لا تزال طبول الحرب تقرع في روسيا ضد أوكرانيا، حيث يواصل الرئيس فلاديمير بوتين التهديد بغزو أوكرانيا بحشود عسكرية ضخمة بالقرب من الحدود، حيث جمعت موسكو أكثر من 100 ألف جندي بالقرب من حدود أوكرانيا، مع تدفق المزيد من الشرق الأقصى، وأعلنت الأسبوع الماضي أن المحادثات مع أمريكا وحلف شمال الأطلسي "الناتو" كانت فاشلة، كما بدأت في تدريب وتعبئة قوات الاحتياط.
ونشرت روسيا أسلحة وأنظمة هجومية على مسافة قريبة من أوكرانيا، بما في ذلك دبابات القتال الرئيسية ومدافع الهاوتزر ذاتية الدفع، ومركبات قتال المشاة وأنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة وأنظمة الصواريخ الباليستية قصيرة المدى المختلفة.
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن الحرب الرقمية قد بدأت بالفعل، فقد أعلنت أوكرانيا تعرض الشبكة الحكومية لديها لهجمات إلكترونية (نحو 70 موقعاً)، قائلة إن الهجمات السيبرانية تلك مرتبطة بمجموعات قراصنة ذات صلة بأجهزة المخابرات الروسية.
وحتى اللحظة، لا يزال المسؤولون والخبراء الغربيون غير متأكدين مما إذا كان بوتين قد اتخذ قراره بشن الحرب بعد، فيما يعتقد البعض أن بوتين لا يزال يأمل في انتزاع تنازلات من الغرب من خلال "قعقعة سيفه" بدلاً من استخدامه. وتقول مجلة Economist البريطانية إن أياً كان القرار الذي سيتخذه بوتين في الأسابيع المقبلة، فإنه يواجه حالة من عدم اليقين بشأن استجابة الجمهور.
لكن في الوقت نفسه، لا تزال أجراس الإنذار تدق في أوكرانيا وجميع أنحاء أوروبا، فكيف سيبدو شكل هذا الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا؟ وما الخطط والسيناريوهات العسكرية التي قد تفكر بها موسكو في حال شن الحرب؟
ما هي الخيارات العسكرية لروسيا في أوكرانيا؟
1- يقول الخبراء والمحللون الغربيون إن أحد الاحتمالات هو أن روسيا ستفعل ببساطة ما فعلته في الخفاء لمدة سبع سنوات: إرسال قوات إلى دونيتسك ولوهانسك، وهي مناطق انفصالية في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا، إما لتوسيع حدودها غرباً أو الاعتراف بهما على أنها دولتان مستقلتان عن أوكرانيا، كما فعلت روسيا بعد إرسال قوات إلى أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وهما منطقتان جورجيتان، في عام 2008.
2- السيناريو الثاني، والذي تمت مناقشته على نطاق واسع في السنوات الأخيرة لدى أجهزة المخابرات الغربية، هو أن روسيا قد تسعى إلى إنشاء جسر بري إلى شبه جزيرة القرم، المنطقة التي ضمتها إليها في عام 2014. وسيتطلب ذلك الاستيلاء على 300 كيلومتر من الأراضي على طول بحر آزوف الأوكراني.
وسيؤدي ذلك إلى توسيع السيطرة الروسية في منطقة تعرف باسم نوفوروسيا، أو روسيا الجديدة، وهي جزء تاريخي من الإمبراطورية الروسية على طول البحر الأسود، وتقول مجلة economist إنه سيكون لتلك المنطقة ميزة ملموسة أكثر في التخفيف من نقص المياه في شبه جزيرة القرم.
سيكون مثل هذا "الاستيلاء المحدود" على الأراضي في حدود قدرات القوات التي يتم حشدها حالياً في غرب روسيا، لكن الأمر الأقل وضوحاً هو ما إذا كانت ستخدم أهداف الكرملين الحربية. فإذا كان هدف روسيا هو منع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو أو التعاون مع الحلف، فمن غير المرجح أن يؤدي تعزيز السيطرة على منطقة دونباس أو قطعة أرض صغيرة في جنوب أوكرانيا إلى ركوع الحكومة في كييف لبوتين.
3- هذا الأمر سيحيلنا إلى السيناريو الثالث، كتغيير الحكومة في كييف بالقوة بعد احتلال العاصمة بالكامل، كما فعلت أمريكا في أفغانستان والعراق.
4- وقد تلجأ روسيا إلى فرض تكاليف باهظة على أوكرانيا، سواء من خلال تدمير قواتها المسلحة أو تدمير بنيتها التحتية الحيوية، أو احتلال مساحات كبيرة من أراضيها، حتى يوافق قادتها على قطع علاقاتهم مع الغرب، وبالتالي منعها من الانضمام لحلف "الناتو"، وبالطبع جميع هذه السيناريوهات يتطلب حرباً كبيرة.
5- قد يكون الحل المغري لروسيا هو استخدام أسلحة "المواجهة" دون وجود قوات على الأرض، ومحاكاة حرب الناتو الجوية ضد صربيا في عام 1999، إذ أن الضربات التي تشنها قاذفات الصواريخ ستحدث دماراً كبيراً. ويمكن استكمال هذه المهمة بمزيد من الأسلحة الجديدة، مثل الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الأوكرانية مثل تلك التي عطلت شبكة الكهرباء في البلاد في عامي 2015 و 2016.
ومن شأن معاقبة أوكرانيا من بعيد، دون الالتزام بقوات برية، أن يخفض الخسائر بالنسبة لموسكو. ويمكن لروسيا تخفيف الضغط صعوداً وهبوطاً بمرور الوقت، يتخلل ذلك فترات توقف لتكرار أو تصعيد المطالب.
لكن المشكلة هي أن حملات القصف هذه تميل إلى أن تستمر لفترة أطول وتثبت أنها أصعب مما تبدو عليه في البداية، يشير إلى ذلك كير جايلز من مؤسسة تشاتام هاوس الفكرية في لندن، وإذا اندلعت الحرب، فمن المرجح أن تكون ضربات المواجهة مقدمة ومرافقة لحرب برية بدلاً من أن تكون بديلاً عنها.
بحسب مجلة الإيكونومست، فإن روسيا لديها بلا شك الأرقام الأولية لجميع هذه السيناريوهات، وأشارت دراسة أجرتها مؤسسة RAND في عام 2016 إلى أن روسيا يمكن أن تستولي على دولتين من أصل ثلاث دول على بحر البلطيق بحوالي 30 مجموعة تكتيكية من كتائب (BTG)، وهي تشكيل روسي تابع لقوات الجيش تتكون كل مجموعة منها من حوالي 1000 جندي بالإضافة إلى المعدات. وروسيا لديها الآن أضعاف هذا العدد على حدود أوكرانيا بالإضافة إلى وحدات الدعم، والمزيد من جنود المشاة الوافدين.
هل يمكن لروسيا احتلال كييف بسهولة؟
تقول صحيفة The Guardian البريطانية إن روسيا قد تفكر في هجوم سريع وعميق على جبهة ضيقة، يهدف إلى صدمة العدو وشلله بدلاً من احتلال الأراضي، كما فعلت أمريكا في الغارات على بغداد في أبريل/نيسان 2003.
وإذا سمحت بيلاروسيا لروسيا بالهجوم من أراضيها، فيمكن الاقتراب من العاصمة الأوكرانية كييف من الغرب وتطويقها. وأعلن ألكسندر لوكاشينكو، زعيم بيلاروسيا، يوم 17 يناير 2022 أن بلاده ستجري تدريبات مشتركة مع روسيا على حدودها الجنوبية والغربية في فبراير/شباط المقبل، وبدأت القوات الروسية في الوصول إلى البلاد.
وبحسب الغارديان، يتعين على روسيا أن تقرر كيفية التعامل مع المدن الأوكرانية، وخاصة كييف، التي يبلغ عدد سكانها 3 ملايين نسمة، ولكن أيضاً مع خاركيف في الشمال الشرقي، ويبلغ عدد سكانها ما يقرب من 1.5 مليون نسمة، وتضيف الصحيفة البريطانية، أن حرب المدن قد تكون صعبة على موسكو، بسبب خشيتها من فاتورة أضرار كبيرة.
وتشير التكهنات الغربية حول خطط روسيا، المستندة جزئياً إلى التسريبات الظاهرة التي نُشرت في صحيفة بيلد الألمانية، إلى أن الكرملين سيحاصر مدينة خاركيف وفي نهاية المطاف العاصمة كييف، وسيقطع الإمدادات عنها، على أمل أن تستلم القوات الأوكرانية في النهاية على طريقة الحروب في العصور الوسطى.
ويقول محللون غربيون إن تطويق كييف ليس بالأمر السهل، تقع النقاط الرئيسية للمدينة، بما في ذلك القصر الرئاسي، إلى الغرب من نهر دنيبر الذي يسهل الدفاع عنه، والذي يمتد إلى الحدود مع بيلاروسيا. وبالتالي فإن أبسط طريقة لعبور النهر هي العبور في منطقة آمنة، من بيلاروسيا في الشمال. وسيتطلب ذلك دعم مينسك، وهو أمر محتمل للغاية بالنظر إلى التقارب الأخير مع موسكو.
وحتى لو لم يفعل بوتين ذلك، فإن وجود حامية عسكرية روسية دائمة في بيلاروسيا سيكون له مزايا للكرملين، كتهديد محتمل ليس فقط لأوكرانيا ولكن لدول البلطيق في الشمال، حيث يقول المحللون الغربيون إن ذلك سيخلق قاعدة عسكرية كبيرة من شأنها أن تمنح روسيا هيمنة جوية على الجناح الشرقي لحلف الناتو.