يبدو أن أسوأ مخاوف قادة الإمارات قد تحققت، بعد تعرض مطار أبوظبي ومناطق صناعية لهجمات مسلحة تبناها الحوثيون المدعومون من إيران يوم الإثنين 17 يناير/كانون الثاني 2022، بواسطة طائرات مسيَّرة وصواريخ باليستية، أوقعت 3 قتلى وعدداً آخر من الإصابات، ودفعت الإمارات إلى التهديد بالانتقام.
وكشفت الهجمات نقاط ضعف الإمارات وهشاشة البلاد أمنياً رغم امتلاكها أحدث الأسلحة والمنظومات الدفاعية، كما عرّض سمعتها كمركز للسياحة والأعمال والتجارة للخطر، وهي التي تقدم نفسها باعتبارها "واحة الأمن والاستقرار" في الشرق الأوسط المضطرب.
وتأتي ضربات الجماعة المدعومة من طهران في وقت تسعى فيه أبوظبي إلى توثيق العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع الجمهورية الإسلامية خشية على مصالحها التجارية ومكانتها الاقتصادية في المنطقة. فكيف تختبر الهجمات الأخيرة علاقاتها مع طهران وجهودها لتخفيف التوترات، وهل يدفع المزيد من الضغط على أبوظبي وتهديدها أمنياً إلى التقارب أكثر من إيران وتقديم تنازلات لها؟
هجمات أبوظبي تضع الإمارات في موقف صعب أمام إيران
حذر قادة الإمارات منذ سنوات من التهديد الذي تشكله الجماعات المسلحة المدعومة من إيران وخصيصاً جماعة "أنصار الله" الحوثي، وكانت تلك بالفعل أكبر مخاوفهم. لكن هذا الأسبوع كانت المرة الأولى التي تعترف فيها أبوظبي بمثل هذا الهجوم النوعي على شواطئ المركز التجاري والسياحي الرئيسي في الشرق الأوسط، والذي يعتمد على سمعة الأمن والاستقرار لجذب ملايين رجال الأعمال والعمال والسياح الوافدين إلى أبوظبي ودبي.
وأصرت الإمارات يوم الإثنين على أن الحوثيين لا يمكنهم زعزعة استقرارها. لكن الجماعة المتمردة أعقبت الهجوم بإطلاق فيديو دعائي حذر فيه زعيمهم عبدالملك الحوثي المستثمرين الأجانب من اعتبار الإمارات "دولة آمنة".
ولم يكن ليخفى على المسؤولين الإماراتيين أن محمد عبد السلام، المسؤول الحوثي البارز، كان يزور طهران في نفس يوم الهجوم، وفقاً لوسائل الإعلام الخاصة بالجماعة، وتلك بالطبع إشارة واضحة للرسالة التي أرادت طهران إيصالها لأبوظبي التي تدعم بقوة المجموعات المسلحة اليمنية التي تتقدم على الأرض وتسحب من تحت أقدام الحوثيين البساط في مواقع استراتيجية مثل شبوة ومأرب.
يقول مصدر مطلع في أبوظبي لصحيفة WSJ الأمريكية إن ما حصل ليس جيداً لتطوير العلاقة بين طهران وأبوظبي، مضيفاً أن كل الإشارات التي كان يحصل عليها الإماراتيون في الفترة الماضية من الإيرانيين هو أنهم يريدون المزيد من التواصل والمشاركة، لذا سيكون من المثير للاهتمام رؤية ما يشير إليه الإيرانيون الآن، علناً ومن خلال القنوات الدبلوماسية".
وقال المصدر إنه خلال الفترة الماضية جرت مناقشات حول "الارتقاء بالدبلوماسية إلى مستوى أعلى بين إيران والإمارات، حتى إنها شملت مقترحاً لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لأبوظبي، لكن بعد هجوم يوم الإثنين فإن الكرة في ملعب إيران".
التحولات الإماراتية بعد "التخلّي الأمريكي"
لطالما اتهم مسؤولون خليجيون وأمريكيون طهران بتدريب الحوثيين وتقديم المشورة لهم وتزويدهم بتكنولوجيا الصواريخ والطائرات بدون طيار. يطلق الحوثيون بانتظام صواريخ وطائرات مسيرة على أهداف سعودية، ولم تؤكد طهران إرسال أسلحة للحوثيين لكنها تقول إنها تدعمهم سياسياً.
وعلى الرغم من أن المحللين يناقشون مدى تأثير طهران على الحوثيين، إلا أن أبوظبي والرياض تعتبران المتمردين وكيلاً إيرانياً على غرار حزب الله الشيعي اللبناني.
كما دعمت القوتان الخليجيتان حملة "الضغط الأقصى" التي شنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على إيران في 2018 بعد انسحابه من الاتفاق النووي الذي وقعته طهران مع القوى العالمية.
لكن أبوظبي بدأت في تغيير موقعها في عام 2019 بعد تعرض العديد من الناقلات للتخريب قبالة الساحل الإماراتي وتم إلقاء اللوم على إيران في هجوم صاروخي وطائرات مسيَّرة أدى إلى توقف مؤقت عن نصف إنتاج المملكة العربية السعودية من الخام. وقال محللون إن دول الخليج لم تهتز فقط بسبب هجمات "أرامكو" تلك، بل أيضاً مما اعتبروه رد فعل فاتراً من واشنطن.
وتقول صحيفة وول ستريت جورنال إنه ينظر إلى هجمات النفط السعودية تلك على أنها نقطة تحول مركزية في تاريخ الخليج، إذ سقطت المقاييس من أعين قادة الخليج وأدركوا المدى الكامل لضآلة مساهمة الولايات المتحدة في ضمان الأمن لديهم.
وغذت تلك الحلقة إحباط الإمارات من التقلبات في السياسة الأمريكية على مدى العقد الماضي، وما تعتبره عدم القدرة على التنبؤ بالإدارات المتعاقبة في واشنطن والشعور بفك ارتباط الولايات المتحدة التدريجي عن المنطقة، كما يقول محللون للصحيفة.
يقول محللون لوكالة رويترز إن الهجوم الذي قال الحوثيون إنه شمل صواريخ وطائرات مسيرة، ربما يعزز حجة السعوديين والإماراتيين بأن النهج الأمريكي تجاه اليمن لم يتمخض سوى عن تقوية شوكة الحوثيين.
تقول مصادر إقليمية لوكالة رويترز إنه في حين أن هجوم أبوظبي لا يشكل تهديداً محدداً للأولوية الدبلوماسية الأولى للمنطقة، وهي جهود إحياء اتفاق 2015 النووي مع إيران، فقد عمق شكوك دول الخليج العربية تجاه استعداد طهران لنزع فتيل التوتر الإقليمي.
وأصدرت إيران بياناً صيغ بعناية، فقد قالت وزارة خارجيتها، الثلاثاء 18 يناير 2022، في معرض تعليقها على "أحدث التطورات المتعلقة باليمن" إن الهجمات العسكرية ليست حلاً للأزمة في المنطقة.
فيما قال مسؤول إيراني كبير، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لرويترز: "الهجمات لن تؤثر على المحادثات النووية في فيينا مع الولايات المتحدة. هاتان قضيتان منفصلتان، ما حدث يوم الإثنين كان نتيجة للأزمة الدائرة في اليمن".
هشاشة التقارب الإماراتي- الإيراني
بعد فوز الرئيس جو بايدن في انتخابات عام 2020، وتأثيره على ديناميكيات الشرق الأوسط في وقت كانت فيه دول الخليج تتصارع مع جائحة كورونا، أعادت أبوظبي سياستها الخارجية، وصعّدت من الدبلوماسية الاقتصادية.
وكانت إيران محور التحول، مع زيارات رسمية رفيعة المستوى وزيادة في التجارة بين الشريكين التجاريين التاريخيين. ويقول محللون إن الإمارات سحبت بالفعل معظم قواتها من اليمن في عام 2019، قائلة إنها حققت أهدافاً رئيسية، ولكن أيضاً في محاولة للحد من التوترات مع إيران.
لكن في الأسابيع الأخيرة، انضمت الميليشيات اليمنية المدعومة من الإمارات إلى قوات التحالف التي تقودها السعودية للسيطرة على المناطق التي كانت بيد الحوثيين.
وقال الحوثيون إنهم نفذوا هجوم يوم الإثنين بسبب "العبث" الإماراتي باليمن. يقول الخبراء إنه إذا كان ذلك عملاً من جانب واحد من قِبل الحوثيين، فمن المرجح أن يرى المسؤولون الإماراتيون ظل إيران.
في الشهر الماضي، قال أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات العربية المتحدة، في ندوة عبر الإنترنت، إن بعض الجهات الفاعلة المدعومة من إيران تشكل "تهديداً حقيقياً" للأمن الإقليمي. لكنه أضاف أنه "على الرغم من وجود خلافات بين الإمارات وإيران، فإن بلاده تقر بضرورة التعامل مع الجمهورية الإسلامية من خلال الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي لإدارة هذه الأزمات".
لكن هجوم يوم الإثنين سلط الضوء على هشاشة التقارب بين إيران والإمارات، ونقاط الضعف لدى الأخيرة، وفي نفس الوقت قد يجعل التواصل أو التقارب أكثر صعوبة.