مع استمرار الأزمة التونسية، تتصاعد التوترات والانقسامات في البلاد، فيما يزداد التدخل الإقليمي والدولي في شؤونها، خاصة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية. وفي ظل هذا الاستقطاب يظهر من يدعم الرئيس قيس سعيد (خارجياً كدول إقليمية اقتصادياً وسياسياً)، وداخلياً كقوى سياسية ومن يعارض إجراءاته.
وكان سعيّد قد قرر فجأة، يوم 25 يوليو/تموز الماضي، إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، متولياً بنفسه السلطة التنفيذية بالمخالفة للدستور التونسي بمعاونة حكومة قال إنه سيعيّن رئيسها، كما قرر تجميد اختصاصات البرلمان لمدة 30 يوماً، ورفع الحصانة عن النواب، وقرر ترؤس النيابة العامة بنفسه، ولاحقاً أصدر أوامر بإقالة مسؤولين وتعيين آخرين.
ثم قرر سعيّد تمديد تجميد عمل البرلمان لأجل غير مسمى، وعقب ذلك، أعلن عن نيته إجراء انتخابات برلمانية جديدة مع إجراء ما سماه استشارة إلكترونية لصياغة دستور جديد.
من يقف مع سعيّد ومن ضده داخل تونس؟
داخلياً، يلاحَظ أن هناك تحوُّلاً نسبياً من قِبل القوى السياسية تجاه إجراءات سعيّد الاستثنائية، من تأييدها أو إبداء تفهُّم لها إلى رفضها، بل التظاهر ضدها، كما بدا واضحاً في الذكرى الـ11 لثورة 2011 في 14 يناير/كانون الثاني 2022.
في 22 سبتمبر/أيلول 2021، أيدت العديد من الأحزاب إجراءات سعيّد.
لكن مع التاريخ الثاني، الموافق للذكرى الحادية عشرة لثورة 2011، شاركت معظم هذه القوى في احتجاجات رافضة لتوسُّع سعيّد في إجراءاته الاستثنائية، مما عزز صلاحيات الرئاسة على حساب البرلمان والحكومة.
في الساعات التالية لإعلان سعيّد إجراءاته الاستثنائية، تباينت مواقف الأحزاب السياسية، سواءً ممثلة أم غير ممثلة برلمانياً، بين رافض لها تماماً، ومؤيد بلا شروط، ومساند بحذر وشروط محددة.
فلقد أعلنت خمسة أحزاب آنذاك تأييدها لإجراءات سعيد، هي "الحزب الدستوري الحر" (17 نائباً من 217)، الذي طرحت رئيسته عبير موسي نفسها وحزبها كبديل ومعارض صريح للائتلاف الحاكم قبل 25 يوليو/تموز، ويُنظر إلى عبير موسى على أنها مدعومة من الإمارات وتمثل فلول النظام الحاكم الأكثر معارضة للثورة التونسية.
كما أعلنت "حركة الشعب "(وهو حزب ناصري له 15 نائباً)، وحركة "الرّاية الوطنية" (نائب واحد)، وحزب "آفاق تونس" (نائبان)، تأييدها لسعيّد وحمَّلت مسؤولية "تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتنامي الاحتقان الشعبي" لحركة النّهضة (الكتلة البرلمانية الأكبر بـ53 نائباً) وحلفائها.
في المقابل، رفضت "النهضة"، وهي أبرز المعارضين لإجراءات سعيد، تحميلها منفردةً مسؤولية ما آلت إليه أوضاع البلاد، وقالت إنها تتحمل فقط المسؤولية بقدر مشاركتها في السلطة مع قوى أخرى عديدة.
أما خامس الأحزاب المؤيدة لإجراءات سعيد، فهو "التيار الديمقراطي" (وهو حزب يسار وسط، له 22 نائباً بالبرلمان)، حيث رفضها في ليلة صدورها، لكن بعد يومين أعرب عن "تفهمه" لها.
فيما "رحبت" قوى أخرى بإنهاء ما قالت إنها سلطة منظومة سياسية فشلت في قيادة البلاد لسنوات، وهذه القوى هي: "حركة تونس إلى الإمام" (يسارية) و"التيار الشعبي"(ناصري) و"حركة البعث" و"الحزب الوطني الديمقراطي الاشتراكي" (يسار)، وجميعها غير ممثلة برلمانياً، بجانب الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية ويسيطر عليها اليسار).
بينما لم تعلن أحزاب أخرى كثيرة مواقف واضحة، واختارت التأني وإعلان مساندة لإجراءات سعيد مشروطة بتوضيح أفكاره والنّهج الذي سيسير فيه والضمانات المتصلة بالحقوق والحريات ومحاسبة من أخطأ وتحقيق العدالة.
ومن أبرز هذه الأحزاب: "تحيا تونس" (14 نائباً) و"البديل التونسي" (3 نواب) وحركة "مشروع تونس" (3 نواب)، ودعت جميعها إلى وضع خارطة طريق والبدء بإصلاح المنظومة السّياسية.
واللافت في الأزمة التونسية أن أغلب مؤيدي إجراءات سعيد في البداية من الأحزاب القومية واليسارية، ويبدو أن سبب ذلك هو عداؤها للإسلاميين وأنها ظنت (كما ظن اليساريون والليبراليون في مصر عندما أطيح بالرئيس المنتخب محمد مرسي) أن قيس سعيد سوف يطيح بـ"النهضة" ويترك لهم حرية العمل السياسي.
بينما وقفت الأحزاب التي يمكن وصفها بالليبرالية أو التي تعتبر محسوبة على معتدلي النظام السابق، موقف الحياد.
رقعة المعارضة تزداد بعد توسيع قيس سعيد لإجراءاته
في 22 سبتمبر/أيلول 2021، أعلن سعيّد إجراءات استثنائية جديدة وردت في المرسوم الـ117، وتتمثل في إلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وأن يتولى بنفسه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة؛ مما دفع أحزاباً عديدة مساندة له إلى التراجع عن موقفها.
ودعت هذه الأحزاب إلى احتجاجات وتشكيل جبهات حزبية، ومنها "تنسيقية القوى الديمقراطية"، التي أعلنتها أربعة أحزاب هي: "التيار الديمقراطي" و"آفاق تونس" و"الجمهوري" و"التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" (غير ممثلين برلمانياً).
كما اختار "الحزب الدستوري الحر"، بعد 22 سبتمبر/أيلول، التموقع في المعارضة، وشددت رئيسته عبير موسى على رفضها "الديكتاتورية والحكم الفردي المطلق".
وجددت موسى، عبر مقاطع مصورة، انتقادها ما قالت إنه عدم اتخاذ سعيّد إجراءات قوية ضد حركة "النهضة"، التي تعتبرها عدوها.
إلا أن "الحزب الدستوري الحر" لم يشارك حتى الآن في احتجاجات ميدانية ضد إجراءات سعيد.
ولعل التغيير الأكثر تجلياً جاء من جانب الاتحاد العام التونسي للشغل، إذ أعلن في البداية "تفهمه" لإجراءات سعيد، معتبراً أنها "جاءت تلبيةً لرغبة شعبية".
لكن في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، قالت قيادات بالاتحاد إنه لا يمكن الذهاب "مع من يريد الانفراد بالسلطة والذهاب نحو المجهول (تقصد سعيد)".
والسبت، التقى الرئيس التونسي مع الأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي، في حدث وصفه سعيّد بـ"لقاء الود بعد التنائي".
في ذكرى الثورة.. الاحتجاجات تنتقل إلى الشارع
قبل أيام من 14 يناير/كانون الثاني 2022، دعت أحزاب عديدةٌ التونسيين إلى الخروج إلى الشوارع، لاسيما شارع "الحبيب بورقيبة" وسط تونس العاصمة؛ احتفالاً بالذكرى الـ11 للثورة ورفضاً لإجراءات سعيد.
هذه الدعوات مثلت تحدياً لسعيد، الذي غَّير، أوائل ديسمبر/كانون الأول الماضي، تاريخ الاحتفال بالثورة إلى 17 ديسمبر/كانون الأول، ورفضاً لقرار حكومي بمنع التظاهرات بداية من 13 يناير/كانون الثاني ولمدة أسبوعين، ضمن تدابير التصدي لجائحة "كورونا".
وبالفعل، تظاهرت في العاصمة أحزاب "تنسيقية القوى الديمقراطية"، إضافة إلى أحزاب وشخصيات أخرى رافضة منذ البداية لإجراءات سعيد.
ومنعت قوات الأمن، في 14 يناير/كانون الثاني، المتظاهرين من الوصول إلى شارع "الحبيب بورقيبة"، واستخدمت قنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريقهم، بحجة منع التظاهر، وهو ما اعتبرته منظمات حقوقية "استعمالاً مفرطاً للقوة من النظام ضد معارضيه".
ومن الواضح أن أغلب تغيرات معظم مواقف القوى السياسية التونسية من إجراءات سعيد، لأنها انتبهت إلى الحقيقة التي اكتشفتها القوى السياسية المصرية متأخراً، وهي أن الانقلابات لا تنتهي بالإطاحة بالإسلاميين؛ لكنها تبدأ بهم ثم سرعان ما تنتقل لكافة نواحي الحياة السياسية، بل حتى الحريات الشخصية، وأن لا مكان لأي من الأحزاب السياسية أو النقابات في فكر الرئيس قيس سعيّد الذي كان منذ حملته الانتخابية يطالب بنظام سياسي قائم على العلاقة بين الرئيس أو الشعب مباشرة، تماماً كما حوَّل نابليون بونابرت الثورة الفرنسية التي طالبت بالحرية والمساواة إلى نظام سياسي يفرض فيه الحاكم أفكاره عبر إجراءات صورية.
أي القوى الدولية والإقليمية التي تؤيد إجراءات سعيد ومن يرفضها؟
مساعدات الدول العربية تنهال بالتزامن مع إجراءات سعيد
سارعت الدول العربية لتقديم مساعدات لتونس خلال ذروة أزمة جائحة كورونا، وكان واضحاً أن أغلب الدول العربية حرصت على تقديم المساعدات عبر الرئيس قيس سعيد، كما كان لافتاً أن المساعدات زادت بسرعة بعد عزل سعيّد لرئيس الحكومة وتجميد البرلمان.
وأبرز الدول التي قدمت مساعدات صحية لتونس، هي الإمارات والسعودية ومصر والجزائر والمغرب والأردن، والكويت، وقطر.
أما المساعدة المالية النقدية، فجاءت بالأساس من الجزائر، التي أعلنت عن تقديمها قرضاً مالياً بقيمة 300 مليون دولار، إلى تونس وذلك قبل يوم من زيارة الرئيس عبد المجيد تبون لتونس في الـ15 ديسمبر/كانون الأول 2021.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، كشف مسؤول بالبنك المركزي التونسي أن بلاده تجري مفاوضات، مع كل من الإمارات والسعودية؛ من أجل ايجاد تمويلات اضافية لموازنتها المالية.
يتهم معارضو قيس سعيد، ومنهم رئيس البرلمان راشد الغنوشي، والرئيس السابق منصف المرزوقي، مصر والإمارات بأنهما ساعدتا قيس سعيّد على تنفيذ انقلابه، وبينما يندر أن يأتي ذكر السعودية في الأمر، فإنه لا يمكن إغفال قلق المملكة الفطري من الديمقراطية وعدائها المستجد بعد الربيع العربي للتيار الإسلامي المعتدل، وهو أمر ظهر في تدفق المساعدات السعودية وإعلان المملكة تأييدها لإجراءات سعيد.
المفارقة أن من الواضح أنه رغم خلافات الجزائر التقليدية مع مصر والإمارات في العديد من الملفات ومنها ملف التطبيع، والوضع في ليبيا، فإن الجانبين حريصان على عدم نجاح التجربة الديمقراطية في تونس، ولكن قد يكون الفرق أن القاهرة وأبوظبي تريدان انقلاباً دموياً يُقصي الإسلاميين ويضعهم بالسجون على غرار ما حدث في مصر، بينما تفضّل الجزائر نموذجها القائم على إضعاف الإسلاميين وإبقائهم في خانة المعارضة السياسية الضعيفة.
غير أن اللافت أنه باستثناء المساعدات الجزائرية، لم يُعلَن عن مساعدات مالية كبيرة من أي من دول الخليج لتونس، وهو ما قد يثير تساؤل: هل فرضت بعض دول الخليج شروطاً قاسية على سعيّد فيما يتعلق بخطواته لقمع الديمقراطية، أم أن هناك سبباً آخر يمنع تدفق المساعدات النقدية على تونس كما حدث لمصر بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي عام 2013.
ولكن هناك من يعارض انقلاب سعيّد؟
من الواضح أن أهم بلدين يرفضان أو يتحفظان على إجراءات سعيد، هما قطر وتركيا، عبَّرت الدوحة عن رؤيتها بطريقة دبلوماسية تخلو من الانتقاد الحاد.
ففي اتصال هاتفي في يوليو/تموز 2022، بين أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، والرئيس التونسي قيس سعيد، عقب إعلان الأخير عن عزل رئيس الوزراء وتجميد البرلمان، دعا أمير قطر إلى ضرورة تجاوز الأزمة السياسية في البلاد، وأهمية أن تنتهج الأطراف التونسية طريق الحوار لتجاوزها وتثبيت دعائم دولة المؤسسات وتكريس حكم القانون.
من جانبه، أعرب الرئيس التونسي خلال الاتصال، عن شكره وتقديره لدعم قطر "تطلعات الشعب التونسي ووقوفها الدائم إلى جانب تونس".
في المقابل، جاء موقف تركيا أشد من حيث النبرة، حيث أبدت وزارة الخارجية التركية قلقها "العميق" من تجميد عمل البرلمان في تونس، وأعربت عن أملها في "إعادة إرساء الشرعية الديمقراطية" سريعاً بالبلاد.
بينما علَّق ياسين أقطاي، نائب الرئيس التركي، على إجراءات سعيّد، بالقول إن "قوى الشر العربية والغربية أبت إلا أن تتآمر"، على حد تعبيره.
وأضاف: "إن ما يجري في تونس هو محاولة إجهاض لتجربة ديمقراطية وليدة استبشرت بها الشعوب العربية خيراً، ولكن قوى الشر العربية والغربية أبت إلا أن تتآمر على إرادة الشعب التونسي، وللأسف وجدت في السلطة من يساعدها على ذلك".
سر الموقف الأوروبي الغامض من الأزمة التونسية
أعرب الاتحاد الأوروبي عن عدم موافقته على إجراءات قيس سعيد، حيث سبق أن أعرب منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، عن مخاوف الكتلة بشأن تراجع الديمقراطية بتونس، في لقاء مباشر مع قيس سعيّد، داعياً إلى العودة للديمقراطية.
لكن الاتحاد الأوروبي كان حذراً في استجابته السياسية، ولم تتصرف الدول الأعضاء في الاتحاد بطريقة موحدة، حيث يتصاعد الانتقاد الأوروبي لتراجع الديمقراطية في تونس، لكن دون تأثير ملحوظ حتى الآن، حسبما ورد في تقرير لمركز كارنيغي "carnegie" الأمريكي.
وكانت ردود فعل الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه على "شبه الانقلاب" الذي نفذه سعيّد في يوليو/تموز 2021 فاترة، وأحجم الاتحاد الأوروبي عن وصف الاستيلاء على السلطة بانقلاب، أو انتقاد هذه الخطوة بشكل حازم.
وتزامن استيلاء سعيد على السلطة هذا الصيف مع وصول جرعات اللقاح التي تشتد الحاجة إليها وغيرها من المساعدات الطبية التي زادت من شعبيته، واعتبره العديد من التونسيين مُنقذ البلاد. علاوة على ذلك، فإن الظروف الاقتصادية السيئة التي مرت بها تونس خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وآلة الدعاية الخاصة بالرئيس، جعلتا حكام البلاد السابقين يبدون كأنهم مصدر كل مشاكل البلاد. كان من الممكن أن تكون أي إدانة أوروبية لسعيد بمثابة دعم لحزب النهضة، أكبر حزب في البرلمان المجمد بالبلاد.
ويتهم تقرير مركز كارنيغي "carnegie" الاتحاد الأوروبي بأن له دوراً في تدهور التجربة الديمقراطية بتونس، عبر تقاعسه عن دعمها، وهو ما بدا واضحاً، خلال ذروة الجائحة بين يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2021 ، حيث توفي آلاف التونسيين، واقترب نظام الرعاية الصحية في البلاد من حافة الانهيار. وكانت البلاد تفتقر إلى كل شيء من الأقنعة وخزانات الأوكسجين وإلى مجموعات اللقاحات. بينما كانت تونس تغرق، نظر العديد من القادة الأوروبيين بعيداً، جاءت كثير من المساعدات السريعة والفورية من الدول العربية أولاً، وليس من الأوروبيين، على الرغم من أن فرنسا أرسلت بعض المساعدات في هذا الوقت تقريباً. ولكن بعد أن تعهدت السعودية والإمارات ومصر بتقديم مساعدات طارئة.
ويرى التقرير أنَّ تباطؤ الاتحاد الأوروبي في العمل خلال أسابيع الصيف المصيرية، كانت له عواقب وخيمة على نفوذه الدبلوماسي في تونس.
ومن الواضح أن جزءاً من غياب سياسة واضحة تجاه تونس نتيجة خلاف بين أعضائه حول الأزمة التونسية، فالاتحاد الأوروبي يقدّم نفسه باعتباره حامي الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، ولكن واقعياً، الأمر يخضع للمساومات الداخلية، فبينما يتحرج الاتحاد الأوروبي من تأييد إجراءات سعيد، فإن موقفه الضعيف قد يعبّر عن تأييد ضمني من فرنسا حليفة الإمارات ومصر، لإجراءات الرئيس التونسي الذي سبق أن غازل الاستعمار الفرنسي لبلاده.
ومن ثم فإن فرنسا على الأغلب، تمنع أي إجراءات أوروبية تجاه تونس، وتكتفي بموقف شفهي ضعيف لذرِّ الرماد في العيون، رغم أنه لا يمكن استبعاد دور أوروبي في تأخُّر وصول مساعدات صندوق النقد الدولي لتونس.
كما يؤشر غياب دور أو موقف فرنسي واضح لحل الأزمة على رضا باريس عن إجراءات سعيد، لأنها قد تتحرج عن تأييد انقلابه علناً، ولكن عدم اتخاذ موقف منه أو محاولة التوصل للتسوية، يشير إلى أن ما يحدث يأتي على هوى باريس، التي أصبحت في سياستها تسير على خطى السعودية والإمارات ومصر في معاداة التيار الإسلامي المعتدل الذي تمثله "النهضة" في تونس.
الموقف الأمريكي أكثر نشاطاً ولوَّح بالعقوبات، ولكن بلا جدوى
الموقف الأمريكي يبدو شبيهاً بالموقف الأوروبي، انتقاد خفيف لإجراءات سعيّد دون عقوبات أو تحذيرات، وإن كان الأمريكيون أكثر محاولة لحل الأزمة التونسية.
وسبق أن أفاد مصدر مطلع لـ"عربي بوست"، بأن واشنطن لوَّحت بفرض عقوبات على تونس في حال تعنُّت قيس سعيد وإصراره على تنفيذ مشروعه، وأنها ستكون تدريجية وتصاعدية ضد شخصيات أمنية وعسكرية.
ولكن عندما أعلن سعيّد مؤخراً، عن نيّته إجراء انتخابات برلمانية وتنظيم استشارة إلكترونية لصياغة دستور جديد، رحبت واشنطن رحبت بهذه المبادرة بحذر، رغم أنها تفتقد الحد الأدنى من شروط الديمقراطية، كما أنها قوبلت برفض من كافة القوى السياسية في البلاد، ويؤشر ذلك إلى أن واشنطن تريد عودة شكلية للحكم الدستوري أكثر من حرصها على ديمقراطية حقيقية.
ومن الواضح أن الأمريكيين حريصون على عدم الدخول في مواجهة مع قيس سعيد؛ نظراً إلى أن تونس تستضيف قيادة القوات الأمريكية في إفريقيا "إفريكوم"، وهي مهمة للحرب على الإرهاب ومراقبة تطورات الوضع في ليبيا.
من الواضح أن المواقف الأوروبية والأمريكية تحاول إعادة المسار الديمقراطي لتونس، لكن ضعفها في الضغط على سعيّد يترك المجال له للنجاح، مع رفع الحرج عن نفسها عبر العتاب الخفيف للرئيس التونسي، كما أنها تتيح الفرصة للقوى المعادية للديمقراطية مثل مصر والإمارات والسعودية والجزائر، لتعزيز نفوذها في تونس ودعم إجراءات سعيد.