أعلن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان الخميس 20 يناير/كانون الثاني 2021 عن تشكيل حكومة جديدة، ضمت 15 وزيراً، حيث جاء القرار في بيان نشره المجلس عقب لقائه مع وفد أمريكي في وقت سابق من يوم الخميس الذي نتج عنه اتفاق ينص على تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة والدخول في حوار وطني شامل لحل الأزمة السياسية الراهنة.
كيف جاءت الحكومة السودانية الجديدة ومن أبرز الوجوه فيها؟
جاءت ولادة الحكومة الجديدة بعدما التقى البرهان، بوفد أمريكي برئاسة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية مولي في، والمبعوث الأمريكي الجديد للقرن الإفريقي ديفيد ساترفيلد والقائم بأعمال السفارة الأمريكية بالخرطوم براين شوكان.
بحسب بيان مجلس السيادة جرى اللقاء بحضور نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، وعضو المجلس الفريق ياسر العطا ووكيل وزارة الخارجية السفير عبد الله عمر بشير.
واتفق الجانبان السوداني والأمريكي خلال اللقاء على دخول الأطراف السودانية في حوار وطني شامل عبر مائدة مستديرة، يضم جميع القوى السياسية والمجتمعية باستثناء المؤتمر الوطني المنحل، للتوصل إلى توافق وطني للخروج من الأزمة الحالية.
لكن من جانبها، قالت السفارة الأمريكية في الخرطوم الخميس، إن واشنطن لن تستأنف مساعداتها الاقتصادية للسودان، التي توقفت بعد قرارات الجيش ما لم يتم وقف العنف وعودة حكومة يقودها المدنيون. وأضافت السفارة، في بيان، أن الولايات المتحدة ستدرس اتخاذ إجراءات لمحاسبة المسؤولين عن تعطيل العملية السياسية في البلاد.
وبحسب بيان المجلس الانتقالي، قرر البرهان تعيين 15 وزيراً في الحكومة الانتقالية الجديدة، ومن أبرز الوجوه فيها: علي الصادق علي وزيراً للخارجية، حيث سبق أن تم تكليفه بهذه الوزارة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بالإضافة إلى محمد عبد الله محمود وزيراً للطاقة والنفط، وعثمان حسين عثمان وزيراً لشؤون مجلس الوزراء.
كذلك ضمت التعيينات الجديدة بتول عباس علام عوض كوزيرة الصناعة، وآمال صالح سعد كوزيرة للتجارة والتموين، وعادل حسن محمد حسين كوزير للاتصالات، وهيثم محمد إبراهيم كوزير للصحة، وجراهام عبد القادر وزيراً للثقافة والإعلام، وهي كلها أسماء لموظفين كبار في الدولة، وغير معروفين سياسياً، بحسب رويترز.
وفي الوقت نفسه، لم تشمل الأسماء الجديدة تعيين رئيس جديد للوزراء، ليبقى المنصب خالياً منذ استقالة رئيس الحكومة السابق عبدا لله حمدوك في الثاني من يناير/كانون الثاني الجاري.
كيف تفاعل الشارع السوداني مع الحكومة الجديدة؟
قرار البرهان بتشكيل الحكومة الجديدة، جاء بالتزامن مع خروج آلاف السودانيين إلى شوارع الخرطوم في مظاهرات تكريماً لمقتل العشرات في عملية قمع المحتجين على حكم العسكر، منذ الانقلاب الذي نفذه البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث تمت مواجهة المظاهرات الخميس بإطلاق الغاز المسيل للدموع من قبل قوات الأمن، في الخرطوم وفي أم درمان شمال غرب العاصمة، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن صحفيين.
ويشهد السودان احتجاجات متواصلة تتخللها اضطرابات وعنف منذ الانقلاب الذي أطاح خلاله البرهان بالمدنيين الذين تقاسموا مع الجيش السلطة بعد سقوط الرئيس السابق عمر البشير.
وتقول لجنة الأطباء المركزية التي تشكل مجموعة أساسية في معارضة العسكر، إن 72 متظاهراً قُتلوا في الاحتجاجات منذ أكتوبر/تشرين الأول، العديد منهم بالرصاص، بينما تقول الشرطة إن ضابطاً طُعن على أيدي متظاهرين خلال الاحتجاجات الأخيرة، ما أدى إلى وفاته.
ويوم الخميس، امتدت الاحتجاجات إلى أبعد من الخرطوم، وخرج حوالي 2000 متظاهر إلى الشوارع في مدينة مدني على بعد 200 كلم شمال العاصمة، واختار عشرات المتظاهرين الاحتجاج أمام ممثلية الأمم المتحدة في الخرطوم رافعين لافتات كتب عليها "لا للحلول القادمة من الخارج"، في رد على مبادرة الحوار التي دعت إليها الأمم المتحدة، ويرفضها الشارع، مطالبين بتسليم السلطة للمدنيين.
قضاة السودان يدعون البرهان إلى بذل الجهد لإنهاء الأزمة
في الوقت نفسه، ندد قضاة سودانيون بالعنف الذي يواجهه المحتجون المناهضون للحكم العسكري في بيان علني نادر اليوم الخميس، داعين لإنهاء العنف وفتح تحقيق جنائي.
وجاء في بيان من 55 قاضياً لرئيس السلطة القضائية أن السلطات العسكرية في السودان "خالفت كل المواثيق والعهود (الدولية) منذ انقلابها في الخامس والعشرين من شهر أكتوبر/تشرين الأول 2021 ومارست أبشع أنواع الانتهاكات ضد المتظاهرين العزل".
رداً على ذلك، قال رئيس قضاء وقضاة السودان في بيان تحدث فيه باسمه وباسم قضاة السودان إن على مجلس السيادة الحاكم أن "يبذل كل ما هو متاح وممكن لأجل حماية هذا الشعب وصيانة حقوقه".
وأضاف رئيس القضاة بحسب الأناضول: "نؤكد في السلطة القضائية- رئيس وقضاة المحكمة العليا وقضاة السودان جميعاً- على أننا لن نتوانى أو نتردد في اتخاذ ما يلينا من إجراءات تكفل أو تساهم في حماية المواطنين وحفظ أرواحهم وصيانة حقوقهم المكفولة بموجب الدستور والقانون".
على نحو منفصل، أعلن أكثر من مئة من وكلاء النيابة أنهم سيتوقفون عن العمل اعتباراً من اليوم الخميس 20 يناير/كانون الثاني، دعماً لدعوتهم لقوات الأمن بوقف العنف ورفع حالة الطوارئ، وأكدوا معارضتهم لإجراءات الطوارئ التي تعطي حصانة وسلطات أوسع لقوات الأمن.
وأشار وكلاء النيابة إلى أنهم لا يتمكنون من القيام بواجبهم بمرافقة الشرطة في الاحتجاجات لتحديد مستوى القوة المقبول. ومن غير المعتاد أن يصدر القضاة ووكلاء النيابة في السودان بيانات علنية بشأن ممارسات قوات الأمن.
من جانبهم، يقول القادة العسكريون إن الحق في الاحتجاج السلمي مكفول وأمروا بفتح تحقيقات في حوادث القتل. وعمق العنف حالة الجمود بين الجماعات المؤيدة للديمقراطية والقيادة العسكرية.
وفي بيان يوم الخميس، أكد مجلس السيادة الحاكم في السودان الحاجة إلى حوار وطني وحكومة تكنوقراط وإجراء تعديلات على وثيقة دستورية انتقالية تم التفاوض عليها بعد خلع الرئيس السابق عمر البشير في انتفاضة عام 2019.
ووضعت الوثيقة الأساس لاتفاق لتقاسم السلطة بين الجيش والمدنيين أجهضه الانقلاب. وبعد محاولة فاشلة من جانب رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك للحفاظ على قدر من السيطرة للمدنيين بعد الانقلاب، تحاول الأمم المتحدة تمهيد الطريق أمام حوار بين الأطراف المتنازعة.
الدعم الأمريكي لا يزال مجمداً برغم ولادة حكومة جديدة
منذ انقلاب الـ25 من أكتوبر/تشرين الثاني، استنكرت القوى الغربية الانقلاب وجمدت إلى حد بعيد المساعدات الاقتصادية التي يحتاج إليها السودان بشدة.
وقالت مولي في مساعدة وزير الخارجية للشؤون الإفريقية، وديفيد ساترفيلد مبعوث واشنطن الخاص لمنطقة القرن الإفريقي والمعين حديثاً، إن واشنطن لن تستأنف مساعداتها الاقتصادية للسودان دون وقف العنف وعودة حكومة يقودها المدنيون.
وقال بيان أمريكي نشر خلال زيارة المبعوثين البارزين للسودان الخميس، وندد باستخدام القوة ضد المحتجين، إن المبعوثين "أوضحا أن الولايات المتحدة ستدرس اتخاذ إجراءات لمحاسبة المسؤولين عن الإخفاق في المضي قدماً" في الانتقال السياسي ووضع حد للعنف.