في ظل تصاعد احتمالات غزو روسيا لجارتها أوكرانيا، وحديث الخبراء عن السيناريوهات العسكرية لطريقة دخول القوات الروسية للعاصمة كييف، تبرز مدينة تشيرنوبل الأوكرانية في المشهد من الجديد، باعتبار أن أقصر طريق من روسيا إلى العاصمة الأوكرانية يأتي من الشمال، ويمرُّ عبر المنطقة المعزولة تشيرنوبل، حيث تسبَّب انهيار مفاعل نووي هناك عام 1986 في أسوأ كارثةٍ نووية في التاريخ.
هل تدخل روسيا أوكرانيا عبر تشيرنوبل؟
تقول صحيفة New York Times الأمريكية، إن الحقول والأحياء في منطقة تشيرنوبل شمال أوكرانيا بأكملها لا تزال مهجورة وشديدة الإشعاع، إذ إنها تبدو آخر مكان على وجه الأرض يرغب أيُّ طرفٍ في غزوه.
ولكن في حين أن معظم الاهتمام حول غزوٍ مُحتَمَلٍ من قِبَلِ روسيا ينصبُّ على زيادة تعبئة القوات والأعمال العدائية اليومية في الشرق، فإنها أقصر طريق للوصول إلى كييف وإسقاط النظام هناك.
وتغطي منطقة تشيرنوبل حوالي ألف ميل مربع على امتداد أقصر طريقٍ مباشرٍ من الحدود مع بيلاروسيا إلى كييف. وفي حين أنه ليس بالضرورة طريق الغزو الأكثر احتمالاً من الشمال، لأنه مليءٌ بالمستنقعات والغابات الكثيفة، لم تستبعد أوكرانيا اتِّباع هذا الطريق.
هل تخاطر أوكرانيا بالدفاع عن تشيرنوبل من الغزو الروسي المحتمل؟
ويجعل هذا من تشيرنوبل منطقةً تعتقد أوكرانيا أنها بحاجةٍ إلى الدفاع عنها، مِمَّا يجبر جيشها على نشر قوات الأمن في الغابة المخيفة، التي لا تزال مُشِعَّة، حيث يحملون أسلحةً ومعدَّاتٍ للكشف عن الإشعاع.
لكن بحسب "نيويورك تايمز"، لن تكون القوات الأوكرانية في المنطقة، المعروفة باسم "المنطقة المحظورة تشيرنوبل"، كافيةً لصدِّ أيِّ غزو. يقول الكولونيل في الجيش الأوكراني شاكرايتشوك للصحيفة الأمريكية: "نجمع المعلومات حول الوضع على طول الحدود وننقلها إلى وكالات الاستخبارات الأوكرانية".
كان مفهوم المنطقة المحظورة تشيرنوبل عندما أقامتها السلطات السوفييتية قبل ثلاثة عقود هو الحدَّ من خطورة الحادث الذي وقع في المحطة النووية، من خلال عزل هذه المنطقة. تقع الجسيمات المُشِعَّة المتروكة في التربة أو المُحاصَرة تحت هيكل المفاعل المُدمَّر، بينما تتحلَّل ببطءٍ ولن تشكِّل خطراً كبيراً على الجنود، طالما أنهم لم يبقوا في مناطق شديدة الإشعاع. لكن يجب التخلي عن بعض أماكن هذه الأرض لمئاتٍ من السنين.
قبل شهرين، نشرت الحكومة الأوكرانية قواتٍ إضافية في المنطقة، بسبب التوتُّرات المتزايدة مع روسيا وبيلاروسيا، حليفة الكرملين التي تقع على بُعد خمسة أميال من المفاعل المنكوب، وحيث نقلت روسيا قواتها مؤخَّراً.
كيف تبدو الحدود القريبة من تشيرنوبل؟
قبل الخريف الماضي، كانت 700 ميل من الحدود بين أوكرانيا وبيلاروسيا بلا حراسة تقريباً، لا سيَّما في المناطق المعرضة للإشعاع. ويفصل حوالي 90 ميلاً من الحدود المنطقة الأوكرانية عن المنطقة المعزولة والمعرَّضة للإشعاع في بيلاروسيا، والتي تُسمَّى محمية "بوليسي" البيئية الإشعاعية.
تغيَّرَ ذلك في نوفمبر/تشرين الثاني، في ظلِّ أزمة المهاجرين في بيلاروسيا وزيادة القوات في روسيا. بدأت موسكو في حشد القوات بطريقةٍ طَرَحَت احتمال أن تكون هناك خططٌ للتوغُّل في أوكرانيا عبر بيلاروسيا. وخشت كييف أيضاً من أن بيلاروسيا قد تصدر قرارات عن استفزاز، مثل دفع المهاجرين إلى الحدود الأوكرانية- كما فعلت من قبل مع بولندا- ومن ثم إطلاق شرارة الحرب. وورد أن أوكرانيا نشرت 7500 حارس إضافي على الحدود البيلاروسية.
يذكر أن كارثة تشيرنوبل وقعت في 26 أبريل/نيسان 1986، عندما انفجر المفاعل رقم 4 في محطة تشيرنوبل للطاقة النووية واحترق خلال تجربة مِمَّا أدَّى إلى إطلاق إشعاع أكثر بنحو 400 مرة من قصف هيروشيما.
وتوفي ثلاثون شخصاً في أعقاب الحادث مباشرة، معظمهم من التعرُّض للإشعاع، وكانت دراسات الآثار الصحية طويلة المدى غير حاسمةٍ في الغالب، لكنها تشير إلى أنه قد يكون هناك الآلاف من الوفيات الناجمة عن مرض السرطان في نهاية المطاف.