الأخبار، يصعب أن نتخيل كيف لن يتوصل الطرفان إلى حل يُنهي هذه الأزمة. فالحقيقة التي لا مفر منها هي أن كليهما لا يزال بحاجة إلى الآخر لتحقيق طموحاته السياسية.
إذ يرى كثيرون في لبنان أن باسيل يطمح إلى تولي الرئاسة بعد والد زوجته، ميشال عون. وفضلاً عن ذلك، إذا خسر حزب الله أكبرَ حزب سياسي مسيحي في لبنان، فسيخسر معه التحالف المتعدد الطوائف الذي أضفى الشرعية على ترسانة أسلحته المستقلة، إضافة إلى أن بعض المواطنين يؤيدون نقل أسلحة حزب الله إلى الجيش اللبناني.
فإذا حدث المُحال وانتهى الاتفاق بين الطرفين، فسيحمل في طياته خطر انهيار التماسك الاجتماعي بين اللبنانيين. وعند هذه النقطة، لا يمكن أن يعتمد التعايش بين الأديان المختلفة على اتفاقات الساسة، وإنما سيحتاج إلى حكمة الشعب اللبناني، ليعيش أفراده بسلامٍ، بعضهم مع بعض.