تردد مصطلح "ألوية العمالقة" في الأخبار الخاصة بالقصف الذي تعرض له مطار أبوظبي الدولي ومنطقة مصفح الصناعية، بطائرات مسيَّرة أطلقها الحوثيون رداً على ما قالوا إنه تصعيد إماراتي ضدهم في اليمن، فمن هم "العمالقة"؟
كانت جماعة الحوثي اليمنية، المتحالفة مع إيران، قالت الإثنين 17 يناير/كانون الثاني، إنها شنت هجوماً على الإمارات العربية المتحدة باستخدام طائرات مسيرة استهدفت مطار أبوظبي الدولي ومنطقة مصفح الصناعية في العاصمة الإماراتية، مما أدى إلى مقتل 3 أشخاص وإصابة ستة آخرين.
بينما وصفت الجماعة الشيعية ما حدث بأنه "الهجوم الأول الذي ستتبعه هجمات أخرى" ما لم توقف أبوظبي تصعيدها باليمن، في إشارة إلى مشاركة "ألوية العمالقة" المدعومة إماراتياً، في معارك شبوة ومأرب باليمن ضد قوات الحوثيين.
ألوية العمالقة.. النشأة والتأسيس
تعود نشأة وتأسيس لواء العمالقة بالجيش اليمني إلى عام 1971، في أثناء رئاسة القاضي عبد الرحمن الإرياني للجمهورية اليمنية. وكان المقدم عبد الله الحمدي أول قائد للواء العمالقة، الذي ضم تشكيلات متنوعة من الجيش اليمني في ذلك الوقت.
وتطورت إمكانات اللواء في أثناء فترة حكم الرئيس اليمني الراحل إبراهيم الحمدي، الذي تعرض للاغتيال بعد ثلاث سنوات من توليه الحكم مع شقيقه قائد قوات العمالقة عبد الله الحمدي، بعدما كان اللواء قد أصبح بمثابة أقوى قوة ضاربة في الجيش اليمني.
وكان لواء العمالقة يتكون في حقيقة الأمر من مجموعة متنوعة من الأسلحة والأفرع الرئيسية للجيش، منها قوات الصاعقة والمظلات والمغاوير، وكان "اللواء العشرون" هو أبرز ألوية العمالقة وكان يرأسه عبد الله الحمدي قبل تعيينه قائداً عاماً لألوية العمالقة ككل.
وحرص الرئيس الراحل علي عبد الله صالح على إبعاد "العمالقة" عن العاصمة صنعاء، خصوصاً بعد أن قامت تلك القوات بتمرد واجتاحت بعض المناطق ومنها العاصمة صنعاء، موجهةً اتهامات للقيادة الجديدة للبلاد بتدبير عملية اغتيال الرئيس الحمدي وأخيه قائد ألوية العمالقة. لكن تمت تسوية عسكرية وأخمدت عمليات التمرد.
وعلى مدى سنوات ظل المقر الرئيسي للواء العمالقة في محافظة ذمار جنوب العاصمة صنعاء ثم تم نقله إلى محافظة البيضاء. وفي أثناء حرب 1994 بين شمال وجنوب اليمن، تولى "العمالقة" مهام أكبر العمليات العسكرية من خلال القتال في الجبهة الشرقية لمحافظة عدن، إذ دارت أعنف معارك تلك الحرب بمحافظة أبين مع "لواء العمالقة"، واستطاع السيطرة على محافظة أبين واقتحام عدن من الجهة الشرقية، وسيطر على مطار عدن لتسقط بقية مناطق الجنوب في أيدي قوات الشمال.
أصبحت قوة "اللواء" ضاربة بعد تحقيقه تلك الانتصارات في الجنوب، ما جعل علي عبد الله صالح يخشى قوة تلك الألوية، فقرّر نقلها من البيضاء وأبين إلى شمال اليمن، وتحديداً إلى حرف سفيان، ثم أدخلها في حروب طاحنة مع الحوثيين تميّز فيها "العمالقة" بالقوة والحزم، حيال تلك التمردات، غير أن التسويات السياسية التي كانت تتم مع الحوثيين أضعفت الموقف العسكري للجيش خلال الحروب الست، بحسب تقرير لموقع صحيفة العربي الجديد.
ألوية العمالقة.. فترة التهميش والتراجع
ويبدو أنَّ تعامل الرئيس الراحل مع ألوية العمالقة أو "اللواء" كما كان يُعرف وقتها، قد أدى بالفعل إلى إنهاك وتفكيك تلك الألوية ولم يتبقَّ منها سوى اللواء 29 ميكانيكي. وفي عام 2011، أعلن قائد "اللواء" وقتها، علي الجائفي، وقوفه إلى جانب الثورة الشبابية السلمية عام 2011، لكنه أبقى اللواء على الحياد ولم يُدخله في أية مواجهات مع أي من التشكيلات العسكرية الأخرى.
وكان الجائفي، الذي عيَّنه الرئيس عبد ربه منصور هادي قائداً لقوات الحرس الجمهوري التي غيّر اسمها إلى قوات الاحتياط، قد لقي مصرعه عام 2016 في غارة جوية للتحالف بقيادة السعودية، حسب رواية الحوثيين، بينما تقول رواية أخرى مصدرها أطراف يمنية، إنه تمت تصفيته من جانب الحوثيين، لأنه لم يكن على وفاق معهم.
على أية حال، كان الجائفي آخر قادة لواء العمالقة قبل انقلاب الحوثي عام 2014، يعتبر أقرب إلى اللواء علي محسن الأحمر الذي يشغل حالياً منصب نائب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
وكانت الحرب في اليمن قد بدأت مع انقلاب جماعة أنصار الله (الحوثيين) على الحكومة اليمنية في سبتمبر/أيلول 2014، ثم قادت السعودية والإمارات تحالفاً لدعم الشرعية في اليمن منذ مارس/آذار 2015، بهدف القضاء على الحوثيين وإعادة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى الحكم.
لكن الحرب، التي تقترب من نهاية عامها السابع، قد تسببت في نزوح ما يزيد على أربعة ملايين شخص، فيما يعتمد نحو ثلثي سكان اليمن، أي أكثر من 20 مليون نسمة، على المساعدات الإنسانية العاجلة، منهم نحو خمسة ملايين يعانون من مجاعة، إضافة إلى مقتل نحو 13 ألف مدني وإصابة 112 ألفاً آخرين، تقول منظمات حقوقية دولية إنهم ليسوا طرفاً في الحرب.
"العمالقة".. إعادة التسليح بأموال ودعم الإمارات
عندما نجحت قوات التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات في تحرير مدينة عدن من قبضة الحوثيين في أواخر عام 2015، وقعت حالة من الفراغ الأمني في المدينة بعد أن انهارت التشكيلات الأمنية والعسكرية التي كانت تحميها وتديرها.
وشكلت الإمارات في ذلك الوقت قوات الحزام الأمني، والتي كانت في البداية عبارة عن لجان محلية من نشطاء ومقاومين من اتجاهات متعددة، بهدف حماية عدن عاصمة الجنوب اليمني وتوفير الحد الأدنى من الاستقرار فيها.
وفي غمرة الفراغ والتدافع الأمني وتشتت المقاومة الشعبية الجنوبية وتوزع قوى المقاومة على جبهات عدة وفي اتجاهات مختلفة، تأسس "الحزام الأمني" في عدن ومحيطها جنوباً متألفاً في البداية من لواءين عسكريين، تم تجهيز بعض أفرادهما في دولة الإمارات التي حرصت منذ البداية على اعتماد أسس خاصة في تشكيل هذه القوة، وجعلتها ترتبط بها أكثر مما ترتبط بمؤسسات وأجهزة الدولة الرسمية.
وفي البداية وصل عدد أفراد قوات الحزام الأمني إلى أكثر من عشرة آلاف جندي، قبل أن تتوسع لاحقاً وتضم قيادات وعناصر عسكرية بعضها من النشطاء الجنوبيين وبعضها من عناصر الأمن السابقة، ليرتفع عددها إلى أكثر من 90 ألفاً. ورغم أنها انطلقت بداية في عدن، فقد توسعت لاحقاً إلى مدن ومحافظات أخرى من بينها لحج، إذ عملت الإمارات على نقل التجربة وتثبيتها في جميع المحافظات الجنوبية باليمن.
وأصبحت "ألوية العمالقة" النواة الصلبة لقوات الحزام الأمني، والتي تلعب دور الجناح العسكري للمجلس الانتقالي الجنوبي الساعي إلى انفصال جنوب اليمن عن شماله، والذي يحظى أيضاً بدعم الإمارات. وهكذا أصبحت ألوية العمالقة رمزاً للقوات الجنوبية المدعومة من الإمارات، بعد أن كانت قد تأسست في الشمال أساساً وشاركت في إجهاض انفصال الجنوب مطلع تسعينات القرن الماضي.
وحالياً تتكون ألوية العمالقة من 12 لواء وقوامها نحو 30 ألف مقاتل تلقوا تدريباً عالي المستوى ومسلحون بأحدث الأسلحة والمعدات العسكرية التي توفرها لهم الإمارات.
المشاركة في معارك شبوة ومأرب
وهكذا أصبحت ألوية العمالقة السبب المباشر الذي ساقه الحوثيون وراء "قصف" العمق الإماراتي وإطلاق مسيرات مفخخة نحو مطار أبوظبي الدولي ومنطقة مصفح الصناعية في العاصمة الإماراتية، مما أدى إلى تفجيرات في صهاريج للوقود ومقتل 3 أشخاص وإصابة 6 آخرين.
فخلال الأسابيع القليلة الماضية، شاركت ألوية العمالقة في المعارك ضد الحوثيين في محافظة شبوة وسيطرت الألوية الجنوبية على المحافظة بالكامل. وتمكنت الألوية الجنوبية خلال فترة وجيزة من استعادة السيطرة على محافظة شبوة وهي وأحدة من أهم المحافظات النفطية والثالثة من حيث المساحة باليمن، من قبضة الحوثيين بعملية عسكرية واسعة سُميت "إعصار الجنوب".
وقبل أيام قليلة أشاد التحالف العربي بقيادة السعودية بالانتصارات التي حققتها قوات "ألوية العمالقة" في محافظة شبوة جنوب اليمن، واصفاً إياها "بالبطولات"، وقال التحالف في بيان نشرته وكالة "واس" السعودية: "نثمن بطولات ألوية العمالقة ودعم الأشقاء بدولة الإمارات لحرية اليمن السعيد".
كما أشار التحالف إلى وجود تقدمات "نوعية" لألوية اليمن السعيد بالجبهات الشمالية وجبهة مأرب، لافتاً إلى "التحام ألوية في الجيش اليمني بألوية العمالقة بجبهة مأرب الجنوبية".
وفي المقابل، كانت قوات الحوثي تقول إنها تصدت لزحف من تصفهم "بمرتزقة ودواعش الإمارات"، في إشارة إلى "ألوية العمالقة"، وقال المتحدث باسم تلك القوات العميد يحيى سريع، إن الزحف كان باتجاه مديريات حريب وعين (مأرب)، وأشار إلى أن الزحف لم يحرز "أي تقدم رغم الغطاء الجوي المكثف بأكثر من 24 غارة جوية".
وهذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها العمق الإماراتي لهجمات الحوثيين منذ بدء الإمارات انسحابها من الحرب في اليمن، قبل أكثر من عامين. وقال محمد البخيتي عضو المكتب السياسي في جماعة أنصار الله الحوثية لقناة الجزيرة إن "الإمارات كانت لديها رغبة في الانسحاب من اليمن ووفرنا لهم الانسحاب الآمن وحفظ ماء الوجه بالفعل، لكنهم عادوا للتصعيد وتكثيف عدوانهم علينا، فكان هذا بداية الرد من جانبنا".