أعلن البنك المركزي التركي اليوم الأربعاء، 19 يناير/كانون الثاني 2022، أنه وقع اتفاقاً لتبادل العملات مع مصرف الإمارات المركزي، بحجم 64 مليار ليرة (4.7 مليار دولار أمريكي). وقال البنك إن الاتفاق الذي يهدف إلى تعزيز التجارة الثنائية وأشكال التعاون المالي بين البلدين سيستمر لمدة ثلاث سنوات مع إمكانية تمديده باتفاق الطرفين.
ولم تكن الإمارات أول دولة تعقد تركيا معها هذا النوع من الاتفاقيات، إذ سبقتها قطر والصين وكوريا الجنوبية وإيران وأذربيجان خلال السنوات الماضية، فماذا تعني اتفاقية مبادلة العملات وما جدواها الاقتصادية؟
ماذا يعني مبادلة العملات بين الدول؟
تعد اتفاقيات مبادلة العملات أو "Currency swaps" أحد الأساليب التي تستخدمها الدول التي توجد بينها علاقات تبادل تجاري كبيرة لتمويل جزء من علاقاتهما التجارية، ويتم من خلالها دفع قيمة جزء من المبادلات التجارية بين بلدين بالعملات المحلية لهما وليس بالدولار، بهدف تخفيف الطلب على الدولار.
وتأتي هذه الاتفاقيات ضمن عمليات تمويل التجارة والاستثمارات، بأسعار محددة مسبقاً لسعر الصرف، دون استخدام أي عملة ثالثة مثل الدولار الأمريكي.
وتُبرَم هذه الاتفاقيا لتخفيف الطلب على العملات الأجنبية الأخرى، نتيجة نقص السيولة الأجنبية لديهما، والسعي لإصلاح الخلل في منظومة أسعار الصرف، وتضمن تأمين الديون الخارجية بأقل التكاليف.
وعادة ما تتراوح اتفاقيات تبادل العملات بين البلدان ما بين 6 أشهر إلى سنة، وقد تتم زيادة تلك الفترة وفقاً لرغبة البلدين، فضلاً عن الاتفاق على نظام سعر صرف تبادل عملة البلدين، ويتم تسوية العمليات بعد انتهاء مدة الاتفاقية.
ما الآلية التي يتم فيها مبادلة العملات؟
يقول موقع acca global (جمعية المحاسبين القانونيين المعتمدين) في المملكة المتحدة، إنه في بداية المقايضة يتم استبدال المبالغ الأساسية المكافئة بالسعر الفوري، وخلال مدة المبادلة يقوم كل طرف بدفع الفائدة على مبلغ القرض الأساسي المبادل.
وفي نهاية اتفاقية المقايضة يتم استبدال المبالغ الأساسية إما بالسعر الفوري السائد أو بسعر متفق عليه مسبقاً مثل سعر الصرف الأصلي، حيث سيؤدي استخدام السعر الأصلي إلى إزالة مخاطر المعاملات على المبادلة.
وتستخدم مقايضات العملات للحصول على قروض بالعملات الأجنبية بسعر فائدة أفضل مما يمكن أن تحصل عليه الشركات عن طريق الاقتراض مباشرة في سوق أجنبية، أو كطريقة للتحوط من مخاطر المعاملات على قروض العملات الأجنبية التي حصلت عليها بالفعل.
كيف تستفيد تركيا من هذه الاتفاقية، وما الدول التي سبق أن عقدتها معها؟
بالنسبة لتركيا التي تراجعت عملتها مرات عديدة خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير كان آخرها نهاية العام المنصرم، فهي تلجأ لهذا النوع من الاتفاقيات لمنع انهيار عملتها المحلية، وبما يسهم في انتعاش سعر صرف الليرة التركية التي تشهد استقراراً نسبياً مؤخراً بفضل تدخلات البنك المركزي.
وقام البنك المركزي التركي بخفض سعر الفائدة بعدما وصل 18% قبل عدة أشهر، إلى أن وصل في ديسمبر/كانون الأول الماضي إلى 14% بعد تأييد من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي أعلن مراراً محاربته للفائدة وأنّه لن يتوقف عن معارضة أسعارها المرتفعة طيلة فترة بقائه في المنصب.
وسبقت دول عديدة الإمارات في عقد هذه الاتفاقية مع تركيا، ففي يونيو/حزيران 2021، أعلن أردوغان أن تركيا اتفقت مع الصين على زيادة قيمة اتفاقية مبادلة العملات القائمة بين البلدين إلى ستة مليارات دولار بدلاً من 2.4 مليار.
وبدأ المركزي التركي تفعيل اتفاقية مبادلة العملة مع الصين، في يونيو/حزيران 2020، ونص الاتفاق على دفع الشركات التركية مستحقات وارداتها من الصين باليوان الصيني. وبلغ حجم التجارة المتبادلة بين تركيا والصين خلال السنوات الخمس الأخيرة أكثر من 126 مليار دولار.
قطر أيضاً دخلت في اتفاقية لمبادلة العملة مع أنقرة، منذ أغسطس/آب 2018، بسقف إجمالي بلغ 3 مليارات دولار. وفي مايو/أيار 2020، قال البنك المركزي التركي، إنه زاد حجم اتفاق مبادلة عملة مع قطر إلى ما يعادل 15 مليار دولار.
وفي عام 2017، عقدت أنقرة أيضاً اتفاقية لمبادلة العملة مع جارتها إيران، حيث بلغ إجمالي التبادل التجاري بين إيران وتركيا في 2020، 6 مليارات و856 مليون دولار.
وقُدرت حصة الصادرات الإيرانية إلى تركيا بـ2 مليار و512 مليون دولار، فيما استوردت طهران في غضون الفترة نفسها، بنحو 4 مليارات و344 مليون دولار، وفق تصريحات المسؤول ذاته.
وفي أغسطس/آب 2021، أبرم البنك المركزي التركي ونظيره الكوري الجنوبي اتفاقية مقايضة ثنائية بين الليرة التركية والوون. وتسمح اتفاقية المقايضة تلك بتبادل العملات المحلية بين البنكين المركزيين بما يصل إلى 17.5 مليار ليرة تركية أو 2.3 تريليون وون كوري، على مدار 3 سنوات هي مدة الاتفاق، ويمكن تمديدها لاحقاً بالاتفاق بين الجانبين.
ويبلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا وكوريا الجنوبية نحو 7 مليارات دولار سنوياً حسب تقديرات عام 2019، بعد أن كانت فقط 16 ألف دولار في 1965، حسب بيانات رسمية كورية.
الاتفاقية الجديدة دفعة جديدة للعلاقات التركية الإماراتية
ومن شأن اتفاقية مبادلة العملة هذه بين الإمارات وتركيا تعزيز العلاقات بين البلدين، التي استؤنفت حديثاً بعد سنوات من التوترات، وتقول أنقرة إن الاتفاقية تهدف لزيادة التعاون المالي بين البلدين من خلال تنمية التجارة الثنائية، كما أنها تعتبر مؤشراً على إصرار البلدين على تعميق التجارة الثنائية بالعملات المحلية.
يأتي هذا الاتفاق بين أنقرة وأبوظبي، بعدما بدأت العلاقات بين البلدين تعود عقب زيارة لتركيا أجراها ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، والتقى خلالها الرئيس رجب طيب أردوغان، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ووقَّعا اتفاقية فنية تسمح لأنقرة بمبادلة الليرة التركية مع الدرهم الإماراتي.
كانت وكالة Bloomberg الأمريكية، قد ذكرت في في تقرير لها، الخميس 13 يناير/كانون الثاني 2022، أن الإمارات تسعى لزيادة حجم تجارتها مع تركيا ضعفين أو ثلاثة؛ للاستفادة من علاقات تركيا اللوجستية مع بقية العالم.
تراهن أبوظبي على تركيا "باعتبارها بلداً سيفتح لنا أسواقاً جديدة من خلال خدماته اللوجستية وسلسلة توريده"، وفقاً لما قاله ثاني الزيودي، وزير الدولة للتجارة الخارجية، خلال مقابلته مع قناة Bloomberg Television الأمريكية.
يُذكر أنه بالتزامن مع زيارة ولي عهد أبوظبي السابقة لأنقرة، نشرت وسائل إعلام أرقاماً عن حجم التبادل التجاري بين الإمارات وتركيا، حيث بلغ 8.42 مليار دولار بين البلدين، منها 5.6 مليار دولار صادرات إماراتية، في المقابل بلغت الصادرات التركية 2.82 مليار دولار.
فيما كشفت وكالة بلومبرغ الأمريكية أن تركيا تحتل المرتبة الـ11 بين أكبر الشركاء التجاريين لدولة الإمارات؛ إذ بلغ إجمالي التجارة الخارجية غير النفطية بين البلدين خلال العقد الماضي نحو 329 مليار درهم. من جهته كان مسؤول تركي قد قال لوكالة رويترز -لم تذكر اسمه- إن تركيا والإمارات ستبرمان اتفاقات في مجالات الطاقة والاستثمارات التكنولوجيا والموانئ البحرية واللوجيستيات خلال الفترة المقبلة.